وسيف اليزل سعد عمر مدخل: لن يجد المحلل السياسي كبير عناء في الإمساك بأسباب عدم نهوض الشعب لميثاق حماية الديمقراطية عند أول مارش عسكري رغم أن معظم القوى السياسية كانت تتوقعه بل منها من سمى قادته فهل كانت هذه القوى تنتظره مُنقذا من غضب الشعب عليها في فشلها في ملامسة تطلعاته ؟ دخلت القوى السياسية فترة الديمقراطية الثالثة على خيول النقابات لا كواجهات سياسية و إنما كمؤسسات مجتمعية و على ذلك لم تكن القوى السياسية حاضرة في المشهد السياسي لثورة مارس/ابريل 1985 كمؤسسات . جاء تأخر هذه القوى السياسية عن الفعل السياسي لغياب برامجها المجتمعية منفردة كانت أو مجتمعة و إكتفائها بالإنتماء العاطفي لتغط في بيات سياسي ناهز العشرة اعوام من عمر نظام مايو 1969 . إن قيام نظام مايو 1969 على أكتاف قوى اليسار السودانية بكل أطيافها ثم إلتحاق قوى اليمين به في 1976 جعل الفعل السياسي ينحصر في كراسي الحكم فقط و يبتعد عن تنمية المجتمع إنسانيا و ثقافيا و إقتصاديا ما جعل الصراع صراع نخب منبتة عن واقع مجتمعاتها، و لما أفاقت هذه القوى على حراك المجتمع لإسترداد حقوقه نفضت عن عينيها النعاس لتلحق بشرف التغيير . إن قوانين سبتمبر 1983 أتفق الجميع على أنها حق أريد به باطل فهي ليست شريعة و إنما مطية كبت و إذلال لتمكين الطغاة يجب أن تلغى و التحكم في السوق مطلب ليفي دخل الفرد باحتياجاته الاساسية و زيادة المرتبات مسكن يجب الابتعاد عنه و دستور السودان الدائم و حل مشكلة الحرب فى جنوب السودان و التوازن في السياسة الخارجية بما تقتضيه مصلاحة البلاد و الإهتمام بتنمية الإنسان لتحقيق الإستقرار السياسي و استدامة الديمقراطية كلها كانت برامج جاهزة التطبيق و كفيلة بإبعاد شبح الردة عن الديمقراطية إذا صدق المسعى في تطبيقها. إن وصمة الإنقلاب على الشرعية الدستورية لا تطال المؤسسة العسكرية فقط فليس مغامرا إنقلابيا تحرك دون سند أو تاييد من إحدى هذه القوى ما يقدح في إيمان هذه القوى بما ترفعه من شعارات . جاء تماهي هذه القوى مع حراك الثورة فقط لإمتصاص حماسها و إخماد بركانها فدغدغته بمسمى القوى الحديثة و مناصب الفترة الإنتقالية بينما سحبت ثوريته بتسميتها إنتفاضة بل و سعى آخرون إلى ترجيبها . و قد يقف المحلل السياسي طويلا في لماذا واجه طلاب وطالبات جامعة الجزيرة الانقلاب في يونيو 1989 بكل هذا النضج و التحدي ؟ و لماذا ناصب نظام الانقاذ جامعة الجزيرة العداء بكل ذلك العنف ؟ (1) عناوين الصحف الحائطية في نشاط الكلية الإعدادية والنشيشيبة بجامعة الجزيرة تعكس مآلات الوضع السياسي الديمقراطي..لم تكن تبشر لا بالسلام ولا بالديمقراطية..صحيفة طلاب الاتجاه الإسلامي لم تكن عناوينها تختلف عن صحيفة التابليود الكيزانية ألوان..كان الوضع السياسي المحموم ينذر بجريمة تُحاك في الظلام ضد الديمقراطية. مؤامرات حزبية وحكومة منتخبة لا تعطيك الإحساس أنها قادرة على فعل أي شيئ إيجابي تجاه الحرب فى الجنوب. ولأن الكل كان متخوفا ومتوجسا من حدوث شيئ ما ضد الديمقراطية الوليدة إتفقت الاحزاب والنقابات علي صياغة ميثاق حماية الديمقراطية. رغما عن ذلك لم يكن ذلك حصنا وحماية كافية من وأد الديمقراطية بإنقلاب الجبهة القومية الاسلامية المشؤم في الثلاثين من يونيو 1989 تحت مسمي ثورة الإنقاذ. بعد أن أعدت الجبهة الإسلامية خطتها بأن يذهب البشير الي القصر رئيسا والترابي إلي كوبر حبيسا أرسلت وفودا إلي أقاليم السودان المختلفة لتهئة المناخ السياسي لقبول الإنقلاب العسكري. وصلتنى دعوة بصفتى رئيسا لإتحاد طلاب جامعة الجزيرة لحضور لقاء مع إبراهيم عبيد الله بفندق إمبريال عند الزاوية الجنوبية الشرقية للنشيشبة عند مدخل كبري حنتوب. كانت الدعوة موجهة لقيادات الأحزاب والنقابات والطلاب بمدينة ودمدنى حول مألآت الوضوع السياسي الراهن..تحدث عبيد الله عن عدم مقدرة الحكومة المنتخبة علي مواجهة الحركة الشعبية في جنوب السودان وعن ضعف مقدرات الجيش السودانى للتصدي لهم وعن محتوي ومضامين مذكرة كبار الضباط وعن الهجمة التى يتعرض لها الاسلام والشريعة. عندما خرجت من ذلك الإجتماع شعرت فعلا بأن ديمقراطيتنا الوليدة فى خطر وشعرت فى ذات الوقت بعدم مقدرتنا علي حمايتها من الإغتصاب. زاد ذلك الشعور إغلاق الجامعة للإجازة الصيفية وخلوها من الطلاب. عدم وجود الطلاب يعنى عدم القيام بأي محاولة للدفاع عن الديمقراطية أو الإحتجاج علي من ينقض عليها. فى مساء نفس اليوم سطرت مقالا عن ضرورة وحدة الصف لحماية الديمقراطية وعزمت نشره فى صحيفة الصحافة. فى نهايات شهر يونيو غادرت إلي الخرطوم فى مهمة لجمع تبرعات مالية لخزينة إتحاد الطلاب لتمويل برنامج للقوافل الثقافية لأقاليم السودان. أودعت المقال لدي صحيفة الصحافة والتى نشرته فى 29 يونيو 1989. عندما قرأت المقال شعرت بأننى قمت بأضعف الإيمان مطالبا بضرورة حماية الديمقراطية. كان يوم 29 يونيو هو آخر يوم فى حياة الحكومة الديمقراطية المنتخبة. فى صباح اليوم التالى كنت و الماجد على حمد النيل الفاضل نتناول وجبة الفطور فى منزل الماجد عبد العزيز سيداحمد بالثورة أم درمان عندما عزفت مارشات الموسيقي العسكرية مُعلنة إنقلابا عسكريا بالبيان الأول من مجلس قيادة ثورة الإنقاذ. إية ثورة إنقاذ يقوم بها الجيش علي حكومة ديمقراطية منتخبة؟ عقدنا إجتماعا سريعا لتقييم الموقف وأتفقنا أن نعود لودمدنى باسرع فرصة وبأي طريقة لإصدار بيان نعلن فيه رفضنا للإنقلاب العسكري ومطالبة الجيش بإحترام خيار الشعب والرجوع إلى ثكانته. إستلف عبد العزيز سيارة والده البوكس وسافرنا بها الي ودمدنى رغم المخاطر. لما تواجهنا فى الطريق أي مشكلة سوي بعض نقاط التفتيش في أحد كباري الخرطوم وعند مخرج الخرطوم ومدخل مدينة ودمدنى. عقدنا إجتماعا طارئا مساء نفس اليوم فى إحدي الداخليات الخالية من الطلاب فى الكلية الإعدادية. خرج الإجتماع بضرورة إصدار بيان فجر الأول من يوليو يوزع على نطاق واسع فى مدينة ودمدنى يعبر عن موقف الحركة الطلابية بجامعة الجزيرة يرفض إنقلاب الإنقاذ. وكما تعلمون أن فى ذلك الزمان لم يكن إصدار البيان كما اليوم يكتب بسهولة علي كيبورد الموبايل ويطبع بسهولة ويوزع فى مواقع التواصل الإجتماعي. ساعدتنا إحدي سكرتيرات إداراة عمادة شؤون الطلاب فى كتابة البيان علي ورق الرونيو وساعدنا شاب إسمه صديق فى طبع البيان علي ماكينة رونيو فى كلية الطب. طبعنا البيان على باكتيتى ورق ووزعانها فى صباح الأول من يونيو فى الاسواق والأحياء والمساجد وأماكن العمل فى أحياء ودمدنى. جاءت ردة الفعل على البيان سريعة جدا. فبعد سُويعات وصلت للإتحاد رسالة من أحد الأماجد يعمل فى عمادة شؤون الطلاب ترأس أتحاد طلاب جامعة الجزيرة فى إنتفاضة إبريل بأن ضُباطاً من الإستخبارات العسكرية من اللواء عشرين مشاة يبحثون عن قيادات إتحاد طلاب جامعة الجزيرة. عقدنا إجتماعا سريعا بعد تلك الرسالة وقررنا مغادرة الجامعة والإختفاء حتى تتضح الرؤية. بعد حوالي يومين تقريبا وصلتنى رسالة من ذلك الماجد مفادها أن عمادة شؤون الطلاب التى يترأسها الدكتور عبد المتعال قرشاب تريد مقابلة رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية للإتحاد بعد أن وصلها طلب من الحاكم العسكري عبد الحى محجوب لمقابلة رئيس الإتحاد وممثلين عن اللجنة التنفيذية. كشفت الإيام الثلاثة الأولي للإنقلاب هشاشة إعلان حماية الديمقراطية خاصة بعد الإعتقالات التى طالت قيادات الاحزاب السياسية والنقابية من ضمنهم عراب الإنقلاب حسن عبد الله الترابي. (2) عقدنا إجتماعا سريعا وقررنا مقابلة الحاكم العسكري والدفاع عن وجهة نظرنا التى طرحناها فى البيان. كانت قناعتنا أننا نرفض أي إنقلابا عسكريا مهما كان علي ديمقراطية ساهمنا فى ولادتها من جديد فى إبريل 1985. وبصفتنا جهاز طلابي نقابي يحتم علينا الإلتزام بميثاق الدفاع عن الديمقراطية الذي إتفقت عليه الإحزاب والنقابات. ذهبت والسكرتير العام للإتحاد لمقابلة عبد الحي محجوب فى مبانى حكومة إقليم الجزيرة بشارع النيل. طلبنا من السكرتيرة إخطار الحاكم العسكري أن وفدا من إتحاد جامعة الجزيرة فى الخارج يريد مقابلته حسب طلبه. هاتفت السكرتيرة الحاكم واخبرته بحضورنا وطلبت منا الجلوس والإنتظار. إنتظرنا حوالي نصف ساعة بعدها سمحت لنا بالدخول. القينا عليه التحية ثم جلسنا علي كرسين متقابلين أمام تربيزته. بدأ فى إعطائنا محاضرة عن تدنى الأوضاع الأمنية و العسكرية فى الجنوب وعن الهزائم التى تلقاها الجيش السودانى علي أيدى جنود الحركة الشعبية. و كيف أن الجيش السودانى لا يجد السند السياسي والمالي وهو يحارب فى الجنوب بينما ساسة الخرطوم يتناحرون ويختلفون فى قضايا لا علاقة لها بالحرب فى الجنوب..وكيف أن الحركة الشعبية أسقطت طائرة سودانير بسبب ضعف الإمداد المالي والتقنى والعسكري للجيش السودانى. وكيف يقاتل جنود الجيش السودانى فى الجنوب وهم أحيانا لا ينتعلون أحذية عسكرية (البوت) بينما نحن الطلاب نعيش حياة مترفة فى الداخليات نأكل العدس والباسطة بينما لا يجد الجندى فى الجنوب هذا العدس وهو يقاتل من أجل أمن وسلامتنا نحن الطلاب. وكيف أن الصادق المهدي كرئيس وزراء أصبح لايملك القدرة علي حماية المواطنيين فى مناطق عديدة من السودان. لم يسمح لنا بالرد على مداخلاته قط ونحن نحاول أن نوضح له أن ذلك لا يبرر الإنقلاب العسكري علي حكم إرتضاه الشعب. فجأة دخل علينا شاب يحمل كاميرا تصوير وقف فى وسط المكتب وبدأ فى تصوير اللقاء وعبد الحى محجوب يواصل فى مواله عن سوء الاوضاع كتبرير لإنقلاب الإنقاذ. إختتم حديثه بتهديدنا بالسجن مثل المعتقلين فى سجن كوبر إذا قمنا بأى عمل معادى لثورة الانقاذ الوطنى ثم طلب منا مغادرة مكتبه دون أن يسمح لنا حتى بكلمة واحدة.. فى مساء نفس اليوم كنت جالسا فى منزلنا بودمدنى أستمع لنشرة الأخبار المحلية من تلفزيون الجزيرة. كان أول خبر مفاده كالآتى: رئيس إتحاد طلاب جامعة الجزيرة يلتقى بالحاكم العسكري للإقليم الأوسط عبد الحي محجوب ويعلن تأيد الإتحاد لثورة الإنقاذ الوطنى. تم بث الخبر من خلال تسجيل مصور لمقابلتنا للحاكم بدون صوت لما دار فى الإجتماع. أذكر أننى صرخت من الغضب و أصبحت أهذي بكلمات غير مفهومة وفقدت القدرة علي التحكم فى مشاعري. وشعرت بموقفى الضعيف فى ذلك الوقت كرئيس للإتحاد. حسيت وكأنى جالس فى بيت كل طالب وطالبة من طلاب جامعة الجزيرة يستمع لخبر التأيد الكاذب من إتحاد طلاب جامعة الجزيرة لإنقلاب الإنقاذ. ما زاد من إحساس الضعف هذا خلو الجامعة من طلابها الذين هم قوة إتحاد طلابها. تقابلنا فى مساء نفس اليوم فى مكاتب إتحاد الطلاب بالكلية الإعدادية. تفاكرنا حول ما حدث وقررنا المواصلة فى تنفيذ مشاريع القوافل الثقافية الي شرق السودان، النيل الازرق وكردفان وإنتظار وصول الطلاب، جمعيتنا العمومية، من الإجازة الصيفية لتوضيح الحقائق والرد علي الحاكم العسكري بالرد المناسب. (3) فتحت الجامعة أبوابها فى الأسبوع الثالث من أغسطس. كان أول ما قام به إتحاد الطلاب أن دعا لإجتماع للجمعية العمومية لتوضيح وجهة نظره فى إنقلاب الإنقاذ. وتوضيح حقيقة ما جري بين ممثلى اللجنة التنفيذية والحاكم العسكري عبد الحى محجوب. كان إجتماع الجمعية العمومية إجتماعا ناجحا حضره جمع كبير من الطلاب والطالبات. تقدم السكرتير العام للإتحاد سعود صالح سلطان وقرأ بيان الإتحاد أدان فيه الإنقلابيين على خيار الشعب السودانى. ثم قمت بتوضيح ملابسات ما جري فى الإجتماع مع الحاكم العسكري. وللمرة الثانية أعلن اتحاد الطلاب رفضه للإنقلاب العسكري والذي وجد دعما كبيرا من الطلاب ومن التنظيمات السياسية الطلابية عدا طلاب ما يسمى بالاتجاه الاسلامى فقد اعلنوا دعمهم و مساندتهم للإنقاذ. فى ذلك الاجتماع أدعى احد طلاب الاتجاه الاسلامى ان حكومة الانقاذ جاءت لتطبيق الشريعة الاسلامية ولحماية السودان من هجمات المتمردين. وضح منذ ذلك الإجتماع مساندة طلاب الاتجاه الاسلامي للإنقلاب. (4) لم يمكث عبدد الحي محجوب طويلا كحاكم عسكري. خلفه عبد الوهاب عبد الرؤوف وهو ضابط متقاعد له صلة قرابة بمنفذ الإنقلاب عمر البشير. كان يعمل سائقا لحافلة فى إحدي المدن عند إذاعة خبر تعينه حاكما عسكريا للإقليم الأوسط. وللرجل قصة مشهورة مع مواطنى الإقليم فضحت جهله وخواء فكره عندما أعلن عن إذاعة خطاب مهم للمواطنين إنتظرهوا طويلا لكنه لم يكن يحمل مضمونا مهما سوى كراهية الرجل لقطاع الرياضة. لم يمكث عبد الرؤوف سوي أسابيع معدوات خلفه بعدها سيلمان محمد سليمان. ولكى يثبت طلاب الإتجاه الإسلامى ولاءهم للإنقاذ قاموا بدعوة سليمان محمد سليمان بإسم جمعية وهمية لإلقاء معارضة سياسية بالكلية الإعدادية. كانت دعوة سليمان محمد سليمان كممثلا للسلطة الإنقلابية الإنقاذية فرصة لنا لتلقينهم و أعوانهم من الإتجاه الإسلامى درسا لن ينسوه. تولت اللجنة السياسية لمؤتمر الطلاب المستقلين برئاسة محمد علي مختار من كلية الطب مهمة التخطيط و حشد الطلاب ومنظماتهم السياسية لمنع سليمان محمد سليمان من دخول الجامعة بأى ثمن. تم عقد إجتماع بالنشيشيبة نم فيه وضع الخطة لإغلاق منافذ الكلية الإعدادية ومنع سليمان محمد سليمان من دخول الحرم الجامعي. كذلك الإستعداد لمجابهة أي عنف من طلاب الإتجاه الإسلامى إستنادا على تجارب سابقة يمارس ويبادر فيها الكيزان باستخدام العنف. كان من ضمن الإستعدادات إعداد قنابل مولوتوف حارق من أربعة وعشرين زجاجة بيبسي تم إعدادها بعناية من طلاب قسم الكيمياء من كلية العلوم والتكنولوجيا. عند الرابعة عصرا بدأت عملية ترحيل طلاب النشيشية ببصات الجامعة إلي الكلية الإعدادية. تم نصب مكبر للصوت فى نشاط الإعدادية يبث الأناشيد الوطنية للفنان محمد وردي ومحمد الأمين. وعقب صلاة المغرب مباشرة قام مجموعة من الطلاب بإغلاق البوابة الغربية والبوابة الرئيسية لمدخل الكلية الاعدادية. ثم أشعلوا النار فى ثلاث من الإطارات من خلف البوابات. بدأت مكبرات الصوت فى تحذير سليمان محمد سليمان من أي محاولة لدخول حرم الجامعة و أن الجامعة لن تدنسها أقدام العسكر. إحتشد بعض المواطنين من سكان حى إشلاق البوليس والذي يقع بالقرب من بوابتى الإعدادية وإنتشر الخبر فى مدينة ودمدنى عن مظاهرة طلاب جامعة الجزيرة. بدأت تجمعات الطلاب تتشكل حسب تعاملهم من زيارة الحاكم العسكري. فالرافضون لدخول العسكر إحتشدوا خلف البوابة الرئيسية والمرحبون بهم تجمعوا داخل مسجد الكلية الإعدادية والذي يقع فى الجهة الغربية وعلي بعد مئة متر من البوابة الرئيسية. أما المحايدون من الطلاب فتجمعوا فى النشاط جنوب البوابة يتابعون معركة بدأت تتشكل ملامحها. إرتفعت أصوات الكيزان من مكان الندوة تطالب زملائهم الطلاب بفتح البوابة والسماح لسليمان محمد سليمان بالدخول وعقبت ذلك بالتحذير ولا عذر لمن أنذر. كانت اللجنة التنفيذية متواجدة حول مكتب إتحاد الطلاب خلف النشاط تتابع مجريات الأحداث. إرتفعت ألسن اللهب من الإطارات عند البوابة و إرتفعت هتافات الطلاب على أنغام الإناشيد الوطنية. حضر عميد الطلاب د. عبد المتعال قرشاب ومدير الجامعة بروفسور عبد العال حمور وناشدوا الطلاب بفتح أبواب الكلية بعد أن أكدوا لهم أن الحاكم بلغ إدارة الجامعة أنه لن يدخل حرم الجامعة وطلب إلغاء الندوة. فجأة إنطلقت مجموعة من الكيزان من مسجد الجامعة صوب البوابة الرئيسية مسلحين بالسيخ والعصي والسكاكين وهم يصرخون. من البوابة الرئيسية إنطلقت قنابل المولوتوف صوب الكيزان المهاجمين. تفرقت تجمعاتهم إثر هذا الدفاع الغير متوقع وأنسحبوا راجعين للمسجد مرة أخري. عاودوا الهجوم مرات عدة حتى نجحوا فى الإشتباك مع الطلاب عند البوابة الرئيسية. دارت معركة شرسة لمدة عشر دقائق سقط بعدها العديد من الجرحى معظمهم من الكيزان. تدخل المدير والعميد للمرة الثانية مطالبين الإتحاد بالتدخل لإنهاء هذه المعركة وفتح مدخل الجامعة. فى تلك الأثناء وصل خبر مفاده أن جهاز الإستخبارات العسكرية قام بخطف الطلاب والطالبات المرابطين عند مدخل البوابة الشرقية وتم ترحيلهم إلي قيادة اللواء عشرين. كان هناك ضابط من الإستخبارات العسكرية هو الوسيط بين الحاكم العسكري وإدارة الجامعة. طالبنا المدير أن يبلغ الحاكم بالإفراج عن الطلاب المعتقلين فورا و إلا ستخرج مظاهرة ليلية إلي الشارع. مرت حوالي نصف ساعة بعدها تم الإفراج عن الطلاب المعتقلين و ترحليهم إلي نفس المكان الذى أعتقلوهم منه. بعدها تم تقيم الموقف عند حوالي التاسعة مساء وقرر الطلاب فتح البوابة بعد أن نجحوا فى منع سليمان من دخول الحرم الجامعي. توقفت البصات عند البوابة الرئيسية وبدأ الطلاب فى ركوب الباصات. هنا هاجمهم الكيزان داخل البصات بالحجارة مما زاد من اعداد الطلاب المصابين. شمل الترحيل حتى الطلاب الذين يسكنون فى داخليات الإعدادية من الرافضين لدخول سليمان للحرم الجامعي. كما قام الإتحاد بترحيل المصابين من الجانبين إلي قسم الحوادث بمستشفي ودمدنى. بعد تلك الوقفة تم إعتقال طارق الشيخ رئيس إتحاد الطلاب الأسبق والموظف بإدارة الجامعة. ووجهت له ظلما تهمة التخطيط لهذه الوقفة. كما ثم إعتقال صلاح دفع الله بصل بنفس التهمة.