تتبعنا فصول مسلسل أزمة طلاب دارفور بجامعة بخت الرضا التي نشبت علي خلفية تقديم اكثر من 1200 طالب جميعهم من مكونات إقليم دارفور باستقالاتهم من جامعة بخت الرضا كاحتجاج علي سلوك مدير الجامعة الذي قام بفصل 14 طالبا من ابناء دارفور يمثلون قيادات الروابط والكيانات الدارفورية المختلفة بمجتمع الجامعة دون سواهم من بقية مكونات طلاب الجامعة التي تحتوي بطبيعة الحال علي طلاب من مختلف مدن وبوادي السودان كانوا قد اشتركوا جميعهم في رفض نتائج انتخابات اتحاد الطلاب المزورة التي جرت في مايو المنصرم والتي حسب زعم إدارة الجامعة المنحاز فاز بها طلاب المؤتمر الوطني المنتميين الي السلطة, وعندما احتج طلاب الجامعة علي النتيجة وطالبوا بإعادة الانتخابات في جو ديمقراطي غير متحيز الي فئة .. رفضت إدارة الجامعة إعادة الانتخابات ومضت في ترتيب تنصيب الاتحاد المزور ضد إرادة طلاب الجامعة الشيئ الذي أثار حفيظة الطلاب الغاضبون الذين ينتمون الي كافة القوي السياسية فتظاهروا داخل الجامعة محتجين علي النتيجة مما دعي بمدير الجامعة الاستعانة بالشرطة والقوات الأمنية لقمع احتجاج الطلاب فاقتحمت الشرطة مبني الجامعة مستخدمة غاز مسيل الدموع والأعيرة النارية في مواجهة الطلاب العزل بعيد منتصف الليل فنتج عن ذلك موت اثنان من رجال الشرطة قبل تفريق الاحتجاج.. وفي صبيحة اليوم التالي أصدر مدير الجامعة قرارات تم بموجبها فصل 14 طالبا جميعهم من ابناء دارفور بتهمة اغتيال رجلي الشرطة حتي دون إجراء اي تحقيق من قبل الشرطة نفسها ولا السلطة القضائية ودون إشارة من قريب أو بعيد بالتهمة الي الطلاب المفصولين من دارفور ولكن لشييء في نفس يعقوب قضاها قام مدير الجامعة المتهم بعنصريته ضد طلاب دارفور في مواقف عديدة وهو كادر امني معروف قام بتقليم اظافر قيادات هؤلاء الطلاب محدثا فتنة داخل الوسط الجامعي لا تبقي ولا تزر ولم يستجب حتي الي الآراء المناصحة له من زملائه أعضاء هيئة التدريس الذين نصحوه بأن يتروي في اتخاذ مثل هذه القرارات الي حين معرفة نتائج التحقيقات التي تقوم بها الشرطة الي حين اصدار قرارها النهائي.. الا ان مدير الجامعة لم يستجب الي نصحهم ومضي في أمره .. طالب بقية طلاب دارفور بارجاع زملاءهم المفصولين تعسفيا ووصفوا هذا السلوك بالعنصرية والتمييز القبلي من مدير كان ينبغي عليه أن يكون مديرا محايدا لكل الطلاب لتأدية رسالة الجامعة التربوية في المقام الأول لا مديرا لفئة معينة من الطلاب .. فعندما تصلب المدير علي موقفه قرر ال 1200 طالبا تقديم استقالاتهم من الدراسة وحزموا أمتعتهم متوجهين الي صوب العاصمة ولكن إدارة الجامعة وزراعها الجديد (اتحاد طلاب المؤتمر الوطني) تحرشوا بالطلاب واوشوا الي المواطنين بعدم التعامل مع طلاب دارفور وعدم ترحيلهم الي حيث يريدون مما اضطر بالشباب أن يقطعون المسافة ما بين مدينة الدويم ومنطقة جبل الاولياء جنوبالخرطوم قطعا بالارجل وهم يحملون أمتعتهم علي ظهورهم بنات واولاد فاوقفهم أهل قرية الشيخ الياقوت وقاموا باكرامهم كضيوف وعندما علم بامرهم الشيخ الياقوت جاء إليهم.. مقدما يدا العون والمساعدة.. الشيخ الياقوت هو أحد رجالات الطرق الصوفية بالسودان الطرق التي ادخلت الينا الاسلام وامتاز شيوخه بالتقوي والزهد ومحبة الناس .. فقد لام الشيخ الياقوت اهله كونهم يتركوا الطلاب علي قارعة الطرقات بينما توجد لديه مباني تسع لآلاف الطلاب شيدها لطلاب العلم الدارسين للعلوم الإسلامية والقران فاستضافهم العارف بالله في صرحه وقدم اليهم الطعام والشراب في موقف انساني غير مسبوق بالسودان دخل به التاريخ في سماحة الإسلام الصوفي الزاهد .. طلاب عجزت مؤسسات الدولة عن إيوائهم فياويهم رجل دين زاهدا عن الدنيا وما فيها .. فهو درسا قد اختار الله سبحانه وتعالي له شخصيته بعناية وفي الوقت المناسب .. نعتقد أن الرسالة التي ارسلها الشيخ الياقوت بايواءه اكثر من 1200 طالبا بعد أن ذبح لهم الذبائح فهي رسالة تشير الي أن هذا المجتمع هو مجتمعا واحدا وبإمكانه أن يتعايش اذا ابعد عنه تشوهات الاسلام السياسي الذي اخدشت جداره.. استقبل اهل السودان هذا الموقف بالثناء والتقدير باعتبار أن هذا هو السودان الذي نطمع أن يكون وان هذا هو الدين الإسلامي الذي نعرف حيث لا تمييز ولا تماييز كلنا سواء .. لا الاسلام الذي يرفع شعارا ولكن ينطوي بداخله علي الكراهية والبغضاء والقتل.. رسالة يجب أن يتفحص محتواها اصحاب المشروع الحضاري جيدا فاين هم من الشيخ الياقوت؟ فهم قد هدموا بنيان الوحدة الوطنية .. اذكر عندما كنا طلابا في بداية التسعينات وكانت الحكومة آنذاك مشغولة بسياسات التمكين والفصل التعسفي من الخدمة المدنية ومحاربة تجار السوق في ارزاقهم وقطع رقابهم كنا شلة او مجموعة طلاب بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم .. الشلة تشكلت عفويا من مختلف الطلاب من شتي مدن وبقاع السودان لم نكن حينها نسال عن قبيلة زيد أو عبيد لان في الحقيقة ما كانت تهمنا ماهي القبيلة بقدر ما يهمنا الشخص نفسه .. كانت بطاقة الانتماء الوحيدة لشلتنا كانت هي شرط عدم انتماءك لطلاب الاتجاه الاسلامي الذين كانوا قلة يحسبون علي عدد الأصابع بالجامعة.. كنا في مجموعتنا أيام العطل الرسمية ونهايات الاسبوع ننظم الزيارات الي الاصدقاء من المجموعة في مدنهم وقراهم واذكر من محاسن الصدف أن ثالث زيارة لنا بعد زيارتنا الي مدينتي رفاعة والحصاحيصا كانت زيارتنا الي مدينة الدويم.. فقد دعينا لزيارة مدينة الدويم بخت الرضا وكان حينذاك الإخوان دفع الله اسماعيل، محمد همام، موسي الشيخ البر، ناصر ابوطه وعصام عربي هم ابناء الدويم بالمجموعة الذين رتبوا للزيارة وكان عددنا حوالي عشرون فردا يمثلون مختلف الجهات ومختلف النسيج الاجتماعي شرق غرب شمال وسط غرب جنوب.. استقلينا البصات المتجه الي كوستي ونزلنا عند محطة الدويم وكنت لأول مرة اعرف أنه لا يمكنك الدخول الي الدويم الا بعد أن تعبر بالبنطون النيل الابيض وهي علي الضفة الغربية للنيل مثلها مثل رفاعة تماما والتي تعبر اليها ايضا من الحصاحيصا بالبنطون النيل الأزرق.. دخلنا في بداياتنا منازل ال همام وهي سلسلة من المنازل تمتد من حدود النيل علي قبالة مرسي البنطون الي تخوم مشارف وسط المدينة .. وهي سلسلة حيشان واسعة تفتح علي بعضها البعض فدخلنا جميعنا ووجدنا انفسنا نتجول وسط هذه الأسر الكريمة بنساءهم وأطفالهم وشيوخهم فقد اكرمونا واحسنوا استضافتنا ولم نشعر حينها اننا اغراب بل كاننا بمنازلنا وقد خرجنا بعيد منتصف الليل لنذهب الي الجزء الغربي للمدينة حيث ترتيب الإقامة والمبيت مع أسرة زميلنا دفع الله اسماعيل وقد تجمعت علينا كل الأسر في صباح اليوم الثاني أسرة موسي البر وعصام عربي وناصر ابوطه واهلهم ومعارفهم ليستقبلوا طلاب جامعة الخرطوم وكنا نري الفرحة علي وجوههم وهم يتسابقون علي خدمتنا.. اختتمنا الزيارة برحلة الي معهد بخت الرضا وهو يقع علي بعد 2 كلم شمال المدينة وأكثر شيئ لفت انتباهي عند زيارتنا للمعهد هو عراقة المبني الذي يشبه جامعة الخرطوم في كل شيئ ففتحت لنا مكتبتهم الكبيرة وهي الاخري تماثل المكتبة الرئيسية بجامعة الخرطوم من حيث المساحة والتقسيم والمحتويات العلمية النادرة.. نعم هذه هي الدويم التي نعرف فلا ادري كيف تبدل هذا الحال لتتنكر بخت الرضا لأكثر من1200 طالبا جاؤوا اليها ليلتحموا مع أبناء وطنهم في هذه البقعة المتسامحة؟ الرد على المرسل تحويل إلى خبر تحويل إلى مقال حذف [email protected]