الانشطار الذي أصاب السودان لن يتوقف وسيفتح أبواباً جديدة للانفصال ويبدو أن ما اصاب الحكومة المركزية من ضغوط وتنازلات أو مساومة أو افتداء استمرار النظام بفاتورة لا تعرف قيمتها أو مداها سيستمر..فقد أدى سقوط الاتحاد السوفييتي الى تناثر أجزائه في دول مستقلة ذهب كل في طريقه..فماذا عن السودان وهل للمقارنة في ذلك وجه شبه..؟ في بزوغ فجر الاستقلال لدولنا في عالمنا العربي حلمت شعوبنا ببناء دولها ووحدتها والحفاظ على مصيرها ولكن فرصة الاستقلال لم تدم ومسيرته التي أخفقت مبكرة لم تنتج دساتير وأنظمة قابلة أو قادرة على تداول السلطة وسرعان ما انقلبت هذه الاحلام إلى كوابيس حين تدخلت الانقلابات العسكرية والجيوش في بناء الانظمة أو الهيمنة عليها وحين تعطل تداول السلطة وتحولت المجالس التمثيلية ان وجدت الى ديكورات لتزوير ارادة الشعوب وتقديم البدائل الجاهزة.. في غياب الديموقراطية والاصلاح وتكافؤ الفرص والحريات العامة وحقوق الانسان..وفي استمرار التعديات على المصالح الوطنية ومصادرتها بالاستعداء عليها وبالاحتلال أحياناً وجدت شعوبنا نفسها عاجزة وغير قادرة على الابداع والحركة والانتاج وتراكم الثروة وازدادت الحاجة للاعتماد على الخارج والاخر وتعاظمت المديونية وقل الانتاج والتصدير وكثر الاستيراد وتوسعت مجتمعات الاستهلاك..وتباينت الطبقات وشاع الفساد والمحسوبية وغاب القانون والالتزام به.. ما حدث في السودان لم يكن عفوياً فقد جاء نتاج تراكمات وأساليب في الحكم لم تراع التعددية ولا الاثنية والخصوصيات للمجتمعات وبالتالي قامت حركات الاحتجاجات والتمردات التي لم تعدم من يدعمها ويؤيدها ويزودها بالبرامج والأجندات فالجرح الفاغر ان لم يضمد فإنه يزداد عفونة ويستفحل خطره..وهكذا كان..والسودان نموذج على ذلك في عالم عربي يرشح المزيد من النماذج سواء على شكل انقسام وتشطير أو حروب وصراعات داخلية وتمرد أو على شكل جلب الاحتلال والتدخل الاجنبي.. لو ان النظام العربي أصلح نفسه من الداخل بشكل جاد ولم يختبيء وراء الشعارات التي كان يرد بها على دعوات الاصلاح الخارجي..التي لم يستجب لها أيضاً لما كان يحدث الذي حدث ولما كانت حالات قطرياتنا العربية ونظامنا العربي بهذه الهشاشة والضعف..لقد أدى التصحر الديموقراطي في عالمنا العربي الى نشوء اعراض خطرة فقد بقينا المنطقة الوحيدة في العالم التي تشكو غياب الديموقراطية واستمرار سياسة التوريث في انظمة سمت نفسها جمهورية وليس لها من الاسم نصيب.. نتوقف عند السودان الذي تقسم بعد أن عشنا تجربة العراق ولبنان واليمن..وعواصم اصابتها الثورة لانها ابطأت في الاصلاح وادارت له الظهر وأنكرت الحاجة اليه.. السودان اليوم ينقسم وهو انقسام لم يتوقف والقاريء لخارطة السودان يرى حكومة مركزية في الشمال ويلاحظ أن جرح دارفور لم يندمل وأنه ما زال ينزف وهناك توتر وحروب في منطقة شرق السودان على البحر الأحمر في الجبهة الشرقية حيث بدأ صراع منذ عام 2006 وهناك حكومة جنوب السودان التي استقلت واعلنت استقلالها في 11/7/2011 بعد صراع طويل أججته سياسة الاسلمة في الشمال والاستعلاء وغياب فهم الآخر وخصوصية واستمرار الخيارات العسكرية بديلاً للسياسة ثم الصراع على النفط والثروات وهناك الصراع في آبيي الذي ما زال لم يحسم ويرشح لمزيد من الصراع..وهناك حالة جبال النوبة وولاية النيل الازرق وتناقضها مع الحكومة المركزية واستشعار أهلها بهويتهم ومطالبتهم ببلورتها والاعتراف بها...بعض هذه الصراعات حسم لصالح حكومة الجنوب وبتشجيع دولي وبعضها لم يحسم وما زال بانتظار أشكال من التحكيم والاستفتاء الذي سيستفيد منه الانفصاليون والانشقاقيون وأصحاب دعوات الاستقلال حين لم تنجز الحكومة المركزية في الاوقات المتقطعة لها من أجل المصالحة والتغيير شيئاً وانتظرت يوم الانقسام الذي سارت له بأقدامها..السودان نموذج يجب تجنب تكراره والعلاج معروف لمن يريد النجاة..ولكن الذين يعتبرون ما زالوا في اجازة!! [email protected] سلطان الحطاب