مشروع الجزيرة: محمد صديق أحمد: ليس من رأى كمن سمع، ومن يقف بنفسه لا يضاهي حكيه من رفعت إليه التقارير ورفع له التمام بأن الأمر كله تمام يا أفندم. فبالرغم التطمينات الكثيفة التي لم تفتر عزيمة مشروع الجزيرة عن بثها بأن العروة الصيفية بالمشروع على أحسن وأن 115 «كراكرة» تجوب أرجاءه وتهب إلى نجدة الملهوف ما أن يشار إليها، إلا أن الأمر بترعة بشير بمكتب الكتير «32» لمختلف جدا، لجهة وقوعها تحت قبضة العطش صنو الجوع الكافر، فبحسب إفادات مزارعيها فإن ما ألم بمحاصيلهم من عطش حتى الموت ومفارقة الحياة تكرر وهم لا يقوون على فعل، وقد هدت حليهم مطاردة المسؤولين طمعاً في إقالة عثرتهم التي ظلت تتكرر فصلوها لأربع سنوات متتالية، والتي بطلها دون منازع العطش الذي لا يموت ولا يفوت، فمن المسؤول عما لحق بمساحات هؤلاء المزارعين ؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية توفير مياه الري؟ وأين هؤلاء المسؤولون حتى غدت القنوات والترع بوراً بلقعاً عطشانة تحلم بالخريف؟ وأين إدارة المشروع مما يجري لمحاصيل ترعة بشير التي دون أدنى شك أنها ليست وحدها التي تعاني من العطش وترفع أكف الشكوى من غياب المسؤولين؟ ٭ التصريحات يفضحها الواقع مع بداية الأسبوع المنصرم، اتصلت برئيس اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل عباس الترابي، استفسره عن موجة الاختناقات المائية بأجزاء واسعة بالمشروع، فأوضح أن المسألة وضع طبيعي جراء احتياج المحاصيل لماء الري في وقت واحد، وأن ما يتوفر للمشروع من آليات لإزالة الإطماء وتطهير الترع كفيل بتخفيف حدتها ومحوها من باحة المشروع، ورفض تماماً وصف ما يحدث بالمشروع بالعطش، لجهة أن العطش عنده ينهي المحاصيل، وها هم مزارعو ترعة بشير بمكتب الكتير «32» يقولون لإدارة المشروع إن محاصيلنا تموت أمام أعيننا، فكيف يكون العطش والاختناق؟ فالترع جفت بطائنها من الماء، ووابورات سحب المياه التي استعان بها الموسرون منهم من ذوي البسطة المالية لم تجد من الماء ما يكفي لإطفاء جوفها، فتوقفت حسيرة آسية، والصور توضح ذلك. ٭ وعملت كل المستحيل وعلى صعيد أصحاب الوجعة، فقد أوضح الأمين العام لرابطة مستخدمي المياه بترعة بشير طالب علي التوم في حرقة وأسى والعبرة تكاد تزدلف في حلقه وهو يقف محتاراً على «دوران الترعة» قبالة مكتب الكتير الذي غدا أثرا بعد عين، أن ما يحدث لمزارعي ترعة بشير استمر مسلسله لأربع سنوات حسوما، فظلوا يتجرعون الخسارة تلو الخسارة بسبب العطش. وأبان أن الوضع الذي وصلت إليه الترع من قلة المياه توضحه الصورة التي لا تكذب ولا تتجمَّل، فكانت النتيجة ضياع محاصيل أجزاء كثيرة من مساحات الذرة التي فارقت الحياة، وأن ريها لا يجدي نفعا بعد الآن. وأعرب عن أسفه لتجاهل المسؤولين لمطالباتهم المشروعة، فلم يشفع الوصول إليهم كفاحا ولا الاتصال بهم عبر الهواتف، إذ ظلوا يستعصمون بعدم الرد على اتصالاتهم بالرغم من كبر المساحة التي ترويها الترعة التي تصل إلى «21 نمرة » أي ما يعادل 1890 فداناً لم تسلم كلها من تأثيرات العطش، بل إن جزءاً منها لاسيما المزروع ذرة قد مات وفارق الحياة بعد افتقادها لأهم مقوماتها الماء الذي جعل الله عزَّ وجلَّ منه كل شيء حي، وأردف طالب قائلاً إن أقدامهم قد حفيت من كثرة ملاحقة المسؤولين بالمشروع خاصة في جانب الري، غير أنهم لم يجدوا منهم التجاوب المثمر، فتفاقمت الأوضاع حتى أوشكت محاصيلهم على الضياع، ودعا الى تسريع الخطى في معالجة الأزمة التي تمر بها الترعة حتى لا يفقد المزارعون ما تبقى من محاصيل على قيد الحياة، وحتى لا يكون مصيرها الفناء والعدم بسبب معضلات يمكن تلافيها إذا ما اضطلع كل مسؤول بدوره. وزاد قائلاً إنهم أخبروا المهندس المسؤول بالعلة، غير أنه تعامل معهم بتسويف ولم يعر مطالباتهم الاهتمام اللازم، حتى وصل الحال إلى ما هم عليه من عطش وضيق وعنت. وأوضح أن أمر عطش محاصيلهم شأن هندسي بحت يفترض أن تنجزه إدارة الري التي ظلت تشكل غيابا عما يجري لهم، بدليل خلو الترعة من الماء. من المسؤول؟ وبذات الترعة يقول المزارع عثمان عبد الباقي الأمين إن ما لحق بمحاصيلهم من عطش لا يد لهم فيه، وأن مسؤوليته تقع على عاتق إدارة الري والمشروع. وأضاف أن المزارعين أدوا ما عليهم من مهام النظافة وما إليها من عمليات فلاحية، وعندما احتاجوا إلى الماء افتقدوها، فبدأت رحلة معاناتهم مع العطش التي ظلوا يكتوون بها لأربعة مواسم متتالية، ففقدوا جزءا منها جراء موته. وناشد مسؤولي المشروع الإسراع في حل مشكلتهم حلا جذريا. وتساءل: من المسؤول عن موت المحاصيل وخروجها من حلبة الإنتاج؟ وهل من سبيل لتعويضهم ؟ ٭ إنت جيت بالسكة عابر وبدوائر اتحاد مزارعي المشروع، أوضح ممثل قسم وادي شعير محمد أحمد النور بعد جدل كثيف حول أنني جئت من تلقاء نفسي أو بدعوة من المزارعين المتضررين، أوضح أنهم في الاتحاد وغرفة الطوارئ على علم بحضور «الصحافة» إلى أرض الواقع بالترعة، وأنهم ظلوا على اتصال ومواصلة مع المزارعين، وقد تحركوا معهم في كل الاتجاهات لهثاً وراء حل المشكلة. وقبل أن يرجع المشكلة إلى انغلاق كوبري وسيط بسبب مشحانات ومخاشنات بين المزارعين، غير أنهم صبيحة أمس «بعد معاينة الصحافة» قد قرروا كسر الكوبري على خطأ الخطوة لجهة أن الكوبري يشكل معبراً للسيارات، ومع ذلك أقدموا على كسره وأن الماء قد تدفق الآن إلى جوف الترعة. الشينة منكورة ومن جانبه ألقى مهندس الري المسؤول بالقسم السباعي، باللائمة على المعاون ورابطة مستخدمي المياه، لجهة عدم تبليغهم بالحاصل، وعن التأخر في الاستجابة لحل المشكلة اشتكى السباعي من قلة حاملات الآليات، وقصر مسؤوليته على كوبري فم الترعة وليس الكوبري الوسيط أس المشكلة، وأردف قائلاً إن من حق الخفير التصرف في توزيع المياه بحبسها أو إطلاقها.