طريق الزواج يتطلب الكثير من التحضيرات ولكنه يتطلب كذلك الكثير والكثير من الإمكانيات المادية على وجه الخصوص. فالمقدم على الزواج خلال الفترة الصيفية المعروفة في تونس بكثرة الأفراح والمسرات، عليه أن يتحصن بآلاف الدنانير التونسية حتى يتمكن من الخروج بأخف الأضرار مما تصنفه العائلات ضمن «المغامرات» الحميدة التي يجب الصبر على مخلفاتها. والزواج أصبح عملية حسابية مكلفة بالنسبة للعائلات التونسية، خاصة وهي تمر بظروف اجتماعية واقتصادية صعبة بعد الثورة حيث فقد الكثير من العائلات مواقع عملها وارتفعت كلفة المعيشة وبالتالي كلفة الزواج، إذ إن كل طرف من الأطراف المساهمة في حلقات الزواج ومراحله رفع قليلا في التسعيرة حتى يتمكن من الوصول إلى نقطة التوازن المطلوب. وتقدر بعض المنظمات المهتمة بالأسرة التونسية كلفة الزواج خلال هذه الفترة بنحو 10 آلاف دينار تونسي (نحو سبعة آلاف دولار أميركي) على الأقل، وتشمل هذه الكلفة إيجار قاعة الأفراح الذي بات في حدود ألفي دينار تونسي أو أكثر في بعض الأحياء الراقية وهو في كل الأحوال لا يقل عن الألف دينار تونسي، وكذلك كلفة شراء المصوغات، التي قد تصل حسب تقاليد بعض الجهات، إلى خمسة آلاف دينار تونسي وهي التسعيرة الأعلى في تركيبة مصاريف الزواج، وتبقى تبعات الزواج وراء المتزوجين لأشهر إن لم نقل لسنوات في بعض الحالات وهم يدفعون أقساطا من الديون المخلدة في ذمتهم. وقد لجأ بعض المقبلين الجدد على الزواج خلال الفترة الماضية بعد ارتفاع سعر الغرام الواحد من الذهب إلى 69 دينارا تونسيا (نحو 49 دولارا أميركيا) إلى المصوغ المقلد لتجاوز ما يسمونه «محنة الذهب» وبات الذهب المقلد ملاذا آمنا لدى الكثير من المتزوجين الجدد ترتديه المرأة ويلمع في جيدها ويديها وأذنيها لليلة واحدة ثم يختفي عن الأنظار، تاركا العائلة الجديدة في أمان ودون فواتير لاحقة تنغص عليها فرحة الزواج وتذهب عنها نعمة الاستقرار. وللمصوغ المقلد حرفاء أوفياء قد ينصحون به أصدقاءهم عند الشدة وقد وجدوا من خلاله ضالتهم فيضربون عصفورين بحجر واحد يسكتون أقاويل ووشوشات المهنئين بالزواج ويتمكنون من تجاوز عقبة الذهب بسلام دون ترك ثقب هائل على مستوى ميزانية العائلة. يقول قيس بن حسن (اختصاصي في صناعة الذهب)، يأتي هذا الذهب المقلد خاصة من بلدان آسيا ومن بينها على وجه الخصوص تايوان والهند وكذلك الإمارات العربية المتحدة وهو على شكل حلي شبيه بالذهب الحقيقي ولا يمكن البتة التفريق بينه وبين الذهب الحقيقي، والوحيد الذي بإمكانه تأكيد نوعيته هو الصائغي عن طريق تمحيصه والتثبت من نوعيته. ويعرف هذا النوع من الذهب ب«الذهب الصيني أو الروسي». ويضيف محدثنا أن التشكيلة التي يعرضها الذهب المقلد لا تختلف في شيء عن الذهب الحقيقي فتجد مجموعة من الأساور الذهبية والسلاسل والخواتم والحلي بأنواعه مما يجعل إمكانية التعويل عليه لتمرير ما سماه «غصرات» الزواج ممكنا للغاية دون إثارة الكثير من الشبهات واتهام الزوج الجديد بالبخل وعدم تقدير الزوجة الجديدة. وفي هذا الإطار يقول ميلود بن موسى إنه اضطر للتصرف في ميزانية محدودة عندما قرر ابنه الزواج ولم تكن العائلة قادرة على اقتناء مصوغ من النوع الجيد دون أن يخلف ذلك مشاكل للعروسين، لذلك اتفقت العائلتان على حل المصوغ المقلد واقتنعت بأن الزوج لن يترك زوجته مستقبلا دون مصوغ ورفعت شعار «تزوجوا فقراء يغنيكم الله». ويضيف بن موسى «لكن إعلام عائلة العروس واجب في هذه الحالة حتى لا تكون بعيدة عن المشهد إلا أن ذلك الإعلام يتم في إطار ضيق حتى لا يكشف السر وتصبح العروس محل تهكم من الزائرين». وتشير بعض الإحصائيات الخاصة بالزواج في تونس إلى أن الفئات العمرية الشابة أصبحت تعاني من العزوف عن الزواج وربما يحل اللجوء إلى الذهب المقلد جزءا من المشكلة. وتعتبر كلفة الزواج من بين الأسباب الكامنة وراء ذاك العزوف. وتشير الإحصائيات إلى أن متوسط عمر التونسي عند الزواج الأول بلغ نحو 34 سنة، بينما قدر لدى المرأة بنحو 29 سنة. وتقدر نسبة العزوبة لدى الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و25 سنة بنحو 84.4 في المائة وهي نسبة مرتفعة جدا ولكنها تفسر بوجود تلك الفئة العمرية على مقاعد الدراسة الجامعية ويعتبر طول فترة التعليم من بين أسباب تأخر الزواج. وتقدر النسبة العامة للعزوبة في تونس بالنسبة لمن هم في عمر الزواج، بنحو 46 في المائة لدى الذكور و37 في المائة في صفوف الإناث، وهي نسب مرشحة للارتفاع خلال السنوات المقبلة.