وثيقة الزواج من المتوقع أن تشهد الساحة السودانية خلال الأيام القادمة جدلاً ساخناً بشأن الكثير من القضايا المطروحة في مشروع التعديلات الدستورية المقترحة التي أودعت لمنضدة البرلمان لمناقشتها وإجازتها ومن بين تلك الملفات قضية زواج التراضي الذي يسمح بالتعاقد بين الشاب والشابة مباشرة أو وكالة طالما بلغا سن الرشد القانونية وفي الأثناء برزت خلافات عميقة بين لجنة التعديلات الدستورية وهيئة علماء السودان حول القوانين المطروحة للنقاش بغية رفعها وإجازتها من قبل المجلس الوطني ضمن حزمة تعديلات أخرى ومن المنتظر أن يثير هذا المقترح جدلاً قانونياً وشرعياً واسعاً وسط المهتمين فهل ستتم إجازة مشروع القرار بهذه الكيفية وبالتالي إلغاء النصوص القديمة في قانون الأحوال الشخصية والاستعاضة عنها بقوانين جديدة ؟ هل من الممكن أن يودع المجتمع السوداني قسيمة الزواج المتعارف عليها واستبدالها بوثيقة تراضٍ أخرى ؟ أم يسقط المقترح من قبل النواب؟ وما هو موقف أهل الشأن من هذه القضية التي تهم كل المجتمع السوداني بلا استثناء..(التيار) استنقطت كافة الأطراف وخرجت بالكثير من المواقف المتباينة حيال هذه القضية. تقرير : الهادي محمد الأمين )1( في ظهيرة يوم الخميس 15 فبراير تم استدعاء الرئيس العام لهيئة علماء السودان البروفيسور محمد عثمان صالح للمجلس الوطني للاستماع لوجهة نظره في التعديلات الدستورية الخاصة بزواج التراضي والتوافق من غير ولي الأمر أوعدم اشتراط وجود الأب في مراسم الزواج وجرت خلال جلسة الاستماع مداخلات قوية رفضت هيئة علماء السودان مسودة الوثيقة الخاصة بتعديل شروط الزواج وطالبت بالإبقاء على أركان وشروط الزواج كما هي وضرورة وجود الولي في عملية الارتباط بين طالبي الزواج وعدم تغيير أو تضمين مقترحات جديدة لكن من المثير للانتباه إنه وفي وقت متزامن من طرح المجلس ولجان الحوار لقضية التعديلات الخاصة بالزواج عاشت منطقة أم بدة بأم درمان لحظات مليئة بالفرح والسعادة لكن حالة الفرح اختلطت بمشاعر الدهشة والذهول خاصة وسط المعازيم وحضور مناسبة الزيجة التي جمعت بين الزوج ( خ -م) والزوجة (ل- ع ) واتفق العريسان على تعاقد بشروط تمنع التعدد وزواج العريس بامرأة أخرى كما حظرت وثيقة التراضي الطلاق والنص صراحة على حق الزوجة في العصمة شراكة مع الرجل وسمي هذا الزواج بزواج الكرامة الذي جرت مراسمه ببساطة شديدة وقيل إنه زواج الجمهوريين بينما قال أحد شاهدي العرس إنه زواج مدني وليس زواج الإخوان الجمهوريين. )2( وحين وصولنا لموقع المناسبة ذات الطابع المثير الذي كان حديث مجالس الأنس بأم بدة استطلعنا الشاب محمد الفاتح الذي وافق على جزء واعترض على الطريقة التي تم بها الزواج وقال للتيار إنه سعيد بالطريقة البسيطة التي تمت بها مراسم الزواج وما شاهده من عاطفة الحي بين العروسين وقناعتهما وقدرتهما على تنفيذ ما اتفقا عليه لكنه اعترض على أن تكون العصمة بيد المرأة لأن ذلك لن يضمن سير الزواج بالشكل المطلوب ويجعل المرأة متحكمة في الرجل بشكل كامل ويجعل دور الزوجة أكبر وأن الصحيح أن يكون القرار في يد الزوجين أو بالتشاور مع بعضهما لا أن تنفرد به المرأة لوحدها دون الرجل )3( شيماء سعيد طالبة جامعية قالت ل(التيار) أمس إنها ترفض هذه الزيجة بالكلية ولا تتوقع لها نجاحاً وأضافت إنها لن تتزوج بهذا الشكل وبينت إنها مع البساطة لكنها في ذات الوقت ترى إن الرجل هو صاحب القوامة وعليه النفقة وبيده العصمة كما أن للمراة أدوارها ومهامها وإن الإثنين يتكاملان ولا يتصادمان كما يمكن أن يحدث في هذه الزيجة التي سلبت حقوق الرجل وأعطتها المرأة وإن ما تم بين الزوجين يتعارض مع العادات والتقاليد السودانية .. )4( هذا فيما يخص الزيجة التي حدثت بمنطقة أم بدة التي جاءت في وقت متقارب مع أجواء التعديلات الدستورية المقترحة في طور الإجازة بالمجلس الوطني التي تنص على إمكانية التراضي بين الشاب والشابة على الزواج طالما بلغا سن الرشد القانونية (مباشرة أو بالوكالة) الأمر الذي اعتبره المستشار القانوني والمحامي أحمد الجبراوي مخالفة قانونية وشرعية ولا تتوافق مع عادات المجتمع الذي يحكمه قانون الأحوال الشخصية الذي يشترط علم وإذن وموافقة ولي أمر الزوجة استناداً على السنة النبوية التي تنص على أن أية بنت تتزوج من غير إذن وموافقة ولي أمرها زواجها باطل ويقول الجبراوي إن الولي يعتبر شرطاً من شروط صحة العقد بحسب نص قانون الأحوال الشخصية وإن وثيقة الزواج الصادرة من القضاء تتضمن وجود الولي وإلا فالزيجة باطلة وهو الأمر السائغ شرعاً وقانوناً وعرفاً وما سواه يعتبر تأصيلاً للفساد والفوضى المجتمعية وتزيد من الانحلال فالمطلوب حماية المجتمع وتحصينه لا تأصيل الفساد وتقنينه و قال إن هذا اتجاه خطير للغاية يجب إيقافه لأنه مهدد اجتماعي سيحدث انقلاباً في أخلاق المجمتع وقال إن لجنة التعديلات الدستورية ينبغي عليها عدم الاعتماد على الشواذ في الآراء أو الأخذ بالرخص المضرة وشذوذ المسائل الفقهية. )5( الدكتور عبد الصمد علي عبد الصمد رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة السودان قدم حزمة من المقترحات إعتبر النقاش حولها مفيداً للغاية وقال ل(التيار)أمس سأطرح عبر صحيفتكم نقاطاً مهمة وأتمنى أن يدور حولها حوار إيجابي بحيث لا ندفن رؤوسنا في الرمال وفي المقابل لا نخرج عن روح ومقتضى الشريعة واعترف الدكتور عبد الصمد إن الوضع متأزم للغاية بحكم معرفته بواقع الشباب وقال لنكن واضحين خارج السودان هناك أماكن معروفة لممارسة الرذيلة ولها شروط وضوابط لكن وضعنا في السودان وبحكم أن المجتمع محافظ وتسوده أخلاق وقيم وعادات متوارثة نجد أن المتفلتين من الجنسين يمارسون الرذيلة بشكل فوضوي وعشوائي في ظل العزوف عن الزواج والمغالاة في المهور وتعلية المظاهر الاجتماعية بالتباهي والفشخرة والإسراف والبوبار مما يجعل الشباب الطالب للعفاف والذي يريد تحصين نفسه في مأزق حقيقي ويعيش أزمة. فشابة من أسرة محترمة ومتعلمة ومثقفة ومهذبة ولها أخلاق تريد العفاف والتماس تكوين أسرة وإنجاب عيال فتجد الطريق أمامها مغلقاً والعمر يتقدم بها ومن الممكن ان يفوتها قطار الزواج ماذا تفعل؟ وكذلك شاب بنفس المواصفات يطلب الزواج ماذا يعمل؟ المطلوب من المجتمع تيسير الأمر وعلى الدولة المساعدة في ذلك ويرى عبد الصمد ضرورة خلق موازنة جديدة فإذا كان شاب وشابة متحابين وجادين في تحمل مسئولية الزواج والأسرة ويريدان الزواج وبشكل مبسط لتكوين أسرة وأطفال فهذه غاية نيبلة وفي حالة رفض ولي الأمر يكون ولي أمرهما القاضي وبهذا تصح الزيجة ولا غبار عليها فالفقهاء المتأخرون أجازوا زواج المسيار كما أن الزوجة لو اشترطت على زوجها عدم الزواج عليها فالمؤمنون عند شروطهم ويمكن للطرفين أن يتفقا على أمر الحياة الزوجية طالما ارتضيا ذلك لكن لا بد من المرجعية والقاضي يعتبر مرجعية بحانب الشهود لكن حذر الدكتور عبد الصمد من توثيق الزيجة لدى المحامين لأن المحامي لا يعد ولي أمر المسلمين كالقاضي أو المأذون فالمحامي يمثل في قضايا الخلع والطلاق والنفقة وو ولكنه لا يمكن أن يلعب دور القاضي لكن أركان الزواج حينها تكون مكتملة فالشريعة تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد فلو نظرنا للأطفال اللقطاء ومجهولي الأبوين والمشردين وما تضمه دار المايقوما وما يتم في الخفاء والسر بين الشباب وطلاب الجامعات لإعدنا النظر في شكل وإجراءات زواجنا التقليدية و لعملنا المستحيل لأجل تيسير الزواج بأبسط ما يكون لا تعقيد إجراءاته وهذا من فقه (ما عمت به البلوى) لكن الدكتور عبد الصمد شدد في ضرورة احترام الحياة الزوجية كحياة مقدسة عظمها الله تعالى مؤكداً إن عقد الزواج يعد أقوى وأعظم العقود (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) ومع ذلك لو طالب وطالبة وموظف أو موظفة حبوا بعض فما المانع من جمعهما على الحلال وبما تيسر حتى لو اعترضت الأسر على الزيجة؟ حتى نتفادى العلاقات غير الشرعية وخارج إطار الزوجية وظواهر البوي فريند والصحوبية التي استشرت في جامعاتنا ومجتمعنا ... )6( وفي ساحة جامعة السودان - الجناح الغربي وجدنا مجموعة من الطالبات تحلقن كمجموعة وخلال استنطاقهن وافقت فتاتان على إمكانية الزواج بالتراضي طالما إن الحب يسود بينها وخطيبها وإن التي لو رفض خيارها ستلجأ للقاضي خاصة لو كان الخلاف بينها وبين أسرتها حول الشاب لاعتبارات قبلية أو طبقية وأكملن الحديث ليس مهما لون وجنس العريس أو منطقته أو ظروف حياته فالمهم الجدية في تكوين الأسرة واحترام زوجته وتقديس الحياة وتحمل المسئولية وفي موقف طريف سردن النكتة المتداولة التي تحكي ( أن الماذون حينما بدأ مراسم العقد سأل والدة البنت هل العروسة موافقة على الزواج؟ رد عليه الاب موافقة شنو يا مولانا؟ هي الجابتو) في إشارة إلى أن دور الأب أصبح شكلياً ..بينما أخريات اعترضن على زواج التراضي واعتبرن إن وجود الأب وموافقته مهمة للغاية ودور الأم في زواج الإبنة أكبر من دور الأب ولا بد من الالتزام بكافة مراسم الزواج وشروطه على الطريقة السودانية وأن التراضي هو زواج مدني غير مقبول وقال طالب آخر كان قريباً من الطالبات واستمع لإفاداتهن إنه لا يستطيع تجاوز الأب ولو حدث فإنه سيكون في حالة عدم رضاء وانكسار ستلازمه طيلة حياته وقال أن الزواج ليس مجرد ارتباط شاب مع شابة بل هو ارتباط بين أسر وعائلات بل وبين مجتمع ومجتمع آخر هنا لا يتصور معه غياب الأب مثلما هو الخال في بعض البلدان الأخرى... )7( حسن عبد الجليل طالب دراسات عليا في الفقه المقارن قال ل(التيار)أمس إن مقترحات لجنة الدستور لتعديل بعض مواد الزواج إتجاه علماني يتماشى مع المتغيرات التي فرضت نفسها على الواقع السوداني واستجابة للضغوط الخارجية لإجبار السودان للمصادقة والتوقيع على اتفاقية سيداو وجعل المساواة بين الرجل والمرأة وإلغاء ما يسمى بالتمييز ضد المرأة والمجتمع الذكوري وغيرها من الدعاوى التي بدأ السودان يستجيب لها بعد التعديل في أحكام الحدود كحد الرجم واستبداله بالإعدام بدلاً من الرجم المعروف في الشريعة وتستمر التعديلات لتشمل قضايا الزواج والأحوال الشخصية مما يهدد هوية السودان فيما قطع البروفيسور محمد عثمان صالح ، الرئيس العام لهيئة علماء السودان أن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة بشكلها المطلق في الحقوق والواجبات غير مقبولة وإن ولاية الأب على بناته وقوامته على أسرته أمر غير خاضع لأية موازنات مؤكداً أن القوانين السودانية مستمدة من روح الشريعة والعرف وإنهم يرفضون أي اتجاه يتعارض أو يتصادم مع ذلك. في السياق وجه الشيخ عبدالحي يوسف إمام وخطيب مسجد خاتم الأنبياء بضاحية جبرة جنوبي الخرطوم انتقادات لاذعة لوثيقة الزواج بالتراضي والتعاقد المباشر التي وصفها ب(الهراء)، الذين يريدون له أن يجاز في دولة ترفع شعار الإسلام، واتهم في خطبة أمس(الجمعة): الذين يروجون للوثيقة بأنهم يريدوا أن يمزق المجتمع تمزيقاً.