خضر بشير فنان يشبه الصوفية في انفعالاتهم، بل يحسبه كثير من الصوفية منهم. فنان بلغ أقصى مراحل التطريب الذاتي؛ فأحبه الجميع، وأحب الجميع. ما تزال أغنياته خالدة خالدة في ذاكرة الشعب السوداني. رأى خضر بشير النور في العام 1910م في ضاحية شمبات كما جاء في كتاب " من تاريخ الغناء والموسيقى في السودان" لمؤلفه الكاتب الصحفي معاوية حسن يس. ينتمي إلى قبيلة المحس. اتسم خضر بشير بالعفوية والبساطة، إلى درجة أن الكثيرين كانوا يرمونه بالجنون، غير أن الجلوس معه والحديث إليه يكشفان عقلا مهموما بشواغل الحياة، وضنك المعيشة، وقلبا عامرا بالإيمان، مشغولا بالتعبد إلى درجة نسيان الدنيا، والزهد فيما فيها. اقتصر تعليمه على ما تلقاه من على يد شيخ الخلوة ، غير أن ذلك التعليم المحدود بقي غائرا في دخيلته، إذ ملأ شغاف قلبه بالحب الإلهي، والشوق إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فترجم ذلك إلى مدائحَ وأغانٍ تنشرح لها القلوب. قدم بطاقته الشخصية في لقاء تلفزيوني فقال: الحالة الإجتماعية متزوج ولي عدة أطفال. العمل: فنان. الهواية: أهوى الطيور في ترنمها، وأهوى الزهور في تبسمها، وأهوى الطبيعة الحالمة. والواقع أن الطبيعة الحالمة هي البيئة الطبيعية التي ظل خضر بشير ملتصقا بها حتى مماته. كان لا يقدم أغنية جديدة إلى جمهوره حتى يباركها أصدقاؤه، وكان أبرز أصدقائه الشاعر محمد بشير عتيق، الذي أدرك قطار أغنية "الحقيبة" من لدن عهد الفنان كرومة. بدأ التعارف بين بشير وعتيق في عام 1940م. وبدأ تعاونهما الفني نحو العام 1946م، حين قدم عتيق إليه أغنيتهما ذائعة الصيت "الأوصفوك"، التي شاع أنها منعت في إذاعة أمدرمان بسبب كثرة ترداد الكاف! وهي شائعة لم تتأكد من أي جهة. و"الأوصفوك" من أجمل الأغنيات الخالدة من حيث الكلمات التي لها قصة جميلة سنتناولها لاحقا، ثم من ناحية الألحان. الأوصفوك بالبدر أو بالزهر هم ما أنصفوك يا جميل لو أوصفوك كيف يجهلوك وعلى الجمال العادي راحوا يمثلوك ولو بادلوك عين الحقيقة أو بالبصيرة تأملوك بالنور أو بالنار أو بي قدر ما صاغ الخيال ما عادلوك يا جميل لو أنصفوك هذه الأغنية التي سحرت الكثير من الفنانين كبارهم وشبابهم. وهي الأغنية التي بدأ بها صلاح بن البادية مشواره الفني حين صدح بها على هيئة الإذاعة البريطانية في العام 1959م، وكان ابن البادية موفقا إذ اختار هذه الأغنية التي تتنوع مقاطعها، وتمتليء بالمد الصوتي الذي أتاح لابن البادية أن يظهر للمستمعين قدراته، ومساحات طبقاته الفنية. ألا رحم الله خضر بشير، بقدر ما خلد لهذه الأمة من جمال.