توجت اللبنانية ماريا فرح ملكة جمال المغتربات، بعدما تنافست على اللقب مع اثنتين وعشرين مشتركة أخرى من أصل لبناني يعشن في بلدان الاغتراب كأستراليا والولاياتالمتحدة والخليج العربي وكندا التي تنتمي إليها صاحبة اللقب. أقيم الحفل في بلدة ضهور الشوير التي اشتهرت بإحيائها هذه المسابقة منذ عام 1962. وسلمت الملكة السابقة دانييل رحمة التاج للملكة الجديدة أمام حشد من السياسيين والفعاليات اللبنانية، في مقدمتهم وزير السياحة فادي عبود الذي أشار في كلمة ألقاها في المناسبة إلى أن هناك 600 ألف سائح يأتون إلى لبنان سنويا عبر البر، و14 ألف وافد يوميا على مطار بيروت، وأن لبنان حسبما ذكر الصحافي في تلفزيون ال«سي إن إن» ريتشارد كويست هو الوجهة السياحية الأولى في العالم العربي حاليا، مما يعني أن لبنان بألف خير. أحيا الحفل الفنانان أمير ومايا يزبك، فيما مرت المشاركات أمام لجنة التحكيم على عدة مراحل وهن يرتدين ثياب السهرة والبحر والفلكلور اللبناني، وحلت اللبنانية المغتربة (الولاياتالمتحدة) كريستيل خوري وصيفة أولى، وصوفيا فينيرو (بيرو) وصيفة ثانية. ولأول مرة منذ عام 1975 جرت المسابقة في حديقة دارة فندق القاصوف الذي اعتاد استقبال هذا الحدث منذ استحداثه في لبنان عام 1962 من قبل بلدية ضهور الشوير، والذي توقفت إقامته بسبب الحرب اللبنانية التي اندلعت حينها. ويعتبر هذا الفندق المبني من الحجر الصخري من حجم وعمق 50 سنتيمترا مكعبا من أضخم وأكبر الفنادق في منطقة المتن، وتبلغ مساحته 11 ألف متر مربع، ويتألف من نحو خمسين غرفة استضافت أيام العز في الستينات ملوكا وأمراء عربا، بينهم الملك فاروق الذي كرمته بلدية ضهور الشوير في تلك الحقبة فأطلقت اسمه على أحد شوارعها العريقة، وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس الجمهورية اللبناني الراحل كميل شمعون الذي أحب كثيرا هذه البلدة ورصد لبلديتها من ميزانية الدولة في عهده مبلغ نصف مليون ليرة لبنانية تم صرفها على شق بوليفار ضهور الشوير المعروف ببوليفار كميل شمعون، والذي يعتبر أحد أجمل وأحدث الطرقات في المنطقة. ومن الشخصيات المعروفة التي اتخذت من فندق القاصوف مرتعا لها الراحل محمد عبد الوهاب الذي كان يستمتع في الجلوس في غرفة الطعام الشاسعة للفندق والتي تتسع ل300 شخص وتطل على منظر طبيعي جميل تلونه أشجار الصنوبر، خاصة أن الفندق الذي يتألف من طبقتين يقع على تلة تشرف على بلدة بولونيا المجاورة لضهور الشوير والمعروفة بغاباتها الصنوبرية. ويعود هذا الفندق لآل القاصوف الذين بنوه في العشرينات ثم بيع للبناني من آل الخوري وآخر من الجنسية الأردنية، إلى أن انتقلت ملكيته مؤخرا لرئيس بلدية ضهور الشوير الحالي إلياس بوصعب، وآخر من ضهور الشوير ويدعى إيلي صوايا، وفاق ثمنه 6 ملايين دولار. والمعروف أن انتخاب أول ملكة جمال في لبنان جرى في هذا الفندق عام 1935، وفازت يومها باللقب جميلة الخليل التي غنى لها محمد عبد الوهاب «الصبا والجمال بين يديك»، وقد كتبها الأخطل الصغير الذي كان شخصيا يحضر الحفلة وأعجب بالملكة المنتخبة فأهداها هذه القصيدة. واستحدثت بلدية ضهور الشوير هذه المسابقة منذ عام 1962 وأرادتها تكريما لأبنائها المغتربين والمنتشرين في كل أنحاء العالم، وكذلك للحفاظ على الروابط الوطنية بين جيل الشباب المهاجر وجذور الأرض خاصة الفتيات منهم اللاتي يعتبرن أمهات المستقبل وعليهن تقع مسؤولية كبيرة في تأسيس عائلة لبنانية حتى ولو انبثقت في عالم الاغتراب. ويقول عصام صوايا أحد أبناء بلدة ضهور الشوير الضالع في البحث عن تاريخها وأرشيفها التراثي إن أول ملكة جمال للمغتربين انتخبت عام 1962 كانت تدعى غيتا دايي، وتوالى على اللقب في ما بعد عدد من فتيات المنطقة وبينهن دنيا أشقر التي فازت باللقب عام 1967، وبعدها إيلين أبو نخلة وفيفيان أبي خير، وهاتان الأخيرتان انتخبتا في أوائل السبعينات. واستمرت هذه المسابقة تقام برعاية رؤساء الجمهورية اللبنانية، وكان أولهم الجنرال فؤاد شهاب حتى عام 1975 إذ توقفت قسريا بسبب الأحداث اللبنانية التي اندلعت في تلك السنة، ثم جرت لمرة واحدة عام 1987 وتوقفت حتى عام 1992 عندما أقيمت في فندق الكناري وهو واحد من 14 فندقا كانت موجودة في ضهور الشوير قبل الحرب اللبنانية. وكانت قد جرت العادة أيضا أن يصار إلى إقامة مسابقة ملكة جمال المراهقات في البلدة نفسها منذ عام 98. ومن الفنانين الذين أحيوا هذه المناسبة على امتداد السنوات الماضية زكي ناصيف ووديع الصافي وملحم بركات وسامي كلارك (ابن البلدة) وراغب علامة وعاصي الحلاني وماجدة الرومي ونوال الزغبي وكارول سماحة وغيرهم. أما رئيس بلدية ضهور الشوير السابق نبيل غصن فيتذكر تلك الحقبة بتفاصيلها ويقول «مهرجان المغتربين الذي كان ولا يزال يقام في بلدتنا كان صلة الوصل المباشرة بين لبنان وبلاد الاغتراب، خصوصا أن ثلث أبناء بلدتنا هاجروا إلى الخارج وفي مقدمهم آل يافت وآل صوايا وآل غصن وآل قربان وآل حلبي، وهم يتوزعون على الخليج العربي والولاياتالمتحدة وسويسرا وكندا وغيرها». ويضيف «كان المهرجان يتضمن كرنفال السيارات القديمة، فكان أهالي المناطق المجاورة إلى جانب أهالي بلدتنا يتبارون على عرض أقدم سيارة يقتنونها كال(فورد) وال(بلايموس) المكشوفة وال(شيفروليه) الذهبية وال(دودج) المخططة وغيرها، وكل منها يحمل أعلام دول الاغتراب، وركابها يرتدون الثياب الفلكلورية لكل بلد، وكذلك كان يجري (سباق الحمير) ومباريات كرة المضرب وكرة اليد، وسباق الدراجات. أما عن انتخابات ملكة جمال المغتربات فقد كانت لجنة الحكم المشرفة على مباراة ملكة جمال لبنان هي نفسها المشرفة عليها برئاسة ريمون لوار الذي انتخبت في أيامه جورجينا رزق ملكة جمال لبنان، ونالت بعدها لقب ملكة جمال الكون، وكان رؤساء الجمهورية اللبنانية يشجعون هذا الحدث بدءا من الرئيس كميل شمعون مرورا بسليمان فرنجية وصولا إلى إلياس الهراوي». ويتذكر نبيل غصن، الحائزة على اللقب عام 1994 ريما مطر، والتي كانت تعيش في سان فرانسيسكو واعتبرت ضهور الشوير بلدتها بعدما أصبحت ملكة جمال المغتربات، وعندما تزوجت أصرت على أن تزورها مع زوجها، ودعت عددا من أهل ضهور الشوير إلى حفل زفافها، فزادت روابطها الوطنية بالجذور، وكذلك الأمر بالنسبة لصاحبة اللقب نفسه من آل مكانسي، وهي مراكشية من أصل لبناني، والتي تفاجأت بسرقة تاجها وشارة لقبها من قبل إحدى منافساتها في السهرة نفسها، فعادت أدراجها في اليوم التالي إلى ضهور الشوير مطالبة برد اعتبارها لأنها تفتخر باللقب وتريد أن تتباهى به أمام صديقاتها في بلدها، فما كان منه إلا أن أقام لها حفلا مشابها للأول قدم لها خلاله تاج وشارة اللقب من جديد فقط من أجل مصداقية المباراة والحفاظ على علاقة جيدة مع الشباب المغترب. اليوم يستعد أهالي ضهور الشوير لإعادة افتتاح فندق القاصوف بعدما انتقلت ملكيته لرئيس بلديتها الحالي إلياس بوصعب، خصوصا أن حفل انتخاب ملكة جمال المغتربات الأخير جرى في حديقته، مما أعاد الذكريات الجميلة لأيام خلت إلى البال، الأمر الذي أسهم في التفكير مليا من قبل القيمين على الفندق في التسريع بورشة تصليحه.