استجابة واسعة حظيت بها الدعوة لموكب "المرأة السودانية" الذي حث عليه تجمع المهنيين وحلفاؤه المؤيدون للاحتجاجات بالسودان، ترجمت في مسيرات نسوية نُظمت بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى الخميس احتفاء بيوم المرأة العالمي في 8 مارس/آذار من كل عام. كان مذاق الاحتفاء بالمرأة في السودان هذا العام مختلفا، فمنذ حلول مارس/آذار الجاري تنادى النشطاء ليكون الشهر خاصا بالنساء، "فنون النسوة هي نون النضال على امتداد تاريخ هذه الأرض، فما نادى فينا منادي الوطن يوما للذود عنه إلا وكانت النساء في مقدمة الصفوف تذود عن حياضه بكل السبل الممكنة"، كما جاء في بيان لتجمع المهنيين وهو يمهد للمواكب لمناصرة المرأة السودانية. عزم التظاهر تقول سارة، وهي شابة في الثلاثينيات من العمر، بينما تنتظر موعد الموكب في الواحدة ظهرا بلهفة للجزيرة نت إنها شاركت في غالب المظاهرات السلمية التي خرجت في الخرطوم ونجحت في الإفلات من الاعتقال بأعجوبة، لكنها أخذت نصيبا وافرا من التنكيل بالضرب والاختناق بالغاز المدمع، دون أن يفت ذلك من عضدها ولا إصرارها على الخروج في كل مرة بحثا عن الحرية والعيش الكريم، كما تقول. ثم تبدي ثقة وهي تحمل في يدها علم السودان، بأن المرأة السودانية هي من ستصنع الفرق خلال الاحتجاجات المطالبة برحيل النظام، "لأن الأذى الذي حاق بالنساء في ظل الحكم الحالي لم يحدث من قبل". "رأيت أمًّا فقدت ابنها برصاص الأمن، وأختا تبكي شقيقها بحسرة تقطع نياط القلب بعد أن سقط شهيدا في احتجاجات أم درمان قبل عدة أسابيع، غير أولئك المعتقلات في السجون دون ذنب سوى دعوتهن للتغيير. فالنساء بلا شك وبفضل الألم الذي يعصرهن في هذه الحياة يمثلن وقود الثورة"، وفق تعبير سارة. رفع العلم رفع العلم السوداني واللون الأبيض ميز غالب التجمعات التي انتظمت بالعاصمة الخميس، فكانت ضاحية بري شرق الخرطوم تمتلئ مع مرور الوقت بالمتظاهرين وسط مشاركة كبيرة من النساء اللائي رددن الهتاف المطالب برحيل النظام مصحوبا بالتصفيق. ورصدت الجزيرة نت زغاريد النسوة وهن يلهبن حماس الرجال والشباب المتجمعين في ميدان رئيسي بمنطقة بري الدرايسة، هاتفات بشعار "رص العساكر رص.. الليلة تسقط بس" و"حرية سلام عدالة.. الثورة خيار الشعب". الجامعة الوطنية وفي موقع آخر من العاصمة الخرطوم، تعرضت عشرات الطالبات بالجامعة الوطنية لهجوم عنيف من قوات الأمن بعد تنفيذهن وقفة احتجاجية خارج مقر الجامعة. وأظهرت مقاطع بثت على شبكة الإنترنت طالبات ملقيات على الأرض وتحاول زميلات لهن إسعافهن بينما لم تتمكن أخريات من حبس الدموع والبكاء بصوت عال. وتقول عضوة المكتب التنفيذي لمبادرة "لا لقهر النساء" تهاني عباس للجزيرة نت إن النساء شاركن في الثورة على مستوى التنسيقيات العليا وعلى أرض الميدان كذلك لأنهن صاحبات "الوجعة" الحقيقية ولأنهن اكتوين سنين طويلة بنيران هذا النظام. وحيت عباس نضالات السودانيات وهن في كدحهن الدؤوب ليأتي اليوم العالمي للمرأة والجميع ينظر -كما تقول- بعين الأمل والفعل "لانتزاع النظام الغاشم" الذي قمع المرأة وحطّ من كرامتنا عقودا طويلة "كنّا فيها الحائط الأقصر لكل انتهاكات النظام وغبنه بعد أن سن القوانين التي تدمر النساء وجنّد ترسانته الأمنية لتنفيذ هذه القوانين". وتضيف "يأتي 8 مارس ولدينا في الحركة النسوية ما لا يقل عن 107 معتقلات داخل زنازين النظام". منازل رائدات ولأن للنساء في تاريخ السودان دورا محوريا منذ سنوات بعيدة، خطط تجمع المهنيين لموكب أم درمان بأن يمر على منازل رائدات شهيرات بينهن الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم أول برلمانية سودانية والقيادية المعروفة بالحزب الشيوعي. كما مر الموكب بمنزل الفنانة المعروفة حواء الطقطاقة، وهي أول فنانة غنت لاستقلال السودان عام 1956، ومع الطوق الأمني الذي تفرضه قوات الأمن لم تتمكن المظاهرة من التوجه صوب منزل مصممة علم السودان السريرة مكي الصوفي بعد أن كان منتظرا أن يتجمع الموكب هناك من ثلاثة مسارات. تقول سوسن الشوية من تنظيم "منسم" -الذي يضم مجموعات نسوية في الأحزاب السياسية والكيانات المدنية- إن السودان يشهد ثورة حقيقية أعطت السودانيين أملا كبيرا وبدلت كثيرا من المفاهيم وسادت فيها روح التعاون والتعاضد وحب الوطن وقبول الآخر، والتف الجميع حول هدف واحد هو "التغيير". ولا تتردد الشوية في إظهار سعادتها بأن يتم تخصيص هذا الخميس للاحتفال ب"الكنداكات، مما يعد اعترافا بدور المرأة في هذه الثورة وإنجاحها". قوة دفع ووفقا لسوسن، فإن هذا العرفان بالجميل يعطي النساء والشابات قوة دفع كبيرة في قيادة عمليات التغيير في السودان خاصة وأننا ننظر لوطن تتحقق فيه المساواة بكل أشكالها. ثم تشير إلى أن الذين خرجوا إلى الشارع هم الذين كانوا على الهامش ولا يتمتعون بأبسط مقومات العيش الكريم في مقابل مجموعة أخرى امتلكت كل شيء وتتعامل مع الوطن كأنه ملك حر. وتقول الشوية إن النساء في السودان وعلى مدى 30 عاما عانين كثيرا من فرض قانون النظام العام الذي يطاردهن في الزي وفي الشارع ولا يرحم البائعات البسيطات حيث لا توجد دولة قانون ولا عدالة لذلك كان الخروج محتوما لتحقيق كل هذه المطالب. وتعرب عن أملها في أن يكون الاحتفال باليوم العالمي للمرأة العام القادم في ظل تغيير شامل تكون فيه المرأة أخذت كل حقوقها بأن يتم إشراكها في الوظائف العامة بنسبة لا تقل عن 40%. المصدر : الجزيرة