الفرنسي دومينيك ريني استاذ العلوم السياسة ومؤلف كتاب “الشعوبية: المنحدر الخطر”. سألته مجلة “نوفل ابزفاتور” (28 تموز 2011) عن جريمة أوسلو الارهابية المزدوجة، ومدى ارتباطها بفكر اليمين المتطرف الاوروبي. هنا نص المقابلة: [ النصوص التي كتبها ووزعها على الانترنت ارندس بريفيك، مرتكب الجريمتين، من أين استوحت افكارها؟ - ارندس بريفيك هو شخص متطرف لا يملك ثقافة سياسية حقيقية. انه مهجوس بالتعدد الثقافي. ومن خلال المراجع التي يذكرها، يمكننا الاعتبار بأنه ينتمي الى اليمين المتطرف الاوروبي. ولكنه ليس معاديا للسامية، بل اكثر من ذلك: انه مؤيد للصهيونية. انه ناشط راديكالي استوحى شيئا قليلا من الثورة المحافظة. وهو، إضافة الى ذلك، يقدم نفسه كصليبي، كواحد من فرسان رهبان الهيكل. ولكننا لا نجد في نصه اية اشارة لاهوتية، أي مرجع عقائدي انجيلي يمكن ان يضعه في مصاف الاصولية المسيحية. واكثر المراجع التي يعتز بها، مثل شارل مارتيل وريتشارد قلب الأسد، هي مراجع أيقونية، لا مراجع تاريخية. وكلها تعيدنا الى نوع من الشوفينية الثقافية المسيحية التي تأثرت بشدة بالشرائط المصورة وألعاب الفيديو. ونحن ندرك الآن ان نصه ليس سوى اعادة حرفية لنص آخر، كتبه اليميني تيودور كازنسكي، ولم يبدّل فيه شيئا غير كلمة “يسار” و”يساري” بكلمة “التعدد الثقافي”. وهو، عندما يعلن عن كراهيته للمثليين والمعاقين والنسويين والمدافعين عن حقوق الحيوان، يضيف انه لن يأخذ على هؤلاء ما هم عليه اذا كانوا يرفضون التعدد الثقافي... كان عضوا عاملا في “حزب التقدم” النروجي الذي بلغت نسبة التأييد له 25% من نسبة الأصوات. وهو يعلن ايضا عن اعجابه بحزب “الحرية والديموقراطية” الهولندي وبالحزب البريطاني “عصبة الدفاع” المعادي للاسلام والهجرة ولحركة “الشاي” الاميركية التي تقف على يمين الحزب الجمهوري... انه خليط سياسي نادر ... [ وهذه كلها حركات نجدها ايضا في اوروبا، خصوصا اوروبا الشمالية؟ - نعم. يوجد في نصوص ارندس بريفيك كل مواد المناخ الحالي، الذي استقر بيننا، والمرشح للتفاقم. الواقع اننا نعيش الآن الآثار السياسية لهذا الخلَل الديموغرافي الذي لم نعمل على استباقه. فمع تقدم نسبة المعمّرين في القارة الاوروبية، أدرك الاوروبيون اخيرا بأن عجزهم الديموغرافي هذا لا تسدّه الا الهجرة. والحال ان كون المهاجرين كلهم مسلمون يطرح مشكلة غير مسبوقة. حتى السبعينات من القرن الماضي، كان المهاجرون مستبعَدون عن النظر، غير مرئيين بالنسبة للاوروبيين، الذين كانوا، بدورهم، يتصرفون وكأن لا وجود لهؤلاء الذين أتوا من بعيد للقيام بالأعمال التي يأنفونها. ان هذه المرحلة انتهت. ونحن الآن في عصر استحالة التجاهل لأننا دخلنا في عملية إعادة تشكيل المجتمعات الاوروبية من الناحيتين الاثنية والثقافية. وأكثر من تناله هذه العملية البلدان المتجانسة ثقافيا. وهذه حالة فنلندا والدانمارك والسويد، فضلا عن النروج. وهذا البلد الاخير مثل جيرانه لم يتم التفكير جديا فيه بالفروقات وبالتسويات الضرورية وبمسائل الاندماج. لم تحصل اية عملية تربوية حول الواقع الجديد، فيما النموذج أوروبا الصافية عرقيا والمهيمنة سياسيا والقوية اقتصاديا، القادرة على انتزاع اعجاب القادمين الجُدُد... هذا النموذج اذن آخذ بالتلاشي. من هنا ردود الفعل المغالية في شراستها. [ هل سيكون لهذه المجزرة مقلدون في اوروبا؟ - منفذ هذه المجزرة، ارندس بريفيك، سيبقى وجها مكروها وذكرى كئيبة. قد يتحول الى بطل سري، وقد تكرسه الهوامش الأكثر تطرفا وخطورة داخل أحزاب اليمين المتطرف. بعمليته هذه، سوف يزيد ارندس بريفيك من درجة العداء للمهاجرين وللاسلام. ولكن المؤكد ان الطريقة التي سوف نعالج بها صراعاتنا القادمة حول التعدد الثقافي ستكون حاسمة في تحديد المستقبل المعنوي لارندس بريفيك. [ تبقى الصدمة الناجمة عن نوع جديد من الهجرة في منطقة تنحدر ديموغرافيا... - وقد تنجم عنها مأساة: فلنتذكر التصرفات شديدة العدائية ضد الغجر في المجر وضد الافريقيين في منطقة البوي الايطالية، والمغاربة في الاندلس والمغاربيين في منطقة كاتالونيا الاسبانية. على الاوروبيين ان يجدوا طريقهم للعيش المشترك. ففي الوقت الذي ترغم فيه الازمة الاقتصادية على توسيع عملية الاندماج الاوروبي، من مفارقات الامور ان تولد الصراعات داخل كل امة من امم اوروبا. ان حروبنا الاهلية، الممتدة من حروبنا الدينية وحتى الحرب الباردة علمتنا مآل الخلافات المطلقة؛ وافادتنا ايضا عن ادراك استحالة التسويات، بل شدّة الأضرار، الناجميَن عن خلق “أعداء داخليين”. عن ملحق نوافذ – جريدة المستقبل البيروتية 7/8/2011