محمد سليمان دخيل الله: ٭ مدخل: ديوان شعر هذا المساء لمؤلفه هاشم صديق اقتطف من مقدمته «إنني أهرش الآن رأسي حيرة، وأرجو أن يهرش غيري رأسه معي، خصوصاً أهل قبيلة الثقافة، لو طالع المجذوب أو محمد عبد الحي أو علي المك أو صلاح أحمد ابراهيم حجم وعدد ما كتب عنه من دراسات بعد رحيله وقارنها بما كتب عنه في حياته لضحك في قبره من المفارقة وارتجت المقابر.. ولكن من حسن حظ الموتى انهم لا يطالعون الصحف» انتهى حديث أستاذي هاشم صديق وأوافقه الرأي في ما ذهب إليه، لأن المبدع في حياته يتعب ويشقى ليجد حق الدواء، ولا يعاوده اثناء مرضه إلا قلة من أصدقائه، وعند رحيله تدشن الخطب والمقالات والوعود يصرح بها على الملأ في مقبل الايام بتعليم ورعاية الابناء، وهو استهلاك من دون مردود فعلي. وفي البدء أذكر أن الأستاذ هاشم صديق هو الأديب المتكامل.. المتمرد على الواقع الذي يراه كسيحاً متواضعاً في حراكه الثقافي.. وقد طرق هاشم كل أبواب الفنون وأبدع، منذ قصيدته الاولى «ملحمة أكتوبر» ولا اقول ذلك تقريظاً، لأنني عرفت هاشم صديق معرفة حقيقية منذ كنت طالباً بمعهد الموسيقى والمسرح، لأنه هو من أسهم في تكوين شخصيتي مع آخرين، أذكر منهم فتح الرحمن عبد العزيز وعثمان جمال الدين وعمر الدوش وسعد يوسف عبيد. وقد كان الاستاذ هاشم يدرسنا «دراسة وتحليل»، وكيف نحلل نصوص وليم شكسبير كعطيل وماكبث وهاملت، وكيف نفرق بين الذاتي والموضوعي، وطريقة البناء الدرامي. وهاشم صديق هو من عرفنا بالمسرح السوداني منذ مسرح الجاليات مروراً بمسرح الأندية، وصولاً إلى المواسم المسرحية المنتظمة منذ عام 1967م، كما درسنا التقمص والمعايشة، أي معايشة الشخصية وتحليلها بأبعادها الجسمانية والنفسية والاجتماعية.. وله يرجع الفضل في تأسيس مكتبة المسرح السوداني، بتفكيره وجهده في جمع الوثائق وتسجيل الاشرطة لرواد الحركة المسرحية السودانية، كالعبادي وخالد أبو الروس.. ومعظم العاملين الآن في الجامعات والمسرح والإذاعة والتلفزيون من خريجي المعهد العالي للموسيقى والدراما سابقاً داخل وخارج السودان من عارفي فضله وعلمه. وهاشم صديق ولد بحي بانت بمدينة أم درمان التي أحبها وأحب إنسانها، وكتب لها شعراً بعنوان أم درمان: صورتك معاي ألقاها في كل المطارات والمسارح والأغاني وفي القطارات البتلهث ديمه زي نبض الثواني في العمارات في الفنادق وفي المنافي وفي الخنادق إلى أن يقول فيها: دايماً حداي دايماً معاي منقوشة في طوب الجسور موجودة في خطو الشهور ونلحظ جمال الصور الشعرية والبساطة في المفردة، لأن الشاعر كان يراهن على وعي الجمهور المتلقي، وانه الناقد له وسنده، وللتحقق من صدق ذلك نجد أن الشعب السوداني احتفى بهاشم صديق وأشعاره من أول قصيدة كتبها في بداية الستينيات، وقد ظل الشعب السوداني باختلاف توجهاته يردد وإلى يومنا هذا: لما الليل الظالم طوَّل وفجر النور من عينا تحوَّل وأرى ان هاشم صديق مسكون بحب هذا الوطن وانسانه، وبرغم انه شبَّ وترعرع بأم درمان مركز السودان، لكن أعماله اتسمت بالقومية الفارهة، ويتمثل هذا في استيعابه للتاريخ والفلكلور والابداع الجماعي فقد كتب: عزيزي الدوش طرف شاهد بمليون ميل في مجرى السيل طرف تربة مبلل بمطر غربه طرف وادي في حضن أم در رقد هادي طرف عالم رجع سالم صوابع اليد بعد كمل سنين العد إلى أن يقول للدوش في مرقد: قريت يا دوش حروف نعيك جاك حبل الشكر مفروش وسيل الخطب رج الحوش بقيت يا دوش أمير شعر ودحين يا دوش وقبل الموت هل كان صوت الشعر مقروش وهاشم صديق يفعِّل الدراما في أشعاره، ويجيد إبداع الصور الشعرية بشفافية عالية، لأنه واضح وشجاع ويفكر بصوت مسموع، ويدافع عن مواقفه الإنسانية بكل جرأة وكبرياء، لأنه يرتكز في ذلك على حبه للوطن وإنسانه، وأسس لذلك منذ بداياته: وطن نحن سيوف أمجادك ونحن مواكب تفدي ترابك فقد ارتبط الشاعر هاشم بالمجتمع ومكوناته في قصائده، ويقول في انتظار: يا الله هوى تعب اللسان من الشكية وفي الحكي مسجون براي محشور براي والمدن مستني ريد ما عارفو مين مستني ريد ما أظن يجي وأعمال هاشم الأدبية ونصوصه تفجر الوعي وتدق بعنف على المنسي من شواهد الحياة المعاصرة. واستلف عنوان صديقه الشاعر عمر الدوش «عن أي من المسارح نحكي»، وأقول عن أي هاشم نحكي، وعن أي من دواوينه نكتب، وأية مسرحية له نشخص، وأي من كتاباته نقرأ، وأي من تمثلياته نسمع ومن تحليلاته نحكي، ومع أي من أغنياته ندندن متعه الله بالصحة والعافية أستاذنا العزيز، ليرفد الحياة السودانية بإبداعاته، لأن هاشم صديق نجم سوداني مبدع في كل المجالات التي طرقها، وعنه نواصل.