عملية سياسية شاملة في السودان..4 دول تصدر بيانا    أرميكا علي حافة الهاوية    ماذا سيحدث إذا انهار سد النهضة وهو ممتلئ بالكامل؟    رئيس الوزراء القطري أمام مجلس الأمن: قادة إسرائيل مصابون بالغرور وسكرة القوة لأنهم ضمنوا الإفلات من العقاب    الرئيس الرواندي يصل الدوحة    ريجيكامب في مؤتمر سيكافا: "مستعدون للتحدي ومصممون على بلوغ النهائي"    طرد مليشيا آل دقلو الارهابية ومرتزقتها من منطقة بارا حدث مهم    جيشنا الباسل والجيش الرواندي    عبد المهيمن الأمين!    ماذا يعني تحرير مدينة بارا؟    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    بدعوات كل ضحايا عصابات آل دقلوفي بارا.. حيث ترتاح النفوس المسافرة إلى البقاع الحالمة..!    هذه هي بارا .. مدينة في عمق وقلب وسويداء ومشاش (أي زول سوداني)    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد.. مقطع فيديو يوثق اللحظات الأخيرة لغرق "قارب" يحمل عدد من المواطنين بينهم "عروس" في النيل بوادي حلفا    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    والد مبابي: كيليان أبكاني مرتين ونجح في تحقيق ما عجزتُ عنه    شاهد بالفيديو.. أفراد بالدعم السريع يطلقون أغنية جديدة يهاجمون فيها قائدهم الميداني "أبو الجود" بعد هروبه من المعارك والقبض عليه: (أبو الجود ماشي لرخصان خلى كردفان وخذل ود حمدان)    شاهد بالصورة والفيديو.. "بحبها جد ونفسي اتكلم معاها لكن بخجل".. الفنان شريف الفحيل يعلن حبه و"إنبراشه" في ناشطة مثيرة للجدل    "الحاسوب الخارق" يتوقع فوز صلاح ب"ذات الأذنين"    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    شاهد بالصورة والفيديو.. رغم جلوسهم على فصل دراسي متواضع.. طلاب وطالبات سودانيون يفاجئون معلمتهم بإحتفال مدهش والجمهور يسأل عن مكان المدرسة لتعميرها    الهلال السودانى يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا وأهلي مدني يخسر    بالصورة.. المريخ يجدد عقد نجمه الدولي المثير للجدل حتى 2028    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    في الجزيرة نزرع أسفنا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا يسقط الوطن
نشر في الراكوبة يوم 25 - 02 - 2019

في العام 1989، بلغ السودان المستقل عامه الثالث والثلاثين. كان غضا مستمتعا بريعان شبابه، ويحلم بالمستقبل الأفضل، عندما إنقضّت عليه فجأة عصبة الإنقاذ لتشبعه في الثلاثين عاما التالية من سنوات عمره، ضربا ولكما وتقتيلا، حتى لم يبق من جسده شبر إلا ومسته طعنة سيف أو ضربة رمح. وكأي كائن بيولوجي، استخدم الشعب السودانى، إزاء الخطر الداهم والمفاجئ، آلية الدفاع الثلاثية المعروفة اصطلاحا في علم النفس بحارب هاجر أكمن، بينما أحكم نظام الإنقاذ قبضته على البلاد بسلاح الطغيان والاستبداد. وكانت النتيجة أن تغذت العصبيات و«تربربت» في مستنقع الفساد الآسن، وحرّك حجر الطغيان وعنف الدولة دوائر عنف أخرى، ليزداد خلل المعادلة المختلة أصلا منذ فجر الإستقلال.
أما ردة فعل الشعب السوداني، فلقد تمددت ما بين تلك الآليات الدفاعية الثلاثة، ولكن الغالبية إتخذت موقف الكمون التكتيكي وأخذت تراكم ما يمهّد لاحقا للإنطلاق، من أجل إنتزاع الحق وهزيمة الخطر الداهم. فالأصل هو طاقة الحياة التي ترفض التراجع والإنزواء، وتدفع إلى الاشتباك والإنخراط. وعلى عكس ما كان يتوهّم نظام الإنقاذ، فإنه لم يكن أبدا في مأمن من غضب الشعب. وتاريخ السودان يقول، أن الروح الوطنية ظلت دائما تتغلب على ما عداها من ميول وإنحياز للهويات الأصغر المعبر عنها بالجهوية والقبلية والطائفية والمذهبية...الخ، والتي دائما ما كانت تتوارى خجلا في الملمات والمحن الكبيرة، كما في معارك التحرر الوطني ضد المستعمر، ونضالات المقاومة ضد الديكتاتوريات المتعاقبة في البلاد. لذلك، سرعان ما بدأ الشعب السوداني في تضميد جراحات روحه الوطنية حتى إستردت عافيتها وقوتها في مواجهة تلك الهويات الصغيرة، لا لتقمعها، وإنما لتنسج بها واقع الوحدة في إطار التنوع، ولتكتسب بها ثراء وغنى، من أجل التغيير ولهزيمة عنصرية وغرور الإنقاذ، فكانت هبة ديسمبر/كانون الأول، من نوع جديد، وبمضامين أكثر عمقا.
إن من أهم سمات الإنسان العاقل والسوي واليقظ الضمير، وقوفه مع ذاته ومراجعة النفس في كل أدائه وتصرفاته في الفترة التي مضت من مسار حياته، تصحيحا وتطويرا للمسار القادم. وأعتقد أن الكثيرين يفعلون ذلك يوميا، فلا ينامون ليلا حتى تراجع ذاتهم ما فعلته في نهارهم، ويستوي في ذلك الطالب والموظف ورب الأسرة، وغيرهم. لكن وقفة الذات عند من يتعامل مع الشأن العام، وخاصة المسؤول عن الرعية الذي يدير شؤون البلاد وناسها، تختلف تماما عن غيرها، لأنها تتعلق بمصائر البشر والأوطان.
إنها لأخطر المراحل على الاطلاق التي مرت على البلاد، وتزداد خطورة مع تمسك النظام الحاكم بآلية القمع لكل من يفكر فى أخذ حقوقه أو يصلح إعوجاج الحكم، ناهيك عن معارضته ومنازلته. لا بد من وقفة حاسمة، حتى لا يسقط الوطن.
ولهذا السبب هي تكتسب معنى ومحتوى شديد الحساسية وشديد الخطورة، خاصة عندما يتعامل هؤلاء المسؤولون مع المنعطفات والمنعرجات الدقيقة والحرجة التي تمر بها بلدانهم وأقوامهم. ومباشرة أقول، من الصعب تخيل تمتع أي قائد أو مسؤول بسمات الانسان العاقل السوي اليقظ الضمير، إذا لم يقف مع ذاته ويراجع أداءه ومساهماته ودوره إزاء الأحداث الجسام التي تمر بها البلاد اليوم. ونحن ربما لا نستطيع أن نجزم بأننا على دراية بحال أي من قادة ومسؤولي الإنقاذ، وكيف سيعبر كل منهم عن وقفته الخاصة مع الذات، كما لا أستطيع القول إن كان هؤلاء القادة والمسؤولون ينامون كل ليلة، ونفوسهم راضية وضمائرهم مرتاحة، تجاه أدائهم في حكم البلاد، وتجاه نتائج هذا الأداء على الوطن والمواطن. ولكن، وبعد خطاب رئيس البلاد الأخير، مساء الجمعة الماضي، لم يعد مدهشا، أو مستغربا، ألا تجد أي وقفة، مع الذات أو مع غيرها، عند قادة البلاد الذين ظلوا يديرون دفة الحكم منذ ثلاثين عاما، ولم يحققوا لا العدالة ولا التنمية ولا الرخاء ولا السلام ولا الأمن والأمان، وإنما أتوا بعكس كل ذلك، حتى أوصلوا البلاد مشارف الإنهيار السياسي والإقتصادي. ومن هنا تساؤلنا البسيط: ما هي، من وجهة النظر الخاصة لنظام الإنقاذ، مبررات ومسوغات بقائه؟ ولماذا يتشبث بالحكم رغم إنتظام الإحتجاجات الواسعة المطالبة برحيله، ورغم فشله الذريع في السياسة والإقتصاد والحفاظ على وحدة البلاد وأمنها؟.
لم يعد مقنعا أن ينثر النظام وهم أن المعارضة لا تمتلك بديلا ولا تستطيع أن تحكم، وأن من بعده الطوفان. والتاريخ يقول أن سيطرة حكم الحزب الواحد لفترة طويلة، تنتهي دائما بكارثة قد تصل حد إنهيار الدولة، أو إختناقها في نفق ضيق مظلم ومسدود، كما بينت تجارب الصومال وسوريا وليبيا واليمن. ويبدو أمرا كريها وممجوجا أن نظل نستمع إلى قادة الإنقاذ وهم يتحدثون عن الأصابع الخفية للقوى الأجنبية التي تحرك المعارضة للتآمر على النظام، ونحن نعلم أن هذا الوهم الذي يعتمد على إلصاق الأخطاء على الغير، تسبب في انهيار إمبراطوريات كبرى على مر التاريخ، وأن الأنظمة تنتهي وتسقط نهائيا حينما تصاب بحالة من الجمود والرفض للاعتراف بالأخطاء، وتستعذب إلقاء اللوم كله على الغير، وأن وحدها الأنظمة التي اعترفت بأخطائها هي التي استطاعت أن تبقى حية ومتطورة ومتجددة ولديها القدرة على الإصلاح الذاتي لمشكلاتها.
النظام الحاكم فى الخرطوم يسير وهو يترنح، مقاوما ألا يسقط إلا ومعه الوطن. هكذا يقول خطاب رئيس البلاد وإعلان حالة الطوارئ. إنها لأخطر المراحل على الاطلاق التي مرت على البلاد، وتزداد خطورة مع تمسك النظام الحاكم بآلية القمع لكل من يفكر فى أخذ حقوقه أو يصلح إعوجاج الحكم، ناهيك عن معارضته ومنازلته. لا بد من وقفة حاسمة، حتى لا يسقط الوطن. صحيح أن الكارثة على مرمى حجر، لكن المخرج ليس في إستمرار النظام أو الطوفان. فنظام الإنقاذ ليس المصد ضد الإنهيار، بل هو العقدة نفسها. ومن الواضح، لكل عين ترى، أن المصد ضد الإنهيار يتطلب وضعا إنتقاليا يحقق التحول الديمقراطي، كمدخل لإجراء إصلاح سياسي حقيقي ينهي دولة الإنقاذ لصالح دولة الوطن والمواطن، ولتنفيذ الاجراءات الضرورية بهدف منع الإنهيار الإقتصادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.