لو أن السيد زاهي حواس استخدم لغة "أكاديمية" كما ظل يزعم طيلة حياته، في تفنيد ادعاءات السودانيين بشأن حضارتهم، ولو أنه اكتفى بطرح آراء "علمية" فحسب بشأن أهرامات وحضارة مصر، لكنا احترمنا للغاية علمه، لكنه انحدر إلى مستوى دون العلم والأكاديميا كثيرا، ليكتب في صحيفة كبيرة كالشرق الأوسط بلغة أقل ما يقال عنها إنها أدنى من لغة الشارع بعبارات وتوصيفات بحق السودانيين على شاكلة "تخاريف" و"أوهام" و"حقد" و"غل" و"أهرامات بنيت من طمي" بعد 1500 سنة من بناء الأهرامات المصرية، وأن "طعنة الجنوب تشبه طعنة بروتس ليوليوس قيصر" ! زاهي حواس في عباراته هذه لا يختلف عن أي شخص عادي يدافع عن بلده بشتى الوسائل وأبعدها عن العلم، ويبدو أنه لا يعرف شيئا عن "دوكي قيل"، ولا الاختلافات بين الحضارتين السودانية والمصرية، ولا الرسومات على الصخور في شمال (السودان) – 5 آلاف سنة قبل الميلاد – وعرضتها BBC في وثائقي قبل سنوات، كما لا يعلم شيئا عن جهود بروفسير تشارلي بونيه، وبروفسير أسامة عبدالرحمن النور، ولا حفريات حتى الخرطوم، ولا الفرضيات "العلمية" بنشوء الحضارة والأديان في الجنوب وانتقالها إلى الشمال. ويبدو أنه لم يقرأ العهد القديم – كوثيقة تاريخية فقط -، والإشارات إلى كوش، وتهارقا، و"أمة ذات شدة وبأس"، ولا ما كتب هيرودوت عن "مروي"، ولا "النوبة رواق أفريقيا" !! ترى هل جهد السيد حواس قليلا ليعرف لماذا هي الأهرامات السودانية صغيرة، لكنها أكثر عددا؟ هل ربط ذلك، كما فعل علماء غربيون بأبعاد اجتماعية ردت الأمر إلى "نموذج ديمقراطي" ونوع من "العدالة الاجتماعية" فريد من نوعه في العالم القديم؟ هل فكر قليلا عن فروقات كبيرة – في هذا الجانب – بين الحضارتين خاصة في عدد الملكات السودانيات مقارنة بنظيراتهن في الشمال، ومدى ورع الملوك "الكوشيين" وصرامتهم الأخلاقية؟ هل يعرف توجيهات الملك بيعانخي لجيوشه حين غزا مصر وبسط سيطرة مملكة كوش عليها، ثم ذهب تهارقا أبعد برد الأشوريين عن فلسطين الحالية وضمها للتاج "الكوشي"؟ هل يعرف زاهي حواس عن ثراء كوش وقدراتها العسكرية؟! هل دار بذهنه زيارة متاحف اللوفر وبوسطن وبرلين وغيرها في الغرب ليقف على ما خلفه الكوشيون من تحف فنية وآثار، لا تنتهي بأهرامات الطمي فقط؟! هل شاهد مجوهرات الملكة أماني شاخيتي، وهل درس تاريخ الملكة أماني ريناس التي ردت جيوش روما عن مملكتها؟ وإن كان يعلم، فلماذا يستهين بهذا التاريخ ويقلل من شأنه ؟ زاهي حواس في مقاله في الشرق الأوسط لم يقدم علما، ولا بحثا أكاديميا، بل "شوفينية" ًو"شعبوية" تشكك في كل ما يدعيه من علم. وأخال أن مناظرة وحيدة حول ما كتب، بينه وبين البروفسير شارلي بونيه، على سبيل المثال كفيلة بوضع غروره هذا كله تحت التراب. نحن – يا زاهي حواس – نحترم كل الحضارات والشعوب، ولا ندعوها في المقابل لاحترام حضاراتنا، لأننا نعرفها جيدا، ولا نستقي معلوماتنا حولها من أمثالك، لكن، ندعوك فقط لأن تكتب بشكل "علمي" و"أكاديمي" لكيلا تصبح مكانة العلم "شعبوية" كما تفعل ممرغا قيمة العلم في الرغام !