سيف الدولة حمدناالله عبدالقادر لا بد ان يكون الرئيس سلفكير ميارديت قد استفاد من فترة وجوده بالقصر الجمهوري بالخرطوم كرئيس تحت التدريب لمدة خمس سنوات امضاها في تعلم كيفية ادارة الاعمال الرئاسية ، دون ان يمارس خلالها اية اعمال فعلية ، فقد كان يشغل منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية بصلاحيات ناظر عزبة ، لا يفوق من حيث الأعباء من زملائه بالقصر سوى مُقيم الشعائر الذي يقال له رسمياً مستشار الرئيس لشئُون التأصيل البروفسير/ احمد علي الإمام ، فالبرفسير الإمام ظل يشغل هذا المنصب دون أعباء منذ ان انقضت آخر مهامه قبل عشرة اعوام بتأصيل اللباس الشرعي للعيبة كرة القدم حين قال بالضرورة الشرعية لأن تتعدي سروايل اللعيبة منتصف الركبة لخوف الفتنة ، وضحاياها (الفتنة) من اللاعبين والجمهور على السواء ، وحتى الحاجة فريدة ابراهيم - والحديث لا يزال عن اعباء وصلاحيات سلفكير بالقصر - والتي تعمل مستشارة للرئيس للشئون القانونية ، قد تفوقت على سلفاكير من حيث الصلاحيات والأعباء ، رغم أن المساهمة الوحيدة للمستشارة التي ظهرت للعلن هي ما قالت به في وصف بنطلون الصحفية لبنى، وهو القول الذي ورد - للعجب - في معرض حديثها عن بطلان دعوى اوكامبو بملاحقة الرئيس (مولانا فريدة صرٌحت في مقابلة صحفية بأن لبنى كانت ترتدي ملابس خليعة ولم تكن ترتدي مجرد بنطلون ، وقالت أن اللبس الخليع ليس جريمة ادخلتها الانقاذ بل هي موجودة بالقانون منذ عهد الانجليز "صحيفة آخر لحظة 17 اكتوبر 2009") . سلفاكير ، في فترته التدريبية بالقصر اعتمد اسلوب التعلم من سيل الاخطاء التي كانت ترتكب حوله بأيدي رجال الانقاذ ، وهو ما يسمى في علوم التربية ب (التلقين بالسلوك)، فقد كان يكفي تطلٌعه فيما كانت تقوم به الجوقة الدستورية لرجال الانقاذ ليتزود نفسه منها بما يكفي لاعداده لقيادة دولته الوليدة بعيداً عن فشل الانقاذ. مع انطلاق دولة الجنوب برزت الى السطح حصيلة تجربة سلفاكير في التعلم خصماً على رصيد الانقاذ ، فقبل أن تنقضي اسابيع قليلة على ميلاد دولة الجنوب، حملت الانباء بما يفيد قيام حكومة الجنوب بالقاء القبض على اللواء ماريال نور جوك رئيس جهاز الأمن والمخابرات ومعه عدد من الضباط بمختلف الرتب العسكرية بجهاز الامن ، بعد أن وجهت اليهم تهماً تتعلق بقيامهم بتعذيب عدد من المحتجزين لدى جهاز الامن من بينهم سيدة تم تعذيبها بادخال مواد صلبة بجهازها التناسلي (تم تسفير السيدة الى نيروبي بكينيا للعلاج بأمر من سلفاكير الاٌ انها توفيت فيما بعد متأثرة بجراحها)، كما يواجهون تهماً بحجز بعض المواطنين بحراسات الامن بالمخالفة لاحكام القانون (اعتقال تعسفي)، وكذلك مسئوليتهم عن اختفاء المواطن جون لويس الذي تم احتجازه منذ ابريل الماضي، كما شملت التهم ايضاً تقاضي بعض المتهمين من رجال الامن لرشاوي مالية وضروب أخرى من الفساد المالي. الخبر السعيد، أشار ايضاً ، الى اكتمال التحريات مع المتهمين ، فيما حددت جلسة الاثنين القادم (22 أغسطس) لمباشرة محاكمتهم امام محكمة جنايات مدينة جوبا ، والتعليق الوحيد الذي صدر من مسئول حكومي في هذا الخصوص جاء على لسان الجنرال تيتو اشويل مادوت مفتش عام الشرطة لدولة الجنوب الذي قال: "لقد حان الوقت ليقوم القضاء بواجباته تجاه خروقات القانون" . نعم القضاء لا لجنة الحسبة والمظالم . لا بد أن يكون الدكتور فاروق احمد ابراهيم الذي نشرت صحيفة "الراكوبة" الاسبوع الماضي ، تفاصيل الجرائم الوحشية التي ارتكبت في حقه ، على رأس الذين يحتفون بمثل هذا الخبر، فالمأساة التي عاشها الدكتور فاروق ، تحكي فصولها أنه قد قام بتقديم شكوى لكل من يهمه امر العدالة بالوطن ، ومن لا يهمه ايضاً ، فقد كتب - ناشداً العدالة - من رئاسة الجمهورية ، والبرلمان، والنائب العام، ورئيس القضاء ... الخ ، ولم يتلق جواباً حتى اليوم بعد مرور 21 سنة على تقديم الشكوى ولو بتأكيد الوصول ، ومثلما فعل الدكتور فاروق ، كتب أيضاً العميد محمد احمد الريح ، للذين أؤتمنوا على اعراض العباد وحرياتهم ، يشكو اليهم ما تعرٌض له هو الآخر من ضروب التعذيب (ادخال قضيب من الحديد في الدُبر ، وقضب الخصيتين ب "الزردية" ، والضرب بالسياط وخراطيم المياه الذي نتجت عنه الاصابة بشلل مستديم بالساق اليسرى وخلل في الغدة اللعابية ، وتدهور مريع بالنظر نتيجة عصب العينين لفترات طويلة) . العميد الريح والدكتور فاروق ، تضمنت شكوتيهما المنشورتين بالمواقع الاليكترونية المختلفة ، اسماء من قاموا بتعذيبهما ، فبخلاف ما ذكره الدكتور فاروق ولم تمض عليه سوى ايام معدودة في شأن ما فعله به تلميذه نافع علي نافع ، فقد ذكر العميد الريح في شكواه ، ان الفرقة التي خُصصت لتعذيبه كانت بقيادة النقيب أمن / عاصم كباشي ( النقيب عاصم كباشي من ابناء ابوزبد بغرب السودان ، وعمل بأمن النميري ، قبل ان تتم محاكمته ابان العهد الديمقراطي مع الرائد أمن / حفصة عبادي وآخرين بتهمة تعذيب متهمين من حزب البعث ، وحوكموا جميعاً بالسجن ثم افرجت عنهم حكومة الانقاذ فور استلامها الحكم وتمت اعادته للعمل بجهاز أمن الانقاذ، وقد توفى النقيب عاصم بمرض السرطان بعد سنوات قليلة من اعادته للخدمة) ، كما شملت شكوى العميد الريح اسم مسئول الحراسات النقيب/ محمد الامين ، كما اوضح ان كثير من جلسات التعذيب كانت تتم تحت اشراف وفي حضور العميد صلاح عبدالله (قوش). قائمة الشرف بأسماء الذين تعرضوا للتعذيب بأيدي الذين يقيمون الفروض في جماعة ، طويلة ولا يمكن حصرها ، من بينهم المحامي عبدالباقي عبدالحفيظ الريح الذي بترت ساقه اليمنى نتيجة تلف شرايينها ، لتعذيبه بالوقوف حافياً على برميل مليئ بالواح الثلج في ليالي البرد القارس، وعلى الرغم من أن عبدالباقي يسير بساق واحدة (ضعيفة) ويتوكأ على عصاة منذ اكثر من عشرون عاماً ، الاٌ انه افضل حظاً من المهندس ابوبكر راسخ الذي فقد عمره وهو في ريعان الشباب نتيجة لقيام الملازم أمن / عبدالحفيظ البشير بافراغ رصاص مسدسه الاميري في صدره ، أمام اهله وجيرانه بمنطقة الحاج يوسف (حوكم الملازم عبدالحفيظ بجريمة القتل، ووقعت عليه عقوبة الاعدام ، ولكن تم نقض الحكم فيما بعد واطلق سراحه ولا يزال يعمل بشرطة السودان بعد ان وصل لرتبة عميد برئاسة الشرطة) ، وهي - قائمة الشرف- تضم عدد لا يحصى من الشهداء ممن ارسلوا الى الدار الآخرة على ايدي رجال الأمن بداية بالدكتورعلي فضل أحمد والطالب محمد عبدالسلام بابكر والطالبة التاية ابوعاقلة وحمزة البخيت والصافي الطيب وعبدالمنعم سلمان ونادر خيري الى آخر القائمة. يتساءل المرء، في ضوء رفض العصبة الحاكمة لاجراء أي تحقيق أو محاكمة في مثل هذه الجرائم ، ترى هل سيأتي اليوم الذي تأخذ فيه العدالة مجراها وتقتقص من هؤلاء المجرمين كما تفعل اليوم حكومة الجنوب ؟؟ ان الاجابة على هذا السؤال ليست باليسيرة كما يبدو لأول وهلة الا اذا جاءت في هيئة هتافات وأناشيد للتمني ، فالتاريخ يقول بغير ذلك . لقد ظللنا نقول ، أن اكثر المستفيدين من رياح الحرية والديمقراطية حين تهُب ، هم من يسلبون ويحرمون الشعب منها ، ففي اعقاب ثورة ابريل 1985، جنت العصبة المايوية كل ثمار عدالة الحكم الديمقراطي بعد أن أذاقوا الشعب كل صنوف الظلم ، فمن مجموع ما يزيد عن 150 قضية جنائية قدمتها لجان التحقيق ، وشملت معظم رموز ومفسدي الحقبة المايوية ، قام وزير العدل والنائب العام للفترة الانتقالية الاستاذ / عمر عبدالعاطي ، باجراء تسويات مالية متواضعة مع المتهمين خرج بموجبها كثير منهم بسدادها فور عرضها عليهم ( بلغ الاستهتار بتلك التسويات الحد الذي عاد فيه المتهم خضر الشريف بعد فترة من سداده للتسوية ليطالب الحكومة بما دفعه بحجة انه قبل بالتسوية تحت ضغوط نفسية) ، كما بلغ الاستخفاف بالحقوق العامة أن قام وزير العدل في الحكومة الائتلافية مع حزب الامة حسن الترابي باستغلال سلطته بموجب المادة (215) من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1974، وذلك بسحب اوراق محاكمة وزير البترول المايوي شريف التهامي الذي كان يحاكم مع آخرين بوزارته بتهم بيع البترول الذي كانت تقدمه بعض دول الخليج كهدية للسودان وهو على ظهر السفن في عرض البحر ، وقد قام الترابي بسحب القضية من أمام المحكمة ، ثم قام بشطب التهم في مواجته شريف التهامي بدواعي صلة النسب والقرابة، "الترابي وشريف التهامي متزوجان من شقيقتين وكتاهما من اسرة الامام المهدي". فترة الديمقراطية التي نتحدث عنها ، شهدت أيضاً تقديم قاضي العدالة الناجزة المكاشفي طه الكباشي للمحاكمة بتهمة استغلال سلطته القضائية في التسبب بسوء نية في قتل الشهيد محمود محمد طه ، غير أن محاكمته لم يكتب لها المضي حتى نهايتها ، اذ قضت المحكمة العليا بعدم جواز محاكمته استاداً لنصوص شكلية في القانون تمنع محاسبة القاضي عن اعماله القضائية (القاضي المكاشفي الكباشي "قاضي شرعي" قام باصدار احكام جائرة بقطع عشرات الايدي والاقدام وشنق الاعناق بالمخالفة للاصول الشرعية ) . لقد تحسبت جماعة الانقاذ لمثل هذا اليوم الذي لا بد انه سيأتي وتساءل فيه عن افعالها الاجرامية، فقامت بتعديل قانون الاجراءات الجنائية الحالي بما يضمن سقوط الجرائم بالتقادم قبل أن يزول سلطانهم ، فأضحت الجرائم تسقط في هذا العهد بمضي خمس سنوات فقط من تاريخ ارتكابها (المادة 38 من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991)، وهو نص مستحدث لم يكن له وجود في قوانين السودان السابقة . ترى ماذا قدم ضحايا جهاز الامن في دولة الجنوب من بينات لم يتقدم بمثلها الدكتور فاروق احمد ابراهيم والعميد محمد احمد الريح والصادق شامي وعبدالباقي الريح ؟؟ ترى ما الذي جعل دولة الجنوب تقتص لروح المرأة التي ازهقت ، والحريات التي سلبت ، والاموال التي سرقت ، ولم تجد ارواح ابنائنا ابوبكر راسخ وعلي فضل والتاية من يثأر لها وصفية اسحاق ؟؟ حتماً انه درس للعدالة التي تنادي بها تعاليم الاسلام ، ويا للهول ، انه درس من ذمي سابق اسمه سلفكير ميارديت .