الرأى اليوم تأييد لمذكرة المتصوفة (1) أصدر عدد من مشايخ الطرق الصوفية مذكرة هامة تضمنت برنامج عمل إحيائي للتصوف بعد مصادرة أجهزة نظام أمن الإنقاذ لنشاطهم، ا لذى كان مقرراً إنعقاده بقاعة الصداقة يوم الجمعة الماضية . أمام هجمة سلفية وهابية، إستهدفت نشر التطرف مدعومة من نظام الإنقاذ ، بعد تحالفه مع مشايخ السلفية وعينه على البترودولار السلفى فى الخليج . الصوفية والمتصوفة فى السودان من المواضيع الهامة لمستقبل الإعتدال والتسامح الدينى ، فقد إرتبط إسلام أهل السودان بالتصوف ،وما فيه من إعتدال وتصالح مع التراث والقيم والتقاليد السودانية وعدم تشدد مفرط ، أصبح هذا المزاج هو المكون الأساسى للشخصية السودانية، بغض النظر عن موقعها الفكرى أو الدينى ، فالتصوف عموماً، (هو تقديم رسالة العرفان على رسالة البرهان مع عدم إنكارها (إتقوا الله يعلمكم اللة ) ( أعبد الله كأنك تراه) ، فالتصوف من أساسيات التدين الثلاثة (وهى الإسلام و الإيمان ثم الإحسان) كما ذكر ولتر ستيس فى كتابة فلسفة التصوف، بمقولة منسوبة لبرتراند راسل (إن وحدة المتصوف مع رجل العلم، تشكل أعلى مستويات المعرفة الإنسانية)، بهذا المعنى التصوف هو منهج أو طريق يسلكه الفرد للوصول إلى معرفة الله و إدراك كنه الكون من خلال الروح ، أي الوصول إلى معرفته والعلم به ، وذلك عن طريق الإجتهاد في العبادات وإجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتجليته بالأخلاق الحسنة،وهذا المنهج كما يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من اجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فجعلوه علما سموه ب علم التصوف، أو علم التزكية فالمتصوف مشغول بتزكية نفسه أولاً ، والمتطرف مشغول بتغيير الآخر . فقد كان المتصوفة الأوائل علماء وفلاسفة، فى عهدهم تم طرح الأسئلة الكبرى والسرديات الهامة ، حول ماهية الوجود والتوحد العرفانى ، فقد إرتبط المتصوفة الأوائل بالفسلسفة، مثل الإمام الغزالى و ابن عربى والبسطامى ورابعة العدوية إلى العارف باللة الشيخ عبدالقادر الجيلانى الذى قال بالحديث ( القوم لايشقى بهم جليسهم) رواة ابوهريرة فقد دخل التصوف إلى السودان مع دخول الإسلام، فقد كانت القادرية القادمة من العراق، والسمانية القادمة من الحجاز و الشاذلية القادمة من مصر، والتجانية القادمة من المغرب، و المرغنية القادمة من الحجاز و اليمن ، فالمهدية كما قا ل مؤسسها أنها تصوف مع الإضافة Sophist plus فقد ذكر المهدى أن مهديته ورثت من التصوف ستة صفات وهى جوهر التصوف و أضافت إليها ستة من بينها الجهاد الحركى . فقد أبلى المتصوفة بلاءاً حسناً فى نشر الإسلام فى السودان ، رغم أن تصوف أهل السودان كان كسبة محدوداً فى الفكر والفلسفة ، فالمحاولة الوحيدة للمتصوف الفيلسوف التى لم تكتمل كانت للأستاذ محمود محمد طة ، وما قال بة الاستاذ محمود عن صلاة الأصالة فهو حديث ليس بجديد لدى المتصوفة، فقد ذكرها إبن عربى فى الفتوحات المكية فى باب الأحوال فالمتصوفة يقولون بالحقيقة والشريعة . فالحقيقة عندهم شريعة كفاح، يجب أن لا تذكر للعامة ، ويجب على المتصوف ان لا تتعارض أفعالة الظاهرة مع الشريعة ولكن طوال تاريخ التصوف هناك خروج أو ما يسمونة بالشطحات و ما يسميه السلفيون بالهرطقة ، فقد قتلوا خلق كثيراً تحت رايتها منهم السهروردى والحلاج ، وفى السودان قتل السلفيون الشيخ محمود محمد طة ، تحت مسمى حد الردة الذى يخالف صحيح الدين فى أصوله المعروفة ، صراع الشريعة والحقيقة هو الملازم للتصوف فى كل الحقب و الأزمان ، وقد ذكر الشيخ العلامة الحبيب علي الجفرى، فى أحاديث مطولة حول جدل الحقيقة والشريعة وحقائق الموقف العرفانى من الشريعة ،كما ورد عندنا فى السودان فى كتاب الطبقات لود ضيف الله ، مُجادلات الشيخ الهميم وقاضى الشريعة الدشين . لماذا الإهتمام بالتصوف الآن (2) لقد ظهرت و بدأت فى الإنتشار فى العقدين الماضيين السلفية الوهابية) و مدارسها العنفية من الجماعة الإسلامية إلى داعش ، لكن أصل التطرف الفكرى واحد وهى فتاوى السلفية ،التى قدست التراث وقفلت باب الإجتهاد الإحيائى لعلم الأصول فى الدين، وكذلك مجموعات الجهادية الجديدة ، وهى من مدارس أهل الحديث والمنهج الظاهرى وإتباع السلف الناكرة للتصوف والمعتقدة فى مفارقة المتصوفة لصحيح الدين ، فقد بدأت هذة المجموعات فى مهاجمة مشايخ المتصوفة و الإساءة لتقاليدهم ، لا خلاف أن هناك تجاوزات قد إعترت مسيرة التصوف ، وألحقت بة الكثير من الشوائب والبدع المجافية لصحيح الدين والرسالة العرفانية ، ولكن نبذ التصوف قولاً واحداً ، فية خطورة كبيرة على المجتمع السودانى ،ومحاولة إعادة تعبئتة فى قنانى السلفية المتشددة والجهادية المكفرة للمجتمع ، هذة المحاولات إذا لم يتم التنبة لها ومحاصرتها بتيار إعتدال صوفى حقيقى، يحافظ على التسامح ويبتعد عن التشدد ويقيم صحيح الدين. فالمتصوفة بجانب دورهم الدينى فى السودان، فقد لعبت الطرق الصوفية دور كبير فى صهر المجتمع فى اُطر أوسع من القبيلة والإثنية ، جوامع أقرب للقومية ، كما تجاوزت بذلك رابطة المهدية بالمجتمع للوطنية الشاملة . فقد لعب المتصوفة فى السودان دور إجتماعى كبير ، فى حلحلة مشاكل الناس اليومية وترتيب مصالحهم أمام الحكام كما ظهر ذلك فى الدولة السنارية ، فقد كان الشيخ حسن ود حسونة والشيخ الهميم هم محاموا العامة من الناس والمريدين وكلنا نذكر واقعة الشيخ الجعلى التى فصل فيها بين جماعتين بينهم جريمة قتل فقد أرسل أحد حوارييه يحمل عصاه، وقرار الشيخ فى فصل التتنازع كما ذكر مادحة ( الجبر الدم بالعصا). فقد كان للمتصوفة دور إقتصادى و إجتماعى مشهود، فقد تاسست مدن وقرى تحت راياتهم، منها مدينة ود مدنى الشيخ مدنى السنى ،والشكينيبة الشيخ المكاشفى، وحسن ود حسونة ،والزريبة الشيخ البرعى والمنارة الشيخ ود العجوز وطيبة الشيخ عبدالباقى الشيخ أزرق طيبة ، وخرسى والعمارة والشيخ طلحة وغيرها من المدن والقرى التى يرجع وجودها لمشايخ المتصوفة ، فقد ذكر مشايخ التصوف فى إيجاز أن رسالتهم هى تقديم الدين والطحين والمحبة بين المريدين. إن الهجمة السلفية الراهنة محمية باجهزة الإنقاذ على المتصوفة ، تهدد أمن المجتمع ، وتعمل على تغيير مزاجه العام نحو التطرف . لذلك يجب خلق إصطفاف واسع من المثقفين والسياسيين وقيادات المجتمع لحماية التصوف والمتصوفة فى السودان ، وتمكينهم من مواصلة رسالتهم فى المحبة والتعايش السلمى مع الآخر ، ونشر رسالة الإعتدال التى وسمت المجتمع السودان بفضل قيم وتعاليم المتصوفة الأوائل . يجب قطع الطريق على مشايخ السلفية الذين وجدوا فرصتهم فى الفتوى و أجهزة الإعلام ووجدوا طريقهم للمناهج الطراسية لتشكيل عقول المستقبل ، قطع الطريق على الذين ينشرون الكراهية والتزمت ويشكلون خطر على السلام الإجتماعى فى البلاد لكل ما ذكر عالية نقف مع مذكرة مشايخ الطرق الصوفية ،ونقول لهم نحن معكم من أجل دين الوسطية والوطن والتسامح والإعتدال