في فكة ريق الفائتة عن عتيق المعتق (طائر النيل المشوق)، كنا قد وقفنا عند ما قاله الشاعر الكبير رداً على العلامة د. عبد الله الطيب في موضع إعجابه ومثار تساؤله الذي كان محوره: من أين جاء عتيق بمفردة جزلة ترد في سياق عامي هي (الحلوك)!! أي شدة سواد ذلك الليل.. والتي وردت في مقطع من مقاطع أغنية الأوصفوك وهي من أغنيات الفنان الكبير خضر بشير في لحنها وأدائها ومنها: يبرق سناك بغيهب الليل الحلوك أجمل شمايل زاملوك وهم أكملوك أدبك هبة وفيك موهبة حسن الظبا وطبع الملوك فقال عتيق رداً على د. عبد الله الطيب: (أنت قايل يا دكتور نحن ما بنقرأ) فأنا أحفظ ألف بيت شعر عربي عن ظهر قلب وشيخي أبو صلاح كان يحفظ عشرة أضعاف ذلك.. وفضلاً عن حفاوة ذلك العالم الجليل بشعر عتيق فقد عبَّر عن حفاوته بشعر عتيق وسمو مفردته، شيخ شعراء السودان عبد الله الشيخ البشير في تلك الملحمة التي قام فيها راثياً عتيق بتعديد ملكاته في كتابة الشعر مع صفاء في اللغة وقوة في الديباجة وصدق في الشعور قال عنه عتيق (عفو الخاطر) في رائعته.. (هل تدري يا نعسان) ليلي ونهار أنا لي حَيّك بهاجر آخذني نورك يا ساحر المحاجر لا أخشى لوم في هواك لا أخشى زاجر علشان جمالك وكرم خصالك شاعر مجيد لغناك فنان وماهر ومن الذين قرظوا عتيقاً وامتدحوا خروجه على المألوف في شكل ومضمون أغنية الحقيبة وعصر الأغنية الذهبي نجد الشاعر والأديب الباحث مبارك المغربي أكثر شعراء الفصحى صلة وقرباً من عتيق المعتق فهو الذي أطلق عليه في دراسته آنفة الذكر صفة (عتيق شاعر الغزل) فقد كتب المغربي في هامش كتاب المنتخب من أدب العرب تعليقاً على جمع الشعر على شعور عند عتيق وسلامة الجمع لديه في قوله: (الظلمة شعور والقمرة مُحَي) ذلك في أغنية (جسمي المنحول).. التي قام بتلحينها وغنائها كرومة الذي شكل ثنائية مبدعة مع عتيق المعتق، وعن تناغم صور الحسن السوداني الذي برع عتيق في الترويج لجماله ونبله ومجافاته لكل صور الابتذال والسفور السالب. نجد عتيق قد جمع بين المتضادات في نواميس الكون فكان مدهشاً في قوله: (الليل والقمرة ضدين اجتمعوا) ولعل عتيق قد ناغم في هذه الصورة تلك الصورة التي كانت مكان استشهاد بها في حال مناقشة أمر قوة البيان في الشعر القومي السوداني لدى أستاذنا العلامة فراج الطيب السراج وحفاوته بالشاعر صالح عبد السيد أبي صلاح وثيق الصلة بوالده والذي كان يحفظ ألفية ابن مالك عن ظهر قلب وكان فراج الطيب يصف أبو صلاح بأنه (كاهن من كهان الشعر) ويستشهد بقوله: في قصيدته (وصف الخنتيلة) جمال تاجوج المافي مثيله) وبيت القصيد عند فراج الطيب قول أبي صلاح واصفاً الشعر والوجه قائلاً: الروبة ظليلة رايقة معتمة لاخْمه دليله لولا قمر محيك هالِّيله لكنا نتوه في ظلمة ليله ومما حكاه لي عتيق عدة مرات، ذهابه إلى مصر لمرات عديدة ذلك حين طلبت إليه الأستاذة ثريا جودت، مدير إذاعة ركن السودان بالقاهرة في ذلك الحين. حيث طلبت إلى عتيق أن يقوم بإعداد ثلاثين حلقة لفوازير رمضان شعراً ففعل ذلك وأتاحت له ثريا جودت سوانح اللقاء بعدد من نجوم مصر وحين ذهب إلى منزل الشاعر أحمد رامي وقد وجده على مرجحانية وسط حديقة منزله وقد قال لعتيق أهلاً عتيق (أهوى القمر والنيل وأهوى الأزاهر) إيه الروعة دي كلها يا راجل!! هل لديك حديقة مثل هذه فرد عليه عتيق قائلاً: (لا فأنا أسكن في بيت لابس كاكي)!! وللحديث بقية في هذا الشأن مع عتيق المعتّق بإذن الله تعالى.