مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلامية ما بين القصور السياسي والنزوع الإجرامي: محاولة إغتيال مبارك نموذجا!!
نشر في الراكوبة يوم 04 - 01 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالله مكاوي
(منصلبطين عرق النبي وبالنار بتلعبو ياعوين؟) حميد.
(إنهم يفوقون سوء الظن العريض وكلما أسأت الظن بالإخوان المسلمين تجد أنك تحسن الظن بهم) الشهيد محمود.
بعد أن تكشفت أسباب رفض إستقالة وزيرة الدولة بوزارة العدل، السيدة تهاني تور الدبة، المتورطة في تجاوزات عدلية تتنافي مع وظيفتها العامة، وذلك بعد القبض علي إبنها متلبسا بجرم حيازة مخدرات داخل عربة تابعة لوزراة العدل، وإطلاق سراحه بتوجيه من والدته! أي مستفيدة من منصبها الوزاري ومستغلة نفوذها السياسي، لإنتهاك حرمة القانون والتحايُّل علي الضوابط الإجرائية، لدرء فضائح أسرية! مما يعني أن وزارة العدل وغيرها من الوزارات، تحولت الي محميات خاصة أو شأن عائلي خاص بالوزير/ة! في الوقت الذي تسمح فيه حصانة المنصب، بتمرير كل الصفقات المشبوهة والممارسات غير القانونية. الشي الذي حوًّل المناصب الدستورية الي أوكار للجريمة، كالتهرب الضريبي ورفض المراجعة وتهريب المخدرات وغسيل الأموال والتعدي علي القانون! مع منح أصحابها صك المسامحة والتحلل والإفلات من العقاب، او إعطاءهم إستراحة محارب ومن ثم الإنتقال لمنصب آخر، أو رفض الإستقالة الشكلية، فيما لو ثبت تورطهم بالدليل الدامغ في رابعة النهار. المهم، إتضح أن تلك الأسباب وثيقة الصلة بحادث إغتيال زوجها، إبان المحاولة الفاشلة لإغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك. وعطفا علي ماسبق ذكره، فقد تم إفتضاح جزء كبير من تفاصيل تلك المحاولة الفاشلة، وما أعقبها من إغتيالات مجانية طالت كل العناصر الوسيطة المشاركة في تنفيذ تلك العملية الفاشلة، بغرض تغييب الحقائق ونفي التهم وطمس الأدلة، التي تدين القيادات المدبرة لتلك الجريمة. وهو ما يميط اللثام بدوره عن طبيعة ما يسمي بالحركة الإسلامية، سواء في تشكيلتها المدنية او تركيبتها العسكرية! وكذلك أساليب عملها ومنطلقاتها الفكرية! فوق أنها تكشف جزء بسيط عن كمية الخفايا والجرائم والإغتيالات والتجاوزات، التي إرتكبتها هذه الجماعة (الطاهرة!) وأعضاءها (الأتقياء!) في حق الوطن وحقوق المواطنين.
وأول ما يلاحظ علي ما ذكر إعلاه، هو أن متلازمات العنف/الإرهاب والإجرام/الفساد، ليست وسائل إضطرارية تلجأ إليها الجماعة عند الضرورات، من أجل تنفيذ غاياتها السامية! ولكنها مكون أصيل، سواء في بنيتها التنظيمية او منطلقاتها الفكرية او مرجعيتها العقدية، وينعكس كل ذلك علي السلوك الذي يتصف به أعضاءها! أي هي سلوكيات وممارسات تجد التبرير او الإستجابة او التمثُل من جانب الأعضاء! بمعني آخر، أعضاء الجماعة مسبقا لهم القابلية للعنف والفساد، كجزء من التركيبة النفسية والأبعاد الإجتماعية والتكوين الثقافي، وكل ما فعلته الجماعة أنها وفرت لهم البيئة المُنشطة، وملَّكتهم الوسائل والأدوات للتعبير عن الذات المأزومة! وإلا لتركوا الجماعة لغيرها من التنظيمات والإهتمامات، وهي بكل هذا التشوه والإنحرافات! أي بقدر ما تعبر الجماعة عن الفكرة او القضية او المنهج المتبع..الخ، بقدر ما تعكس طبيعة أعضاءها، والعكس صحيح!
أي هما وجهان لعملة واحدة. أي الأعضاء وتوجهاتهم وممارساتهم، تجسيَّد للمجردات الفكرية والمنهجية علي أرض الواقع او محك الإختبار. لأنه إذا عجز الأعضاء ومتبني الفكرة المعيَّنة عن عكسها او تطبيقها علي أرض الواقع(أي صعوباته او معيقاته التي تحتاج للمعالجة)، فمن يعكسها ويبدع في تطبيقها إذن؟ وهذا إذا كانت الفكرة صحيحة والمنهج المتبع سليم في الأساس، او لا يناقضان الواقع ويخونان الشعارات المرفوعة. المهم، طبيعة الجماعة وحقيقة أعضاءها، تتضح بسهولة من عدة أوجه!
أولها، عدم الإعتراف بالقوانين المدنية الحاكمة للدولة، والقيم المجتمعية الموجهة للأفراد والمجتمع، سواء أكانت قيم موروثة او عصرية مكتسبة حديثا.
وثانيا، سهولة إستباحة دم الآخر المختلف، وصولا لإستحلال دم الأعضاء الأدني رتبة، بعد إنقضاء المهام المطلوبة منهم، أي بعد أن أصبحوا (useless) والأصح مصدر خطورة بما يحملونه من معلومات وأسرار( وهو ما يدعونا للفت إنتباه كل من يدعم هذه السلطة الفاسدة، من موقع متلقي الأوامر ومنفذ لها! أن مصيره معلق بكم الجرائم التي إرتكبها والأسرار التي يحملها، وليس له عاصم من المصير القاتم، الذي ينتظره علي أيدي أولئك القادة الأشرار! إلا بالإتعاظ من مصير إخوانهم المنحورين بسلاح قادتهم، ومن ثم التمرد عليهم والإلتحاق بركب المعارضة ودعمها، من أجل الخلاص من القادة الفاسدين والفساد بشكل عام! لعل هذا الصنيع الأخير يخفف عنهم بعض الذنوب والخطايا، في حق وطنهم ومواطنيهم، وقبل ذلك في حق أنفسهم من خلال الإرتهان لشواطين الإنقاذ! إضافة الي أن الدفاع عن الإجرام والمجرمين، لا يمنح إلا الأمان الكاذب والرعب المقيم، وعاقبته الندم والخسران المبين!).
وثالثا، إلغاء الحدود ما بين موار الدولة وموارد التنظيم او الأعضاء، من خلال توظيف موارد الدولة العامة لأغراض هلامية، ليست خاصة فقط، ولكنها يصعب تحديدها او معرفة مردودها بصورة دقيقة من أجل التقييم! أي كوسيلة للصرف من دون رقابة او ضوابط، والأصح إهدار قيم المحاسبة وفعالية المساءلة ووسائل حصحصة الحق او المراجعة. ومؤكد تعامل مع الموارد كهذا لا يناسب إلا اللصوص وأرباب الفساد، فوق أنه يحول الدولة الي مزرعة تنظيمية او فردية ما بعد طبقية، تُمارس فيها أقصي درجات الترف والإنحرافات السلوكية! أي بدل أن ينظر الإسلامويون للحياة، كمدخل للنظر والإعتبار، وكمحاولة لخلق قواعد معرفية تسهل فهمها ومن ثم إدارتها، وتنظيم قوانين سلمية تحكم علاقاتها الإجتماعية، بحيث تلعب فيها السلطة الخطوة الأكبر للتغيير والإضافة، وليس كل التغيير والإضافة! فضل الإسلامويون إمتلاك الحياة (السلطة جزء منها) وبشكل حصري وبإستخدام كل الوسائل، ورغم أنهم يدعون الآخرين للزهد فيها! ولا نجد حاجة للتذكير بنتائج هذا التفضيل الأخير الكارثية، سواء علي الدولة ومكوناتها او بقية الشركاء المواطنين وشروط وجودهم، او ما أرتدَّ من إنشقاقات علي الجماعة والأعضاء أنفسهم في آخر المطاف.
وإحتمال هنالك من الظواهر والأدلة مما لا حصر له، يؤكد ضلال الجماعة وفساد أعضاءها، وهو ما يفسر بدوره لماذا تلجأ هذه الجماعات للإنتقائية التاريخية عند تعاملها مع الإرث الحضاري الإسلامي! بمعني، إستناد مرجعيتهم علي فترة التوتر من مرحلة النبوة والنصوص الدينية التي تحرض علي القتال وإرهاب الأعداء..الخ، لم يأتِ من فراغ، ولكنه يخدم إستراتيجية السيطرة علي الوعي والإحتواء للمحكومين من ناحية، والإستفراد بالسلطة وإحتكار موارد الدولة من الناحية المقابلة. وهو ما تناقضه فترات النبوة المشرقة، كالإهتمام بالمساواة والعدالة والعطف علي الفقراء..الخ، وكذلك النصوص الدينية التي تدعو للصدق والأمانة والإستقامة..الخ! لأن هذه الأخيرة تضع العراقيل أمام السيطرة المطلقة علي السلطة، وتشكل حاجز صد أمام إستباحة موارد الدولة، وهو ما يتعارض مع أهداف الجماعة وتطلعات أعضاءها! مما يجعل إستخدامها لا يتخطي نطاق الشعارات بحال من الأحوال، وإلا نسف مخططات الإستيلاء علي السلطة، والبقاء فيها الي الأبد، من جذوره. بتعبير آخر، وبما أن وعي الجماعة وعي تملك وليس وعي معرفة، فإنها تعود للفترات الأكثر عنفا من تاريخ الدعوة المحدية، في الوقت الذي تستهويها النصوص الدينية الواردة في سياقات الصراعات مع الجماعات المخالفة والسائدة آنيذ، والتي تعادل اليوم النظم الإستبدادية، أي في التحكم والحجر علي الدعوة والأتباع! كتأسيس لمنهجها او برنامج عمل لمشروعها في الحاضر! وهو ما يتنافي ووضع الشعوب المقهورة والمفقرة اليوم، والتي تحاول تلك الجماعات إخضاعها بالشريعة حين وبالسيف/الإرهاب في كل الأحيان! وكأنها تعيش ليس حال إنكار عصرية فحسب، وإنما حالة دعوية عكسية، تخدم القلة علي حساب الكثرة وتقدم المصلحة الخاصة علي المصلحة العامة، وتفرض الرأي الواحد بقوة الدولة، بدل الإقناع بقوة المنطق بين عدة خيارات وآراء ونصوص! بمعني آخر، إستخدام النصوص لإهدار حكمة النصوص، ورفع شعارات الدعوة الإسلامية، لإفراغ قيمها ومضامينها من محتواها!
وذلك من خلال تحويل الدعوة (طرح يستهدف الدواخل او الروحانيات) الي دولة (إخضاع المواطنين بالتحكم في حاجاتهم المادية!) وبكلام واضح، مدخل الجماعات الحركية الإسلاموية للدين، هو مدخل إنتهازي وبكل ما تحمله الكلمة من معني وإنحطاط! ويتأكد ذلك من خلال إستفادتها لأقصي حد، من جاذبية الشعارات الدينية والمضامين الإنسانية المضمنة في جوهرها ( أي عطالة فكرية وسلوكية، لجهة عدم إنتاج معرفة ونظم وقيم جديدة تناسب حاجات العصر، بمعني العيش والتواجد بالتطفل علي الدين والتواكل علي الغيب، كمعطيات منجزة من جانب ويصعب ضبطها وتقييمها من الجانب الاخر!) ومما ساعد علي هذا الإستثمار المجاني او المضمون الربح و المتعالي علي المنافسة، وجود مجتمعات مسلمة مغيبة عصريا وحضاريا بل ودينينا!
وهي تعاني ويلات الفقر والأمراض وإنتشار الجهل وسيادة الخرافات، والأصح البساطة او تصديق الظاهر! بعد أن أرعبها الفقهاء بالتحريم والأسطرة والحكام بالإستغلال وفرض الطاعة العمياء والدجالون بالقدرات السحرية والكرامات الوهمية! وتاليا الإستعداد لتقبل كل ما يخاطب عواطفها الجياشة وغرائزها المستحكمة دون تدبر او مساءلة! يمتنع وجودهما أساسا في ظل ظروف السيطرة والتحكم أعلاه! بمعني زيادة الطلب علي الدين في هذه البيئات، أسبابه ليست روحانية ولا دلالة علي زيادة التدين او التمسك بالشرائع والنصوص، بل العكس هو الصحيح، أي أسبابه مادية تماما، أي لسد النقص والفراغ المادي والتراجع الحضاري! ومن هذا المدخل تحديدا أمكن للجماعات الإسلاموية أن تطرح وصفاتها السحرية، القادرة علي معالجة كل العلل وسد كل الفراغات والفجوات، سواء أكانت مادية او حضارية، وكل ذلك من غير جهد او عمل او إنتاج او ضوابط، فقط بإتباع منهاج الجماعة والتسليم لها بالقيادة، بوصفها الأدري بعلم الكتاب والأعلم بمقاصد الشرع والدين!
ولكن للأسف، مقصدها الحقيقي أن تسود الشعارات علي الإنجازات، والجماعة علي السلطة والمجتمعات. بمعني أخير، لا يمكن أن تزدهر الأنشطة والشعارات الحركية الإسلاموية الدجلية او ثقافة النظم الإستبدادية، إلا في مجتمعات تم خصيَّها فكريا وتدجينها او تطويعها عسكريا. المهم، في الوقت الذي تُرفع فيه تلك الشعارت الدينية، يتم رفض التقيُّد بشروطها او دفع إستحقاقتها، كالصدق والأمانة والتواضع وكراهة الإمارة لصعوبة مسؤولياتها وخطورة مترتباتها، أي شيوع ثقافة الزهد في المناصب..الخ، أي بوصفها تخارج من الدنيا وليس سيطرة و(كنكشة) عليها كالأطفال! بل الأسوأ من عدم تطبيقها هو أنها تعمل علي عكسها تماما، او تنقض غزلها الواحدة تلو الأخري، وذلك من خلال الإنفصال عنها في الواقع ومعاداتها في التطبيق! كممارسة الكذب والتضليل والنهب، وعبادة السطلة وأمتيازاتها كسلوك طبيعي، إن لم يرقَ لدرجة الشطارة، بمنطق الفهلوة الذي يحكم أعضاء الجماعة وقادتها. والأسوأ من هذا السوء، هو قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، مع إنها ترقي لجريرة قتل الناس جميعا. لدرجة أن يقتُل أحد ضباط جهاز الأمن، مستخدما سلطاته المطلقة، أحد المواطنين، فقط بسبب مكالمة تلفونية من مدير بجهاز الأمن؟! ليجد هو بدوره نفس المصير المحتوم، من خلال تنفيذ حكم الإعدام المستعجل داخل سجن كوبر، لإخفاء الكثير المثير الخطر من أسرار ومعلومات، تشكل خطر علي القادة الكبار! وكأنها تصديق لمقولة كما تدين تدان، او كما تقتُل تُقتل بنفس السلاح لو بعد حين! مما يؤكد أن منطق الغاب الذي تمارسه الجماعة علي الدولة والشعب، يجد صداه او إستنساخه علي الأتباع غير المستقلين( أدوات السلطة القذرة!) بعد تنفيذ المهام الموكلة إليهم! ويؤكد بصورة أكبر أن ما يظهر من قوانين ولوائح ودساتير وأجهزة ومؤسسات، ما هي إلا غلالة مهترئة من مظاهر الدولة الحديثة! للتستر علي حالة التوحش ومنطق الرعاع و شرعة الإستباحة، التي تسيطر علي سلوك الجماعة ومسلك الأعضاء. وعلي العموم، يتجسد هذا التلاعب بالدين الإسلامي، من خلال التلون الذي تمارسه الجماعة، بحيث تطرح نفسها في كل حقبة، وبما يناسبها! وبغض النظر عن تباين الظروف وتبدل أحوال الناس. أي الفكرة سابقة علي الواقع، وتاليا يحق لها السيطرة عليه! بمعني، عندما يرتفع الطلب علي الخلافة، نجدها متبنية لخطاب الخلافة، بل ومنزِّهة له بالكامل! وعندما تزول الحاجة إليه، نجدها ليست متنكرة له فقط، وإنما رافضة له كطرح او كفكرة منبتة علي كيان الدعوة الإسلامية. أي فكرة/دعوة الجماعة نفسها من السيولة والهلامية بمكان، بحيث تستوعب الخطاب ومناقضه في الآن نفسه! كما تسمح للدخول والخروج لكل/من المواقف والأفعال من دون أي تبرير او شروحات او فرصة لطرح التساؤلات. أي الجوهر تخطي خطاب الحقيقة الذي تحمله الجماعة، الي سلوك القادة الذين يمارسونه علي أرض الواقع! أي الحقيقة ليست نسبية في علاقات الخارج والداخل، او مقاربة بين الواقع والمعقول! ولكنها علاقات في إتجاه واحد من الداخل (رؤية الجماعة/ممارسات قادتها) الي الخارج (الواقع الفعلي بمكوناته وقضاياه وشخوصه وعلاقاته، أي بوصفه فرصة للتطور والإرتقاء او نكسة بالنكوص والتراجع والإنكسار، أي هو مسؤولية الإنسان بوصفه إنسان، أي دون إضافات تعليه او حرمانات تدنيه او ضبابيات تتأرجح به!).
وبكلمة واحدة، الجماعة أرفع من الواقع وأشمل من مكوناته، وتاليا هي معيار صحته وفرصة خلاصه. وكل هذا دون الإشارة الي إرتباكات الإسلامويين في علاقتهم بالحداثة او صدمة النفي للطرح والعلاقات اللأعقلانية. ففي هذه العلاقة الملتبسة، يتبدي كم التناقضات الفاضحة والحيِّل الواهية! أي مابين إستمتاع الجماعة وأعضاءها، بخلاصات الحداثة، كأساليب إدارة وإستثمار ومناهج علمية وتنظيمية، ومخرجات تكنولوجية ومعلوماتية، أخضعت الحياة لسيطرة البشر شبه الكاملة، وفق أسس وقواعد عامة وعاملة او فعَّالة. وما بين التنكر لحواملها القيمية، فيما يخص الجوانب السياسية والحقوقية كالديمقراطية وحقوق الإنسان بخاصة! بحجة إمتلاك قيم أصيلة ودعوة صالحة لكل زمان ومكان! ولكن فقط عندما يترك لهم الأمر كاملا وبكل حرية ودون إعتراض. أي في مماهة كاملة مع المقدس، الذي تم الإستيلاء علي نصوصه قسريا، او إحتلالها بالكامل، ومن ثم فرض السطوة علي كل متبعيه، وبنفس لغته وترميزاته ووعوده ونواهيه! ولكن إذا صح أن هنالك قيم أصيلة (غير متغيرة بتغير الزمان او مصلحة الإنسان!) ودعوة صالحة لكل زمان ومكان (فوق التاريخ والشرط الإنساني!) فما هي الحاجة للجماعة الإسلاموية؟ لأن طرح كهذا يفترض أنها لم تختف او تضعف لتعاد من مخبئها، وإلا لفقدت إدعاء أصالتها وصلاحها!
أما إذا ثبت العكس، وأنها متغيرة بتغير الزمان ومصلحة الإنسان، ومندرجة في الشرط الإنساني! فهذا يؤكد بطلان دعوة وأسس وجود الجماعة الإسلاموية من أساسها، وهو الأصح بحكم التجربة والواقع. وهو ما يؤكد بصورة أشد، أن الحداثة قبل أن تكون غربية المنشأ، هي حاجة إنسانية او تلاءم فطرة الإنسان. والمقصود بالحداثة هنا، ودون الدخول في متاهات التعريفات المصطلحية، وممكنات او إرادة تبيئتها في كل وسط إنساني! هي منح الإنسان حقه في الحياة والكرامة والحرية والتطور، والمشاركة علي قدم المساواة مع الآخرين، في تنظيم حياتهم ومجتمعاتهم ودولهم، وبما يتوافق مع مصالحهم الجماعية، في أفق من السلمية والحماية الدستورية. وكل هذا ما تتيحه دولة المواطنة او الثمرة الناضجة للحداثة. وهو ما يتناقض مع الدولة الدينية تماما، ليس بوصفها دولة تمييز بين المواطنين فقط، ولكن لأنها رافضة مبدأ الدولة من الأساس او بحكم الواقع حيث تؤول فيها السلطة الي فرد او مجموعة تستمد سلطتها وشرعيتها من السماء (وتفسيرها الأرضي الأهواء والنزوات والشطحات الشخصية!) وتاليا، ليس عليها مسؤوليات او واجبات تجاه الشعوب، إن لم يكن العكس هو الصحيح! أي علي الآخرين الطاعة العمياء وتلبية النداء لكل طلبات وتحذيرات السلطات. ومؤكد هذه ليست دولة بحال من الأحوال، ولكنها وفي أحسن الفروض، سجن وإستعباد. أي الجماعة الإسلاموية بطرحها ووجودها تشكل أكبر عقبة، ليس أمام الحداثة كمنجز إنساني، إستفاد من تجربة الإنسان الصراعية العدمية المريرة! ولكن حتي أمام موجبات الإيمان الديني الصحيح، كعلاقة تعبدية مدارها الإله وروح الإنسان! مما لا يمكن الإمساك به او كشفه، سواء بالسلطة او بغيرها من العلاقات المادية الأرضية! وتاليا، تصبح قيادة جماعة او مجموعة او فرد، الأمة للصلاح، هو مجرد هراء! ناهيك من أن يُتَّخذ كحجَّة من أجل السيطرة علي السلطة، وإخضاع المجتمع بصورة مطلقة. لأن المطلوب من الدُعاة، التبصيِّر بما يفهمونه من حقيقة الدين وتوابعه، وبما لا يتعارض او يسئ لإصحاب الديانات الأخري او لغيرهم من المتدينين او غير المتدينين! وإلا لفقد الدين قيمته كدين، يُعلي من شأن كرامة وحرية الإنسان، وتاليا يفتقد سلطته المعنوية، ويتعارض مع روح العصر وإحترام حقوق الآخرين. بمعني ليس المطلوب منهم إصلاح الناس او المجتمع، ولكن تقديم الطرح والخطوط العريضة للإصلاح، من وجهة نظر الدين. أما الإصلاح وتهذيب المجتمع والأفراد، فشأن متروك للمجتمع والأفراد، بقدر مسؤوليتهم عن أنفسهم أمام الله. وهذا يؤكد بدوره أن الدولة ليست جهاز دعوي او شرطة أمن مجتمع لقيادته للرشاد، كما تحاول الجماعة وأتباعها تصوير الأمر! ولكنها وظيفة إجتماعية ذات طابع سياسي، حتَم وجودها تطور العصر وتعقد قضاياه وتنوع المجتمع وتعدد حاجات الأفراد وتعارض مصالحهم، أي كإطار عام يجمعهم علي آصرة وطنية وروابط دستورية او عقد إجتماعي، وفي نفس الوقت تسمح لهم بخلق علاقات ومصالح مع الدولة الأخري المشابهة. وتاليا، لا يسعها إلا أن تكون محايدة، تجاه الأديان والطوائف والقبائل..الخ من التكوينات والتشكيلات الصغري او الكبري المنتشرة في محيط الدولة.
وكذلك، الجماعة الإسلاموية ومن خلال خصلة الخداع التي تحكم سلوكها وتوجه تحركات أعضاءها، أي كجماعة تخوض حربا ضد الآخرين(الأعداء/الشركاء في الوطن!)، وليس فصيل سياسي يقدم وجهة نظر محددة او طرح مقنع لإستقطاب الجمهور، او أقلاه يقبل منافسة الآخرين (علي إعتبار أن فاقد الشئ لا يعطيه، أي كيف لمرجعية غير سياسية أن تنتج برنامج سياسي او تؤمن بلعبة السياسة، كوسيلة شرعية للحكم؟ او السلطة كتعاقد إجتماعي بين الحكام والمحكومين، لكل طرف مسؤوليات وواجبات وله حقوق ومتطلبات؟) نجدها عمدت الي إستغلال تكوينات مثل منظمة الدعوة الإسلامية او الرابطة الإسلامية او الجمعيات الخيرية..الخ من التكوينات، التي تنتحل صفات منظمات المجتمع المدني، لأغراض إستخباراتية وسياسية او حركية، بل وإجرامية، لا تمت لحقيقتها بصلة! إن لم تُفسدها وتشوه صورتها وتحرفها عن وظيفتها، وتاليا تطعن في دورها وضرورتها او تصيبها في مقتل! كوسيط يلبي حاجات المجتمع التي تقاصرت عن أداءها الحكومات. أي كعامل مساعد لها ولكنه مستقل عن تأثيراتها وضغوطاتها، إن لم يكن العكس هو الصحيح. وكل ذلك من مدخل مدني/أهلي مقبول من المجتمع، ومفعِّل له في آنٍ واحد. ونخلص من ذلك، الي أن الجماعة الإسلاموية هي عبء علي السياسة فوق أنها كارثة علي المجتمع! مما يصح معها تحوير مقولة المفكر الجابري (العقل المستقيل) لتصبح الجماعة تجسيِّد لحالة (الضمير المستقيل!) وتاليا، تتأكد أن أزمة الجماعة الإسلاموية، هي أزمة هروب من مواجهة الواقع! عبر السيطرة عليه بالدجل، او بإسقاط التصورات الخاطئة والعقد الشخصية والتشوهات النخبوية او الوعي المزيف عليه. وبما أن التحليل الخاطئ لا ينتج إلا تصورات وحلول خاطئة، فكان لابد من الرد علي الفشل الذريع الناتج! بإستخدام وسائل الدعاية والإنكار مرة، وأدوات العنف والقهر لنشر الإرهاب كل الأوقات، وبما يتناسب مع حالة عصاب الخوف المسيطرة! وتاليا، تعميم حالة الخوف او الصمت علي الباطل ومسايرة الواقع والتعايش مع الوقائع! وبغض النظر عن ما يسببه ذلك، من تكريِّس لمفاعيِّل الفساد وتراكم الأخطاء! وتاليا، إستعصاء الحلول وصولا للتحل القيمي والمجتمعي، وإنتهاءً بالإنفتاح علي الفتن والحروبات الأهلية، ومن ثم التفكك والضياع.
وكطبيعة كل إيدويولوجية منغلقة ومتعالية، يعلو الأفراد علي الأفكار والقيم، والعقائد علي الواقع والتجارب! وينتج عن ذلك تصورات مغايرة لطبيعة الحكم ووظيفته او السلطة وآليات عملها، بحيث يتم تجيِّرها ليس لصالح المجتمع او ترقية الإدارة وتحسين التنمية والخدمات وتطوير الدولة، وإن تحدثت شعاراتها بذلك! ولكن لصالح الجماعة وبصورة أكبر لصالح الفرد المسيطر/المتآله في القمة. ويتم ذلك من خلال تكيِّفها بحيث أولا، تحافظ علي البقاء كغاية في حد ذاتها! وتاليا، الأولوية تصبح لخدمة وحماية السلطة، سواء بتوظيف موارد الدولة او بتوجيه سياسات الدولة. وثانيا، ترتفع سوية المواطنين بقدر إرتهانهم وإستجابتهم لتوجهات السلطة ورغبات الحكام، بالقدر الذي تنحط فيه قيمتهم بقدر إرتفاع حاجاتهم، وتٌهدد فيه حريتهم، بل ويُصادر وجودهم بقدر التعبير عن مطالبهم وحقوقهم! أي لإعتبار الأخيرة مسالك غير وطنية ومطالب تعجيزية، إضافة الي أنها دعاوي تآمرية وتصرفات تنكرية، تخرب وردية الواقع وتسفه مجهودات وتضحيات رجالات السلطة الحاكمة بأمر الله. ثالثا، الفصل بين السلطة والمحكومين والسياسة والمجتمع، أي إستقلال السلطة بتصرفاتها ومواقفها وإجراءتها، وتاليا إستقالتها من أي واجبات وطنية او مسؤوليات أخلاقية! أي تعمل السلطة في أجواء المساواة التامة بين المجتمع والفراغ! إذا صح ذلك، تصبح كل تصرفات السلطة صحيحة ومساعيها خيِّرة، فقط لكونها صدرت عن مكونات السلطة الحاكمة! ومن ضمنها بالطبع محاولة إغتيال حسني مبارك الفاشلة!! ولكن ما فات علي فطنة السلطة الحاكمة ورجالها المحيطون بكل شئ علما! أن محاولة كهذه، غير أنها فعل عقيم أو عديم الجدوي، إلا أنها تؤكد صبيانية المسلك، وهو ما يناسب وعي جماعة قاصرة! وهي تعتقد أن فعل أهوج كهذا، قادر علي تغيير قوانيين اللعبة السلطوية في دولة مجاورة (متعالية بطبعها وتصديق أوهام نخبها المغترة بالتاريخ!) لتفسح المجال لجماعة مشابهة، حتي تعتلي سدة الحكم! عبر تنفيذ عمل إنقلابي أخرق كما تم في السودان، ومن ثم تسميم الدولة المصرية، بسرطان هذه الجماعات القاتل! وتاليا، المزيد من إرتهان الدولة السودانية لمصالح الدولة المصرية، من خلال علاقات إسلاموية مشتركة! لا تحتاج معرفة إتجاه مصالحها لبوصلة، في ظل هطول سرديات من شاكلة، أفضلية الجماعة المؤسسة (الأم) ومكانة الأزهر الشريف التاريخية والموقع الجغرافي والإرث الحضاري..الخ من خزعبلات إستعلائية، راكزة في وعي ونفس وثقافة النخبة المصرية! وتاليا، منعكسة علي سلوكها! وهو ما يبيح لها الأسبقية والأفضلية في كل شئ مشترك او غير مشترك! ولا فرق في ذلك بين ليبرالي مستنير او إسلاموي ضليل (من ضال!).
أي بعد أن أُرهقنا تاريخيا، من تدخلات الدولة المصرية في شؤوننا الداخلية، عبر إستخباراتها او أصدقاءها في الداخل! وهي تمارس كل أنواع التخريب والتعطيل، بأساليبها الناعمة او الخبيثة! لمنع تطور الدولة السودانية. وكل ذلك، بسبب وهم مرضي مسيطر علي حكام الدولة المصرية، يري في كل نهضة تنموية او إضافة سياسية حميدة كالديمقراطية وغيرها في الدولة السودانية، هو خصم علي تطور الدولة المصرية، او إهانة لحكام ونخب الدولة المصرية! وهل تعلي العين السودانية علي الحاجب المصري؟ او يتطاول الفلاح (الأسمراني) السوداني علي الباشا المصري؟ وليس بعيدا عن ذلك، سيطرة أمراض الطفولة التاريخية و هواجس المخاطر المستقبلية، علي عقل النخب وإستراتيجية الحكام! من خلال الإيمان بعقيدة أن خلاص مصر من أزمتها السكانية والمائية، مرهون بالسيطرة علي شمال او نصف الدولة السودانية، وبما فيها من مياه وأرض (دون سكان بالطبع!) كجزء من الأملاك الخديوية التي فرط فيها ناصر( بمسايرة منطق كهذا تصبح مصر نفسها جزء من تركيا او محافظة تركية)! بمعني آخر، سيطرة الممارسات الإستخباراتية والدوافع الإستحواذية او النزعة التملكية، في التعامل مع الشأن السوداني! بدلا من النضج الدبلوماسي وتعلية علاقات التعاون الندية والمصالح المشتركة التي تخدم البلدين. المهم، بعد كل هذا، تحاول الجماعة الإسلاموية السودانية (التي يبدو أنها ساقطة تاريخ أيضا، بعد السقوط السياسي والتردي الأخلاقي!) إستدراج أختها في الله، الجماعة الإسلاموية المصرية، ليس للإنقلاب علي السلطة المصرية فقط، ولكن لمزيد من سكب سموم الآثار و(الخوازيق) الإسلاموية المصرية، في مجري الكوارث الإسلاموية السودانية. أي تكوين تحالف بين الجماعتين للسيطرة علي البلدين! لحماية ظهر كل منهما للآخر، في حالة مواجهة أي أخطار سلطوية، او هبات شعبية تتوق للخلاص من النوازل الحركية الإسلاموية. وذلك دون أن نغفل ضعف القيادات الإسلاموية، سواء في الجماعة السودانية او المصرية او غيرها من الجماعات، أمام رغبتها الشاطحة في السيطرة الأممية! كمعادل لمنصب الخليفة المتوافر بكثرة في التجربة التاريخية الإسلامية، التي تستقي منها الجماعة أفكارها! إن لم يكن هو محور تلك التجربة وراس رمحها. ولذلك لا توجد جماعة إسلاموية او برنامج إسلاموي للحكم، يمكن أن ينفلت من هذه الوضعية، إذا ما كان صادق في الوصول بهذه الدعاوي الي نهايتها المنطقية. أي نهاية المطاف لكل جماعة إسلاموية او برنامج إسلاموي هي/هو الحصول علي مجموعة كداعش وخليفة كالبغدادي! ولو كان هنالك حسنة وحيدة لداعش او البغدادي، فهي أنهما يقدمان بيان بالعمل لحصاد كل تجربة تتلبس ثوب الدين في الفعل السياسي والتطلع السلطوي. وللأسف كان ثمن هذه التجربة باهظ الأكلاف، علي المستوي البشري والعمراني والتنموي، لشعوب ودول كسوريا والعراق والسودان وأفغانستان وإيران! ولكن ما أكثر العبر وأقل الإعتبار.
المهم، لا يكفي الجماعة الإسلاموية السودانية مآسيها ونكباتها التي سببتها للسودان والسودانيين، ولكنها ترغب في إستيراد المزيد من مآسي الجماعة المصرية، ومؤكد هي مآسٍ بطعم الغرور والإستعلاء او الإستخفاف بالسودانيين والإستصغار للكيان السوداني! أي أن يضاف علي الجرح الإسلاموي السوداني، الإهانة الإسلاموية المصرية (من يحتمل خلطة مسمومة وإساءة مهينة كهذه!). والذي يدعو بحق للغيظ والتعجب، أن كل هذه المجهودات الصبيانية، تتقدم علي إحتياجات مجتمعية آنية ومعالجة قضايا مصيرية، فوق أنها تتم دون الوضع في الإعتبار مصالح وإمكانات الدولة السودانية، وتوازنات القوي المحيطة! وخطورة هكذا مسلك علي الدولة السودانية آنيا ومستقبليا، سواء في حالة نجاح العملية او فشلها. وهو ما لم يتأخر كثيرا، بدلالة ما ترتب علي فشل العملية من آثار ونتائج، سواء علي الدولة السودانية او السودانين ككل، وليس علي الجماعة الإسلاموية منفردة او أعضاءها حصرا. وهو ما ظللنا نعاني منه حتي الآن، وإحتمال مستقبلا حتي يثبت العكس! والمقصود، إستخدام السلطات المصرية لورقة إتهام الحكومة السودانية الإسلاموية، بمحاولة إغتيال رأس الدولة المصرية في المحافل الدولية. لتكر بعدها سبحة التنازلات في القضايا الخلافية المفتعلة (لأن الحقيقة هي تعديات وتدخلات السلطات المصرية علي أملاك وحقوق الدولة السودانية!) وكل ذلك بسبب ضعف الموقف الحكومي وتورطه من جانب، وفقدانه للشرعية الداخلية من الجانب المقابل! رغم مظلومية الدولة السودانية و عدالة مطالبها (ويبدو أن المصريين ماهرون في تطبيق مثلهم الشعبي ضربني وبكي وسبقني وإشتكي!) وكنماذج لهذه التنازلات تسليمهم أرض حلايب وشلاتين، ومنح المصريين حق التملك والعمل والتنقل والإعفاء من التأشيرة، مرورا بدعم الدولة المصرية بقطعان من الثروة الحيوانية، وليس إنتهاءً بالمكرمة البشيرية للمنتخب المصري، التي أثارت سخرية وحيرة البعيد ومرارة وإستهجان القريب!؟ وكلها تذلالات وإنكسارت جعلت الحكومة السودانية، تعمل كبواب أمام عمارة الدولة المصرية! بل قبل أن تكمل الحكومة المصرية أمرها، تكون الحكومة السودانية قد لبت الطلب وهي تطأطئ راسها أرضا! بل من شدة إستسلام الحكومة الإسلاموية، لوطء السلطات المصرية، جعلت البعض يعتقد وكأن العملية مدبرة بين الطرفين؟! بل بين الثلاثة أطراف، بدخول الحكومة الإثيوبية كطرف ثالث، وتطمع في إقتطاع الجزء المتاخم لها من أرض الدولة السودانية (الهاملة!) خصوصا بعد إغتيالها لكل من طالته يدها من المشاركين في العملية الفاشلة، أي لم تحافظ عليهم من أجل التحقيقات وكشف الحقائق للعامة، او قد تكون إكتفت بما علمت منهم وصفتهم بعد ذلك! أي بعد أن أحسنت توظيف تلك المعلومات. وكل هذا غير إستباحة الجواز السوداني، وجعله مبذولا ومتداولا بين أيدي الإرهابين من كل صنف وجنس ولون! الشئ الذي جعل تهمة الإرهاب تلاحق السودانيين، او أقلاها فقد السودانيون سمعتهم الإخلاقية العالية، التي كرسها الجيل او الرعيل الأول من الدبلوماسيين والمهاجرين! والأسوأ من ذلك، هو المصير المحتوم الذي لاقته العناصر السودانية المشاركة في تلك العملية، وذلك بإستخدام أساليب إجرامية مافيوية دخيلة علي المجتمع السوداني! أي أساليب التصفية الجسدية بقوة السلاح، أو عبر التوريط في جرائم إغتيال مجانية، كتمهيد للإقتصاص عبر حكم الإعدام، وتنفيذه كيفما إتفق؟!
أما الإشارة في تفاصيل كشف العملية، الي أن الدكتور الترابي والجنرال البشير، لا يعلمان بعملية بهذا الحجم او علي هذه الدرجة من الخطورة؟ فهذا ما لا يقبله العقل او أدني معرفة بكيفية عمل هذه المنظومة الإجرامية. ولكن يمكن القبول بمنطق، أن الترابي وبذكاءه الإجرامي او دهاءه المصلحي المعهود، يمكن أن يوحي او يرسل الإشارة فقط (كجملة إعتراضية او رغبة عرضية!) وهو يعلم سلفا كيفية إستجابة أعضاء الجماعة والأصح أتباعه، لتنفيذ رغباته حتي دون التصريح بها او الإفصاح عنها!؟ علما بأن إرضاء الترابي في تلك الفترة كان مدار تنافس بين الأتباع الإسلامويين! وبالطبع دهاء كهذاء يضع إحتمالات الفشل قبل النجاح! وتاليا، وضع الإحتياطات والتدابير للتصدي لخطورة التبعات، وفي البال مكيدة (أذهب الي القصر رئيسا وسأذهب الي السجن حبيسا!) الشهيرة! وما يؤكد ذلك، أولا، عملية التحقيقات الشكلية التي أعقبت محاولة بذاك الحجم، وما ترتب علي التحقيقات من تعديلات هامشية في مراكز ومناصب المتورطين من القيادات الكبيرة، ولا ندري أهذه عقوبة لهم أم (زعلة) منهم. وثانيا، تهديدات الترابي بعد المفاصلة لأولئك المتورطين. وثالثا، المزيد من سيطرة الترابي علي المتورطين (إبتزازهم!) ومن ثم إجبارهم علي تنفيذ غيرها من المهام القذرة دون إعتراض. ولكن ما يثير السخرية حقا في تلك التحقيقات، هو تصديق بعض القيادات المتورطة، فقط بسبب حلفهم اليمين! لأنه إذا كانت هذه بيَّنة كافية، لما تورط إسلاموي في جريمة فساد واحدة! لأن اليمين الكاذبة أقل جرما وبما لا يقاس، مقارنة مع قتل النفس البريئة من دون محاكمة (وطالما نحن في وارد الأمثال المصرية، هنالك مثل مصري يقول بما معناها قالوا للحرامي أحلف قال جاني الفرج من الله!). كما أن الترابي نفسه وكذلك البشير، قد خانا قسم المحافظة علي النظام اليمقراطي، عبر قيامهما بالإنقلاب المشؤوم! أي إذا كان قائد الإنقلاب ورئيس الجماعة، يقدمان القدوة الفاسدة والمثال الإجرامي، فيصعب عليهم التحقيق الجاد في جرائم الأتباع، ناهيك عن محاسبتهم. بل يقال أنه في السودان الآن، من يمتهن مهنة شهادة الزور فقط من أجل الإرتزاق!! ويا لها من نهاية بائسة وكارثية تصور مدي النجاح في إعادة صياغة (والأصح مسخ) الإنسان السوداني، ومصير ما يسمي بالمشروع الحضاري (والأصح الدماري!).
لكل ذلك، تصبح دموع الدكتور نافع علي حال الحركة الإسلاموية، هي دموع (وسخة!) من عيون (وقحة!). لأن حركة بهذا التاريخ من التيه السياسي والإجرام الوطني والفساد الشامل، لا يمكن أن تثير إلا دموع المجرمين وأحزان الفاسدين! أي بوصفها البيئة الملاءمة لممارسة أنشطتهم المعهودة، والقائمة علي فعل كل شئ وبكل الوسائل، ومن دون رقابة او محاسبة او مراجعة، وهذا في حال لم تمنح المكافآت والشكر الجزيل علي هذا المسلك النبيل!؟ وما سبق ذكره، ليس بغض للحركة الإسلاموية (الضالة) او مقت لأعضاءها (الفاسدين) ولو أنهم يستحقون ذلك وأكثر! ولكنه تقرير حالة لمسيرة الحركة وأحوال أعضاءها، خصوصا بعد أن وضعوا أنفسهم علي المحك بمحض إرادتهم او إندفاع تطلعاتهم! والمقصود، بعد تعرُّضهم لإختبار السطة، الكاشف للعيوب ومبين للمثالب وطغيان الأهواء، وزيِّف الشعارات وخواء الدعوات والمشاريع الهلامية! ولو أن هذا الإختبار لم يمر إلا عبر تحطيم الدولة السودانية، ونقصانها من إطرافها، وخسرانها لما أنجزته من تنمية ومشاريع ومؤسسات بشق الأنفس وتضحيات رجال أفذاذ! وهذا دون قول شئ، عن ما أصاب الفرد السوداني من تقتيل مجاني، وشظف عيش، وإهمال خدمي، وإهدار كرامة، وضياع حاضر وقتامة مستقبل. أي بعد أن حولت الحركة الإسلاموية الدولة السودانية، الي كوم خراب، ونيران حروب في الأطراف، وإرهاب في المركز، وعداء مستحكم للعالم والحضارة والتقدم. لذلك، يصبح حديث الدكتور الزبير محمد الحسن، الذي تبدو عليه سيماء البساطة أكثر من غيره من الإسلامويين المتجهمين القساة، عن الإصلاح! والذي يجسده حسب مفهومه، مجرد تبدل مناصب بين قيادات الجماعة الإسلاموية، أي ما بين الحرس القديم المتخم بالجرائم والفساد، والحرس الجديد السائر علي درب إخوانه في الله، ولكن بمزيد من المرواغة والنعومة والحضور الإعلامي الأنيق، أي بما يواكب متطلبات التغيير الشكلية!؟ ومفهوم كهذا يبدو أنه ليس بمستغرب من أفراد، دينهم السلطة وشريعتهم التسلط ومبدأهم التظاهر بفعل الصاح وعمل الخير! ولذا يصبح نزع المنصب من الفرد، كأحد مستحقات الإصلاح الوهمي او التمويه بالإصلاح! لهو تضحية ما بعدها تضحية، بالمنصب أولا وعلي صحبها ثانيا! خصوصا وأن المنصب هو حق مكتسب من التضحيات والمجاهدات لنصرة الجماعة وخدمة المجموعة، بالحق مرة وبالباطل في كل المرات! أي هو ليس منحة إنتخابية من عموم الجمهور الضال الجاهل، المغيَّب بدوره ليس عن دائرة إهتمام السلطة، ولكن عن أبسط موجبات إحترامه، وبما فيها إحترام حقه في الإختيار! إضافة الي أن المنصب هو ما يكسب صاحبه قيمة ونفوذ ومكانة، يبدو أنها غير مستحقة بأي وجهٍ كان! من هذه الوجهة تحديدا، يصح أن التضحية عظيمة، بدلالة جلبها لكل هذا الحرد والدموع ودعاوي الإصلاح بتقنية (الفلاش باك). وعلي العموم، إصلاح كهذا ومفاهيِّم كتلك، لهو إبتذال للإصلاح وإمتهان للمفاهيِّم، فوق أنه إزدراء للسياسة وتضليل للجمهور! والأسوأ من ذلك، أنه يراكم الخطأ علي الأخطاء المتواترة والكوارث المتوارثة! أي بتصوير أخطاء وقصور الحركة الإسلاموية، مرده زلات فردية غير مقصودة، وأخطاء إدارية بسيطة ومقدور عليها، من خلال تغيير بعض الوجوه! وليس مصدره مرتكزات الجماعة الفكرية وأساليب عملها التدليسية وأدواتها الإرهابية! أي بوصفها مرتكزات قائمة علي الأوهام او القراءة الخاطئة والرغبوية للواقع! إضافة الي توسل العقائد والأديان عوضا عن السياسة، في إيصال البرامج والترويج للشعارات والخطط والأنشطة! من أجل إقناع الجمهور المخاطب، والذي سلفا لا يعاني من نقصان الدين او إنعدام التدين، بقدر ما يعاني من تردي مستوي التنمية الشاملة، سواء علي مستوي الدولة وحداثتها او علي مستوي الأفراد وخدماتهم! وتاليا، مشاكله وصعوباته وتحدياته أرضية، ولاتناسبها او تعالجها إلا أدوات الواقع الأرضي! أي الموجودات الظاهرة والمتاحة للجميع وليس الغيبيات المحتكرة للخاصة! وإلا ما قيمة الإستخلاف إذا كانت الحلول معطي جاهز، لأن هذه الوضعية الأخيرة لا تسمي إستخلاف ولكن يمكن تسميتها برهنة، وهذا غير مطلوب في الواقع، لأنه لا يمس حاجات مادية لا يمكن الإستغناء عنها، وإلا إنتفي الشرط الإنساني؟! وعليه تصبح كل دعاوي الإصلاح، سواء من السيد الزبير او من غيره من أعضاء الجماعة، وبحسنة نية من البسطاء او بسوء نية من الطامعين في السلطة وهو الراجح! هي دعاوي ليست خاطئة وعاجزة فقط، ولكنها تعد بالمزيد من تجريب المجرب، الذي ثبت بطلانه وفشله بل ودماره للحرث والنسل والعمران والدولة. فوق أنها دعاوي تحمل طابع الإستعلاء او النقاء العقدي والفكري والتنظيمي، أي كجماعة وجدت فقط لتطرح الصحيح من الأقوال والأفعال ومعرفة الحق والخير والجمال، وتاليا، يصبح أعضاءها تجسيِّدا للإستقامة والنباهة والعبقرية، وعليه تصبح مسألة الرئاسة وإحتلال مناصب القيادة في الوزارات والمؤسسات والسفارات والجمعيات والأندية..الخ هو من باب تحصيل الحاصل او المعلوم والأصح المتروك لهم بالضرورة! ومؤكد تصورات كهذه تستبطن قصور إمكانات ورقة أخلاقيات الآخرين الشركاء في الوطن (بالتبعية) وتاليا، ما يطرحونه من بدائل هي بطبعها خاطئه، فقط لكونها صدرت عن الأقل رتبة وإحترام وأهلية! وكونهم يعترضوا علي طرح الجماعة او يتطاولوا علي أعضاءها، لهو أكبر دليل علي قصور وعيهم الذي لا يستوعب إبداعات الجماعة، وفساد رأيهم الذي لا يتشرب من بنات أفكارها، وتواضع طبعهم وهم يراجعون او يعترضون علي مسلك أعضاء الجماعة الأوصياء! وكل ذلك يجعل من الخطورة بمكان وضع الأمر بأيديهم، وهذا إذا لم يقتلوا وينفوا من الأرض، جزاءً وفاقا علي جرمهم وحماقاتهم، وفي قول آخر خيانتهم وعمالتهم وهو الوصف المحبب لإعلامهم. وعلي العموم، لا يمكن أن تنطلي دعوة إصلاح مخادعة كهذه، تتقصد تحسيِّن وجه النظام القبيح، علي عاقل او أقلاه مواطن سليم الزوق والحس، مهما تلبست من لبوس النقد الذاتي والإستفادة من الأخطاء او تظاهر أصحابها بالنزَّاهة او الحس والدوافع الوطنية! والسبب في ذلك بسيط، لأن الإصلاح يصح في حالة سلامة الأسس والمنطلقات، وقصور الأدوات والوسائل! وقبل ذلك، معرفة مكامن الخلل وتوافر إرادة صادقة للإصلاح. ولكن مع حالة بوضعية الجماعة الإسلاموية فاسدة بالمطلق، يصبح الإصلاح فساد في حد ذاته! وبدلا من البحث عن الإصلاح المستحيل وإهدر الزمن فيما لا طائل من وراءه، فالأفضل للوطن ولشفاء جراح مواطنيه، كنس الجماعة من الوجود وإزالة آثارها من الداخل! ولا يعني ذلك قتل أعضاءها او حرمان أي شخص من تبني ما يراه مناسب من أفكار! ولكن المقصود، تحرير بيئة الداخل من الإستبداد والوصاية، وتمليك المواطنين أدوات ومناهج الحداثة، وإتاحة المجال لتعميم الحريات العامة. فعندها لن نجد مثل هذه النبت الشيطاني، بوصفه إنعكاس لأزمات سياسية وعقد إجتماعية وإنغلاقات تراثية وأمراض عصابية، مكانها متحف التاريخ الطبيعي بالقرب من آثار حضارة الأجداد البائدة بخيرها وشرها، إضافة الي أن هذه رغبتهم حسب ما يطرحونه من مشاريع، وتاليا، يتحول الترابي وجماعته الي مورد للعملات الصعبة، بعد أن كانوا مصدر للمتاعب والمصائب والمحن! ولنا في متحف الهولوكوست وقنبلة هيروشيما وسجن مانديلا القدوة الحسنة.
وما يثير الدهشة أكثر، في هذه الجماعة المنفصمة عن ذاتها والمنفصلة عن الواقع، هو تعجب بعض الإسلامويين من حالة عدم الإستقرار التي تجتاح الدول الإسلامية، كسوريا والعراق والصومال وليبيا! في حين أن مصائب تلك الدول ينصب بشكل أساس علي عاتق جماعات إسلاموية شبيهة، إن لم تمثل نسخة كربونية من الجماعة الإسلاموية في الخرطوم، ولو أنها أقل فسادا وبراغماتية منها! مع عدم إستبعاد دعم جماعة الخرطوم لتلك المجموعات المقاتلة، بدلالة محاولة إغتيال رأس الدولة المصرية نفسها، وهذا من جانب. أما الجانب الآخر، لهذا الدمار الذي يجتاح تلك الدول، فمرده سيطرة نظم إستبدادية متكلسة ولفترات طويلة علي تلك الدول، وتاليا، حرمت مجتمعاتها من تطوير أدواتها السياسية، لجهة مزيد من الحريات والسلمية في إدارة الحوارات والصراعات والمصالح الإجتماعية، وفق مرجعية وطنية او دستورية متفق عليها. أما نصيبنا نحن في السودان، ولسوء الحظ، فقد أجتمع علينا قصور الجماعة الإسلاموية وسوء مسلك وطباع أعضاءها، من ناحية! ووصولها عبر المؤسسة العسكرية الي السلطة، لإقامة نظام إستبدادي كريه، او فريد من نوعه وفساده ودماره، من ناحية مقابلة. أي إجتمع علينا مكر الحركة وسوء طوية أتباعها، مع تهور العسكر وجهلهم بأهمية السياسة وضرورة او مواهب السياسيين وفنون القيادة ومهارة إدارة الدولة! أي لإعتبارها مسؤولية ووظيفة حساسة، وليست كتيبة عسكرية او سرية في معركة! أي تم إخضاعنا بواسطة ثيوقراطية دينية بأنياب عسكرية، صادرت فرص الحاضر ومصالحه، بوعود عرقوبية ماضيوية منزَّهة عن القصور، ومرفوعة علي أسنة الكلاشنكوف وفوهة المدافع والدبابات، لا يصدف أن إعتراضها قليلة القيمة وبالغ التكلفة ماديا ومعنويا! لتتم إحالة دولة واعدة سياسيا وتنمويا، الي حالة من القحط التنموي والتصحر المجتمعي والخواء السياسي والجفاف الإقتصادي والظلام المستقبلي الدامس.
بناءً علي أعلاه، يصبح التساؤل الفاضح، ليس في تقديم الوزيرة إستقالتها، بعد ثبوت تطورطها وتورط نجلها، وزيادة الضغوط او السخط العام عليها، ولا في رفضها من جانب البشير! ولكن الذي يفقر فاه التعجب، هو كيف تسني للسيدة الوزيرة المحترمة، أن تقبل منصب من جهة، متورطة في مقتل زوجها وهي تعلم بذلك؟! أي أن تقبل عوض دم زوجها بقبول منصب عام، تعلم قبل غيرها عدم أهليتها له، سواء من خلال التأهيل او التجربة! ورغم انه منصب شرفي وخلق خصيصا للترضيات وجني الإمتياز، إلا أنه يظل منصب دستوري وحساس. علما بأن ذلك سيجبرها علي التعامل وتمتين العلاقات وتبادل المصالح مع قتلة زوجها جهارا نهارا! وصولا للدفاع عن النظام ومكوناته (أي القتلة!) كجزء من إستحقاقات المنصب! أي درك ذاك الذي أوصلتنا إليه الإنقاذ؟ وأي محنة تمسك بتلابيب هذا الشعب الممكون؟ وأي كارثة تحاصر هذا الوطن المكلوم؟ وأدعياء القيم والطهارة هم من يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، ويوزرون زوجه ويطلقون سراح إبنه، غصبا عن القوانين واللوائح التي وضعوها بأنفسهم! مما يدل علي أنها موجهة لبقية المواطنين من غير أبناء الوزراء والدستوريين؟! ولكن ورغم كل شئ، تظل من أهم المكاسب في ظهور خفايا هذه المحاولة الفاشلة، أنها تفتح الطريق أمام المزيد من كشف قضايا الإغتيالات والموت المفاجئ وحوادث الطيران والطرق، التي راح ضحيتها عدد من افراد النظام، غير مأسوف عليهم، ونفر عزيز من أبناء الوطن الأبرياء. وخصوصا أن جميعها يحيط بها قدر غير قليل من الشبهات. أما الأهم من ذلك، فهو إحضار جميع المجرمين الكبار، أمام محكمة الوطن، للقصاص منهم علي كل الجرائم والفساد والدمار. وهذا او دوران عجلة الجرائم والفساد والدمار من دون توقف او إبطاء.
آخر الكلام
الجماعة الإسلاموية تمثل أكبر خازوق ليس في خاصرة الوطن المغدور فقط، ولكن كبقعة او ثقب ظلام، في ضمير الإنسانية جمعا.
خارج النص
أصبحت ثقتي في الإحتفالات بأعياد الإستقلال آيلة للعدم او أقلاه تتناقص بإطراد او عام إثر عام، وذلك بالتوازي مع تدهور أحوال البلاد من سنة لأخري! وكأننا نتطور الي الخلف بسرعة الضوء، لدرجة أصبح فيها الفرد السوداني كائن ماضوي بإمتياز، وهو يدمن الحنين للماضي والضجر من الحاضر والخوف علي المستقبل. وكل هذا إنعكاس لتحكم الإستبداد كمؤسسة سلطوية وكثقافة عامة تحتل فضاء الدولة منذ الإستقلال. الشئ الذي ترتب عليه كتم أنفاس الشعب وقتل حيوية ومبادرات الأجيال المتتابعة. ومن ثم فشل مشروع النهوض الوطني، بضمور أهم أركانه، إن لم يكن إنهيار لهيكله الأساس، وهو مشاركة الجمهور العام، في تصميمه وتنفيذه والإستمتاع بحاصل جهده او إنجازه! وبما أن السلطات الحاكمة لا تعمل في الفراغ، فقد عوض غياب المشروع النهضوي، تضخم المشروع السلطوي، والذي إبتلع كل خيرات وموارد البلاد ولسان حاله يقول هل من مزيد! وتاليا، حرمان الجمهور العام حتي الأساسيات، وهو ما فتح باب الصراعات المسلحة والهجرة الي الخارج وتكريس الإحباط العام في الداخل! والحال كذلك، فالأوفق أن نقيم سرادق العزاء بدل مهرجانات الأحتفال بالإستقلال، مع بزوغ فجر كل عام جديد! وطالما الإستبداد يزداد توحشا ويلقي بكلكله علي كل فضاء الدولة وكاهل المواطنين.
وأجب عزاء
نسأل الله أن يتغمد المرحوم الأستاذ تاج السر مكي بواسع رحمته، وأن يحشره مع الصدقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وأن يتقبله قبولا حسنا. لا أستطيع الحديث عن مناقب وشمائل المرحوم، فهذه متروكة لأصدقاءه وزملاءه والمقربين منه، فهم أقدر علي التعبير عنها، ولكن ما أستطيع تأكيده من خلال متابعتي لكتاباته في صحيفة الأيام، خصوصا في فترة سابقة كنت أدوام فيها علي قراءة هذه الصحيفة الرائعة، بروعة قبطانها الأستاذ محجوب محمدصالح. أن الأستاذ المرحوم كان شخصية محترمة جدا، في ظل وجود وسيطرة نظام يكره الإحترام ويعادي المحترمين! وفي الختام لا يسعنا إلا إرسال تعازينا الحارة، لأسرته وأصدقاءه وقراءه الكرام ولسان حال حزننا يردد معهم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
إعتذار وأجب
نعتذر عن الخطأ غير المقصود في العنوان السابق، بسبب عمليات النسخ واللصق، لتظهر كلمة مفاهيِّم مبتورة حرف الميم، ونكرر الإعتذار لقراء الراكوبة الأعزاء ولإدارة التحرير بصحيفة الراكوبة الغراء. ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.