الدكتور جون قرنق – الذي مرت أمس الذكرى 12 لرحيله حكى طرفة ذات دلالة سياسية.. قال إنّ بعض أعضاء حركته من أبناء البحر الأحمر اشتكوا إليه من ظلم (الشماليين)!! أمس الأول ولد كيان جديد؛ أطلقوا عليه "نداء الشمال" أطل فجأةً برئاسة النائب البرلماني أبو القاسم برطم وعضوية أسماء شهيرة في الملعب السوداني، يمثلون "الشمال" الذي يبدو أنّهم قصدوا منه (الولاية الشمالية) لكنهم من حيث لا يدرون وقعوا في خطأ شنيعٍ لأن تعبير "الشمال" عَلاوةً على نكتة المرحوم د. جون قرنق له مدلولات أخرى صنّفها (الكتاب الأسود) أنها تعني كامل المنطقة من شمال مدينة "الجيلي" حتى وادي حلفا".. وهو بهذا التوصيف يمثل بُعداً سياسياً جهوياً أكثر منه جُغرافياً. عندما كانت الحرب الطاحنة في جنوب السودان تلتهم عمرنا الوطني من أغسطس 1955 حتى 2011 عام الانفصال، كانت كلمة "الشمال" تعني كل السودان الكائن الآن.. الجنوبيون يطلقون على كل السودان (الشمال).. يدخل في هذا التعريف الغرب والشرق كلاهما وبكل ولاياتهما.. ولكن بعد انفصال الجنوب، أصبح المدلول السياسي والجهوي للشمال يعني كل ولايات الوسط سنار والجزيرة والنيل الأبيض والخرطوم ونهر النيل والشمالية.. وربما يمتد ليشمل ولايات الشرق.. ولهذا لم يكن ملائماً إطلاقاً استخدام مفردة الشمال في أيِّ تجمع جُغرافي مهما حسنت النوايا لتجنب الانزلاق نحو مَزيدٍ من التمايز الجهوي المقيت. وفي كل الأحوال؛ ربما الأجدر أن تدرك النخب وخَاصّةً الذين تبوأوا الدار البرلمانية أن التصويب نحو المشكلة الكلية التي تقعد الوطن أفضل وأولى كثيراً من الانكفاء على قضايا جزئية شرها أكبر من خيرها.. فالسيد برطم وهو رئيس كتلة التغيير في البرلمان ينتظره عملٌ كبيرٌ في الشهور القادمات.. عمل يرتبط بمستقبل البلاد كلها.. إعادة هيكلة الوطن من خلال التعديلات أو الدستور الجديد الذي يتوقع أن ينجز خلال العامين القادمين.. وبكل تأكيد لو استمر الحال على ما هو عليه من (تشتيت الكرة) في أكثر من ميدان فإن الدستور القادم سيجر السودان خطوات أخرى للوراء.. (إن كان لا يزال هناك وراء).. من الحكمة أن يتفرّغ ويركز نواب البرلمان المستقلون وأصحاب الفكر المُستنير الآخرون في تقوية صوتهم عن طريق استمالة الرأي العام والاستقواء بالصوت الجماهيري من خارج البرلمان.. على نقيض ما يفعل "برطم" الآن.. فالتوجه (شمالاً) يعني الاستغناء عن كثير من الجماهير الأخرى التي تستطيع أن تمنح قوة لأيِّ صوتٍ حرٍ. التيار