الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة الحكمة الأفريقية وهروب العقل الإنقاذي و(عن نموذج الدكتور غازي)
نشر في الراكوبة يوم 11 - 09 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
لا يختلف شخصان متحضران حول، أن أفضل وسيلة لحل أي خلاف، هي الحوار بنية الوصول لتفاهمات او توافقات او حلول مرضية للقضية مثار الخلاف، او أقلاه الإبعاد الكامل لكل وسائل وآليات ومنطق العنف، من دائرة التعاطي مع تلك الخلافات. بمعني، تلازم السلمية والعقلانية ورفع سقف القيم، مع حالة التحضر. والعكس بدوره صحيح، أي تلازم العنف مع غياب العقل وخفة القيم، أي حالة إستدعاء الغرائز، ومن ثم تحكُّمها في ممارسات ورؤية ووعي الفرد، مع حالة التوحش. ومجمل هذا، أن هنالك فرق بين السياسي الحقيقي، الذي يجسد الحالة الأولي، والسياسي(المزيف) او اللاسياسي، الذي يجسد الحالة الثانية! والذي يُحيِّل السياسة الي مجرد وسائل وطرائق إرهابية، لتنفيذ أغراضه! وفي الغالب هي أغراض تسلطية تملكية، لا يندر أن تكون ذات سمات مرضية، تتمحور حول الذات المأزومة. بتعبير آخر، ما يفسد البيئة العامة، ويحولها من بيئة سياسية صحيَّة، قابلة لإستيعاب التباينات والرؤي المختلفة وصراع المصالح، كمحصلة طبيعية للإجتماع البشري، في إطار سلمي. ألي بيئة فاسدة بالمطلق، لا تسمح إلا بنمو الفساد وإزدهار المفسدين! هو ولوج عناصر ليست مفتقدة لمهارات السياسة وحنكة وموهبة السياسيين الحقيقيين فقط، ولكنها متدنية السوية الإنسانية والحساسية الوطنية أيضا! وتاليا تفرض علي اللعبة السياسية منطق العنف، كمنطق وحيد ومتحكِّم! والذي بدوره يحجم ليس السياسيين المحترفين والموهبين فحسب، وإنما يطرد السياسة وقيمها وروحها السلمية من الملعب! أي بتجريدها من مضمونها التنافسي الخدمي الإداري الحضاري المفتوح علي التطور! وإحالتها جميعا الي الهامش! تاركة الساحة والمساحة لسيادة منطق اللاسياسة، وتحكمه في البيئة العامة! أي كوسيلة وحيدة لتحكُّم اللاسياسيين، أو أرباب العنف والإرهاب، وصنائع غرائز البداوة وقانون الغاب.
إذا صح أعلاه، يصبح لا فرصة لبقاء البشير وزمرته، أو إستمرارهم ممسكين بدفة السلطة، والتمتع بإمتيازاتها ومكاسبها المجانية! إلا بإستدامة الأوضاع اللأسياسية، التي تفرض علي بيئة الداخل الوطني. أي بإعتبارها الوسط الوحيد، الذي يمكِّن البشير من التنفس السياسي، وممارسة حياته السلطوية التسلطية بصورة طبيعية! خصوصا وأن الموهبة السياسية والروح القيادية، معطيات مسبقة! ونصيبه منهما كفرد بسيط هو الحرمان. وإضافة الي ما يشكله ذلك من فعل إعاقة، للتطور السياسي المدني الديمقراطي بصورة طبيعية! وما يستتبع ذلك من مآسٍ إنسانية وكوارثٍ وطنية. إلا أنه حرم البشير نفسه ووطنه، من مواهب أخري قد يتمتع بها! كحراسة الحدود او(مساعدة ناس الحلة في حفر القبور). المهم، ما يهمنا هنا، هو أن رفض البشير لقرارات او توصيات مجلس الأمن والسلم التابع للإتحاد الأفريقي، يستقيم تماما مع نموذج البشير اللاسياسي. أي منبع الرفض ليس بسبب عدم موضوعية تلك التوصيات، ولكن لغياب القناة التي تستوعبها، او البيئة السياسية الطبيعية، التي تسمح لها بالترعرع والنمو، لتعطي ثمارها الديمقراطية التنموية الإستقرارية. وبكلمة محددة، لإنعدام الأرضية المشتركة التي تجمع بينهما. أي بينما تتحدث مقترحات مجلس الأمن والسلم الأفريقي، لغة سياسية توافقية تعلي من شأن الحوار الوطني الشامل، كمخرج وحيد للأزمة الوطنية الشاملة بدورها! والمتمثلة في العجز عن بناء الدولة السودانية الديمقراطية، علي أسس حديثة وعادلة، تتعاطي مع التعقيدات الوطنية المتشعبة، من منطلق عقلاني ومنهج علمي وعمل مؤسسي صارم. نجد أن البشير ينظر لموضوع الحوار الوطني، بمنظار السلطة والحكم كملك عضوض حصريا! أي يعتقد البشير أن حل أزمة الوطن، إن وجدت، بعيدا عن أصابع المخربين وتربصات المؤامرات والمتآمرين! فهي تتمثل في إقتسام جزء غير مؤثر من السلطة، مع بقية المكونات الوطنية المعارضة. التي تتلبسها شبهة الخيانة والشكوك والعمالة، من أعلي رأسها وحتي أخمص قدميها! بمعني، يستبطن وعي البشير للأزمة الوطنية، المنازعة حول سلطة يختص بها وحده، او يمتلكها بشكل حصري! وتاليا، أعلي سقف للحلول يسمح به، يجب أن يقل عن سقف نفاذية تحكمه السلطوي المطلق، وعلي ألا يحد من إمتيازاته المجانية الشاملة. أما ما دون ذلك(إذا تبقي شئ جدي!) من الهوامش، فذلك كل ما يسمح به عطاء البشير الوطني السخي. وفي الحقيقة تلك النزعة الإستحواذية الشاملة، لا يختص بها البشير وحده. ولكنها سمة تميز كل الإنقلابيين، الذين يتحولون آليا الي طغاة. يختزلون الدولة بمؤسساتها وشخوصها وحاضرها ومستقبلها! الي مجرد منطق سلطوي فردي، وآلية جلب وإحتكار للمنافع والسلطة! وهما بدورهما، يحكمان تفكيرهم وميولهم وتصرفاتهم. أي ما يطلق عليه، حالة الفرد الدولة والدولة الفرد. وبالطبع هي حالة لا تنفي السياسة وتحتكر السلطة و تلغي الدولة وتحتقر المجتمع فحسب، وإنما تحوِّل شذوذها ومفارقتها للمنطق والقيم، الي معايير تقاس بها مدي الوطنية والوعي والأصالة! وتاليا، كل ما يخرج عن هذا الإطار، سواء أكان فعل او فاعل، لا يصبح فاعله فعله، خائن/خيانة عميل/عمالة مخرب/تخريب فقط! ولكن يجب إستنكار وإدانة ورفض الفعل، وإستباحة الفاعل وطنيا وأخلاقيا وماديا. مع إستصحاب كل ذلك، يصبح التذرع برفض الإتفاقيات الخارجية، أو رفض مساهمات الخارج في طرح حلول للمشكلة السودانية المركبة! هو وسيلة تنصل وخداع، وهروب من دفع إستحقاقات الحلول، ليس أكثر ولا أقل. والدليل أولا، أن الخارج لا يتدخل إلا بعد تفاقم المشاكل، وعجز السلطة المسيطرة في الداخل، عن تقديم حلول عملية، او مجرد إتاحة الفرصة لكل المكونات الداخلية، للمساهمة في طرح الحلول التي ترتضيها غالبية المواطنين. وثانيا، إذا كان هذا الرفض مبدئيا، لرفضت سوابق الإتفاقيات التي تمت كلها في الخارج وبرعاية الخارج، هذا من ناحية! ومن الناحية المقابلة، لم تكن هنالك حاجة لإنتظار ظهور التوصيات أصلا! لأن الإنتظار يعني، إذا كانت التوصيات تخدم خط البشير، ورغبته في تأبيد الرئاسة لشخصه، فهو يقبل بها دون مناقشة! وإلا فمصيرها الرفض، كما أعلن بملء فيه، وأمام القوات المسلحة! أي كأن خطاب الرفض يتحدي الشعب، وهو يستند علي تأييد القوات المسلحة. وثالثا، لأن الوعي المأزوم والسلوك الإجرامي، لا يتحرج من الخارج فقط، ولكنه يتخوف من الداخل أيضا. بدلالة الإشارة للقوات المسلحة اعلاه! بمعني، إن غياب الشرعية الحقيقية، يجعل صاحبه دائما في حالة، تشكك ورعب وخوف، ومؤكد أن نفسيه مرعوبة كهذه ووعي مشوش كذاك! يستحيل في حقهما، إستيعاب حوار او إمتلاك قدرة علي البناء والتعمير والإنجاز! لأن كل ما يعنيها هو الحرص علي البقاء، متوسلة في ذلك العنف والخداع، سواء أكان عبر القوات المسلحة والأجهزة الأمنية او عن طريق الأذرع الإعلامية والإغراءات المادية! لترهيب المعارضين، وإستمالة المناصرين وشراء المؤيدين! وإن تعرضت مصالح البلاد العليا للخطر والتهديد.
ولكن كل تلك المماطلات والتسويف، وإتخاذ مؤامرات الخارج كشماعة، يعلق عليها مشجب الرفض غير المبرر؟ لا تمنع الإشادة بالإتحاد الأفريقي، الذي أثبت من خلال مجلس الأمن والسلم خاصته، وعبر نشاطات او الحركية الدؤوبة للآلية الأفريقية رفيعة المستوي. أن الحِكمَّة الأفريقية، ولو أنها أتت متأخرة، إلا أنها مطلوبة. وأن الجهود المضنيَّة التي بذلتها الآلية، قد مكَّنت المجلس في النهاية، من صياغة مطلوبات، إذا ما تم الإخلاص في تنفيذها، فهي ستشكل نقلة. ليس علي مستوي، حل الأزمة السودانية المستحكمة فحسب، وإنما كبداية فعلية وجادة لحل كل مشاكل القارة المتناسلة! والتي تعطلت دولها كثيرا، عن اللحاق بركب المجتمعات المتقدمة! وهي تتمسك بالإستبداد والفساد وسوء الإدارة، كأبرز التجليات التاريخية للسلطات الحاكمة، لهذه المنطقة المظلمة من العالم. المهم، لم يكن ذلك النجاح ليُتاح لها، لولا أنها إلتقت بكل الأطراف المتنازعة، من جهة. والجهات وثيقت الصلة بالأزمة، سواء أكانوا من الأكاديميين او القانونيين او منظمات المجتمع المدني او ضحايا الحروبات والنزوح، من الجهة المقابلة. وتاليا، تفهمت وجهات النظرها جميعها، بعقل مفتوح وعزيمة حل صادقة وأمينة، ومع إستصحاب السلمية والحوار والرغبة في بناء دولة ديمقراطية حديثة. وتمثل ذلك بوضوح، في شمولية الرؤية للأزمة الوطنية، والتي تتطلب بدورها شمولية الحلول. وذلك عبر مقترح الحوار الوطني الشامل، الذي لا يستثني أحد، او قضية من القضايا مثار الخلاف. علي إعتبار أن كل المشاكل، مصدرها كما أسلفنا، العجز عن بناء الدولة الوطنية الحديثة، التي تستوعب الجميع بقدر ما تمثل الجميع. والتي تم الإستعاض عنها، بإحتكار السلطة لدي فئة صغيرة، تفرض أجندتها الخاصة ومصالحها الأشد خصوصية، علي بقية المكونات داخل الوطن! وبصريح العبارة، تم إحتلال الوطن ومنع بقية المواطنين، أن يكونوا مواطنين مؤهلين، لنيل حريتهم وبقية حقوقهم ومستحقاتهم. المهم، من خلال هذا المنظور الشامل، تم إدراج مشكلة دارفور، كجزء من الأزمة الوطنية الشاملة والخانقة، وكذلك حلها. وبنفس القدر، علاج المشاكل مع دولة جنوب السودان، تمر عبر هذا المدخل. أي يمكن حلها آليا، بمجرد الوصول لتفاهمات بين الفرقاء/الشركاء الوطنيين! أي كمخرجات للحوار الوطني الشامل، الذي يخاطب جذور الأزمات الوطنية، بكل تعقيداتها وتشعباتها وإنعكاساتها الخارجية. بمعني، الحوار الشامل بين جميع الفرقاء الوطنيين، يمثل الخطوة الأولي لوضع الدولة السودانية علي الطريق الصحيح أولا، ومن ثم قابليتها لحل المعضلات التي تعترض طريقها ثانيا. وبناءً علي ذلك، أي محاولة للإلتفاف علي هذه الرؤية الصحيحة والواضحة والشاملة(وللأسف المعلومة والمكرورة منذ أمد بعيد، إلا للغافلين الإنقلابيين!) تمثل إعادة غبية لإنتاج الأزمة الوطنية، وبصورة أشد إستفحال؟! أي الرفض والمماطلة والتشكك في قيمة وموضوعية المقترحات، المقدمة من مجلس الأمن والسلم الأفريقي، لا يمثل موقف وطني او أخلاقي بحال من الأحوال! والأسوأ أنها تعني الإعراض عن الحلول، وإضاعة الفرصة تلو الفرصة، وبكل ما يسببه ذلك من إشكالات آنية وأخطار مستقبلية، تعرض وجود الدولة السودانية ذاته، لمخاطر التفكك! ومن ثم تعريض أغلب دول القارة، ببناءها الإجتماعي الهش، وتطورها الإقتصادي المضطرب! الي خطر الإصابة بعدوي الإنحلال والتفكك والحروبات الأهلية العدمية. وبتعبير آخر، الإتحاد الأفريقي وعبر مجلس الأمن والسلم، لا يقدم بطرحه هذا، قبلة الحياة لنظام الإنقاذ المتهالك فقط، ولكنه قبل ذلك يستبق الأحداث، لحماية دوله الأعضاء، من هبوب رياح التغييرات العنفية، او ثورات الجماهير السلمية، وبطريقة مشابهة للربيع العربي المغدور. أي يحاول الإتحاد أن يجنب دوله الأعضاء، إعادة إختراع العجلة، أو التصدي للحتمية التاريخية في التغيير! من خلال التمسك العدمي، بطريقة حكم بدائية وبالية، عبر نظم هرمة وشائخة، إستهلكت نفسها وأفسدت عصرها، وأصبحت عبء ليس علي الحاضر فقط! ولكن علي مستقبل تماسك المجتمعات وبقاء الدول ذاتها. والتي يهددها آنيا عناد و(كنكشة) دائرة ضيقة من النظم التسلطية، تفتقد المرونة والقابلية للتغيير. لكل ذلك يحاول مجلس الأمن و السلم الأفريقي، بطرحه الموضوعي السالف الذكر، أن ينزع فتيل الإشتعال، بتوجيه دفة الصراع الحتمي، في إتجاه المسارات الحوارية السلمية. علي إعتبار أن مجلس الأمن و السلم الأفريقي، أكثر أجسام الإتحاد، مماسة للهواجس والجوانب الأمنية، ومعرفة بمغبة تعرض تماسك المجتمعات الهش، لمزيد من الضغوطات الإقتصادية والسياسية والأمنية، في أفقٍ مسدود! لأنه لا محالة سيقود الي الإنفجار الذي لا يحمد عقباه، او تسهل السيطرة علي حدوده وتفاعلاته ومداه. خصوصا عندما يرتفع سقف الظلم والضيم والإستخفاف ببقية المكونات، او يستوي الموت والحياة لدي الشعوب المقهورة! والتي إرتفع سقف تطلعاتها، بإرتفاع درجة وعيها وقوة إحتكاكها ومعرفتها بالعالم الآخر، في الضفة الأخري من النهر. وما تعيشه مجتمعاته من رفاهٍ وإحترامٍ لكرامتها الإنسانية! والتي تمرغت في وحول وكهوف القارة الأفريقية، تحت سنابك الطغاة وهجمات الإرهابيين. علما بأن أول المتضررين من هذا الإنفجار، هم الطغاة أنفسهم وأنصارهم! ولكن(أنظر لشدة هذه الغفلة رعاك الله! وليكن في خاطرك مصير القذافي وصدام وهتلر..الخ ولكن كما يقال ما أكثر العبر وأقل الإعتبار، ونضيف كثرة الواردين الي الجحيم بغير معرفة او خلق او دين). لكل ذلك ليس بمستغرب، أن يُحمِّل مجلس الأمن و السلم الأفريقي، حكومة الإنقاذ الإسلاموية، العبء الأكبر لإنجاح هذه المقترحات. وذلك من ناحية، لتباطؤها وفساد محصولها الحواري خلال الفترة الماضية! ومن ناحية أخري، عبر القيام بمبادرات جادة، والشروع الفوري في إجراءات بناء الثقة. وبالطبع لم يهمل تنبيه الأحزاب المعارضة، بوصفها الطرف المظلوم والمهضوم حقوقه، كباقي قطاعات المجتمع المحلي، أن تلتزم تعهداتها، بالأقبال علي الحوار بصدر مفتوح ونية سليمة ورغبة أكيدة، في الوصول الي إتفاقات مرضية. او أقلاها الإتفاق علي خطوط عريضة، يمكن تطويرها والبناء عليها مستقبليا. ولتسهيل تلك الإجراءات وكسر الحواجز النفسية وإنعدام الثقة بين الفرقاء، كان الإقتراح أن تتم لقاءات وتحدد أجندات..الخ قبل إنعقاد الحوار بمدينة أديس أبابا، مقر الإتحاد الأفريقي. ولتأكيد جدية مجلس الأمن والسلم الأفريقي، تم ربط هذه التوصيات بسقف زمني محدد(ثلاثة أشهر) وتهديد مبطن بإشراك مجلس الأمن في الرقابة والمتابعة والمحاسبة. ولكن أعتقد أن كعب أخيل توصيات مجلس الأمن والسلم الأفريقي، او الثغرة التي ستتسرب منها جهوده وتتضرر منها سمعته! تتمثل في قدرته علي فرض رقابته، وتاليا، محاسبته للجهات المتنصلة او الرافضة للحوار. وهو ما كان يستوجب ليس الصرامة والوضوح فقط، ولكن الشروع الفوري في الإعداد لحزمة من العقوبات والحصار والشدة القصوي، في التعامل مع كل من يخل بروح الحوار الشامل، ناهيك عن رفضه. ولكن المفرح أكثر في المقترحات، أن هنالك شق يحمل إغراءات. أي الوصول الي تفاهمات او حلول للأزمات، يفتح المجال الواسع والأبواب العريضة، لحزمة من المساعدات الإقتصادية والدبلوماسية، ومن بينها الإعفاء من الديون، وذلك بالتنسيق مع دولة جنوب السودان. والأهم من ذلك، رجوع الدولة السودانية لحالة الدولة الطبيعية! أي تألف العالم ويألفها العالم، وتتحدث لغة الدبلوماسية والحوار والتعاطي الإيجابي مع الآخرين! عبر إعادة ترميم الذات أولا والعلاقات مع الآخر ثانيا. أي تصحي من هذه الغيبوبة، او حالة الجزام الإسلاموية والأيدز الإنقلابوية ولغة التشنجات العصبية! التي نفرت كل دول العالم منها، بل وإمتنعت عن التعاطي مع هذه الدولة الموبوءة، بسلطتها المغتصبة الحرام! مع إستثناء الدول المنبوذة بالطبع، والتي يبدو أنها تألف بعضها أيضا.
في سياق متصل او عند المرور عبر الممر أعلاه، لا يمكن إغفال ظاهرة، تكاد تكون مسلسلية من شدة تكرار نسخها الكربونية! وتحديدا منذ تدشين حقبة الإنقاذ الثانية، او الطبعة الخالية من السيطرة الترابية! والتي تعري فيها الصراع السلطوي، من كل مخيط ديني او غطاء وطني! وزادت فيها حِميَّة الطواف حول كعبة السلطة، بكل جرأة وتجرد وإخلاص. والمقصود، إنبعاث كل من تلفظهم قوانين اللعبة السلطوية، بعيدا عن مركزها، من قبور التهميش! وإنبلاجهم من جديد في ساحات الأحداث، كناصحين أمينين ووطنيين غيورين! وكمواهب مبدعة فرَّطت فيها السلطة الضالة، التي لا تعرف قدر الرجال ومجاهدات الأبطال، في تثبيت أركانها وشموخ عزتها وصولجانها. أما نجم المسرح هذه المرة، فهو ممثل السلطة السابق في الوزارات، وقائدها القدير في المفاوضات، البطل صلاح الدين الأيوبي، أقصد العتباني. الذي أتحفنا بمقال طويل عريض، يقطر حكمة ووطنية ونصائح مخلصة وأمينة، تتقصد رفعة الوطن وخير المواطنين، وسلامة الدنيا والدين! ولكن لدينا بعض النقاط او الملاحظات حول المقالة الموصوفة أعلاه وتتمثل في الآتي:
اولا، نشكره علي تذكرنا نحن جموع المواطنين، وطرحه الأمر علينا، خارج إطار الدوائر الرسمية وقيود المناصب(قمة التواضع!). علما بأننا نحن جموع المواطنين، لم نكلف أستاذ الكيماء الحيوية السابق في كلية الطب، الدكتور غازي العتباني، لتقلد هذه المناصب! والذي جردنا بدوره، من هذا الحق وغيره من الحقوق، عبر إشتراكه في مصادرتها إنقلابيا! وإيرادنا هذه الجزئية، لأنها مفصلية، او قاعدة تبني عليها كل ما يذكر أدناه وغيره. بمعني وقبل كل شئ، السيد غازي إنقلابي كالبشير، ولا يقلل من جرمه، صفته المدنية او إبعاده قسريا من مواقع النفوذ، او إبداعه في طرح حلول لهذه المأساة الوطنية، مهما كانت موضوعية او حقيقية او مخلصة! إستنادا علي القاعدة القانونية القائلة، ما بني علي باطل فهو باطل، أي(زواج غازي من السلطة باطل! ونقده لها أكثر بطلان!!) وتاليا نصائحه لا تتعدي كونها إبراء للذمة، او تخفيف من حدة الجرم! وهذا إذا كانت سليمة ومخلصة، كما أسرفنا في التسامح وحسن الظن أعلاه.
ثانيا، ذكر الدكتور غازي في مقاله، أنه أُختير لقصد تخريب مبادرة إيقاد، نسبة لتحولها الي شرك او فخ، القصد منه الإيقاع بالسودان(يجب التنويه مبكرا للخلط المحكم بين السودان وحكومة البشير/ الترابي او حكومة البشير لاحقا، مما يوحي بأنهما شيئا واحدا او مصلحتهما واحدة، وهذا بالطبع تخليط وتدليس وتضليل متعمد وإجرامي!) نسبة لعداء الدول المكونة للإيقاد للسودان. بمعني، أن دور القائد غازي تدميري بإمتياز! ولا نعتقد أن هكذا دور، يحتاج لمهارة او كفاءة، حتي يُنتدب لها شخص بمواصفات القائد غازي! أي هي مهمة مسيئة لدكتور غازي ومشككة في ملكاته، وليس كما يتوهم، أنها مهمة خطيرة ونبيلة، وتحتاج لقدرات خاصة ومواهب عبقرية لا يمتلكها إلا هو! فهو إن كان محنك ومقتدر بحق، كان يمكن أن يطرح بدائل علي الإيقاد، تحرجها وتلقم حكوماتها حلول عملية وموضوعية تعجز عن رفضها! او علي الأقل تحِد من تأثيرات التحامل السلبي لدول إيقاد علي السودان! وإلا أين هي المهارات والمقدرات الفذة والحنكة إذن؟! وما دور وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية أصلا؟!! يؤسفني أن أقول أن دكتور غازي بقبوله هذا الدور، تحوَّل الي دباب سياسي او داعش سياسي بلغة اليوم! مهمته الهدم والتخريب كإنجازات حصرية؟! أما حديثه عن إنجازات الوفد وكفاءته في أداء المهمة في مدة زمنية لا تتعدي(35دقيقة) فهذا ما يؤكد أعلاه وليس العكس! أما الحديث عن، أن إلغاء المبادرة، تطور الي إنجاز أفضل بعد ذلك، فهذا ما تكذبه شدة المعارك وكثرة الخسائر البشرية والمادية! وبديهيا بل وعمليا، تزداد حدة المعارك ضراوة والخسائر إرتفاع، عند إنعدام البدائل السياسية. ومؤكد أن فعل الإلغاء الأخرق، هو أبرز مظاهر الغياب لهذه البدائل! ولا ندري إذا ما كانت هذه الخسائر، داخل حسابات الدكتور الهمام؟ ولكن هذا بدوره يقودنا الي النقطة التالية.
ثالثا، حديثه عن الهجوم الشخصي الذي تعرض له من الإعلام الغربي، ووصفه بأنه متطرف! وبعيدا عن نبرة الفخر المستترة في هذه الجزئية، وكتأكيد لإطمئنانه علي سلامة موقفه(إلغاء مبادرة إيقاد) فقد نام بعينٍ قريرة وقلب شافٍ! ولكن للأسف، لا يعلم أن ثمن هذا النوم وسلامة هذا القلب! تنعكس علي أقوام آخرين، إنتهاكا لحقهم في الحياة والوجود، وخراب للعمران والبيوت؟! وإذا سايرناه في منطقه المغلوط وموقفه اللاإنساني، وأعتبرنا إخواننا الجنوبيين أعداء للوطن والله خالقهم! فما بال أبناء تنظيمه وحزبه، الذين يموتون في الجنوب سنبلة، كوقود للحرب العبثية والأصح كثمن للعبة النخب السلطوية! أليس لهم الحق في الحياة الآمنة وسط أهلهم وأترابهم وإحبائهم؟ وللأخِرين بنفس القدر حق عليهم. ألأنَّ مرتبتهم التنظيمية منخفضة والإجتماعية متدنية، وينحدرون من الريف والهوامش، وينتمون للأطراف القصية! ولا يملكون كغازي المصالح السياسية والإجتماعية والتجارية! ولا ينعمون كأبناء غازي وأقربائه وأصدقائه وزملائه، بالأمن والأمان والنعيم والرياش، تعليميا ومعيشيا وإجتماعيا ومستقبليا! لا يُضع لهم إعتبار او تُلقَ علي همومهم بال، او أكباد أهاليهم نظر ووجع فقدهم وبتر أعضاءهم إحتمال! وهو يلغي الإتفاقية بجرة قلم ودم بارد؟! هل في مسلك عدمي متبلد الحس ميت الضمير كهذا؟ أي نوع من المسؤولية الوطنية او الأخلاقية، او أداء للأمانة التي صدعوا بها رؤوسنا! ناهيك عن المهارة والكفاءة..الخ التي تجلب راحة البال والنوم الهادئ! بئس المسؤولية التي يضطلع بها الدبابون السياسيون، والأمانة التي تقع علي عاتق الدواعش الإرهابيين.
رابعا، الإشارات الصريحة او الضمنية، لسيطرة المجتمع الدولي علي الإتحاد الأفريقي، عبر نفوذ دول المجتمع الدولي، علي مكونات الإتحاد الأفريقي، والتي قال في حقها ما لم يقله أشرس المعارضون لتلك الدول! علما بأن حكومة الإنقاذ أسوأ وأضل سبيلا منها منفردة او مجتمعة! وجزء أساس من هذا السوء وذاك الضلال، أسس لها الدكتور غازي، مع بقية شلة الإسلامويين وطغمة العسكر! ورغم التناقض البيِّن، بين موقف دكتور غازي المعادي للدول الأفريقية وبصورة أخص الإتحاد الأفريقي، وموقفه المناصر للحكومة السودانية(والأصح الحكومة البشيرية)، رغم التشابه بينهما في الظروف والمآلات، وكما أسلفنا، تدني وضعية الدولة البشيرية مقارنة بتلك! إلا أن هذا التناقض يشكل سمة أساسية، إتصف بها الإسلامويون ككل! لدرجة أصبحت ملازمة لهم في حلهم وترحالهم حكمهم ومعارضتهم، ولا نظلمهم إذا قلنا أنها مكون أصيل في بنية وعيهم وممارساتهم! لا لشئ إلا لرغبتهم في التميز عن الآخرين، وإستسهال الطرق والوسائل للسيطرة عليهم والتحكم بهم، إنتهاءً بحكمهم بشكل مطلق والي الأبد. ولكن المغزي، أن دكتور غازي يتخوف من موقف المجتمع الدولي المعادي للدولة السودانية! ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحالة، وبعيدا عن فوبيا العقائديين بصفة عامة والإسلامويين بصفة خاصة، من المجتمع الدولي وتحديدا أمريكا، وبعض الدول الغربية بدرجة أقل! والنظرة الي الخارج كمؤامرة مفتوحة علي الدوام. ما هي خطورة هذا الخارج او المجتمع الدولي تحديدا؟ هل هي إستغلال موارد الدولة لمصالحه الخاصة؟ هل هي زرع الفتنة بين مكوناتها الداخلية، ليصفو له جو النهب والحكم والسيطرة، دون مقاومة تذكر؟ هل هي تعطيل مسيرة البناء الوطني..الخ؟ هل هذا كله او غيره ما يتخوف منه الدكتور غازي، والأصح ما يخوفنا منه/به الناصح غازي؟! ولكن عفوا دكتور غازي، ماذا فعل الإسلامويون بقيادة غازي وغيره والعسكر بقيادة البشير وزملاءه بالدولة السودانية؟! ألم ينهبوا الدولة كما لم تنهب دولة من قبل؟ ألم يؤججوا نيران الفتن، ما ظهر منها وما بطن، بين المكونات المحلية، وصولا الي إستخدام سياسة فرق تسد، وحارب أقتل خرب! كوسيلة وحيدة لإستدامة السلطة المغتصبة في حوزتهم؟ غاضين الطرف عن كل الخسائر والحرائق البشرية والمادية، التي طاولت كل الوطن، ومست كل المواطنين بشرورها؟ ونفس الكلام يمكن أن يقال، عن المتاريس المادية والعقبات النفسية، التي وضعتموها أمام بناء الدولة الوطنية المنشودة، وراكمتموها أمام إكتمال نضوج وتماسك او إندماج وإنصهار لحمتها المجتمعية. إن لم نقل أرجعتموها الي ما يشبه العصر الحجري بمقياس الراهن الحضاري، بعد أن تم إهدار وأعدام كل فرص وممكنات تطورها؟! وهو ما يحتاج الي معجزة حقيقية، لمجرد إرجاعها الي ما قبل عهد الخراب الإنقاذوي، ناهيك عن إعادة بنائها علي أسس حديثة، كما يشتهي أبناءها البررة. ولكن لا يأس مع الأمل والعمل والإيمان بالوطن والثقة في المواطنين. والخلاصة، أن ما فعله نظام الإنقاذ بالوطن، لهو أسوأ بما لا يقارن، مما قام به الإحتلال! وأكثر سوء مما يتُصور أن هنالك عدو يمكن أن يُحدثه في عدوه. وعموما، لا يوجد أسوأ من حكومة الإنقاذ، سواء في الحاضر او الماضي او ما يمكن توقعه في المستقبل! ولذلك الخطر الحقيقي الذي تتعرض له الدولة السودانية، وبصورة أخص المجتمع السوداني. هو خطر الإنقاذ، كنظام وشخوص وطريقة عمل وآثار..الخ! أما الأخطار الأخري الخارجية او غيرها، فالدولة الحديثة والشعب اليقظ، كفيلان بهما. وهذا إذا لم تكن نصفها خرافة، أسست لها ورعتها ووظفتها أنظمة الطغاة، لتعالج بها عجزها وفشلها وتقصيرها في وأجباتها، والأهم تداري بها عدم شرعيتها. لكل ذلك، نُطمئِّن دكتور غازي، بأن هذه الحيل والألاعيب أصبحت لا تنطلي علي أحد، بعد أن فقدت بريقها وكسد سوقها، إن لم تثبت الأيام والأحداث أن العكس هو الصحيح؟! أي إتخاذ الأنظمة غير الشرعية كمداخل لتنفيذ غايات الخارج، وما موضوع الإرهاب والتعاون الأمني والعمولات، وفتح البلاد علي مصاريعه للمنظمات والدول المشبوهة، منا ببعيد! ولكن الأهم وكخاتمة لهذه الفقرة، لا تعني أمراضكم وعقدكم من الخارج، أنها نفسها مشاكل وحاجات وهموم السودانيين! ويكفي بعد هذه المحن والآلام والأخطاء المركبة، إسقاط مشاكلكم وأوهامكم وفشلكم، علي كاهل هذا الشعب المسكين. الذي قدم لكم الكثير، لتتعلموا وتتطوروا وتصعدوا إجتماعيا وإقتصاديا! وأنتم بدوركم تقدمون له جزاء سنمار.
خامسا، تحامل دكتور غازي المفضوح ضد الإتحاد الأفريقي، وغير إتهام الأخير كأداة طيِّعة في يد الولايات المتحدة، فإنه يعجز حتي عن إبداع لغة خاصة به! ودليله علي ذلك الجملة النمطية حسب قوله وهي(ترحب بالإنسحاب من هجليج، وتدعو الي وقف القصف الجوي علي جنوب السودان). فتعبير كهذا رغم وضوحه وملاءمته للقضية مثار النزاع، إلا أن السيد غازي حمَّله ليس ما لا يطيق فقط، ولكن إعتبره خلط متعمد بين الجاني والضحية، ومعادلة للجرم بين الطرفين! أي العدوان الذي إعترفت به دولة جنوب السودان(بشجاعة) وأنسحبت بعده (بشجاعة أكبر)، وبين المعتدي عليه، أي دولة الشمال. والتي مازال طيرانها يضرب دولة جنوب السودان، حتي بعد الإنسحاب. بمعني، يحاول دكتور غازي أن يعطي حكومة الشمال، الحق في أن تواصل ضربها لدولة جنوب السودان، وإعتبار هذا الضرب حق مفتوح، يستوجب أي لا يُعترض عليه؟! بمنطق معوج وعدواني كهذا، يمكن أن تستمر الصين في ضرب اليابان والروس في ضرب الألمان والكويت في ضرب العراق..الخ، الي ما لا نهاية ودون إعترض من أحد! وذلك حتي لا تتم المساواة بين الجاني والمجني عليه. وبغض النظر عن الأمثلة التي ضربها دكتور غازي، إلا أن مضمون حديثه يحمل معنيين، أولهما، أن هنالك تحيز ضد دولة الشمال لصالح دولة جنوب السودان، من قبل الإتحاد الأفريقي ومن خلفه الغرب بعنوانه العريض الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا صح هذا الإدعاء، او كانت هذه قناعة دكتور غازي وتنظيمه وحكومته! إلا يشكل ذلك إعتراف صريح بقوة الغرب ونفاذية تأثيره! وهو ما يستدعي تاليا، التعامل العقلاني مع الغرب. بدلا عن لغة الصياح والهياج والمواجهة الدعائية الفارغة، التي لن تقتل ذبابة! ولو أنها تخلق حالة عداء وكره مفتعل مع الغرب، وتاليا الحرمان من فرص ومساعدات، المجتمع في أمس الحاجة إليها. أما الأسوأ من ذلك، أن لغة التحدي والعجرفة او العباطة الدبلوماسية، هي للإستهلاك الجماهيري! أما اللغة الفعلية في الباطن، فهي لغة المسكنة والإنبطاح والإستجداء، التي تضمن صمت الغرب عن الإنتهكات المرتكبة! او تمنع تحركه الجاد لردعها والتخلص منها. وثانيهما، الجملة او التعبير عادي، وتتردد أصداءه بكل اللغات الدبلوماسية، التي تدخل كوسيط لحل الإشكالات بين الفرقاء. ولكن المشكلة تكمُّن في المتلقي، وخصوصا إذا كان مأزوم حضاريا كالإسلامويين، وبصورة أكثر خصوصية لنموذجهم المتعصب، كالدكتور غازي. ففي هذه الحالة، لا تُحمَّل مثل هذه التعبيرات العادية، ما لا تحتمِل فقط! ولكن تتحول ترجمتها او تفسيراتها الي أسلحة هجومية ودفاعية، ضد عدو وهمي! لا يتواجد إلا في مخيلة مهزومة ونفسية إنهزامية، كمخيلة ونفسية دكتور غازي وصحبه. أي تتحول كل اللغات الي مفخخات، والآخرون الي أعداء، فقط بوصفهم آخرين! لمجرد أن دكتور غازي وصحبه يتوهمون ذلك، والأصح يتمنون ذلك، حتي يثبتوا صحة مواقفهم وصدقية مخاوفهم، وطهرانية أقوالهم وأفعالهم! وتاليا أحقيتهم بالإمارة، كحراس وأوصياء علي الأمة.
سادسا، ملاحظة تتعلق بتقييم دكتور غازي للقرار الذي وصفه بأنه ملئ بالعيوب الشنيعة، والإنحياز للحركة ولغته حمالة أوجه. ولكن واقع الحال، أن وعي دكتور غازي بالقرار هو الوعي المشوه والشنيع والملئ بالنواقص والنواقض، كما أشرنا أعلاه. والإنحياز المجاني لنظام البشير، الذي يدعي معارضته في الظاهر! ويتمني العودة الي أحضانه في الحقيقية! وإن تدثرت رغبته، بحب الوطن ومنح خبراته للصالح العام. وكما أسلفنا، يحاول جاهدا أن يربط بين مصالح الوطن وحكومة البشير، ليضرب عصفورين(غرضين) بحجر(مقال)واحد! أي إدعاء الوطنية من جهة، ونيل رضا البشير من الجهة المقابلة! وبالطبع في هذا ذكاء، ولكنه أقرب للمكر منه للسياسة. إن لم نقل هذا واحد من أسباب تنفير الجمهور من السياسة، والتشكك والكراهة شبه الفطرية للسياسيين.
سابعا، من تأكيدات دكتور غازي علي إنحياز القرارات وشناعتها، هي كثرة الإحالات لمجلس الأمن، وصولا لتنازل الإتحاد الأفريقي عن دوره، وتحوله الي مجرد غطاء لتدخلات مجلس الأمن، خصوصا تطبيق المادة السابعة. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، من هو المُلام الأصل في خلق وتدويل الأزمة السودانية! هل هو الإتحاد الإفريقي أم حكومة الإنقاذ؟ بل دخول الإتحاد الأفريقي كوسيط، هو إبعاد لشبح تدخل مجلس الأمن الصريح. ليس في السودان فحسب، وإنما في بقية دول القارة. هل نسي دكتور غازي، موقف الإتحاد الأفريقي من المحكمة الجنائية المطاردة للبشير. لكل ذلك، إذا كان دكتور غازي صريح وشجاع حقا، وليس في وارد خياله ومستقبله رضا السلطة والطمع في السلطان! فاليوجه سهام نقده لحكومة البشير مباشرة، ويحمِّلها المسؤولية الحصرية، عن خلق وتدويل المشكلة السودانية. علما بأن الدكتور غازي، جاب أفريقيا كلها من أقصاها الي أدناها، أيام قيادته لوفد المفاوضات، من جانب حكومة الإنقاذ، لطلب الدعم والشرح والتفسير، والحط من قدر الخصوم. إذا لم يكن ذلك تدويل، فما هو التدويل إذن؟ هل يتمثل فقط في أصحاب القبعات الزرقاء و(الشعور) الشقراء والعيون العسلية! ولكن ذلك يؤكد المرة تلو الأخري، أن فوبيا الأجنبي مسيطرة علي هذه الجماعة الشوهاء، وتحاول أن تنقل هذا الهراء الي الآخرين داخل الوطن! وقد يكون السبب في هذا الوهم المرضي، هو إستمراءها دور الضحية، الخالي من المسؤوليات والجالب للتعاطف والدعم المجاني، والمبرر للتقصير والفشل. إن لم يكن السبب ناتج من القصور البنيوي، الملازم لتكوين وطريقة إشتغال الجماعة، والذي يحد من نموها، ويحكم عليها بالبقاء الأبدي في طور الطفولة. او طور الرغبة في إمتلاك كل شئ، دون تحمُّل المسؤولية عن أي شئ؟!
ثامنا، أما حديثه عن تقنين العمل المسلح، لمجرد ذكر المادة، التي تدعو الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال، للجلوس والتفاوض لتحديد مستقبل الشمال! فهو يبين النية الشريرة والمبيتة او الكراهة الفطرية للحركة الشعبية، بوصفها حامل لمشروع او برنامج عمل، مناقض وجوديا لمشروع الإسلامويين التخريبي التدميري. إضافة الي أن أفرادها خبروا دروب النضال، والتمتع بالصلابة في المواجهة. ولذلك يصعب ترويضهم او إلهاءهم عن هدفهم الوطني التحرري، ببعض الإغراءات المادية والمناصب السلطوية المغتصبة! ويحق لنموذج دكتور غازي أن يكره الحركة الشعبية، طالما كان وجودها، كاشف لزيف وخداع المشروع الحضاري، او المشروع الهلامي! الذي يتقبل كل المبررات ويستوعب كل التفسيرات ويتسع لكل التناقضات! والذي يرفعه نموذج دكتور غازي بوعي و أمثال الجنرال البشير بغير وعي. لأنه إذا كانت النية سليمة، كان يمكن أن يعترض علي شكل المادة، التي تحمل السمة الثنائية، المختلفة مع النظرة الشمولية، التي تحكم معظم الفقرات السابقة للمقترحات. والتي تري أن الحلول يجب أن تكون شاملة، لمشاكل طابعها الشمول. وبما فيها بالطبع مشكلة دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها، وبكلمة جامعة، تخاطب كل مشاكل السودان في أصول جذورها. ولكن مؤكد إعتراض كهذا، يضع دكتور غازي في مأزق، وهو لطالما رعي وقاد المفاوضات الثنائية، بل وأصر عليها! كجزء من آليات عمل منظومتهم التجزيئية، التي تعمل علي إيقاظ الفتن، والتلاعب بتناقضات المكونات المحلية! لتثبيت عرشها، القائم علي الدعائم الباطلة، في الأرض السودانية الطاهرة. أما مبرره للإعتراض علي المادة، فيندرج في سياق العذر(الإعتراض) الأقبح من الذنب! فهو يري أن هذه المادة تناقض الدستور، الذي يسمح بالعمل السياسي السلمي، ويجرم العمل المسلح! هل رأيتم تبجح وجرأة علي الحقائق ومغالطة للواقع وإستخفاف بالوقائع، كهذا؟! لا أعتقد!! عن أي دستور يتحدث السيد غازي؟ دستور السويد أم النرويج؟ فحديث كهذا لا يمكن أن يكون عن الدستور السوداني، الذي يبدله البشير كما يستبدل ملابسه، ويتلاعب به كعصفور كسير الجناح بين يدي طفل شقي. والغريب في الأمر، أن السيد غازي كان لديه إعتراضات علي هذه الإنتهاكات التي تتم للدستور جهارا نهارا! ولكن يبدو أنها إعتراضات زامنت الوضوح والشجاعة الظرفية، التي تتقصد الظهور والدعاية، بعد الغياب القسري عن موقع السلطة، وإنحسار الأضواء الكاشفة عن الجباه! فهل حقا يعيش الدكتور غازي داخل الدولة السودانية، التي تمنع الأحزاب السياسية من القيام بأي نشاط عام خارج أسوارها، وكأنها تمارس السياسة من منازلهم! ولا يستحي جهاز أمن الحكومة، أن يمارس هوايته في الإعتقال والتعسف، لكل المعارضين سلميا، وتحت حماية وبصر الدستور، وقوانينه المعيبة الملحقة، التي تنقض غزل الدستور أنكاثا! بل بعد مرور ربع قرن علي الإنقلاب الكارثي، هل غير البشير لغته الحربية وأسلوبه العسكري في إدارة الدولة، وتحديه للخصوم أن ينازلوه بقوة البندقية؟! بل هل يملك القدرة والرغبة، لتطوير أدواته الإنقلابية التي يحكم بها، الي أدوات سياسية، يبدو أنها مستحيلة في حقه؟! وبهذه المناسبة نسأل الدكتور غازي سؤال بسيط؟ أين مركز الدراسات السودانية والشهيد محمود والخاتم عدلان..الخ؟ بل أين إتحاد الكتاب السودانيين؟ أم أن هذه المراكز والمؤسسات المدنية، تتعامل بالأسلحة وتتخاطب بالقنابل، وتزرع في روادها مبادئ العنف والإرهاب؟!! عذرا دكتور غازي، تفوه أمثالك بالدساتير والقوانين والسلمية والديمقراطية وغيرها من الألفاظ السياسية! يقلل من مصداقيتها وأهميتها وفرصة تبيئتها في الداخل، فوق أنه يسبب حساسية و(تورم فشفاش ووجع معدة وتلف أعصاب، حسب لغة الطيب مصطفي رفيقك في التنظيم) لكل من يؤمن حقيقة بالسياسة ويحترم الدستور ويعمل من أجل الصالح العام.
تاسعا، تناوله المادة التي تدعو الطرفين(السودان وجنوب السودان للتفاوض) والجلوس فورا تحت رعاية إيقاد. أيضا يشوبها ليس القليل من سوء الظن، وهواجس شبح التدخلات الأمريكية، التي تقطر من كل حرف وحركة وإيماءة يقوم بها الدكتور غازي، وكأنه مصاب بالأمريكا فوبيا(علي المستوي الشخصي، لا أستغرب رغم ذلك الهوس العدائي لأمريكا، أن ينتهي المطاف بالدكتور غازي لأجئا في ديارها ومرعاها، لأئذا بقوانينها ونظمها وحماها! وللإسلاميين في تناقضاتهم وبراغماتيتهم وإنتهازيتهم شؤون!). المهم، إذا كان المقترح قد ذكر بعض النقاط، لا يعني أنه يهمل الأخري بشكل نهائي. وعند النظر بمنظار تفاوضي شامل، نتبين بسهولة أن حل أي نقطة أو إشكال، هو مقدمة ناجحة، لحل الخلافات والنقاط الأخري، والعكس صحيح! ومن حسن الفطن الدبلوماسية الراعية للتفاوض، أن تبدأ بالنقاط الخلافية الأقل حدة او الأكثر فائدة للطرفين، كمشكلة إيرادات البترول مثلا. لأن إتخاذ أي خطوة إيجابية في هذا الملف، يشكل كما أسلفنا، بداية مبشرة للخطوات التالية التي تعقبها. إضافة الي أنه يعزز من درجات بناء الثقة بين المتفاوضين، ويكشف عن الكثير من سوء الفهم المتبادل..الخ. وهذا ديدن المفاوضات التي ترعاها الجهات المتمرسة والواعية بطبيعة التعقيدات، والساعية بصدق للوصول لحلول نهائية ومستدامة. أما الدخول في المفاوضات بنية الخروج منها بإنتصار كالضربة القاضية، او نيل كل المطالب في حدها الأقصي! فإضافة الي أنه وعي مراهق لقيمة وأهمية المفاوضات، فإنه يمثل أول خطوة لإجهاض المفاوضات، إن لم يعنِ بالتحديد، إستدعاء للحروبات من الباب الواسع؟! ولذلك إصرار الدكتور غازي، علي أن النقاط المشار إليها في البند أعلاه، تخدم دولة جنوب السودان حصريا، وهي مُسبقا معطوف عليها خارجيا. لهو من الهواجس المرضية المسيطرة علي الدكتور الطبيب غازي! وتاليا، لا تحمل أي نوع من الحرص والحكمة وتفهُّم دروب التفاوض ومعرفة مكر رعاتها. لكل ذلك، لا يمثل التعنت وتخريب المفاوضات والتحريض علي رفضها! ممارسات حضارية او موهبة سياسية او مهارة دبلوماسية، او تحتاج الي أي نوع من الإبداع او درجة من الذكاء والعبقرية! إلا لنظام إجرامي ومجموعة مخربين، يستثمرون في الحروبات والأزمات وزرع الفتن والشقاق والخصومات. وهذا غير أن الوصول لإتفاق مع حكومة الجنوب، وحل معضلات دولة الشمال، يفتح الباب عريض لدخول المساعدات، وحل أزمة الديون المتصاعدة والمستعصية، كما أشار الإتحاد الأفريقي في أحد فقرات مقترحاته، وذكرناه في فقرة سابقة. وهو ما يجعل الإتفاق مع دولة الجنوب، ليس واجب أخلاقي وإنساني فقط، ولكنه واجب وطني أيضا.
عاشرا، أما مخاوف الدكتور غازي الحقيقية، علي حكومة البشير، فتجسدها حالة الخوف والهلع من المادة(14). التي تشكل نوع من السلطة الرقابية، تحث الطرفين علي الجدية وعدم المماطلة، وذلك بتحديد سقف زمني أقصاه ثلاثة أشهر، للدخول في عملية حوار جادة ومثمرة. المتمعِّن في المادة يجد أنها إن دلت علي شئ، فهي تدل علي جدية مجلس الأمن والسلم الأفريقي، حتي لا تتحول مقترحاته للحوار الشامل، الي سباق مارثوني لا نهائي لحوار الطرشان. تتلاعب فيه الحكومة بالمعارضة، كما دلت تجارب الفترة او الحوارات السابقة. أما حديثه عن تعنت الحركة الشعبية، ومن ثم إتاحة الفرص للإتحاد الأفريقي، لفرض مقترحاته او أجندته للحل النهائي، تحت رعاية مجلس الأمن ومادته السابعة. فهو يدل تحديدا علي إحتمالين، إما دكتور غازي يجهل تسويف الحكومة، وإستفادتها الحصرية من إجهاض أي محاولة جادة للحوار والوصول لحلول مرضية، تخاطب جذور الأزمة، وتاليا، سحب بساط السلطة المطلقة، من أيدي البشير وزمرته! وكل هذا أمر مستبعد، بحكم معرفة غازي بزملائه السابقين، من ناحية! والطامع في عطاءهم آنيا حتي يكمل مخططاته (الإصلاحية) من ناحية مقابلة؟! وإما الدكتور غازي يعلم أن أي حلول تفرض من الخارج، سيكون أول ضحاياها نظام الإنقاذ، وتاليا ضياع فرصة غازي في القيادة، والأصح الحلول محل القائد، بعد إجراء تعديلات(إصلاحات!) علي الإنقاذ تمكن غازي من القيادة! وهذا إذا لم يُجرجر غازي، الي ساحات المحاكم السياسية العامة، ليحاسب علي مساهمته طوال فترة الخراب السابقة! وعندها سيعلم غازي أي منقلب سينقلب إليه. ولكن كما نلاحظ كلا الإحتمالين يبرران تخوف غازي سواء أطماعه السلطوية(المستترة) او أخطاءه التاريخية (الشينة المنكورة)! ولذلك لا نلومه علي خوفه من هذه الوجهة، أي كسياسي فاشل يسعي لإعادة إنتاج كوارثه والتغطية علي إنحرافاته التاريخية! ولكن اللوم كل اللوم، أن يخلط بين مخاوفه ومطامعه وبين مصالح الوطن العليا، التي تتعارض مع حكومة البشير، التي يدافع عنها بالواضح والمستتر. أما الحركة الشعبية فهي تستخدم هنا، ككبش فداء او غطاء لهذه المخاوف! أي حتي يتم تسويق المخاوف وإكسابها أبعاد وطنية، بالتزامن مع تشويه صورة الحركة الشعبية، وتصويرها كمخلب قط للأطماع الخارجية.
الحادي عشر، أما حديثه عن التخطيط الدولي المضمر للسودان، والإشارة الي إنفصال الجنوب، وكأن العبء الكلي للإنفصال يقع علي عاتق الخارج؟! لهو تزوير صريح للتاريخ، ورمي لداء الإسلامويين كله، علي كاهل المجتمع الدولي، لتنسل الحركة الإسلاموية من إثم الإنفصال، في كامل براءتها! عفوا دكتور غازي، فتاريخ الإنفصال لا زال طازجا، ويصعب تغيير تفاصيله او تغييب شخوصه. ويحدثنا هذا التاريخ بلسان أفعال وأقوال ووقائع مبينة، أن المسؤولية العظمي للإنفصال تقع علي عاتق الحركة الإسلاموية! التي لم تحترم خصوصية الجنوب، وحق الجنوبيين في أن يكونوا جنوبيين وسودانيين في آنٍ واحد، كحق غازي في أن يكون إسلاموي وسوداني في آنٍ واحد. ولكن إستعلاء الإسلامويين وإصرارهم علي فرض مشروعهم الإقصائي، في حده الأقصي! لدرجة تحويل حرب الجنوب الأهلية، الي حرب دينية، تم تسعيِّرها جهاديا! لتخلف في نفوس الجنوبيين جرحا عميقا، فاقم من حدة الجروح الغائرة تاريخيا. أي إضافة الي الإضطهاد العرقي الذي عانوا منه طويلا، أُضيف له الإضطهاد الديني الأكثر شراسة وراديكالية! ليس في إحتقار ورفض الآخر المختلف دينيا فقط، ولكنه يبيح حذفه من المشهد والوجود ذاته. كل ذلك وضع الأساس النفسي الصلب للإنفصال، إن لم يدفع الجنوبيين دفعا للسقوط في هاوية الإنفصال! حتي دون تفكير عقلاني، يتبين مخاطر الإنفصال وطبيعة رماله المتحركة، التي تهدد تماسك وإستقرار الجنوبيين أنفسهم، ناهيك عن عن خسرانهم العمق الإستراتيجي والحضاري في الشمال. المهم، التُهم المضمرة في حق المجتمع الدولي، في حديث دكتور غازي، لهي فرية لا يمكن أن تنطلئ علي أحد، يدرك أساليب الإسلامويين في التزوير وإنتقاء التاريخ والحقائق، لتخدم أهدافهم السلطوية المقيتة. ولا يفهم من هذا أن المجتمع الدولي برئ تماما من الضلوع في الإنفصال او غيره من الأخطاء والأطماع، ولكن المقصود، أولا، تحميل كل طرف مسؤوليته كاملة، وعلي قدر مساهمته في الخطأ، مع إعطاء الأولوية للمتسبب الأكبر في الضرر! وثانيا، إدراك أن المجتمع الدولي ليس كتلة صماء، او يملك سلطة فعل كل شئ، وكما يشاء وفي كل الأوقات وتحت كل الظروف! او هو منظمات خيرية تمارس نشاطها بعيدا عن المصالح الخاصة! ولكن فهم الواقع المحيط وطريقة عمله شئ، والهذيان المرضي او السياسي الدبلوماسي شئ آخر. أما حديثه الممجوج عن دولة الجنوب بمنطق العداء والغبينة، وليس الجيرة والإخاء، فهو سلوك شخصي يخصه، ولو أنه يفسر التربية التنظيمية الإستعلائية التي تلقاها غازي وأمثاله في الحظيرة الإسلاموية!
الثاني عشر، يجدُر أن نبتدر هذه الفقرة بملاحظة، وهي أن إستخدام لغة وطنية، وألفاظ من شاكلة المنعطف الحرج، وأن التحدي هو تحدٍ قومي، والحاجة لإنجاز أكبر إصطفاف لمواجهة ما يراد بالسودان. لا يعني أن قائلها تحول الي وطني بدرجة فارس، لمجرد إطلاقها! خصوصا لشخص مارس السلطة، ولطالما كان أكبر عدو لهذه الشعارات! وهو ما يعني، أن عباراته لا تتعدي مدار المتاجرة، وعرض البضاعة الوطنية، في سوق الجمهور العام. بنية شراء تذكرة عودة من ماضيه الأغبر! وفي نفس الوقت، حجز مكانة مريحة والأصح قيادية، في كابينة قيادة السلطة القادمة. لذلك يجب الإحتراز من هذه الفخاخ، التي ينصبها دكتور غازي وأشباهه الملفوظين، من مراكز القيادة الإنقاذوية! ولكنهم يضمرون العودة، ولو من باب المتاجرة بالدفاع عن المصلحة العامة، كما يعرضون من شعارت أعلاه. ولكن لسوء حظهم، النيات المبيتة لغرض المحافظ علي السلطة الإنقاذوية الإنقلابوية، التي يطمعون في ميراثها، تطل من بين السطور. والمحير في هذا السياق، أن تقدم الدعوة او يتم اللجوء الي الجهات القانونية السودانية، التي تعلم مخازي الحكومة ومدي إنتهاكاتها القانونية والدستورية، وعلي رأسها الإنقلاب علي الديمقراطية! لتشكل خط الدفاع الأول، أمام قرارات مجلس الأمن والسلم الأفريقي، التي تمثل بدورها طوق النجاة، من رحلة المجهول التي تقودنا إليها حكومة الإنقاذ الضالة. ولكن البدعة الأكثر غرابة ودموية، هي طلب فتوي من الجهات الدولية، تبيح الإعتداء وإنتهاك حق الآخر في الحياة، بقصفه جويا(نعم الدباب الإنقاذي!) ولو أن الدكتور غازي إستدرك سذاجته القانونية كما ذكر بنفسه، إلا أن ذلك لا ينفي أمران، أولهما، تلاعب الإسلامويين بألفاظ وقيم الدين، للوصول الي مآربهم الخاصة، كإستخدام كلمة فتوي بدلا من إستشارة! وهذا ليس سهوا او سذاجة تتمسح بالتواضع المصطنع، ولكن كلمة فتوي تحمل إيحاء ديني، وتاليا قبول كل ما يترتب عليها، حتي ولو كان مخالفا للقانون والأعراف الإنسانية! وهذا باب عريض لتلاعب الإسلامويين بألفاظ وقيم الدين، وعلي رأسهم الدكتور الترابي، الذي علمهم التلاعب! ونموذجه الشهير والسيئ السمعة كلمة التوالي، وكذلك فقه الضرورة والقوي الأمين..الخ. وثانيهما، أن النزعة العدوانية الرافضة للآخر لدرجة قتله، هي نزعة متأصلة في الإسلامويين! وإذا حاولوا التكتم عليها ظاهريا، فإن ألفاظهم العفوية، تفضحهم وتفصح عن ذاتها، وعن نواياهم الإجرامية الإحتكارية السلطوية.
الثالث عشر، أما حديثه عن إشراك كل القوي السياسية، والقيام بحملة دبلوماسية لمناهضة القرارات الأفريقية، فهو يبين الي مدي يرغب دكتور غازي في حماية حكومة البشير، حتي ولو عرض ذلك للخطر سلامة البلاد، وتعارض مع مصالح العباد، كما ذكرنا سابقا! وفي الحقيقة هي دعوة يستحي البشير نفسه من طرحها، لشدة مجافاتها للواقع والمنطق والمصلحة العامة! وهذا غير إنعدام الثقة في جماعة، ليست وفية لشئ، بقدر وفاءها لنقض العهود ونسيان الوعود وبيع الأوهام. فكل الجهود والأطروحات التي طرحها دكتور غازي في هذه الفقرة، إذا كانت تتقصد خير الوطن ومصلحة المواطنين بحق. كان الأجدي بها إدراجها ضمن الحوار الشامل، الذي يقترحه الإتحاد الأفريقي، كآخر فرصة خلاص أمام الدولة السودانية، التي تقف علي مشارف التفكك والضياع! وأمام المجتمع السوداني، الذي يعاني الضنك معيشيا و الهوان سياسيا، والمهدرة حقوقه في الحاضر وفرصه في المستقبل. ولكن ماذا نرتجي من وزير سابق، بدرجة مخرب للمبادرات، كالدباب الدكتور غازي؟ كل إنجازاته لا تتعدي تخريب مبادرة الإيقاد خلال نصف ساعة.
الرابع عشر، الحديث عن عدم ترك الحكومة منفردة، في مواجهتها للمجتمع الدولي، يفصح(يفضح!) بصراحة أكبر، عن ما درجنا علي تكراره، أي عن رغبة دكتور غازي في حماية حكومة البشير حصريا! حتي ولو حاول مغالطة الحقائق، في الربط ما بين حماية الحكومة(المُعرفة بسلطة البشير المطلقة!) وحماية حقوق الشعب(ياااا راجل!) أما إسترساله في الحديث عن رد ما للشعب للشعب، فهو يناقض دفاعه عن حكومة البشير! ويندرج دون وعيه، في خط تأييد المبادرة الأفريقية! التي تدعو للحوار الشامل، بإشراك كل قطاعات المجتمع، ومخاطبة كل جذور أزمات الدولة الوطنية. وكذلك حديثه عن إشراك سكان المناطق الحدودية في المفاوضات. هو نوع من ذر الرماد في العيون، لإدعاء الخوف عليهم وعلي حقوقهم! بدليل إخراجهم كغيرهم من السودانيين، من دائرة حق تحديد مصيرهم! طوال فترة الإنقاذ والتي كان علي رأسها الدكتور غازي! أي الإنقاذ فرضت وصايتها علي الجميع، من غير وجه حق او سابق تأهيل! وللأسف هي وصاية كان طابعها، خيانة الأمانة العامة وروح المسؤولية، ونهب الدولة وإهمال الخدمات، وإهدار كرامة المواطنين. أما نصائحه للمجتمع الدولي(عقدة متأصلة!) وأداته مجلس الأمن(مكمن الرعب!) فهذه متروكة لهما، للرد علي الناصح الأمين دكتور غازي، ونحن بدورنا نُحيِّلها إليهم! بوصفها آتية من الديمقراطي الغيور الدكتور غازي، المهموم بإرساء القيم الديمقراطية، المعبرة عن إرادة الأمة السودانية بصفة خاصة، وشعوب العالم بصفة عامة. وكذلك نُحيِّل نصائحه التي تحمل طابع التعالي والعنصرية، فيما يخص الحدود والجنسية والمسائل الإقتصادية، للبرلمان(المنتخب!) حسب رغبته! والذي شكك غازي بدوره في إنتخاباته في فترة ماضية!! وكذلك نصيحته للقوات المسلحة(الإنقاذوية وليس الوطنية!) الضامن الأقوي لوحدة البلاد حسب تعبيره(متناسيا الحروب التي تشنها علي أطراف البلاد!) وتدخلاتها في الإقتصاد والإجتماع والسياسة! وتاليا حديثه عن إجراء إصلاحات داخلها! لا معني له، طالما كانت تحتاج لإعادة صياغة جذرية، تبعدها عن الإقتصاد والإجتماع والسياسة..الخ، وتحدد دورها بوضوح وإنضباط، عبر ترتيب عقيدة جديدة، تحترم وتحتكم للدستور الحاكم للجميع.
الخامس عشر، يحاول دكتور غازي في ختام مقاله، أن يربط بين رفض بعض النقاط المقدمة في المقترحات، والأصح جميعها! وبين النجاح الذي تحقق برفض القرار (1706) حسب وصفه، وأن النجاح في ذلك يضع حد للتدخلات الخارجية، التي تغذي مشاكل البلاد، بدلا من حلها، وكل ذلك تم عبر إجماع وطني غير مسبوق، حتي تتحول الأزمة الي فرصة نجاح، حسب تعبيره!! وبما أننا لا نعلم معايير النجاح التي بني عليها غازي آراءه او تقييماته! في ظل المقاطعة شبه الدولية التي يعاني منها السودان الدولة/النظام، لدرجة أصبح فيها سفر البشير(الرئيس!) لأمر روتيني، يحتاج لإحتياطات كغزوة الخندق! مما جعله رئيس محلي او محاصر بكل المقاييس، وجعل وزير الخارجية ونواب البشير يقومون بكل مهامه الخارجية، وكأنه يعبر بشكل او بآخر، عن حالة عزيز بوتفليقة العاجز عن الحركة والكلام! أي هو عصر الشلل القيادي او الرئاسي بإمتياز في هذه المنطقة، لأنظمة يبدو أنها لا تعجز عن إنتاج القيادات الموهوبة، والممارسات الجيدة والأعمال الجليلة فقط، ولكنها تنتج بصورة أكبر، العقم والشلل والتعفن والفساد!! وبعيدا عن الخلط المضلل بين قرارات مجلس الأمن والسلم الأفريقي، وقرارات مجلس الأمن الدولي، للإيحاء بأن الأول رهين في يد الثاني! كجزء من حملة تشويه سمعته، وتاليا تشويه سمعة توصياته الناضجة، والتشكيك في سلامة قراراته الصائبة. والتي خرج بها كما أسلفنا، بعد طول معاضلة مع المشكل السوداني المتورم، بل والمتقيح بفعل الإنقاذ! وكذلك إستئناسه لرأي الغالبية من قطاعات الشعب السوداني، صاحبة المصلحة الحقيقية في مشروع الحوار الوطني الشامل، الذي يعيدها للظهور علي خشبة المسرح الوطني، بعد طوال غياب مفروض إرهابيا. الشئ الذي جعله يصدر توصياته، عن بصيرة ورغبة في سلام الوطن ورد حقوق المواطنين المغتصبة. بمعني، الدكتور غازي يمثل محامي الشيطان في هذه القضية الوطنية! من خلال محاولته بيع أمن وتنمية الوطن و سلام ومستقبل المواطنين، بحفنة وعود سلطوية، من السلطة الإنقاذية الإغتصابية! أي وفقا لقاعدة القسمة الضيزية وغير الشرعية، عطاء من لا يملك لمن لا يستحق. ولا يستنكف أن تكون وسيلته لذلك، لغة وطنية تتوسل عاطفة الجمهور، غير أنها تدس السم ما بين السطور. كل ذلك يدعونا بدوره لتقديم نصيحة لدكتور غازي(الدباب السياسي او العابد السلطوي) إذا كان المشي بين المبادرات بالنميمة والفتنة والتشكيك من فضة، فالإمتناع عن تناولها والصمت حيالها، من الذهب الوطني الخالص. ولذلك نطلب منك أن ترد عليك مخاوفك المرضية ووطنيتك المتأخرة! وأن تدع مبادرة الخلاص الأفريقية تعبر بسلام. ويكفي كاهلك إثما، ما أقترفته ممارساتك التخريبية طوال الفترة الماضية، في حق الوطن والمواطنين! ومن السوء بمكان، إضافة جرائم إضافية في سجلك الناصع الإجرام! بمصادرتك حق الأمة في الحوار الوطني الشامل عبر المبادرة الأفريقية! عسي ولعل إن تم ذلك كما مخطط له، يعالج بعض الخراب الذي أحدثته، بمعية العصبة الباغية! والأهم من ذلك أن تمتك شجاعة التوجه للبشير مباشرة، وتطلب منه السماح والغفران، لعله يرد إليك بعض أمنياتك السلطوية المجهضة! بدلا من التمسح بثوب الوطنية المهترئ، الذي لن يستر عورة بحجم الشمس، فوق أنه لا يليق بجلالة جرائمكم الراسخة في ذاكرة التاريخ. ولتعلم مع بشيرك وترابيك، أن صانع الأزمة، هو الأعجز عن حلها! لسبب بسيط، وهو أنه يمثل الركن الأساس في الأزمة.
آخر الكلام:
أهمية الدكتور غازي أنه يمثل النموذج الأمثل للإسلامويين، أي الإسلاموي القح او النسخة الأقرب للترابوية، والتي إذا وجدت الفرصة، لتحولت الي نموذج ترابي آخر بكل كوارثه! ولذلك دكتور غازي كنموذج إسلاموي مثالي، يمثل التجلي الأعلي للوعي الزائف! أي الوعي الذي لا يتماهي مع النصوص المقدسة فقط، ولكنه يزيحها لصالح تصوراته وأغراضه وهواجسه، أي يحل محلها بكل قصوره وتاريخيته وزيغه، وصولا لأن يماس صاحبه تخوم المطلق الأعلي! وتاليا ما يصدر عنه، هي الحقائق الجوهرية، غير قابلة للرد او النقاش او النقد! أي لا ينطق صاحبها عن الخطأ، إن هو إلا حكيم الزمان ونبي اللحظة والأوان! أما ما يترتب علي ذلك، فيتمثل في ما حل بالدولة السودانية، من كوارث ودمار والمجتمع من تفكك وإنحلال والبيئة العامة من إحباط وفساد! ويا له من حصاد يحاكي حصاد الهشيم بكل عدميته وآلامه ومحنه. ولكن ماذا نتوقع من جماعة، مريضة عنصرية كارهة للآخر، متعالية علي الواقع مسفهة للوقائع، لا ترتضي إلا موقع القيادة، أي تستهويها السيطرة والإمارة! ولو كان ثمن ذلك، مغالطة الواقع ومعاندة سنن التاريخ او التغيير، وتاليا إدخال الدولة في كهوف الظلام، ومراكمة الخراب والفتن والمظالم. لكل ذلك لا خلاف بين الجماعات الإسلاموية، سواء أكانت سياسوية او داعشية، من وجهة نظر مخاصمتها لروح السياسة وطابع الدولة الحديثة او التدافع المجتمعي في سياق راهني، وبأدوات بشرية متاحة للجميع! وتاليا الإختلاف بينهما في الدرجة فقط، أي براغماتية وإنتهازية الأولي(أي في شكل ولغة الخطاب العصري، ولكن بالطبع من دون المضمون العصري) وتهور وغيبوبة الثانية(أي إنتفاء الشكل والمضمون العصري!) مع تماهي الخطوط الفاصلة بينهما في الملمات! والسبب في ذلك أن مرجعيتهما واحدة، وإن إختلف شكل التناول ودرجته، وهي الماضي الذهبي والمتخيل الوردي! ولكن خلاصتها الهروب من مواجهة الواقع، وصولا الي تسفيهه ورفضه وتكفيره! عوضا عن تفهمه او تعقله والسيطرة عليه بأدوات وسياق راهنه! وبكلمة مختصرة(هي تعرض خارج الزفة!). ولذلك، التيارات الإسلاموية بمختلف إتجاهاتها، هي جزء أساس من أزمة الراهن، وليس حل لمشاكله! أي التشخيص الخاطئ للمرض لن يؤدي للعلاج نهائيا، مهما كانت النيِّة حسنة والأفراد مثاليين، ناهيك عن العكس المتفشي بينها! وهذا إن لم يحول المرض البسيط الي مرض مزمن، تستحيل معالجته إلا بالبتر او الكي، وإلا فالموت الزؤام هو المصير المحتوم! ولذلك وصف هذه الجماعات بالسرطان هو أدق وصف. ونخلص من ذلك، أن مشاريع وخطابات دكتوري غازي، وعن نيته الإصلاح! وكذلك توابعه من الجماعات الإسلاموية المنشقة عن الإنقاذ، وترفع مثله رايات الإصلاح والمراجعة ونقد الفساد! هي زوبعة في فنجان! أما مصدرها الحقيقي، ليس الإصلاح كما يحاولوا إيهامنا، ولكنه تنفيس عن غضب الإزاحة من تناول كيكة السلطة، المحتكرة بيد البشير وأزلامه! وبالتالي لا تستوعب كل هذه الجماعات، مع إرتفاع سقف طموحاتها في الكيكة كلها، من ناحية! وعجزها عن الإصلاح الحقيقي، الذي يستتبع المراجعة الجذرية وقبول شرط المحاسبة، وإرجاع كل الممتلكات المنهوبة بغير وجه حق، من الجهة المقابلة! بمعني، الإصلاح الإسلاموي محكوم بمفهوم ضيق وحيز أضيق، أي الإعتراف ببعض الأخطاء الهامشية، ونقد لمظاهر الفساد الظاهرة، دون التعمق في مسبباتها! علي أن يكافؤوا بالسلطة علي هذه التضحية الثمينة. لذلك، أي تصديق لهذه الخطرفات الإصلاحية والنيات المخادعة، يتعدي كونه سذاجة سياسية، الي متاجرة سياسية تستهوي السياسيين الهواة او التجار والأصح السماسرة، أي المستعجلون لنيل مكاسب السلطة من أقصر وأسهل طريق، وقبل مغادرتهم الحياة! وبغض النظر عن خطورة هذا المسلك علي حاضر ومستقبل الدولة. والدليل علي ذلك، قبولهم الأوهام الإصلاحية من دكتور غازي وأمثاله، رغم تعالي الأخِرين كما أسلفنا، علي الإعتذار الصريح والإعتراف بالأخطاء والجرائم، لكل تاريخ الخراب الذي إشتركوا فيه! كمحك يبين صدقية التوبة وإحترام وعي وحق الجمهور العام. أما الدليل الأكبر او الأفضح علي فرية الإصلاح التي يراد تسويقها! فتتمثل في مقال غازي الأخير أعلاه، والذي تناولناه بالتشريح وغمرناه بالملاحظات. والذي ينضح بدوره تذلل وتزلف وتقرب من حكومة البشير والأصدق البشير شخصيا! ولو علي حساب مبادرة كما كررنا أيضا، تشكل الخلاص الأخير لوطن بلغت روحه الغرغرة وروح مجتمعه الحلقوم! ولكل ذلك، أي تقارب او تسامح مع الإسلامويين، بمختلف تكوينتاهم ومسمياتهم وأجنحتهم، وهم علي هذه الدرجة من الغرور وإدمان إستغفال الآخر! لا يشكل إلا حلقة من حلقات السقوط الشنيع للمعارضة، ومقدمة لإعادة إنتاج سيرة الفشل ومسيرة الضياع، والدخول في الحلقة العبثية الجهنمية إياها! وبتعبير آخر، الإستهتار بالمجتمع وإزدراء حاجاته والإستخفاف بالأخطار المحيطة بالدولة وبقاءها! وبمعني مؤسف، تحويل السياسة الي لعبة سلطوية سمجة! يتم تداول السلطة والمعارضة فيها، بين جماعات إنتهازية لا صلة لها بالواقع او المجتمع، ولا قضية لها إلا مصالحها الخاصة! وعندها يصبح إلا بديل غير الطريق الثالث. بمعني، معيار صدقية المعارضة وجديتها، هو القطع مع الإسلامويين من ناحية، والإستبدادويين السلطويين بكل تكويناتهم من ناحية مقابلة! وهذا او الطوفان.
قريب من النص قريب من القلب:
نتوجه بالشكر الجزيل لمجلس الأمن والسلم التابع للإتحاد الأفريقي، علي مبادرته الكريمة. والتي إن دلت علي شئ فهي تدل علي درجة النضج، التي وصلها هذا المجلس ومن خلفه الإتحاد الأفريقي. ولكن كل ذلك، لا يمثل إلا الخطوة الأولي في طريق الميل الديمقراطي التنموي الشامل، والذي نتمني أن يطال كل أفريقيا من أدناها الي أعلاها. ولكن الخوف كل الخوف، ان تتعرض هذه الجهود لإنتكاسات وتراجعات، لكم خبرناها في هذه القارة المنكوبة المشؤومة! التي أنتجت الكثير من الشجيرات الشوكية السامة، كأمثل الترابي وغازي وعيدي أمين..الخ والقليل من الأشجار الظليلة والرياحين العطرة كنماذج مانديلا والقس ديزموند توتو والشهيد محمود. ولكن عزاءنا أن ذكري الأخِرين العطرة، ما زالت تلهم الأجيال الأفريقية جيلا بعد جيل، وأن صداها الإنساني هز العالم في كل أركانه، وعبق عطرها ما زال يفوح في الآفاق، عابرا حدود المكان وإطلاق الزمان. ودمتم في رعاية الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.