سبق وأن جففت الحكومة دور السينما في السودان وفرضت رسوماً باهظة عليها، فهو تاريخ متسلسل فقد سبق وهدمت حكومة عبود سينما برمبل، وعندما هدأت الأمور وبدأت تعود، عادت سينما أمدرمان، ودبت الروح في المكان وانتعشت القهاوى، ونشطت المكتبات من جديد، لكن الأمر لم يستمر طويلاً، فدوام الحال من المحال – كما يقولون – ففي ظل التطور العمراني وسبل المواصلات والتنقل بين أنحاء العاصمة، لم يبق من معالم سوق الموية وقهاوى جورج مشرقي وأغا غير أسمائها، وعمود الطرماي، وبضعة أشخاص يحفظون ملامح المكان بعد دخول الشركات والأعمال الأخرى. سوق الموية منذ خمسين عاماً أو نيف يقدم محمد بلال الطلبات للزبائن بقهوة جورج مشرقي، ما جعله أميز الموجودين، فذاكرته تحفظ تاريخ (زمن فات وزمن جاي وزمن لسة)، لذلك لم يتوان في الحديث عن ما سبق في السوق، وأكد أن معالم سوق أمدرمان تغيرت تماماً، خاصة بعد أن شيدت العمارات الشاهقة وملأت المكان. وقال: "في السنوات الأخيرة شيدت عمارة أولاد شندي التي حلت محل موقف المواصلات السفرية، وكانت قبل ذلك سينما برمبل، التي تقرب من (سوق الموية)، بالإضافة إلى تحويل البوستة إلى مكانها الحالي، أما الإذاعة فكانت تستقر وسط السوق قبل أن تنقل إلى مكانها الحالي". وتابع: "إبان حكومة عبود شحت المياه وربما انعدمت تماماً في مدينة أمدرمان، فقد خلت من البنى التحتية التي تمكنها تقديم خدمات جيدة النوعية، كان اليمانيين يحملون المياه على أكتافهم ليبيعوها وسط معظم أحياء المدينة، فأطلقوا عليه سوق الموية". جورج مشرقي وأغا رجع محمد بذاكرته إلى الوراء وبدأ في سرد معالم المنطقة، حينما قال: "قبالة سوق الموية كانت هناك قهاوى كثيرة يجتمع فيها ظرفاء المدينة ومشاهيرها مذيعون وفنانون، ساسة وإعلاميون، حتى رئيس الوزراء الراحل إسماعيل الأزهري ووزرائه محمد عبدالله ومحمد توفيق، أبرزها قهوة يوسف الفكي وقهوة أغا التي تغير نشاطها مؤخراً وأصبحت محل لتجارة الإكترونيات والأدوات الكهربائية". وأضاف: "أبرز الاختلافات المستحدثة آنذاك (الشيشة) التي لا يعرفها إلا القليليون منهم، فقد كانت دخيلة على القهاوى". لم يغفل محدثي ذكر المكتبة المصرية الضخمة التي التهمتها النيران بعد أن تحولت مطعم واختفت معالمها. قهاوي وسينما أشار محمد إلى الفوارق الطبقية في ذلك الحين التي طالت كل شيء حتى دور السينما. وقال: "بالرغم من وجود عدد من الدور السينمائية وبالإمكان اختيار إحداها، إلا أن الأجانب كانوا يفضلون دخول سينما برمبل، التي أغلقت أبوابها إبان حكم عبود، فيما تدخل بقية فئات المجتمع السينما الوطنية، وكانت تعرض أفلاماً متنوعة ترضي جميع الأذواق، تغلب عليها الأفلام المصرية وأفلام الكاوبوي التي يتزامن عرضها مع العروض الأخرى، وفي ظل كل تلك المغريات كانوا يجتمعون في القهوة وسوق الموية". دوران سمير بجانب ضجيج المكان باليمانيين وسوق الموية والقهاوى والسينما، كان هناك خط دوران الطرماي (سمير) الذي يدور العاصمة المثلثة في شكل دائري تبدأ من المحطة الرئيسية بأمدرمان يقطع شارع الموردة نحو الخرطوم بشارع الجمهورية وإلى بحري ومنها إلى أبوروف مرة أخرى، لذلك أطلق عليه (الدوران). وأضاف: "هناك خطوط أخرى، أحدها خط أب روف الذي يبدأ من المحطة الوسطى أم درمان، وينتهي بأب روف، وهنا نذكر أغنية خليل فرح التي يقول فيها (من علايل أب روف للمغالق) أما الخط الآخر للطرماي يتحرك من المحطة الوسطى أم درمان إلى المحطة الوسطى الخرطوم، وهناك طرماي يتحرك من البلدية بحري إلى حلة خوجلي، وهناك توجد معدية توصلك إلى أب روف، ويوجد أيضاً خط قصير يبدأ من البرلمان القديم وينتهي عن شارع السيد عبد الرحمن". اليوم التالي