المصريون المجندون في عمل أجهزة الأمن يتكتمون في حرص ٍ شديد على طبيعة عملهم أحياناً وفي مبالغةٍ قد تصل الى درجة أن بطاقة خدمة الفرد إذا ما سقطت أمام أي شخص ولوكانت زوجته فإنه يقوم بالإبلاع عن الحادثة من قبيل الإنضباط والخوف تنفيذا للتعليمات المشددة في هذا الشأن وقد يتم نقله فوراً الى وحدة تختلف طبيعة عملها كلياً. ولكن على عكس ذلك النهج نجد أن من يلتحقون بهذا العمل القذرمن شبابنا في السودان يفاخرون به علانية ولا يتورع الواحد منهم عن كشف هويته في أول إحتكاك مع سائق ركشة أو حتى بائعة شاي ..بل وكثيراً ما يتعمد الواحد إسقاط سلاحه الخفيف عن جيبه في الحفلات أو المآتم وكأنه سقط سهواً لينبيء الناس من حوله بهويته التي قد تكون معروفة سلفاً لأصغر طفل في الحي والكل يشاهده وهويعبر الطرقات باستهتار ومباهاةٍ على دراجته النارية الرسمية! كان خالي عليه الرحمة رجلاً موظفاً محترماً ولبيساً مفتوناً بالأناقة كسائر أفندية ذلك الزمن .. وكأن يأتي من مكان عمله في الجنوب بواقع مرة كل شهرين أو ثلاثة فيحرص خلال تلك السانحة مهما قُصرت على تفصيل ملابسه من البدلات الغالية الخامة عند ترزي مصري أخذنا اليه غير مرةٍ في محله الواقع عند شارع السيد عبد الرحمن بالخرطوم وكانت سيارة ذلك الخياط المرسيدس تنم عن وضعية مادية مريحة عكسها أيضا موقع وحجم وديكور دكانه المميز باللافتة المضيئة وتلك الإعلانات اليومية التي تتصدر كبريات الصحف في ذلك الزمان من فترة مايوحيث كنا على أعتاب المرحلة الثانوية العامة التي حلت مكان الوسطى بعد السلم التعليمي سيء الذكر. وحينما دخلنا المراحل الدراسية العليا لاحقا لاحظنا إختفاء لافتة المحل الذي أغلقه صاحبه لاأدري متى ثم غادر.. فتبين كما أعلمنا العارفون بالأمر أن دكان ذلك الترزي المصري لم يكن إلا واجهة لمكتب تابع للمخابرات المصرية ..ولست متأكدة إن كان ذلك بتنسيق مسبق بين نظامي نميري والسادات رحمهما الله .. أم أنه من طرفٍ واحد! قفزت الى ذهني تلك الحكاية القديمة وأنا أتابع فضيحة سلاح العواسة المصري الذي استقدمه جيشنا الحامي لبطوننا ودمنا من أجل بناء أفران لعمل الخبز وما يتبعه من السواطة التي تندرج تحت مهامه التجسسية التي عرف المصريون بنسجها في حينها وتضخيمها في سجلات التاريخ فيما بعد ..على شاكلة بطولات رأفت الهجان التي صوروا فيها بحبكتهم الدرامية الماكرة أن اليهود كانوا حيالهم محض جواسيس مبتدئين في مرحلة الروضة كما جاء في روايتهم تلك التي شغلوا بها المشاهدين لعدة مواسم تلفزيونية. بينما نجد خيبات أمنجية صلاح قوش وهي تفضح نفسها ( بالبُلامة أو لثام تغطية الفم وجزء من الوجه الكالح ) وعناصرها يجوبون الشوارع لقمع المتظاهرين نهاراً جهاراً بالسيارات التي تسير بدون لوحات .. كالمريب يكادُ يقولُ خذوني! ولعل هذا الخطل الأمني المضحك ما جعل السيسي وهورجل ذو خلفية إستخباراتية يسخر من البشير الذي يختلف معه فكرياً هذا أن كان كل ُ منهما لديه فكر أو فهم.. ولكن يجمعهما بالتأكيد عقلية العسكر الديكتاتورية ولانقول عقيدتهما القتالية الشجاعة أو روحهما الوطنية الخلاقة ..فدخل الأول من باب خوف مطلوب الجنائية تلبية لطلبه وطمأنه بأن يرسل له جواسيسه في ثياب الخبازين لترتيب إسكات صراخ مصارين الشارع الذي يعتقدان أنه خرج ثائراً فقط من أجل الرغيف وليس غيره .. وذلك عملاً بالمثل القائل ..كما تصورا (أطعم الفم تستحي العين ).. فتباً للغباء المعجون في مخ الجهالة .