تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطوات تصعيد من عبث الحوار إلى الانفجار
نشر في الراكوبة يوم 15 - 11 - 2016


المبتدأ:-
عندما يفقد الشعب الأمل في الحصول على حريته واسترداد كرامته المهدرة بيد نظام ديكتاتوري فاشل لا يبقى أمامه سوى النهوض لأخذها عنوة ويسلك في سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل سبل عديدة منها التفاوض والحوار وإن لم تجد فالتصعيد بالتظاهر والاعتصام وتتدرج السبل حد الوصول للتمرد ورفع السلاح وقد جرب الشعب السوداني في مسيرة كفاحه ضد نظام الإنقاذ المتسلط منذ أكثر من ربع قرن كل هذه الوسائل التي لا شك قد أسهمت في خلخلة مفاصل النظام وأحدثت التراكم المطلوب وقد حان أوان الانتقال للوسيلة السلمية الأكثر حسما وفاعلية ، ألا وهي (العصيان المدني والإضراب السياسي العام) الذي خبره شعب السودان وجربه وأنجز عبره ثورتيه المجيدتين في أكتوبر 1964م وإبريل 1985م.
والخبر:-
(1)
وبعد أن انتهت ملهاة ما عرف بالوثبة الرئاسية والتي استمر عرضها لأكثر من عامين وبأن جوهر مخرجاتها التي لم تتعدَّ تكوين سلطة جديدة تعطى فيها الأحزاب التي شاركت بضع مناصب ثانوية فحين يحتفظ الحزب الحاكم بالمناصب التنفيذية الرئيسة مكرسا لنهج المشاركة الديكورية التجميلية جاعلا من الأحزاب والزعامات التي ارتضت خوض الحوار معه مجرد رديف بائس على بغل سلطته الأعرج بعد أن رفض مقترح السلطة الانتقالية وأجبر محاوريه على القبول بمبدأ المشاركة وفق رؤيته الاقصائية التي تنبهت لها وحذرت منها قوى المعارضة الحية ورفضت بموجبها أمر المشاركة في حوار بلا مخرجات حقيقية تعالج جذور الأزمة الوطنية ومن ثم انحازت لخيار تصعيد المقاومة والسعي لإسقاط النظام وتفكيك سلطته وقد اختارت قوى المعارضة الجادة خيار تصعيد المقاومة السلمية المتدرجة وصولا إلى ذروة سنامها وهو (العصيان المدني) باعتباره "التعبير الواعي والمنظم عن رفض قوانين السلطة وممارساتها وذلك بعيداً عن أي شكل من أشكال العنف رغم إدراكها لاحتمال تعرضها للأذى من قبل السلطة" إن العصيان المدني هو الطريق الأصلح والأكثر حسم لتخلص من النظام الديكتاتوري الحالي واستبداله بنظام تعددي أكثر عدلا وإن كان هذا التحول لا يعني قيام مجتمع ديمقراطي بين عشية وضحاها فالديمقراطية ثقافة لا تُبنى في المجتمعات بمجرد سقوط الأنظمة الديكتاتورية وإنما تحتاج إلى سنوات من التوعية والممارسات المنظمة التي تدعمها مؤسسات المجتمع المدني.
(2)
ولا شك أن هناك سبل نضالية عدة يمكن للجماهير توسلها لاسترداد حقوقها وتغيير النظام الدكتاتوري ولكل سبيل منها محاذيره وتبقى العبرة في اختيار السبيل الأكثر أمنا لسلامة الوطن والمواطن والأقل تكلفة إنسانية ومادية وسنحاول في عجالة استعراض أهم وجهات النظر والمقاربات الشائعة حول سبل تغيير الأنظمة الديكتاتورية والمحاذير التي تلف كل منها وإجمالا يمكن حصرها في نوعين سبل عنيفة وأخرى سلمية؛ والسبل العنيفة تتمثل إما في (انقلاب عسكري) يطيح بالسلطة القائمة ويفرز منظومة حاكمة جديدة وهنا التجارب الإنسانية قد أثبتت انه غالباً ما يأتي الانقلاب العسكري بنظام ديكتاتوري جديد لا يختلف عن سابقه إلا بالشعارات! أو (المقاومة الوطنية المسلحة) وهو سبيل يستدعي عادة ردة فعل عنيفة من النظام الحاكم والذي يكون في الغالب متفوق في العدد والسلاح الشيء الذي يجعل أمر انتصاره أرجح مما يقود لوقوع المجتمع في فخ الإحباط والخوف وإعطاء النظام الفرصة لاستثمار النصر ونشر المزيد من أجواء الترهيب والإحباط بإعادة تذكير الجماهير من آن للآخر بوحشيته وهو يقمع القوى المعارضة بنهج مدروس وهناك سبيل عُنفي آخر أكثر كلفة يتمثل في (التدخل الخارجي) والذي لا يفعل شيئا سوى استبدالاً الديكتاتور الوطني بديكتاتور خارجي بطلاء وطني زائف، يبث الفتنة في المجتمع ، ويرسخ لثقافة العنف ، إضافة إلى أن الانهيار المفاجئ لأجهزة الدولة الذي يصاحب التدخلات الخارجية يؤدي بالضرورة إلى اضطرابات سياسية وأمنية واجتماعية خطيرة تخدم مصالح القوى الخارجية ولا تتفق مع مصالح الجماهير بل تتناقض معها كليا في كثير من الأحيان كما رأينا في التجارب المشابهة التي حدثت في بعض دول المنطقة.
(3)
أهم سبل التغيير السلمية وجميعها كما سنرى قد جربها شعبنا حتى مل من تجربتها عدا (العصيان المدني والإضراب السياسي العام) الذي ندعوه لتجربته في هذا المنعطف التاريخي لذا سنولي شرح كيفية انجازه كسبيل سلمي للخلاص باهتمام خاص ونفصل فيه ما أمكن بعد أن نستعرض ما دونه من وسائل التغيير السلمي والتي يمكن حصرها في: (الانتخابات) وقد رأى الشعب السوداني كيف يتعامل النظام الحاكم معها وكيف يتم تزويرها و(خجها) فالانتخابات العديدة التي أقامها النظام خلال فترة حكمه حتى الآن كانت شكلية ونتائجها مزورة ولم تراعِ أبسط القواعد والمعايير الدولية المتعارف عليها وللحقيقة أن التاريخ الحديث لم يذكر حتى اليوم أن هناك نظاما ديكتاتوريا قد سمح من قبل لشعب من الشعوب بحرية الاختيار فهذا يتناقض مبدئيا مع طبيعة ونهج النظم الديكتاتورية! أما السبيل السلمي الآخر المتاح فهو (التفاوض) ولقد شهد السودان في ظل هذا النظام من جولاته ما يستعصي على الحصر وكانت المحصلة في آخر المطاف حصاد الهشيم فجولات تفاوض النظام مع القوى المعارضة لم تؤسس في أي مرحلة من مراحلها على قاعدة الاعتراف بالقوى المعارضة إنما مارسها النظام على الدوام كوسيلة لكسب الوقت وكسر وحدة المعارضة بشراء الذمم عبر اتفاقيات ثنائية لا تحدث أي اختراق سياسي فقد ظل النظام يلجأ للتفاوض والحوار فقط عند شعوره بالضعف وذلك بغرض خداع الرأي العام أو لامتصاص الضغوط الخارجية والغريب في الأمر أن بعض قوى المعارضة السودانية لم تمل من تجرع علقم هذا الكأس لأكثر من ربع قرن وهي بكل تأكيد لا تستطيع بعد اليوم وبعد كل تجارب التفاوض المخزية التي دخلت فيها أن تقنع جماهيرها دع عنك عموم الشعب بأنها لم تعِ الدرس الذي وعاه رجل الشارع العادي والمعروف أن التفاوض مع أي نظام دكتاتوري هو في الأساس ليس مساومة للوصول إلى تسوية أو اتفاق ثنائي فلا مجال لذلك عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعب وحريته وكرامته، وإنما التفاوض من حيث المبدأ يجب أن يكون من أجل إقناع النظام الديكتاتوري بوقف الحرب على شعبه وإقامة انتخابات حرة ونزيهة بعد أن يعترف بأخطائه وفشله في إدارة البلاد ويعتذر للشعب وهنا يجب أن نذكر القوى السياسية التي ما زالت تهرول ما بين دورها والقصر الرئاسي بأن الحرية لا تُمنح عن طريق المفاوضات وإنما تُنتزع انتزاعاً عن طريق المقاومة.
(4)
يعدُّ (العصيان المدني) هو أنجع وأنجح السبل لتخلص من النظم الديكتاتورية ومنها بالطبع النظام الحاكم في السودان اليوم وقد أحصى كتاب (من الديكتاتورية إلى الديمقراطية) لمؤلفه (جين شارب) حوالي مائتي طريقة من طرق العصيان المدني كسلاح، تستخدمه الجماهير لمواجهة الاحتلال أو الأنظمة الديكتاتورية، وهي تلجأ إليه عندما يصل بها الأمر إلى حد اليأس في تحقيق مطالبها المشروعة من الحرية والعدالة والديمقراطية، وتفشل كل الطرق السلمية الأخرى كالمظاهرات أو الاعتصامات السلمية في تحقيق مطالبها، والعصيان وسيلة ضغط وتصعيد، وهو آخر خطوة سلمية ممكن أن تلجأ لها الجماهير للثورة، وينسب مصطلح «العصيان المدني» للأمريكي هنري دافيد ثورو، حيث كان أول من استخدمه في بحث له نشر عام 1849، في أعقاب رفضه دفع ضريبة مخصصة لتمويل الحرب ضد المكسيك، بعنوان: «مقاومة الحكومة المدنية» وفى عام 1898 ظهرت كلمة «العصيان المدني» كمصطلح سياسي جديد في دوريات ونشرات سياسية، حتى أصبح المصطلح اسما متعارفاً عليه في العلوم السياسية.
(5)
نظام الإنقاذ الحاكم كأي نظام ديكتاتوري يستمد أسباب وجوده من (الخوف) و(الخداع)، لذلك أول ما قام به عند استيلائه على السلطة هو منع كافة أشكال التعبير ومحاولة إزالة المعارضة وذلك بحل الأحزاب السياسية وملاحقة المعارضين وقتلهم وسجنهم وتعذيبهم وإجبارهم على مغادرة الوطن للمنافي والمهاجر ومن ثم اتجه إلى إضعاف مؤسسات المجتمع المدني السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية لم تنجُ من الإضعاف بضمها وتبنيها كما قام بإلغاء الكثير من منظمات المجتمع المدني أو استبدالها بمؤسسات تابعة له مهمتها الأساسية دعمه وتشديد قبضته على الدولة والمجتمع مع أن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه مؤسسات المجتمع المدني هو أن تكون مؤسسات مستقلة عن السلطة! وكل ذلك حتى يتمكن بشكل منهجي من القضاء على أية زعامة في المجتمع غير زعامته وتحويل أفراد المجتمع إلى أشخاص منعزلين سلبيين لا يعرفون المبادرة ولا يثقون ببعضهم البعض وغير قادرين على العمل الجماعي من أجل الوصول إلى الحرية، ليتثنى له بعد تكريس هذا الواقع المزري الاستمرار باطمئنان ودون عوائق في الحكم لأطول فترة ممكنة وتنفيذ مشروع خرابه المسمى زورا بالمشروع الحضاري مستغلا ضعف المجتمع وفقدانه الثقة بنفسه وبقدرته على المقاومة؛ ولكن رغم كل هذا المنهج التخريبي المدروس فشل نظام الإنقاذ الإسلاموي في كسر شوكة المجتمع السوداني وظل رغم تمترسه خلف قواه الأمنية الشرسة يواجه بأعمال المقاومة المختلفة والمتصاعدة.
(6)
لقد عرك المجتمع السوداني النظم الديكتاتورية المختلفة عبر تاريخه الحديث وخبر أنها على الرغم من طغيانها وجبروتها إلا أن لها نقاطَ ضعف كثيرة وهي في الحقيقة تحمل بذور فنائها في داخلها كما أن المجتمع السوداني وبتراكم الخبرة السياسية ورسوخ مؤسساته الحزبية لديه الكثير من نقاط القوة الكامنة التي تمكنه من مقاومة النظام الديكتاتوري، سلميا وتعميق نقاط ضعفه وتحفيز نقاط القوة في الجماهير حتى تحقيق النصر واسترداد الحياة الحرة الكريمة في نهاية المطاف؛ فنظام الإنقاذ الحالي مثله مثل أي نظام ديكتاتوري يحفل بالعديد من نقاط الضعف التي يمكن النفاذ من خلالها وهزيمته فهو يجمع الصلاحيات في يد مجموعة قليلة من منسوبي الحركة الإسلامية وهذا يحد من قدرته على التأقلم مرحليا ومنسوبيه كما أثبتت التجربة يقدمون مصالحهم الذاتية على أي اعتبارات أخلاقية أو وطنية أو حتى دينية لذا ظلوا طوال فترة حكمهم عرضة لتضارب المصالح واندلاع الصراعات الداخلية التي زعزعت الثقة بين أركان النظام وحدت من فعالية أجهزته وكشفت صور مخزية من فساد أقطابه منذ الانشقاق الأول في صفوفه الذي عرف (بالمفاصلة) نهاية عام 1999م ومنذ ذاك التاريخ زادت مخاوف منسوبيه من إغضاب القيادات وتفننوا في الكذب ونقل صورة غير صادقة عن الأوضاع في البلاد أو حجب بعض المعلومات عن تلك القيادات مما أثر سلبا على صواب القرارات فالنظام الحالي قد اتخذ طوال فترة حكمه الكثير من القرارات الهوجاء التي خلقت فروقا طبقية ومناطقية في المجتمع، ازدادت وتعقدت بمرور الزمن وولدت صراعات عجز النظام عن احتوائها مثل الصراع المندلع في المناطق الثلاثة - دار فوار؛ جنوب كردفان والنيل الأزرق نقاط الضعف هذه بالإضافة لتراكم خبرات الشعب السوداني في مواجهة النظم الديكتاتورية والإطاحة بها مع بروز عامل مهم جديد وهو تطور وسائل الإعلام التي لم تعد تجعل من السهل على النظام الديكتاتوري إخفاء قمعه وفشله، يجعل من أمر التخلص منه أمراًُ ممكناً إذا توفر الوعي والقيادة الجماعية الشجاعة المخلصة لقضايا الجماهير.
(7)
أول الخطى في طريق هزيمة النظم الباغية تبدأ من نشر الوعي وتخليص المجتمعات من الأفكار التي تهيئها لقبول الاستبداد إن هزيمة الديكتاتوريات فكريا تمهد وتسهل أمر هزيمتها فعليا على أرض الواقع والوجه الكالح للاستبداد يختفي عادة خلف أفكار رجعية كترويج لفرية أن ليس كل الشعوب متهيئة لقبول وممارسة الديمقراطية وفي إشاعة هذه الفرية مغالطة وتجاوز لحقيقة أن جميع البشر متساوون في القدرات مؤهلون لاتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية وأن هذه الأهلية تتساوى فيها جميع الشعوب وضعف المهارات التي تحتاج إليها بعض المجتمعات لممارسة الديمقراطية هو نتيجة لسيطرة الأنظمة الديكتاتورية عليها وليس العكس، والسبيل الوحيد لتقوية هذه المهارات هو تفعيلها بمزيد من الممارسة الديمقراطية وليس تعطيلها فذلك يزيدها ضعفاً وهذا ما تفعله الأنظمة الديكتاتورية ؛ عندما تُحكم المجتمعات بأنظمة ديكتاتورية لا يُتاح لها حرية التفكير والتعبير ولا يُفسح لها المجال للحوار والتكاتف والعمل الجماعي تضمر تلك المهارات بالتدريج فالعلة إذا ليست في الشعوب ولكن في النظم الحاكمة لها والسبيل الوحيد لتقوية هذه المهارات هو إزالة هذه النظم المكبلة للوعي ومن ثم تفعيل وتنشيط مهارات ممارسة وقبول الديمقراطية بمزيد من الممارسة الديمقراطية ومن الأفكار الرجعية التي تستخدمها أيضا الديكتاتوريات لاستمرار استبدادها هي فكرة توفير الأمن والاستقرار وخداع المواطن بأن إشاعة الحريات والديمقراطية تقود المجتمعات للفوضى والاضطراب وفي هذا الادعاء الأخرق أيضا مغالطة وتجاوز مقصود لحقيقة أن الأمن الحقيقي الراسخ تحققه العدالة وسيادة القانون، والنظام الديكتاتوري تقوم دعائم حكمه في الأساس على الظلم وتجاوز القانون ، وممارسة الاعتداء على المجتمع بشكل منهجي منظم، فالأمن الذي يحققه النظام الديكتاتوري في الحقيقة هو أمنه وليس أمن المجتمع لذا نجد إعلام نظام الإنقاذ في السودان وقواه الأمنية تنشط في عملية إرهاب الشارع وتعجيزه عن المعارضة بنشر سؤال (البديل) الغبي (من هو البديل؟؟) والإشارة للأثمان الباهظة التي دفعتها الشعوب في سبيل التخلص من النظم المستبدة (كفزاعة).
(8)
ومن المؤكد أن أي حراك للتغيير يصيب حياة المجتمع بإرباك خاصة مع بداية المقاومة السلمية فإن المجتمع سيدخل في حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وحتى بعد زوال النظام الديكتاتوري من الطبيعي أن لا تستقر الأمور في المجتمع بين عشية وضحاها؛ لأن المواطن الذي حُكم عقوداً من الزمن بنظام ديكتاتوري قام على البطش والتنكيل وكم الأفواه يحتاج إلى فترة زمنية (لإعادة تأهيله) حتى يصبح قادرا على الحوار واحترام الآخر والتعاون معه للوصول إلى الصيغ والحلول التي تتميز بها الحياة السياسية الديمقراطية ومن هنا ينفذ عادة أقطاب الثورة المضادة سدنة النظم الديكتاتورية لأوساط قوى المقاومة خلال فترة الصراع لضربها وتشتيت وحدتها بمحاولات إقناع الناس بالعودة إلى الخنوع والاستسلام ثمناً للحصول على الاستقرار وحتى بعد سقوط النظام الديكتاتوري تعمل ذيوله على إثارة البلابل والقلاقل انتقاماً من المجتمع الذي لفظها وأملاً في أن يؤدي فشل التجربة الديمقراطية إلى عودة النظام القديم إلى الحكم، ولقد قامت بهذا الدور التخريبي الخبيث (الجبهة القومية الإسلامية) حليفة نظام الديكتاتور النميري بعد انتفاضة إبريل 1985م وأضعفت التجربة الديمقراطية الثالثة ومن ثم انقضت عليها بانقلابها المشؤوم في 30 يونيو 1989م وجرت على السودان كل هذه المحن التي يعيشها اليوم؛ لذا فمن المهم إدراك المواطن لطبيعة هذه المرحلة لأن هذا الإدراك سيفشل محاولات قوى الثورة المضادة الساعية لإجهاض التغيير ويزيد المجتمع كرهاً للديكتاتورية وأنصارها بل ويزيده تصميماً على السير قدماً في الطريق إلى الحرية. ومرحلة عدم الاستقرار المصاحبة لعملية التغيير هي مرحلة طبيعية لا يمكن إلغاؤها ولكن بالإمكان تقصير مدتها والتخفيف من حدتها وذلك بتوعية الجماهير وتهيئتها لها باعتبارها مرحلة طبيعية وعابرة يجب أن تزيد من إصرارها على الحرية لا أن تدفعها للعودة إلى الوراء ولا بدّ خلال هذه المرحلة أن يوضع المجتمع أمام خيار وحيد وهو إما تحمل فترة عدم استقرار مؤقت من أجل الحصول على نظام تعددي يحترم حقوق الإنسان ويحقق الاستقرار والتنمية أو الاستمرار في الصمت والخنوع مقابل العيش إلى ما شاء الله في ظل نظام ديكتاتوري ظالم وباطش هذا هو الخيار الذي يجب أن يوضع أمام المجتمع في أثناء إعداده لخوض معركته الفاصلة من أجل الحرية.
** نتابع في الجزء القادم من هذا المقال مقاربة كيفية التخطيط للمقاومة السلمية وأهمية وضع إستراتيجية عامة وأهداف إستراتيجية وضرورة اختيار تكتيكات صحيحة للوصول لأهداف المقاومة الإستراتيجية وتنفيذ إستراتيجيتها العامة.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 14/11/2016
خطوات تصعيد من عبث الحوار إلى الانفجار 2/2
المبتدأ:-
أشرنا في نهاية الجزء الأول من هذا المقال (خطوات تصعيد من عبث الحوار إلى الانفجار) بأننا سنقارب اليوم كيفية التخطيط للمقاومة السلمية وكيفية وضع إستراتيجية عامة وأهداف إستراتيجية وتكتيكات مرحلية لتحقيق ذلك حيث إن وجود رغبة جماهيرية مهما كانت قوية للتخلص من نظام الإنقاذ الديكتاتوري ليست كافية لوحدها ما لم نضع خطة واضحة للمقاومة بحيث لا تكون أفعال المقاومة مجرد ردود أفعال على تصرفات النظام وبحيث تكون المقاومة دائماً على علم بماهية "الخطوة التالية"، إن استعجال المقاومة للنتائج أو يأس بعض طلائعها في بعض الأحيان من إمكانية التخلص من نظام الإنقاذ الباغي يدفعها إلى عدم التخطيط وإلى مجرد اجتراح المقاومة كفعل لإرضاء الضمير وتسجيل موقف أخلاقي ليس إلا فعدم التخطيط يؤدي إلى تبديد طاقات المقاومة وتعزيز سلطة النظام وزيادة يأس المجتمع كما لمسنا ذلك في مراحل مقاومة شعبنا لسلطة الإنقاذ خلال ما يزيد عن الربع قرن.
والخبر:-
(9)
يكتسب التخطيط لمقاومة نظام مثل نظام الحركة الإسلامية الحاكم اليوم أهمية قصوى وذلك لطبيعته الخاصة التي لم تكن من طبائع الديكتاتوريات الماضية التي خبرها الشعب السوداني فالديكتاتورية الإسلاموية الحالية نظام عسكري بغطاء عقائدي وحاضنة تنظيمية ظلامية نلمس هذا في تمسك منسوبيه به على الرغم من تواصل حلقات فشل سياساته وتلاحم فصول فساد قياداته وذيوع صيت جرائمه التي أدت لطلب مثول قياداته أمام المحاكم الدولية كل هذا لم يزحزح قناعات منسوبيه ولم يحرر عقولهم من وهم الاعتقاد بأن مساندتهم العمياء عبادة تقربهم من لله زلفا وذلك فقط لادعائه الكاذب بأنه إسلامي ولمتاجرته الفظة بورقة الشريعة في منعطفات الكسب الدنيوي لهذا فالتخطيط لمقاومة مثل هذا النظام المخادع سلميا يجب أن تبدأ من تحرير عقول البسطاء من قبضة آلته الإعلامية وفضح كنه أفكار تكريس الاستبداد التي تبثها وسائل إعلامه المختلفة والمتابع للقنوات الفضائية التي برع النظام في خلق العديد منها وإضفاء صفة (المستقلة) عليها يلمس كيف يدس السم في العسل في مواد برامجها.
(10)
في التخطيط للمقاومة السلمية من المهم التمييز بين الإستراتيجية العامة والأهداف الإستراتيجية والتكتيكات وأن ندرس شروط الواقع الماثل ونضع إستراتيجية المقاومة وأهدافها وتكتيكاتها انطلاقا من هذا الواقع لأن القفز فوق شروط الواقع أو محاولة استيراد إستراتيجية من الخارج غالبا ما تكون له خسائر فادحة قد تقود لتحطيم قوى المعارضة أو لتأخير مسيرتها فالإستراتيجية العامة هي التي تحدد المحاور الرئيسة التي يجب أن تنطلق منها المقاومة السلمية وتوضع خطوطها العريضة عادة من خلال الإجابة الدقيقة على تساؤلات محددة منها كيف ندفع الجماهير للمقاومة ونحرر عقلها من الأفكار الدافعة لتقبل الاستبداد والتعايش معه وكيف نحدد ضربة بداية المقاومة وذلك باستثمار حدث ما أو مناسبة لإشعال فتيلها وما هي القضايا التي تحظى باهتمام أوسع قاعدة جماهيرية وكيف نرفع ثقة الشارع في نفسه حتى يتحرك لمواجهة السلطة والارتقاء بقدرته على الصبر والتحدي مع مضي الوقت وكيف نقيم شبكة اتصالات دائمة ومأمونة لنقل المعلومات واتخاذ القرارات أثناء فترة الصراع وكيف نحدد ونستفيد من المؤسسات القائمة والمستقلة نسبيا عن السلطة للمساعدة في نجاح الحراك المقاوم وإخراج أكبر عدد من مؤسسات الدولة من سيطرة السلطة وكيف نخلق مؤسسات رديفة لتلبية متطلبات النضال ضد السلطة وكيفية التحرك لاستنزاف قوة أجهزة النظام ومقدراتها بالتدريج ومن المهم أيضا دراسة الطرق التي يمكن عبرها تلبية احتياجات المجتمع الملحة من غذاء وماء ودواء طوال فترة المقاومة ووضع الخطط لبناء المؤسسات التي ستكفل للمجتمع في مرحلة ما بعد سقوط النظام الحفاظ على الديمقراطية.
(11)
وضع الإستراتيجية العامة والإعلان عنها وشرحها للجماهير تشجعها وتشعرها بجديه المقاومة وتصميمها على الإطاحة بالسلطة، كما أنها تحد من بطش النظام لأنه سيعلم أن كل عمل يقوم به ضد المقاومة ستكون له نتائجه السياسية، إن وجود إستراتيجية واحدة معلنة تمكن مجموعات المقاومة من اللامركزية في اتخاذ القرار وتعطيها المرونة والقدرة على التحرك والإبداع في اختيار التكتيكات المناسبة لتحقيق هذه الإستراتيجية في بلد مترامي الاطراف كالسودان من دون تشتيت الجهود لأن كل التكتيكات سيتم اختيارها بحيث تحقق إستراتيجية واحدة وإعلان الإستراتيجية لا يعني بالطبع كشف التكتيكات المرتبطة بطبيعة التحركات التي ستلجأ إليها المقاومة وزمانها ومكانها فهذه الأمور تظل طي الكتمان من أجل مفاجأة النظام الديكتاتوري وإرباكه واستنزافه. إن سير الصراع قد يفرض تعديلات على الإستراتيجية مما يقتضي مراجعة الإستراتيجية وتعديلها باستمرار. الإستراتيجية العامة هي الخطة الشاملة للوصول إلى هدف المقاومة الإستراتيجي وهو إسقاط نظام الإنقاذ الديكتاتوري وبناء نظام تعددي بديل في حين أن التكتيك هو خطة مرحلية لتحقيق هدف مرحلي وإستراتيجية النضال عادة ما تكون طويلة وبعيدة المدى وتقوم على التخطيط للوصول للأهداف فحين أن التكتيك هو ردة فعل مرحلية تعتمد على الإبداع لتحقيق نتائج آنية وبالتكتيك تكسب المقاومة معاركها على طول مسيرة الكفاح الطويل وبالإستراتيجية تربح مجمل حربها ضد الديكتاتورية وتشيعها لمزبلة التاريخ.
(12)
الأهداف الإستراتيجية هي نتائج محددة تريد المقاومة السلمية الوصول إليها، يتم تحديدها بمعايير وفق الإستراتيجية العامة حتى تستطيع المقاومة قياس مدى نجاح تنفيذها ، وإن لم تحققها تستطيع تحديد كم الانحراف عن الهدف والأسباب التي أدت إليه ؛ فالأهداف الإستراتيجية سلوك محدد تقوم به قوى المقاومة استجابة للتكتيك معين؛ فمثلا إذا كانت الإستراتيجية العامة تقضي برفع قبضة السلطة عن حراك الأطباء المطالب بتحسين بيئة العمل فإن الهدف الذي يخدم هذه الإستراتيجية هو إجبار السلطة على إطلاق سراح الأطباء المعتقلين لديها من قادة الحراك والتكتيك السلمي الذي يمكن أن يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف هو إضراب الأطباء عن علاج الحالات الباردة أو الاعتصام في نقابة الأطباء أو الخروج بمظاهرة تحمل صور المعتقلين وترفع شعارات تندد بالاعتقال وبما أن الهدف الإستراتيجي هو الحلقة التي تربط بين التكتيك السلمي والإستراتيجية العامة فمن البديهي تحديد الهدف الإستراتيجي أولاً ثم تصميم التكتيك الذي يضمن تحقيق هذا الهدف كما يجب على المقاومة أن تعلن عن الهدف الإستراتيجي من وراء أي تكتيك تقوم به مما يعطي زخم وقوة دعائية للتكتيك تجبر السلطة على الانصياع. إن التوفيق في اختيار التكتيكات النضالية الصائبة تضع السلطة في موقف حرج فالسماح بها أو قمعها كلاهما يؤدي إلى تسجيل نقاط لصالح المقاومة.
(13)
التكتيكات النضالية السلمية كما ذكرنا هي الخطوات العملية التي تقوم بها المقاومة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي حددتها الإستراتيجية العامة لذا عند تحديد التكتيكات السلمية علينا تحديد الهدف الإستراتيجي لكل تكتيك وكيف يصب هذا الهدف في تحقيق الإستراتيجية العامة وتحديد هيكلية جسد المقاومة ووسائل تواصل قيادتها مع الجماهير وكيفية تلقيها للمعلومات التي على أساسها تتخذ القرارات كما أن هناك ضرورة لإيصال أخبار المقاومة ونضالاتها للجماهير وللرأي العالمي وتمليكهما الحقائق بكل صدق وشفافية ودون مبالغة للحفاظ على المصداقية والجدية وكسب المزيد من الأنصار؛ وتستطيع المقاومة عبر الاستثمار الأفضل لقدرات المجتمع ومقدراته تحقق أفضل الأهداف السياسية بأقل الخسائر فإشراك شرائح المجتمع المختلفة (كالطلاب، العمال، والنساء وغيرهم) يخفف عبء المقاومة ويتيح لكل الجماهير المشاركة الفاعلة فيها مما يوفر حاضنة شعبية عريضة تأمين جسدها وتضمن سلامة قادتها وتجعل الثمن السياسي لقمعها من قبل النظام باهظا وذلك بالتعامل السريع وفضح الاعتداءات التي يقوم بها النظام على أفرادها إعلاميا وتحويلها لمادة لحشد المناصرين ووقود لتذكية الحراك الثوري من جديد. للتكتيكات السلمية أوجه عديدة كالعرائض الشعبية وجمع التوقيعات وإرسال رسائل الدعم العلنية للمقاومة من مؤسسات وشخصيات مرموقة أو الكتابة في الصحف والمواقع الإسفيرية والاعتصامات والمسيرات ورفع شعارات المقاومة على ناصية المنازل والمحال التجارية أو كتابتها على أسفلت الطرق والجدران وكذلك توزيع مواد إعلامية مقروءة أو مسموعة تحث على المقاومة ولبس قمصان تحمل شعار المقاومة والدخول في إضرابات عن العمل أو الطعام أو غيرها من أنواع التعبير عن الرفض كتصميم بوستر يظهر بشاعة قمع السلطة للمقاومة وتوزيعه على أوسع نطاق جماهيري وهكذا تستطيع طلائع المقاومة السلمية من الشباب أن تبتدع المزيد من التكتيكات التي تتناسب مع ظروف كل مجتمع وتستفيد من التقنيات الحديثة في التصوير والنسخ والاتصالات التي توفرت مؤخرا لتنويع تكتيكات نضالها والتجديد بخلق المزيد منها.
(14)
نجاح الصراع مع نظام الإنقاذ الديكتاتوري يعتمد على أمرين مهمين (الاستمرارية) و(التجديد) أي استمرار المقاومة السلمية في مقابلة أساليب النظام القمعية بأساليب جديدة وإدخال فئات المجتمع المختلفة في المقاومة ونقل الصراع من ساحة إلى أخرى بما يكفل استنزاف النظام وتشتيت قوته مثلا يمكن الانتقال من إضراب الأطباء لإضراب فئوي آخر للمعلمين أو المحامين والتخفيف من عبء صراع أهل (الجريف) المطلبي مع السلطة باجتراح صراع موازي لأهل (شمبات) لتشابه قضايا الصراع والمظالم وهكذا. إن المقاومة السلمية تتفاعل مع عوامل كثيرة كبنية النظام الديكتاتوري وعلاقاته الإقليمية والدولية هذا التفاعل قد يسرع أو يبطئ من انهيار النظام لذلك تختلف الفترة الزمنية الممتدة ما بين بدء المقاومة السلمية وانهيار النظام الديكتاتوري تبعا لهذه الظروف، فقد تستغرق المقاومة عقداً من الزمن كما حدث من قبل مع نظام الديكتاتور النميري ويحدث حاليا مع نظام الحركة الإسلامية الغاشم أو عدة أيام كما حدث مع النظام العسكري بقيادة الفريق عبود؛ والذي يميز المقاومة السلمية هو أن عواقبها تتجاوز مكان وزمان الأحداث؛ فاغتيال رمز من رموز المقاومة أو سقوط عدد من القتلى في مظاهرة سلمية قد يكون كافياً لقلب ميزان القوة في المجتمع لصالح المقاومة بين عشية وضحاها كما شهدنا ذلك في ثورة أكتوبر 1964م بعد اغتيال الشهيد (القرشي) وبعدها مباشرة توقف نظام الفريق عبود عن التخطيط لإفشال المقاومة وبدأ التفكير في الانسحاب.
(15)
أي نظام ديكتاتوري يدرك حقيقة تفوق المقاومة عليه في المعركة الأخلاقية ، لذا نجد أن نظام الإنقاذ يحاول دوما جر المعارضة السلمية إلى المعركة التي يستطيع أن يربح فيها وهي معركة العنف والبطش ويعمل على استفزاز المعارضة بشتى الأساليب ويرسل قواته لتعتدي جسدياً ولفظياً على منسوبيها وفض فعالياتها ؛ وهنا على قوى المعارضة أن لا تقابل العنف بالعنف والاعتداء بالاعتداء، فالضرب بجب أن يُصد بأقل درجة من العنف الجسدي، والشتم والتخوين لا يُرد عليه بالمثل وإنما بترديد الشعارات الوطنية، يجب إظهار الفرق الكبير بين سلوك المعارضة الحضاري الرفيع وسلوك قوات النظام الوحشي الهمجي أمام الرأي العام ، مع الحرص على إشعار أجهزة أمن النظام بأنها مخدوعة وأن النظام يستغلها وأن ليس للمعارضة عداء معها بل هي حريصة على سلامة هذه القوات وهي لا تريد إيذاءها وإنما تريد تخليص المجتمع من قبضة الديكتاتورية، فمهاجمة قوات النظام سيزيد من ولائها للنظام أما تجنب ذلك فسيؤدي إلى نتيجة عكسية، وكلما التزمت قوى المعارضة بمبدأ (اللا عنف) كلما استطاعت أن تجر نظام الإنقاذ إلى ساحة معركة الأخلاق والمنطق التي تستطيع أن تربح فيها وتكشف مدى بشاعته.
(16)
يجب أن تعي المقاومة أن من أهم أهدافها إبراز ظلم نظام الإنقاذ وعدم إنسانيته للرأي العام وفي الوقت نفسه كسر حاجز الخوف الذي بناه في قلوب الجماهير، وهذا الحاجز لا يكسر إلا بمشاهدة طلائع المقاومة وهم يتحدون بصدور عارية وحشية النظام وبطشه ، وهكذا كلما زادت مواقف البطولة والصمود تهاو حاجز الخوف وازدادت الجماهير ثقة في نفسها واطمأنت على إخلاص طلائعها الثورية وكفاءتها وحسن تنظيمها وتخطيطها وقويت السلطة الأخلاقية التي تملكها المعارضة وضعفت السلطة الرسمية التي يملكها النظام إلى أن تصل الأمور إلى الحد الذي تنتقل فيه السلطة الفعلية من النظام إلى المعارضة وهي اللحظة التي ينكسر فيها حاجز الخوف تماماً وتصبح كلمة قادة المقاومة هي الكلمة المسموعة عند الجماهير، وتقترب نهاية النظام الديكتاتوري؛ وحينئذ على طلائع المقاومة الانتقال من مهام تشجيع الجماهير ودفعها للانخراط في المقاومة إلى مهام أشد صعوبة وهي ضبط مشاعر غضب الجماهير المكبوتة لسنوات وتكذيب نبوءة النظام الديكتاتوري بالفوضى التي ستعقب زواله، إنجاز هذه الخطوة المهمة يستوجب إعداد الجماهير لهذه المرحلة التي ستلي سقوط نظام الإنقاذ منذ الآن وتدريبها على كبح جماح مشاعرها وعدم اللجوء إلى العنف للحصول على حقوقها بل الاحتكام إلى القضاء والقانون وتلك هي الخطوة الأولى في طريق إخراج المجتمع من دائرة العنف والانتقال من دولة الظلم والإرهاب إلى دولة العدل والقانون.
(17)
ولا بد من تنويع خطوات تصعيد المقاومة والتركيز على العاصمة الخرطوم لأنها تمثل العامل الحاسم وتحديد مناطق إستراتيجية مهمة وحساسة داخلها كساحات لتظاهر والتجمع دون إغفال الأعداد الجيد وتحشيد أكبر كتلة جماهيرية ولو أدى الأمر للتنسيق وجلب المعارضة من أطراف العاصمة والمدن القريبة مما سيزيد المظاهرات فعالية وكلما تزايد الزخم كلما تمكنت طلائع المقاومة من الصمود وإطالة زمن التظاهرات وتحويلها لفعاليات يومية؛ ومن المهم ضم المقاومة لفئات مختلفة من أطياف المجتمع كالمثقفين والفنانين لزيادة الزخم الشعبي والنقطة الأهم في مسيرة تصعيد المقاومة تكمن في لحظة انتقالها من وضعية الدفاع إلى وضعية الهجوم وذلك بعدم الاكتفاء بالتظاهر في أحياء ومناطق معينة وإنما بالتوجه نحو المعتقلات ومقار الأجهزة الأمنية ومحاصرتها بأعداد كبيرة من الجماهير مما سيضع تلك الأجهزة الأمنية في خانة الدفاع ، ويفقدها تدريجيا السيطرة على الشارع التنسيق فيما بينها والشاهد على فعالية هذا المسعى وأهميته ما أدته اعتصامات النشطاء وأسر المعتقلين أمام رئاسة جهاز الأمن من دور ايجابي في إطلاق سراح البعض وتخفيف شدة التعذيب عن البعض الآخر وليس مطلوب من المقاومة السلمية أن تكون سلمية يسوعية بالمطلق فبعض العنف في بعض المواقف التي تقتضي الحاجة مطلوب لتجنب الكثير من العنف خاصة عندما يكون موجهًا لخدمة هدف محدد ومع ضرورة المحافظة على الشعار والسياسة العامة السلمية وعدم اللجوء للعنف بشكل عام.
(18)
وخلاصة القول على قوى المقاومة التحلي بخطاب جماهيري متزن يشرح ويفضح عظم خطر استمرار النظام الحالي ويبين كافة سوالبه ومفاسده فإسقاط نظام الإنقاذ لن يتم بالشكوى والأنين من ظلمه في جلسات الأنس في المنازل وعلى قارعة الطرق، ولا باتهام الشعب بالجبن والتخاذل، إسقاط هذا النظام وما تبقى من حاضنته السياسية يحتاج إلى رؤية ملهمة وإستراتيجية واضحة واستعداد صادق للتضحية في سبيل الحرية؛ فالمقاومة السلمية هي معركة حقيقية تحتاج الكثير من التخطيط الواعي والتكتيك الرشيد كما تحتاج للشجاعة والبذل فهي المعركة المصيرية التي لا بد أن يخوضها شعبنا من أجل الحرية والحياة الكريمة وإسقاط نظام الإنقاذ وتفكيك مفاصله الذي يبدو للبعض عصي اليوم هو شيءٌ حتمي فهو وأمثاله من نظم الحكم الديكتاتورية تحمل بذور فنائها في أحشائها وتنتهي عاجلا أم آجلا تحت أقدام الشعوب وأنصار الحرية إن الدعوة اليوم لتصعيد مقاومة نظام الإنقاذ سلميا لا تنطلق من مجرد فرضيات حالمة فلقد كشفت مخرجات حواره الذي خدع بها الكثير من قوى المعارضة لزمن طويل مدى كذبه ومراوغته كما حسمت وقطعت إجراءاته الاقتصادية الظالمة الأخيرة قول ولسان كل من يدافع عن بقائه أو يروج لخطل إمكانية إصلاحه والنظام البائس يقف اليوم عاريا من السند الشعبي في مواجهة غالبية شعب السودان.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 12/11/2016م
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.