طولد محمد سعيد بن الشيخ محمد شريفبن الشيخ نور الدائم بن الشيخ أحمد الطيب مؤسس الطريقة السمانية بالسودان، في قرية (عراديب ود نور الدائم ) بالنيل الأبيض عام 1881م والده الشيخ محمد شريف نور الدائم كان خليفة للطريقة السمانية وزعيما طائفياً كبيراً تتلمذ على يديه كثير من الأئمة والعلماء و كان أستاذاً للإمام محمد أحمد المهدي زعيم الثورة المهدية في السودان. تنقل العباسي في صباه بين عدد من الخلاوي في السودان، فحفظ القرآن ودرس شيئا من العلوم الدينية و قواعد اللغة العربية. ثم التحق بالمدرسة الحربية بمصر، لكنه لم يكمل دراسته بها، وتركها بعد عامين من التحاقه بها. وقال عن: «بعد سنتين من انتظامي بها استعفيت لأني رأيت ان لا أمل في الترقي وإن كنت أول الناجحين في الإمتحانات. والسبب فيهأان نظام الترقي للسودانيين هو بالأقدمية لا بالتفوق العلمي كنظام التلامذة المصريين». نشأت بين العباسي وأستاذه الشيخ عثمان زناتي، مدرس اللغة العربية بالكلية الحربية علاقة روحية عظيمة أثرت بشكل كبير في تكوينه الأدبي. فقد لاحظ الشيخ عثمان إلمام تفوق تلميذه العباسي بعلم النحو والعروض وحفظ القرآن الكريم، فقرّبه إليه دون بقية التلاميذ، وعندما توفي الزناتي رثاه العباسي بقصيدة: فيا رحمة الله حُلِّي بمصر ** ضريح الزناتي عثمانيه غذاني بآدابه يافعاً ** وقد شاد بي دون أترابية ويا شيبة الحمد ان القريض ** أعجز طوقي وأعنانيه أعِرني بيانك أسمع به ** الأصم وانطق به الراغيه وبعد عودته من مصر إلى السودان إتجه العباسي نحو دراسة كتب الفقه والأدب على يد والده الأستاذ محمد شريف، ثم رجع مرة أخرى إلى مصر عام 1906 م، برفقة والده لتلقى المزيد من العلم. اهتم العباسي بهموم وقضايا الوطن العربي والإسلامي وكتب الأشعر فيها . عبّر عن غيرته على الإسلام والمسلمين فحينما اعتدى الطليان على طرابلس الغرب قال في قصيدته الرائية (الطرابلسية): ألا يا بني الإسلام هذا حماكمو وهذاك نور الحق في ضوئه فاسروا كان نظم العباسي للشعره على الموزون المقفى مع تجديد الموضوعات، وظل محافظًا على قوة السبك وجزالة اللغة مستمدًا صوره من بيئة الشعر القديم، غير أنه خاض موضوعات عصره التي ارتبط أكثرها بتجربته الروحية والوطنية ، وفي شعره مسحة ذاتية فجاءت تجربته مزجًا بين روافد عدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة كشأن رواد التجديد. ويلاحظ أن فن العباسي وأدبه من ثقافة دينية عميقة الجذور في التصوف، ويستمد قوته من لغة تشبعت بمشاهد البادية بمضاربها، ونيرانها، فقد قال عن مليط حيَّاكِ مليطُ صوب العارض الغادي * وجاد واديك ذا الجنات من وادِ فكم جلوت لنا من منظرٍ عجيب * يشجي الخلَّي ويروي غلة الصادي أنسيتني برح آلامي وما أخذت * منا المطايا بإيجافٍ وإيخادِ وعرف الرجل المعلم بحب التعليم وتشهد قصيدته "يوم التعليم": العلمُ ياقومُ ينبوعُ السعادة كم هدَى وكم فكَّ أغلالاً وأطواقا فعلِّموا النشءَ علمًا يستبينُ به سُبْلَ الحياةِ وقبلَ العلمِ أخلاقا أعتبر الأدباء العباسي رائدًا لنهضة الشعر في السودان، وعلى رأس حركة الإحياء والبعث، متتبعًا تقاليد الشعر العربي القديم متأثرًا بروح البداوة والفروسية. ومحمدسعيد العباسي أحد أكبر شعراء اللغة العربية المحدثين، ولايقل عن شوقي ، و البارودي إلا أنه لم يجد حظه من الترويج والدعاية في كثير من الأقطار العربية كعادتنا في السودان لانهتم باخذ حظنا من الشهرة والمكانة التي نستحقها. للعباسي ديوان شعر بعنوان «ديوان العباسي» نشره عام 1948 م ، ورث العباسي الشعر وفنونه لابنه الطيب محمد سعيد العباسي صاحب الدرر الغوالي وأشهرها أغنية : يافتاتي ماللهوى بلد توفي محمد سعيد العباسي في عام 1963م رحمه الله رحمة واسعة. اخر لحظة