د.علي عبدالقادر / باحث أكاديمي / باريس عمل جدي بسرايا الحاكم العام أبان الحكم الإنجليزي وعمل أبي رحمه الله بالقوات المسلحة ولعله ممن عاصروا الحرب العالمية الثانية و سودنة القوات المسلحة وتأسيس سلاح المخازن والمهمات الذي حول أسمه لمستودع المهمات المركزي فيما بعد، وبقي والدي بهذا المستودع حتى التقاعد. عاصر أبي رحمة الله عليه كل الانقلابات الناجحة والفاشلة ولكنه كان يؤمن بأن مكان الجيش هو إما الثكنات أو ساحات الحرب ضد العدو أو المشاركة في درء الكوارث الطبيعية لا غير. و لعل رأيه ذلك كان من ضمن الأسباب التي لم تجعله يتخطى رتبة الرقيب أول حتى وصوله سن المعاش. عمل أعمامي اليأس وخضر بالقوات المسلحة لفترات غير قصيرة ولكنهما تركاها كرها في الانقلابات، أما أخي الأكبر سيد احمد ورغم خدمته لأكثر من عشرين سنة في مستودع المهمات المركزي إلا أنه رفض كل الإغراءات من حيث المرتب مقابل أن يتحول من "ملكي" لعسكري . ما سبق أعطى خلفية وعقلية عسكرية ناضجة لأسرتي ويجعلني لا أعترف لمن جاء بليل على ظهر دبابة بلقب رئيس ولكني أوفيه حقه بتسميته سعادة العميد البشير، ولعله لو بقى في القوات المسلحة دون مجيء الانقلاب لوصل لرتبة اللواء أو الفريق ثم نزل أو انزل إلى التقاعد، وكذلك تجدني أنكر عليه رتبة المشير هو أو غيره من الجيش السوداني فذلك يستدعى شروطاً لم تتوافر وإمكانيات لم توفر للقوات المسلحة السودانية حتى الآن وعن قصد من قبل الحكومات المتعاقبة، لا من حيث العدة والعتاد ولا من حيث المعارك التي خاضتها قيادته حتى يصل بعضهم لرتبة المشير. ورغم شجاعة وبسالة الجنود السودانيين أحفاد عثمان دقنة وود نوباوي والنجومي وعلي عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ، لكن السياسين والعسكريين المسيسين معتنقوا شعار "يعني شنو لو سقطت قيسان ما برلين سقطت" هم من همشوا القوات المسلحة حتى وصلت بها المهانة أن تجلس مع المتفرجين على ضرب مصنع الشفاء، وعلى غزوة أمدرمان و على تعدد القصف الأجنبي بالصواريخ أو غيرها لسيارات ببورتسودان ومنطقة البحر الأحمر التي توجد بها قيادة قوات الدفاع الجوي السوداني، و هي أبسط دليل على ما سقناه. بعد أن بينا مبرراتنا لعدم قبولنا بصحة ترفيع العميد البشير إلى رتبة المشير وأسباب رفضنا لإضافة صفة الرئيس له، دعونا نطرح أمامه الفرضيات التالية : نبدأ فنقول، لنفترض جدلاً بأن مذابح دارفور التي أعترف سعادة العميد البشير بأن عدد قتلاها لم يتجاوز العشرة ألف قتيل هي محض افتراء من الإعلام الغربي وأن جنوب السودان لم ينفصل وأن مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان هم أكثر أمنا من مكة والمدينة، بل دعونا نصدق بأن مواطني حلايب اليوم لا يفتخرون بالخدمات الصحية وغيرها التي تقدمها لهم دولة مصر ويأبون وضع اليد المصرية على حلايب ويستغيثون بالبشير والإنقاذ لإعادة سودنة حلايب. ثم دعونا نصدق بأن الفصل للصالح العام أو الطالح الخاص لم يمس أي مواطن سوداني وأن بيوت الأشباح ما هي إلا كذبات شيوعية، وأن طلاب معسكر العيلفون والمرحوم عبد الرحمن عباس محمد رحمة سائق الدبلوماسي الأمريكي و الصحافي محمد احمد محمد طه وغيرهم لم تقتلهم جماعات الهوس الديني الذي باض وأفرخ برعاية الإنقاذ. ثم نفترض بأن خطوط السكك الحديدية ما زالت تجري من حلفا لكوستي ومن بورتسودان إلى نيالا، و أن الخطوط السودانية مازالت أقدم وأفضل طيران في إفريقيا والعالم العربي، وأن الدولار مازال يعادل 11 جنيه بالقديم كما كان الوضع في 1989م ولم يصبح يعادل 4000 جنيه اليوم. وأن نسبة المواليد الغير شرعيين الذين يقتلون وقد تجهض أرواحهم في أرحام أمهاتهم لم تزداد في فترة الإنقاذ "وإذا الموودة سئلت بأي ذنب قتلت" و بأن من عاش منهم لم يصبح من أطفال المايقوما، لأنه لاوجود أصلاً لظاهرة أطفال المايقوما، ولا لزواج المسيار والإيثار والنهار. ولنقل بأن الفقر لم يؤدي لأن تأكل بعض النساء السودانيات اليوم من أثدائهن بمصر والسعودية، ولنقل بأنه غير صحيح أن إمام سعودي طلب من الرجال السودانيين بالسعودية أن يتقوا الله في نسائهم. بعد قبولنا لتلك الفرضيات، دعونا نثبت بأن من بركات الإنقاذ أيضا استخراج البترول وانتشار شوارع الإسفلت بمدينة الخرطوم، ونمو مباني وأبراج عالية كبرج الفاتح وغيرها وأحياء راقية على الطراز الأوربي و فوق ذلك إنشاء الفلل الرئاسية بالخرطوم، ونثبت لهم بأن بعض سكان الخرطوم أصبحوا يشربون ماء غير مختلط بماء الصرف الحي لأنهم يشربون ماء الصحة، وكيف أن بورتسودان تفتخر بمتنزهاتها وتقول لدبي "قومي أقعدي بعيد" ، ناهيك عن إقامة سد مروي وكيف أن الرد هو السد وأننا سنصدر الكهرباء عما قريب لإثيوبيا و نستورد منها الأبقار. ولا ننسى أيضا عشرات الكباري التي لم تنشأ خلال 33 عام ما بين الاستقلال ومجيء الإنقاذ. ببساطة هل إذا نجح العميد البشير والإنقاذ في رفع السودان لمصاف الدول العظمى فنافست معدلات الإنتاج السودانية معدلات الإنتاج في أمريكا "العايشة" على الديون والصين "الناسا كتار" واليابان "الكلها زلازل وناسا صغار" ، وأصبح دخل الفرد السوداني يفوق دخل الفرد في بريطانيا وألمانيا وسويسرا والكويت وقطر، هل هذا النجاح إن تحقق يعطي الإنقاذ الحق في البقاء على سدة الحكم ما فوق العشرين سنة؟ أي أكثر من دورتين برلمانتين أو رئاسيتين ! هل الأعراف السياسية في الدول الإسكندنافية حيث الرفاهية المؤدية لأن تكون نسبة الانتحار الأعلى في العالم، هل أعراف تلك الدول تمنح الحكومات التي أوصلتها ذلك المستوى من الرفاهية الحق في الاستمرار في حكمها أكثر من دورتين انتخابيتين ولو بعدل الصحابي الفاروق عمر وشفافية الصحابي الكرار علي، وتقول للحكومة "عليك الله ما تغيبى عننا". وهل تلك الحكومات تمنح نفسها ذلك الحق بحجة أنها سبب تلك الرفاهية. هل الشريعة التي تدعي الإنقاذ تطبيقها تمنحها الحق في حكم البلاد فوق العشرين سنة وهي التي تمنع إمامة الرجل لقومه في الصلاة وهم له كارهون ! هل العادات السودانية السمحة التي تذكر بأن "كترة الطلة بتمسخ خلائق الله" تبدلت لديكم، ولم تستوعبوا الحكمة في قول ذلك الناظر السوداني للحاكم الانجليزي إبان فترة الإدارة الأهلية "جناب مفتش كويس لكن طول". بل لإطالة عهدكم أصبحتم تترددون على الفقراء والمتشعوذين وشعاركم "اربط لينا البلد دي وأحرق الجازولين يا عوض الجاز". أيها العميد ويا صقور الإنقاذ لنقل أنكم ملأتم السودان عدلاَ وثراءً بعد أن امتلاء ظلماً وجوراً، وأمتلك كل مواطن سيارة همر ويخت رئاسي وتكسي جوي خاص للتنقل بين أملاكه داخل السودان، وتزوج كل شباب السودان وليس أصحاب الحكم وحدهم مثنى وثلاث ورباع ، وأصبح هم الناس الشاغل هو ممارسة الجولف على حدائق حلفا الغناء والتزحلق علي الجليد الصناعي في دارفور، بعد أن كان مواطني السودان قبل مجيء الإنقاذ شحاذين صبروا علي الجوع و ابتعثوا أحد أبنائهم لدراسة طب الأسنان ببريطانيا فرجع ووصفهم بالشحاذين. سؤالي لكم يا سعادة العميد البشير ولمن حولك وخاصة الثلاثة الأستاذ علي عثمان و الباشمهندس عوض الجاز والدكتور نافع علي نافع، هل اقنعتونا بل هل أقنعتم أنفسكم بسبب واحد يبرر شرعية بقاءكم والمنتفعين معكم في الحكم ما فوق العشرين سنة وأن افترضنا معكم بأن السودان في عهدكم أصبح جنة الله في الأرض !. لا العدل بالطريقة الإسلامية ولا التعسف في النظم الغربية ولا الأعراف السياسية ولا العادات السودانية تبرر بقاءكم في الحكم أكثر من دورتين رئاسيتين. فإن كان تحويلكم للسودان لجنة عدن لا يعطيكم الحق في البقاء لأكثر من دورتين رئاسيتين هذا إذا كنتم قد جئتم أصلاً بالانتخاب النزيه، فمن باب أولى أن تمزيق البلاد وتعذيب العباد وإفقار أهلها حتى مطالبتهم بعدم أكل اللحم ومحاصرتهم بالغلاء من فوقهم ومن تحتهم وإجبارهم على العيش بشعار "قدر ظروفك" يحرمكم ذلك الحق. لعل ما تبقى لكم من أخلاق أولاد البلد يسمح لكم بالترجل عن صهوة الحكم أو تعترفون بأنها لا لله لا لله بل حباً في السلطة واغتناء الجاه. وحينها نترك الأمر بينكم وبين الله ونذكركم فقط بقوله "ص" (إنكم ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة). د.علي عبدالقادر