تلقيت مثل غيري من الصحفيين دعوة للقاء تعارف مع السفير السعودي في الخرطوم وهذه الدعوة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة غير أن الغريب فيها هو التوقيت.. أما المدهش فيها فهو أن تسميها السفارة لقاء للتعارف,, فالواقع أن معالي السفير السعودي موجود في السودان منذ عدة أشهر لم تفكر خلالها السفارة أو المنسقين الإعلاميين في ترتيب مثل هذا اللقاء لذا ليس من العسير على أي مراقب أن يفهم أن اللقاء السعودي بالصحافة السودانية اليوم يتجاوز التعارف إلى مسائل أخرى.. كل ذى بصيرة يدرك أن دعوة السفارة السعودية للإعلام السوداني هدفها الأول والأخير هو تسليط الضوء على الأزمة الخليجية.. ولعل ما يهمنا هنا هو النظر في المحاور التي يمكن أن تلخص الأزمة الخليجية من وجهة نظر السفارة السعودية في السودان, ولعل أولاها موقف السعودية من التجاوزات القطرية .. من وجهة نظرها طبعا .. ثم موقف قطر من مطالب التحالف الذي يواجه قطر .. أما المحور الثالث والأخير فهو موقف السودان من هذه الأزمة. ولنتوقف عند المحور الأخير.. وهو موقف السودان من أزمة الخليج وهنا لابد من إيراد الملاحظات التالية .. وأولها أن السودان كان حريصا منذ الوهلة الأولى للأزمة أن يكون جزءا من الحل وليس جزءا من الأزمة .. وأن تكون جزءا من الأزمة يعني الإصطفاف في أحد جنباتها وهو ما تفاداه ويحاول أن يتفاداه السودان حتى الان .. وثاني الملاحظات أن قطر في ما يبدو راضية عن الموقف السوداني.. أو بالأحرى هى تقدره وتعذره .. بدليل أنها لم تطالبه حتى الان بموقف بديل.. بل أعلنت صراحة وعبر سفيرها في الخرطوم أن موقف السودان من الأزمة يعتبر موقفا جيدا.. أما تفسير الموقف الرسمي للسودان فهو دعم المبادرة الكويتية التي تسعى لرأب الصدع وإيجاد حل سلمي للنزاع في الخليج ..! وفي المقابل فإن المملكة العربية السعودية تفترض ان الحق بجانب تحالف الحصار وهذا حقها على كل حال.. أو ليس هو موضوعنا اليوم.. وبالتالي فهي تفترض أن على الجميع الإصطفاف خلفها.. لذا كان لافتا تصريح السفير السعودي بالخرطوم أن موقف السودان (حتى الان مقدر) .. ولكن .. وهذا مربط الفرس .. أن السفير قد افترض بناءا على رؤية دولته للأزمة أنه في حال عدم استجابة قطر لمطالب تحالف الحصار فإن على السودان أن يغير موقفه أو بمعنى أكثر دقة فإن على السودان أن ينتقل الى الإصطفاف خلف دولته .. فأقرأ يا هداك الله قول السفير الذي ليس فيه أي لبس (ونحن وإن قدرنا موقف السودان في المرحلة الحالية إلا أننا نتمنى أن يكون للسودان موقف واضح حول الأزمة خاصة إذا استمر حكام قطر في التصعيد وعدم تلبية المطالب) ..! ولعل واحدة من البداهات التي ينبغي أن تطرح هنا وبذات الصراحة التي تحدث بها السفير.. أنه إذا كان معاليه قد ربط تغير موقف السودان بالمطالب.. فالسؤال الذي يطرح نفسه.. هل كان السودان طرفا في تقديم تلك المطالب..؟ ولو حتى بمجرد التشاور أو الإضطلاع المسبق؟؟.. الإجابة ليست عصية .. وهى لا.. وبالتالى يبدو غريبا هذا الربط.. فالمنطق يقول أن المطالب وما يترتب عليها تعني الدول التي صاغتها وتقدمت بها.. لا أحد غيرها..! أما الأهم من ذلك فهو .. إذا كان ما يريده السفير السعودي من السودان بكل هذا الوضوح.. بل وهذه الدقة.. هذا بتجاوز مسألة الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المرعية.. ويتجاوز مسألة التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. لحد إملاء الشروط .. في وضح النهار وعلى رؤوس الاشهاد.. وإذا كانت السعودية قد قالت كل ما تريد عبر سفيرها في الخرطوم..راسمة خارطة الطريق للسودان لتحديد موقفه من أزمة الخليج,,, فماذا تريد من الصحافة السودانية أكثر من كل ما سبق ..؟! الْيَوْمَ التالي الثلاثاء 4 يوليو