الشروع بتسيير تظاهرات تطالب بانفصال جنوبي السودان عن الوطن الأم، قبل ستة أشهر من الموعد المضروب لإجراء “استفتاء تقرير المصير"، يعطي مؤشراً مفاده أن الانفصال آتٍ عن طريق الصناديق مطلع العام المقبل، بل ثمة من يدعو إلى الاستعجال وعدم انتظار يناير/ كانون الثاني 2011 . وسواء أكانت التظاهرات مسيّرة أم طوعية، فإن المنتظر أن نشهد المزيد منها في الأشهر المتبقية من هذا العام، خصوصاً أن الانفصال صار شبه يقيني عند الجنوبيين خصوصاً، والسودانيين عموماً، ويتم التعامل معه كأنه تحصيل حاصل، وأمر لا مفر منه، بل ثمة من راح يناقش مرحلة ما بعد الانفصال وكيفية التعاون بين السودان، أو ما يتبقى منه، وجنوبه، ويقترح اتحاداً كونفيدرالياً بين دولتين . تقسيم دولة عربية مهمة آت على الطريق، والخوف كل الخوف هو الانتقال إلى أقاليم أخرى أو مناطق أخرى في السودان، إذ هناك من يفكّر منذ الآن بأن يحذو حذو “الجنوب"، ويتطلع إلى التقليد، خصوصاً في وجود “مجتمع دولي" يرعى مثل هذه الحالات ويشجعها، وفي ظل شريعة غاب دولية، برعاية أمريكية (غربية) لا يضيرها لو صار العرب مائة دويلة ودويلة . طبعاً ليس الخارج هو المسؤول وحده، وإنما هناك أسباب داخلية بلغت مرحلة حرب العقدين وما سال خلالها من دماء وتسببت به من خراب، وقد غذتها التدخلات الخارجية التي صبت الزيت على النار، ولم تلتفت الأطراف السودانية كافة، في الحكم والمعارضة، إلى العوامل التي يمكن أن تشكل حلولاً ناجعة إلا بعد أن أنهكت الحروب الجميع، وصار التقسيم، من أسف، هو العلاج . في الوطن العربي، في زمن صحي ومعافى، كان هناك من يتظاهر طلباً للوحدة، وأما في هذا الزمن المأساوي فقد صارت تظاهرات الانفصال والتفكيك والتفتيت والتقسيم هي التي تخرج إلى الشوارع في غير بلد عربي . أي بؤس هذا؟