حالة من الغموض تسود مراكز السلطة في السودان، فبعد تعيين قيادات عسكرية وأمنية ولاة ل18 ولاية وإعلان حالة الطوارئ، قرر الرئيس عمر البشير التخلي عن قيادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وسط تساؤل البعض عمن تخلى في واقع الأمر عن الآخر؟ أوكل الرئيس السوداني عمر حسن البشير قيادة حزب المؤتمر الوطني لنائبه أحمد محمد هارون إلى حين انعقاد المؤتمر العام التالي للحزب، لاختيار قيادة جديدة. وتثير هذه الخطوة تساؤلات كثيرة حول التوجهات المستقبلية للمؤتمر الوطني الحاكم، وعما إذا كان سيسير في خطى إعادة ترشيح الرئيس عمر البشير لولاية رئاسية جديدة في العام 2020، في ظل استمرار المسيرات الاحتجاجية المطالبة بتنحيه عن السلطة القابض عليها منذ ثلاثة عقود. وأفاد بيان لحزب المؤتمر الوطني نشر في وقت متأخر من ليل الجمعة أن "الرئيس البشير قرر نقل سلطاته في رئاسة الحزب إلى نائبه في الحزب أحمد هارون". وأشار إلى أن هارون سيقوم "بمهام رئيس الحزب حتى يعقد الحزب مؤتمره العام وينتخب قيادة جديدة". ومن جهته قال الرئيس المفوض في تصريح صحافي عقب اجتماع المكتب القيادي إنه استمع لتنوير من الرئيس البشير حول الموقف السياسي الراهن بعد مبادرته التي أطلقها الجمعة والخاصة بدعوته لإجراء حوار وطني. وأضاف "أخذ الاجتماع علما بقرار رئيس الجمهورية رئيس الحزب بتفويض سلطته واختصاصاته إلى نائب الرئيس أحمد هارون لتسيير أعباء العمل الحزبي والتنظيمي حتى يتفرغ لمهامه الوطنية التي عبر عنها في خطاب الجمعة". وأوضح هارون أن المكتب القيادي أبدى تفهمه لهذه الخطوة واستعداده لترتيب وملاءمة أوضاعه الداخلية بما يضمن مساهمة الحزب إيجابا ضمن القوى الأخرى في مبادرة الرئيس الوطنية. وانتخب حزب المؤتمر الوطني هارون نائبا لرئيسه هذا الأسبوع، وكان قبلها حاكما لولاية شمال كردفان. وهارون إلى جانب البشير وقيادات أخرى مطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور (غرب البلاد). ويأتي قرار التفويض بعد أسبوع من الإجراءات المتعاقبة التي تستهدف القضاء على موجة لم يسبق لها مثيل من الاحتجاجات التي تهدد حكم البشير. ومن بين تلك الإجراءات إعلان حالة الطوارئ في أنحاء البلاد وإقالة حكام 18 ولاية سودانية واستبدالهم بمسؤولين في الجيش (16) والأجهزة الأمنية (2). وأعرب الرئيس السوداني الجمعة الماضية عن اعتزامه البقاء "على مسافة واحدة من الجميع موالين ومعارضين زادي في ذلك العدل والشفافية وسعة الصدر"، طارحا مبادرة لإجراء حوار وطني، أعلنت قوى المعارضة رفضها لها. وكان مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبدالله قوش قال في تصريحات الجمعة إن البشير سيتخلى عن قيادة حزب المؤتمر الوطني ولن يترشح لانتخابات 2020 حيث أن الحزب سيسمي مرشحا آخرا، ما لم يتم الاتفاق على ترتيبات أخرى. ويواجه حكم البشير تظاهرات غير مسبوقة تخللتها صدامات دامية منذ 19 ديسمبر الماضي، ما دفعه الأسبوع الماضي إلى فرض حالة طوارئ لمدة عام في مسعى لمنع الاحتجاجات. ويحظى حزب المؤتمر الوطني بأغلبية ساحقة في البرلمان بينما يشير ميثاقه إلى أن زعيم الحزب يصبح مرشحه في الانتخابات الرئاسية. ومن المرتقب أن تجري الانتخابات الرئاسية المقبلة في السودان عام 2020. وقال المحلل موريثيفي موتيكا من مركز الأزمات الدولية للأبحاث ومقره بروكسل "هذا دليل جديد على الانقسام في المراتب العليا للحزب الحاكم". وأضاف "هناك أصوات في الحزب الحاكم تقر بوجود أزمة كبيرة ولن يكفي إخماد الانتفاضة بالقمع". واتهم القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم أمين حسن عمر، قبل أيام الرئيس السوداني عمر البشير بتجاهل الحزب وعدم استشارته في القرارات الأخيرة التي اتخذها ومن ضمنها حل الحكومات المركزية والولائية وتعيين قيادات الجيش ولاة للولايات، معتبرا أن ما حصل انقلاب أبيض. وتعكس تصريحات القيادي في المؤتمر الوطني وجود حالة من التململ من قرارات الرئيس عمر البشير، والتي بدا أن الهدف الأساسي منها إقصاء الحزب من السلطة، والدفع بالمؤسسة العسكرية إلى الواجهة، لاحتواء الاحتجاجات. ويشعر البشير بأن حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية عموما خذلاه في مواجهة الحراك الشعبي وهذه من الدوافع التي جعلته يلجأ إلى المؤسسة العسكرية. وتشكل حزب المؤتمر الوطني بعد سنوات من وصول البشير إلى السلطة إثر انقلاب عسكري دعمته الحركة الإسلامية عام 1989، وتولى رئاسته منذ ذلك الحين. ويتهم المتظاهرون الذين خرجوا إلى الشوارع باستمرار الحكومة بسوء إدارة الاقتصاد داعين البشير إلى التنحي. والخميس، قضت محكمة الطوارئ بسجن ثمانية متظاهرين لمشاركتهم في مسيرات غير مرخصة خرجت في وقت سابق من اليوم ذاته، في أولى العقوبات الصادرة عن محاكم الطوارئ التي أعلنها البشير. وأفاد مسؤولون أن 31 شخصا قتلوا في أعمال عنف مرتبطة بالتظاهرات حتى الآن، بينما أشارت منظمات حقوقية وقوى معارضة إلى مقتل 51 شخصا على الأقل. واندلعت التظاهرات في بدايتها للاحتجاج على قرار الحكومة رفع أسعار الخبز بثلاثة أضعاف، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاجية واسعة ضد حكم البشير. ويثير النهج الذي سلكه البشير في الأيام الأخيرة قلقا دوليا، حيث أنه وبعد الانتقادات التي وجهتها دول الترويكا أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من تداعيات الأحداث بالسودان، وإجراءت الطوارئ التي تم اتخاذها وزيادة دور الجيش في الحكم بالبلاد. وقال بيان صادر من الممثل الأعلى للاتحاد الخميس، إن قرارات البشير الأخيرة تؤدي إلى "المزيد من التقليص للحريات الأساسية وتقويض الجهد الحالي لحوار سياسي جديد". وأشار إلى أنها "تخلق مناخا للأجهزة الأمنية للتصرف مع الإفلات من العقاب ضد المتظاهرين السلميين". ولفت إلى أن "الحوار السياسي الحقيقي يتطلب بيئة يستطيع فيها السودانيون ممارسة حقهم المشروع في التعبير عن آرائهم"، مضيفا "سيكون هذا ضروريا لخلق التوافق الوطني المطلوب لإيجاد حلول مستدامة لأزمة السودان السياسية والاقتصادية العميقة".