البروفيسور قرشي محمد علي.. مؤسس الجامعة الوطنية بالسودان.. واحدة من أفخم وأشرق الجامعات الخاصة التي تستحق أن تفخر بها بلادنا.. بروف قرشي بكل هذا الوسام النادر من النجاح والسيرة العطرة والوضع المادي المريح جداً.. اضطر– غير باغ ولا عاد- إلى نفض يديه والهجرة إلى خارج السودان.. بالتحديد إلى الشقيقة المملكة العربية السعودية.. ورغم أنه قرار خاص وحيثياته في الحيز الشخصي المرتبط بالبروف قرشي.. إلا إنه في تقديري أمر عام يدق بعنف ناقوس الانتباه والحذر.. عندما يحسّ رجل عالمفي مقام البروف قرشي باليأس الطارد من بلده.. ويحمل حقائبه ويبحث عن مقام أمين آخر.. فهذا يعني- بكل وضوح- انهيار حدود (الأمان) المهني والاقتصادي المرتبط بالكرامة الشخصية للمواطن السوداني.. في كل درجاته الاقتصادية ومؤهلاته العلمية وخبراته العملية.. يصبح قرار الهجرة هنا (عرضحال) يكشف الواقع الذي وصلنا إليه، وكيف ننهار بسرعة إلى قاعه السحيق..فإذاكانت أوضاع بلادنا حملت على أكتفاها، وأبعدت جبلاً بوزن بروف قرشي.. فما هو وضع ملايين آخرين أقل وزناً بل بعضهم من عامة الضعفاء الذين لا يملكون في وجه الرياح العاتية إلا (نحن بنعيش حياتنا بالنية السليمة)- على قول الشاعر.. وإذا كان أمثال البروف قرشي يتركون بلادنا ويهاجرون.. فما بال الساسة يتقاتلون على الكراسي، ويتبارون في السباق نحو الوظائف الدستورية، وما دونها بكل همة.. هل يعني هذا أن الجاه الوزاري أو الدستوري في أي موقع أفضل من أي عمل أو استثمار في بلادنا.. فتصبح طبقة الساسة هم اقطاعيو هذا الزمن يحكمون ويملكون الوطن بما فيه؟.. هل الاستثمار في (السياسة) أفضل وأضمن وأكثر أمنا من أي استثمار آخر؟.. ساسة يتعيشون ويكسبون من عرق (لسانهم) الزلق!. صدقوني الوضع خطير للغاية.. لا تصلح معه (دروشة) الاقتصاديين الذين يشقون أسماعنا هذه الأيام بتهاويم رقمية عن مصفوفات اقتصادية يحاولون إقناعنا أنها تعويذة تحل أزمتنا الاقتصادية.. كيف لنا أن نتوقع الاستثمار الأجنبي.. أن يقرر مستثمر أجنبي بكامل رشده وعقله أن يحمل أمواله ويأتي إلى بلد خرج منه البروف قرشي- شخصياً- تاركاً استثماره الضخم.. جامعة كاملة خلفه.. كيف نقنع الآخرين أننا أهل لاستقطاب أموالهم، إذا كانت زبدة وعصارة بلادنا تلوذ بالهجرة هرباً من كدر الحال هنا.. صدقوني.. لا يمكن أن نستمر في ممارسة خداع النفس أكثر من هذا.. وصفات وزارة المالية لن تجدي.. وانتظار نتائجها كالعشم في (سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً..). التيار