نظرت الى الوشائج بين الصوفية وبين الحكومة، فهالني ما رأيته من غضبة صوفية حامية على حكومة الإنقاذ، بمزاعم أنها أشاحت بوجهها عن أهل التصوف، وبمظان أنها انصرفت عنهم إلى مناصرة السلفيين..! فتعجبت طويلاً من صدمة المتصوِّفة في حليفهم، الذي ساندوه بكل ما يملكون، ثم من بعد ذلك حصدوا الحصرم والفتات.! ومصدر استغرابي ومنبع تعجبي في أنه فات على المتصوفة أن الإنقاذ هي صاحبة امتياز مدرسة البراغماتية في الممارسة السياسية السودانية. ومن هنا فلا عجب في أن تتخلص حكومة الحركة الإسلامية من مشائخ ومريدي الطرق الصوفية، بعدما عبرت إلى الضفة الأخرى للبحر الأحمر، حيث المرجعية السلفية، وحيث لا توجد مساحة للتصوف أو المتصوفة..! وودت لو تأمل أهل التصوف ملياً في تاريخ الإنقاذ، لوجدوا ما يواسيهم في ما يسمونه محنة انصراف الحكومة عنهم إلى غيرهم من المذاهب. ففي ذلك التاريخ ما يدلل على أن الإنقاذ تملك قدرة مبهرة في فسخ التحالفات، والتفسُّخ من حوصلة المرجعيات، متى دعت الحاجة لذلك، لدرجة أنها شرعت – حالياً - في تعديل بعض القوانين، بما في ذلك المادة المتعلقة بالزي المحتشم، ومادة حرية التدين، وذلك بعدما اشترطت عليها أمريكا، وأملت عليها تعديل مثل تلك القوانين حتى تُرفع العقوبات كلياً عن السودان. وطبعاً كلكم تعلمون أن الحكومة ظلت ترفض طلب المعارضة بتعديل تلك المواد، بل وظلت تدمغ المعارضة بأنها دمية في يد أمريكا، وأنها تسعى لكي تشيع الفاحشة في الناس. والآن تأتي الحكومة لتقوم بتعديل تلك المواد صاغرة كسيرة، لأن أمريكا تريد ذلك، بما يؤكد أن الحكومة تزايد بأمر الدين ليس إلا، وأنها لا تؤمن بضرورة حاكميته. والناظر إلى العلاقة بين أهل التصوف، وبين الحكومة، سيجد أنها تعيش حالة من الاهتزاز، جعلت غالبية مشائخ الطرق الصوفية، يصدعون بما ظل مخبوءاً في الصدور، مثل قولهم إن الحكومة تظاهر التيارات السلفية، وأنها مكّنت المحسوبين على تلك التيارات، من السيطرة على المؤسسات الرسمية المعنية بأمر الدعوة والفتوى، مقابل تهميش التشكيلات الصوفية. وبغض النظر عن صحة تلك المزاعم من عدمها، وبغض النظر عن صحة مسألة التصوف نفسها، فإن غضبة الصوفيين تكشف عن سوء تقديراتهم التي جعلتهم يظاهرون الإنقاذ ويدعمونها دعماً سخياً في سنواتها الباكرة. لدرجة أن كثيراً من المحللين السياسيين يصنِّفون الطرق الصوفية كرافعة مذهبية صعدت عليها الإنقاذ غداة الإجهاز على الديمقراطية، وذلك بعدما استدعتها استدعاءً انتهازياً، لتصوِّر للناس أنها انقلبت على حكومة الصادق المهدي حفاظاً على بيضة الدين..! مع أن الحكومة المُنقلب عليها قائمة على برنامج الصحوة الإسلامية والدولة الإسلامية الذي تبناه حزبا الأمة والاتحادي توالياً. المثير للاستغراب أن ذلك الادعاء انطلى على غالبية مشائخ الطرق الصوفية، ولذلك طفقوا يبذلون الدعومات للانقلابيين، إلى أن ترسخت ركائز دولتهم. ولكن ما أن وجدت الإنقاذ نفسها مضطرة لإنهاء تحالفها غير المنكور مع إيران، وإبرام تحالف جديد مع السعودية خصمها القديم، حتى جأر المتصوفة بأن الحكومة قامت بتهميشهم. ومع أن مثل هذه المزاعم لا تخلو من تدليس، إلا أن حديث مشائخ الطرق الصوفية، يبدو وجيهاً إذا نظرنا لسلوك الحكومة المرابية التي ظلت تتبضع في سوق المواقف، تبيع موقفاً وتشتري آخر، منذ أن جاءت للناس في ليل الثلاثين من يونيو، وحتى نهار الناس هذا..! ولذلك ليس من الغرابة أن ينفض تحالف الصوفيين والإنقاذيين، لأنه قائم أصلاً على المصلحة، وليس على شئ آخر، بدليل أن مشائخ الصوفية يتحدثون الآن حول أن تمثيلهم في حكومة الوفاق الوطني أقل مما قدموه للإنقاذ، وأنه أدنى من تاريخهم..! الصيحة