إذا كانت الطيور على أشكالها تقع , فمن الطبيعي أن تتماثل حد التطابق سياسات الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي , في رؤاها بقمع الشعوب إن هي حاولت الانتفاضة السلمية ضد مظاهر الفساد ومصادرة الحريات ,والتمديد للرئيس ومن ثم التوريث ,ورفض مبدأ تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع الحر النزيه الشفاف , الرؤية واحدة هي ذات الأدوات القذرة الخبيرة في فنون التعذيب ,حبل سري يربط بعضهم بعضا , القتل كلمة السر السحرية في هذا المقام , العكوف على تتبع المعارضين ,والسهر على خطط سحقهم وبطشهم والتخلص منهم بأفضل الوسائل "النظيفة" الإذابة في الأسيد , التسلط ملة واحدة , يرضعون من ثدي واحد , هم أخوة بالتبني , أبوتهم تنتهي نسبا إلى نيرون ,أما ستالين وهتلر فهما القدوة والأسوة . تذوب العداوات بين النظم الدكتاتورية , وتتلاشى المؤامرات البينية , ويتراصون كالبنيان حين يحدق بهم تسونامي هبة "الشعب يريد إسقاط النظام" وهو شعار سرى كالنار في الهشيم من المحيط إلى الخليج هذه الأيام ,تتضافر جهودهم من أجل إخماد الثورة الشبابية التصحيحية , البعض يتلقى النصائح من القائد الملهم كونه صاحب النظرية العالمية الثالثة من " إصحاح" الكتاب الأخضر , وخطرفات المعتوه قاتل شعبه بالمرتزقة دون تأنيب ضمير أوشعور بالخزي والعار , الدكتاتوريات في الشدة ولحظات المحنة لحمة واحدة تتجلى فيها بأس النظم القمعية , استعراض منطق القوة المفرطة المفضية إلى الموت , إشهار القبضة الحديدية في وجه كل من تسول له نفسه الحديث عن المظاهرات ,شرعية النظام الكذوب تسقط مع أول هبة شعبية تطالب بالرحيل والتنحي , اكتشفت الشعوب كم من المال يدفع من دمها ودمعها (إتاوة ) ضريبة وهم صاغرون , لشراء السلاح لقمع الثورات , تقتل بالسلاح الذي دفعت ثمنه من عرقها غصباً عنها , وصفات فن البقاء على الكرسي جاهزة , ألف بائها الزحف المقدس على الشعب لتطهير البلاد من الجرذان شبر شبر , بيت بيت , زنقة زنقة ,بحسب نظرية المعلم , ولأن الشعب مجرد قطيع يجب التلويح له بالعصا والكرباج قبل المولتوف والرصاص المطاطي والحي في نهاية المطاف في حالة الزنقة وقرب طلوع الروح , والخروج من السلطة بذلة هربا أوتنازلا جبرياً , السلاح المحرم غير محرم في عرف المستبد , سياسة الأرض المحروقة هي الإستراتيجية الناجعة لدحر مد الاحتجاجات , "طز" في الأممالمتحدة ,والإتحاد الأوروبي ,وجامعة الدول العربية ,اللعب على المكشوف , أنا ومن بعدي الطوفان , علي وعلى أعدائي , القتل هوالحل , ولاغير , ولوإحتج العالمين , العمالة كلمة حصرية يحرم استخدامها إلا على لسان القائد الذي لايشق له غبار , فهو لايسأل عما يفعل , يقتل , يسحل , يبيد , يشنق , يسلخ حياً , والعالم يتفرج على المذابح البشعة والمجازر الرهيبة , الإنتصار لحقوق الإنسان والديمقراطية ذرللرماد في العيون ,مقابل المصلحة الغربية في البترول . التناصر بالتصويت ضد الحظر الجوي لشل حركة كتائب القذافي من إبادة الشعب , سمة من إسداء الجميل بين النظم المستبدة بين بعضها البعض , كمبادرة بتقديم الدعم يوم السبت لتجد الأحد يوم يأتيها دور الزلزال الكبير , هناك من يستحي ويداري كسوفه فيقدم دعماً أدبياً ومعنوياً مخافة غضبة الشعب , كل ذلك يجري من تحت الطاولة لكن للجدران آذان ولويكليكس عيون صقر , حرب القذافي ضد الثوار, كشفت الغطاء عن الأنظمة العربية البوليسية القمعية التي تقف ضد إرادة شعوبها , ضاربة بتطلعات جماهيرها في التحرروالإنعتاق عرض الحائط , ثمة تحالف غير مرئي بين الأنظمة الفاقدة للشرعية , على إفشال أي مشروع إصلاح سياسي , خذلتا شعارات الدول الموصوفة بالممانعة فإذاهي اليوم ممانعة لسماع صوت الشعب الذي يطالب بالتغيير السلمي للسلطة بعد العقم الذي أصاب رحم الأنظمة المتكلسة , حان الوقت لفضح مخططات هذه الأنظمة التي تهب لنجدة الطغاة بالمال والمرتزقة والسلاح لقتل المتظاهرين العزل , حالة إنكار الواقع صفة تلازم المأزومين , تزييف أهداف الثورة الشبابية بثورة مضادة تتبني خط الشعارات القديمة ,وتستعير أدواتها البالية لسرقة الأضواء مثال ساطع لدى نظم العسكر بدأ من ثورة 23يوليو في مصر , مروراً بثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا , إلى ثورة 25مايو في السودان , أوثورة الإنقاذ 89في السودان أيضا , الصفة واحدة هي الضباط الأحرار , أوهمونا بتخليصنا من شراك الملكيات التي لاحول لها ولاقوه , وتستمد شرعية بقاءها من المستعمر الذي يملي عليها كيفية إدارة شؤون البلاد , أو إنقاذ الوطن من التفتت والتجزئة , والارتهان للعمالة الأجنبية , ولأن للسلطة سحر خاص سمعنا ورأينا زعماء انبطحوا واحنوا رؤوسهم أمام عاصفة بوش حين طالب العقيد بتسليم مفاتيح برنامجه النووي وتفكيك شبكة منشآته الذرية لأمريكا , وإلا فإن مصيره سيكون مثل صدام حسين خسارة السلطة وحبل المشنقة الاثنان معاً في آن واحد , فما كان من "عنتر" إلا التقهقر والاستسلام المذل المكلل بالعار وسلم الجمل بما حمل للأمريكان ,وجلبته المثارة في الفضاء ماهي إلا إيهام للدهماء لأنها جعجعة بلا طحين ! النظم العسكرية تختزل الدولة في فرد , له الحكم المطلق ,لاتقر بمبدأ المساءلة , ولا تؤمن بحقيقة المحاسبة , فلا يجوز الكلام في هذا الباب أبداً , والاقتراب منه جريمة تستحق الإعدام , كونك طعنت في ذمة الرمز الوطني , ورأس الدولة الأول ,فهو مبرأ من الفساد والرشوة وكنز مال الأمة في البنوك الغربية , عزل رفقاء الدرب الفاشلين أو السارقين , من رابع المستحيلات ,لهؤلاء الوفاء والعرفان لأنهم أنجزوا الثورة فلهم التحية والعرفان والتكريم بالامتيازات وتمليك وحيازات الأراضي "الثمينة" ,جزاءً وفاقاً . هناك إستثناءآت ,الزعيم جمال عبد الناصر ,رغم إرسائه مبادئ مباحث أمن الدولة (البوليس السياسي ) سيئ السمعة , تحسب له نزاهة اليد , الاعتراف بالهزيمة (النكسة) ,ومبادرة التنحي ,وكذلك المشيرعبدالرحمن سوار الذهب الذي سلم الحكم في السودان للحكومة المنتخبة , وأيضاً الرئيس الأسبق علي ولد محمد فال في موريتانيا ,أما غيرهم فهم ليسوا إلا سراق ثورة فرغوها من مضمونها بعد أن عمتهم الثروة الباذخة عن الأهداف الحقيقية للثورة التي ثارت في وجه الفساد والطغيان والاستبداد ,وعندما طاب لهم المقام في السلطة عضوا عليها بالنواجذ ,رافعين شعار من مات دفاعاً عن حكمه فهو شهيد ,هؤلاء غيروا المعادلة من السلطة في خدمة الشعب ,إلى السلطة في خدعة وضرب الشعب ,إنهم يعطلون عنوة وبطريقة منهجية مشاريع البناء والوعي والمعرفة بإشغال أهل الرأي بالعدو المتوهم المؤامرة والطابور الخامس ,والعامة باللهث وراء لقمة العيش من الصباح حتى المساء , شتان بين من ينتمي للأكاديمية السياسية , مدرسة فن الممكن والأكاديمية العسكرية مدرسة حق القوة والمغالبة ,المؤسف أن بعض العسكر هم والمستعمر وجهان لعملة واحدة ,فالكل ينهب الثروات ,ويسرق المقدرات ,يمصون دم الشعوب بالضرائب الباهظة ,وقد يكون المستعمر أفضل لأنه عدو ظاهر , أما العسكر فهم متخفون بقفازات الوطنية , ولما سقط بن على تبين كم من الأموال نهبها الرئيس التونسي , وكذلك فرعون مصر مبارك الذي بلغت ثروته وعائلته 70ملياردولارفي البنوك الأجنبية ,وأيضاً معمر(مخرب) القذافي كانز أموال الشعب الليبي لصالحه هو وأبنائه وأقربائه , أليست هذه التجاوزات من رأس الدولة تعد خيانة وطنية (حاميها حراميها ),يجب محاكمة هؤلاء الخونة في محاكم عادلة وإنزال أشد العقوبة بهم , فهم والمستعمرون سواء , وبهذه المناسبة أعجبتني أغنية( احترامي للحرامي) للفنانة المصرية الشابة آمال ماهر نكاية في الوزراء اللصوص الذين يقبعون في الحبس رهن التحقيق والمحاكمة . لقد بلغ الهلع بالثورة المضادة من بقايا العسكر الذين ترتجف فرائصهم خوفاً من اهتزاز عروشهم , الطيران سريعاً عبر رحلات مكوكية لتقديم المشورة بعدم حل جهاز مباحث أمن الدولة في مصر بعد انكشاف وجهه القبيح القميء ,ولكن هيهات فقد تجاوزت الثورة الشبابية هذه الممارسات الهتلرية بمقدار مائة ألف سنة ضوئية , لقد أنتهي زمن الوصاية والتحالفات الأمنية التي تقمع الشعوب لاستبقاء السلطة مدي الحياة , قلعة التنسيق الأمني في تونس سقطت بهروب بن على , أنكشف عوار الثورات الوهمية المضللة التي خدرتنا نصف قرن , وبدأ اليوم عصر الثورات الحقيقية التي تستمد شرعيتها من الشارع وأصوات حناجر الشعب ,وتحرسها يقظة الشباب , وليس بنادق الشرطة ودبابات العسكر.