تستغل الأحزاب اليمينية المتطرفة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرها بها الدول الأوروبية لتشن حملة حقيقية ضد الجاليات المسلمة لاكتساب أصوات وتعاطف الرأي العام. والجديد في استراتيجيتها هو قيام مجموعة متطرفة بإعادة كتابة أسماء الشوارع في مدينة نيس الفرنسية بأسماء مثل "شارع الإخوان المسلمين" وأخرى روجت لتمويل الدولة لبناء مساجد خيالية في اسبانيا. وبينما يعيش الأوروبيون والعالم على وقع مأساة النرويج عندما أقدم متطرف مسيحي إرهابي، أندرس برينغ بريفيك على اغتيال 91 شخصا منذ ثلاثة أسابيع كطريقة للاحتجاج ولفت النظر الى ما يعتقد أن هوية النرويج تتعرض له من طمس بسبب الجاليات المسلمة المهاجرة، تطفو الى السطح استراتيجية جديدة للحركات اليمينية تهدف الى التهويل والتحذير مما تعتبره "الخطر الإسلامي" الزاحف ضد هوية أوروبا. في هذا الصدد، أوردت جريدة "لوموند" الفرنسية مؤخرا أن النيابة العامة في مدينة نيس الفرنسية قد قامت وبطلب من عمدة المدينة بفتح تحقيق ضد حركة "نيس ربيلا" اليمينية المتطرفة بتهمة الترويج لأطروحات عنصرية. وقامت هذه الحركة في الليلة التي أعلن فيها بداية شهر رمضان، بوضع ملصقات في الشوارع الرئيسية للمدينة وفي الأماكن التي تتواجد فيها متاجر ومؤسسات للجاليات المسلمة، تتضمن أسماء إسلامية لهذه الشوارع. وركزت على الشوارع وسط المدينة، حيث جاء في الملصقات "شارع الاخوان المسلمين" و"شارع البرقع" و"شارع الرجم". ويبرز كريستيان إستروزي عمدة نيس رفضه لهذه الممارسات، مشددا على هذه المدينة كفضاء يمكن للجميع ممارسة عقائده فيه بكل حرية. وترى حركة "نيس ريبلا" أن هذا الإجراء يدخل ضمن لفت الانتباه الى الأسلمة التي تتعرض لها المدينة ومجموع أوروبا. وهذه الحركة متطرفة للغاية وتدافع عن هوية بيضاء للقارة الأوروبية. وفي اسبانيا، قام حزب متطرف "التجمع من أجل كاتالونيا" بدأ يتكسب حضورا في إقليم كاتالونيا وعاصمته برشلونة بحملة إعلامية ضد الجاليات المسلمة وتضمنت أكاذيب خطيرة. ومن ضمن ما روج له الحزب خلال هذا الأسبوع في بيان وزعه للدعوة لتظاهرة في المدينة الصغيرة سانت أندرياس ديب بيسوس "الأطفال المغاربة يستحوذون على جميع المساعدات" ثم "التجار الباكستانيون لا يؤدون الضرائب" وإنشاء مسجد من أموال الدولة في كاتالونيا. وفتح القضاء الإسباني تحقيقا في هذا البيان والمعطيات المغلوطة التي جرى توظيفها وترويجها خاصة اتهام الأطفال المغاربة بالاستحواذ على المساعدات. وينص القانون الإسباني على عقوبات تصل الى ثلاث سنوات في مثل هذه الحالات. وهكذا، فالأزمة الاقتصادية التي تمر منها الدول الأوروبية ومن ضمن تجلياتها البارزة ارتفاع البطالة والتقليص من المساعدات الإجتماعية، تشكل فرصة تاريخية لحركات اليمين المتطرف للانتعاش وسط الأوروبيين. وعمليا، فقد ارتفعت شعبية بعض هذه التيارات في دول مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا. ويحذر الخبراء والمراقبون وجمعيات المهاجرين من هذا التوجه الخطير الذي تشهده القارة الأوروبية إلا أن الحكومات لم تقدم على أي خطة حقيقية لمواجهة هذا التطرف الذي بدأ يصل الى مستوى الإرهاب.