الخرطوم وصف خبراء ومختصون الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في السودان والمتعلقة برفع سعر الدولار بنسبة 130٪ مقابل الجنيه بالتحرير غير المعلن وأوضحوا خطورة هذه الخطوة دون أن تتزامن معها قرارات أخرى. وأصدر بنك السودان جملة من القرارات بهدف السيطرة على سعر صرف العملات الأجنبية حدد بموجبها سعر الدولار مقابل 15.80 جنيه سوداني وهو أقل بقليل من سعر السوق غير الرسمي والذي يسمى محلياً بالسوق الأسود، وكان السعر الرسمي السابق 6.5 بالعملة المحلية. وقال المحلل الاقتصادي محمد الناير محمد النور إن هذه القرارات يمكن أن تحفز لجذب مدخرات المغتربين عن طريق القنوات الرسمية، وزيادة حجم وحصيلة الصادرات غير البترولية بشرط أن يكون لدى البنك المركزي احتياطي من العملات الأجنبية خاصة الدولار تكفي لمدة شهر أو ثلاثة أشهر. ويضيف بأن الحافز الذي قدمته الحكومة وهو يعادل سعر السوق الموازي أو يقل قليلاً لا يمكن أن يكون له أثر إيجابي على توفير العملات الأجنبية إلا إذا تم ضخ موارد ضخمة تجعل القفز على سعر الموازي أمراً صعباً، وبدون ذلك فسوف تكون لهذه القرارات آثار عكسية بحيث يمكن أن يقفز السعر (الموازي) قفزة كبيرة لأن السوق لن ينتظر المدة المتوقعة لجلب إيرادات المغتربين. ويطالب الناير بضرورة اتخاذ جملة من القرارات والإجراءات الأخرى وتقديم حوافز أخرى للمغتربين مثل منح قطعة أرض مجانية أو مميزة للمغترب إذا قام بتحويل سقف معين أو إعفاء كلي أو جزئي من الجمارك إذا استقدم عربة، إضافة لتسهيل اجراءات التحويل الفوري (في لحظة إرسال المال نفسها). ويرى أن ما تم هو تحرير غير واضح لسعر صرف العملة، وتوقع أن يصاحب هذه القرارات ارتفاعاً كبيراً في أسعار سلع أخرى مهمة وعلى رأسها الدواء إذا لم تكن للدولة آلية أخرى تتعارض مع سياسة التحرير واضاف: «ظللنا ننصح الجهات الرسمية بعدم الإقدام على تحرير سعر الصرف في ظل الظروف الحالية التي تعيشها البلاد». ويقول الطاهر بكري الناشط في مجال حماية المستهلك إن المواطن السوداني ظل يدفع ثمن أخطاء القرارات المرتجلة والتجريب طوال ربع قرن، مشيراً إلى فشل الحكومة في توفير السلع الأساسية والعلاج للمواطن الأمر الذي جعله عرضة للجشع المنتشر في السوق. وأضاف أن أسعار الأودية ظلت ترتفع بشكل كبير طوال السنوات الماضية لعجز الحكومة عن توفير العملات الأجنبية لشرائه من الخارج ويضيف بأن قرار رفع السعر الرسمي للدولار ليصبح مثل سعر السوق الأسود سيجعل الدواء بعيداً عن متناول أغلب فئات الشعب السوداني، الأمر الذي يعني الحكم بالموت على عشرات الآلاف من المرضى الفقراء. وأشار إلى التساهل في ملف الدواء ضارباً المثل بالشركات الوهمية التي ظلت تضارب في هذه السلعة وتقوم بتحويل الدولار المخصص لشراء الأدوية لصالح عمليات تجارية أخرى لا علاقة لها بصحة المواطن ويندد بعدم تقديم المسؤولين عن هذه الشركات للمحاكمة رغم مطالبة العديد من نواب البرلمان بذلك. ويصف ما حدث الآن بتحرير سعر صرف العملة الأجنبية بالنتيجة الطبيعية لما وصفه بالسياسات المتخبطة وغير المدروسة والتي تتبع لمدرسة (رزق اليوم باليوم) ويقول إن القرارات الأخيرة ستؤدي لإرباك وخلل كبير في الاقتصاد السوداني وتتسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية خاصة الدواء ويطالب الطاهر بالتدخل السريع لمعالجة هذا الخلل مؤكداً أن علاج ومعاش المواطن خط أحمر بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني واضاف: «الشعب السوداني لن يصبر بعد الآن». وفي جولة ل«القدس العربي» على السوق الموازي للدولار أكد العديد من العاملين في هذا المجال صعوبة استقرار سعر الصرف خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها الحكومة في توفير العملات الأجنبية، وأشاروا إلى أنهم كسبوا ثقة المغتربين بتقديم السعر حسب العرض على مدار الساعة إضافة للتحويل الفوري بدون إجراءات معقدة وهذا ما لن تستطيع فعله البنوك والصرافات على حد تعبيرهم. وتوقع العاملون في هذا السوق ارتفاع السعر في السوق الموازي وذلك استنادًا إلى مواقف سابقة، وتوقع آخرون ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الدواء والغذاء وقطع غيار السيارات والسيارات نفسها. «القدس العربي»