{ دأبت بعض المجموعات (الانفصالية) داخل الحركة الشعبية أو خارجها، خلال الأسابيع المنصرمة، على تنظيم وتسيير تظاهرات في بعض مدن الجنوب، أو عواصم عربية أو غربية، للمطالبة بانفصال جنوب السودان..!! { وارتبطت هذه التظاهرات بالإعلان عن أية أنشطة سياسية أو إعلامية داعمة للوحدة، فتظاهرات أمس الأول في الجنوب - مثلاً - تأتي استباقاً لجولة المفاوضات الجديدة بين «المؤتمر الوطني» و«الحركة الشعبية» التي انطلقت أمس «السبت» بالخرطوم، برئاسة الأستاذ «علي عثمان محمد طه» نائب رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني، والدكتور «ريك مشار» نائب رئيس حكومة الجنوب نائب رئيس «الحركة الشعبية» حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء. { ويبدو واضحاً للعيان أنها تظاهرات (مصنوعة) و(مطبوخة)، لكنها طبخة نيِّئة، لدرجة أن ضيفتنا الكريمة رئيس تحرير صحيفة «الشروق» التونسية الأستاذة «فاطمة بن عبد الله» - التي تزور بلادنا هذه الأيام برفقة رئيس التحرير الأول الأستاذ «عبد الحميد الرياحي» - وصفت تلك التظاهرات بأنها (مصنوعة)، بعد أن شاهدتها خلال تقرير بثته فضائية الجزيرة (القطرية)..!! { وقد أحسنت الصحفيّة التونسية المخضرمة التوصيف والتشخيص، رغم عدم معرفتها الواسعة بخبايا وتعقيدات الشأن السياسي في السودان، لكنه الحس الصحفي الذي يختصر المسافات، ويسبر الأغوار، ويقرَّب البعيد. { ولابد لنا أن نتعجّب، ثم نتساءل: ما هي الرسالة التي يريد أن يبلغها إيانا السادة (الانفصاليون) في جنوب السودان من خلال هذه (المسيرات المصنوعة) محدودة العدد، ضعيفة الأثر، التي تضخِّمها كاميرات الفضائيات (الصهيونيّة) المغرضة..؟! { هل يريدون أن يقولوا إن شعب الجنوب قد اختار (الانفصال) مبكراً، ولا داعي لإجراء الاستفتاء؟! أم أنهم يسعون إلى إحباط أيّة محاولات (وحدوية)، وقتلها في مهدها؟! { فإذا كان الجميع - في الجنوب والشمال - قد أكدوا على أن الاستفتاء على تقرير المصير هو الحل الناجع، والنهاية التي لا مفرّ منها، لتحديد الرأي القاطع لشعب الجنوب، فإن استعجال النتائج ومحاولة توجيه الرأي العام الجنوبي باتجاه الانفصال هو عمل غير مسؤول، وخرق كبير، وتجاوز صريح للدستور الانتقالي واتفاقية السلام الشامل التي تفرض على الطرفيْن العمل (الجاد) لجعل خيار الوحدة جاذباً، إلى آخر دقيقة من زمن الفترة الانتقالية، التي انطلقت في التاسع من يوليو عام 2005م. { الاتفاقية أباحت كل الأنشطة الداعمة للوحدة، لكنها لم تبح الدعوة العلنية والأنشطة الجهرية أو السرية لجعل خيار (الانفصال) جاذباً.. وبالتالي فإن الذين خرجوا في تلك المسيرات، والذين صادقوا بخروجها من سلطات حكومة الجنوب، وحتى الذين يُصرِّحون ويحرِّضون على خيار (الانفصال) من لدن «باقان أموم» وانتهاءً بالمدعو «بنجامين» نائب رئيس مكتب الجنوب في القاهرة، الذي هدّد بذبح الداعين للوحدة.. حتى وإن كان من بينهم الفريق أول سلفاكير.. كل هؤلاء خارجون على الدستور.. خارقون للاتفاقية. { إذا كانوا واثقين من أن 90 % من شعب الجنوب انفصالي الهوى والنزعة، فلماذا يزايدون الآن، ويستبقون الأحداث، وقد تبقت أشهر ستة على تقرير المصير؟! { إذا كان الحكومة المركزية قد أوقفت صحيفة «الانتباهة» باعتبارها منبراً انفصالياً - وقد طالبنا من قبل ولا نكتم دعوتنا لإيقاف كل المنابر الانفصالية، مع اختلافنا في طبيعة الإجراءات ومعالجة أزمات زملائنا الموقفين عن العمل فجأة، وما يترتب على ذلك من آثار سالبة على عائلاتهم - فإننا نطالب بالمقابل بأن تحذو «جوبا» حذو «الخرطوم» وتمنع كافة الأنشطة وتحظر جميع المنابر الانفصالية في جنوب السودان.. وإلاّ فإن علامات الاستفهام ستتقافز: من يصنع هذه التظاهرات.. مَنْ يقف وراءها؟!