لقد بدأ واضحا في البيان العسكري الذي أعلن فيه الفريق عوض ابنعوف ، وزير الدفاع السوداني المقرب من البشير ، ان الانقاذ لاتزال تحاول الالتفاف على ثورة الشعب السوداني ، ومطالبه بالحرية و التغيير ، حيث قدم في سبيل ذلك قائمة طويلة من الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لعهد جديد ، وحينما وصلت الثورة ذروتها في السادس من ابريل ، نسجت أجهزة السلطة مسرحية هزيلة إختطفت بموجبها الثورة الشعبية التي استمرت لاكثر من ثلاث أشهر ، ورفعت مطالب واضحة في اعلان الحرية و التغيير ، حددت فيه ملامح المستقبل بالنسبة للسودان كدولة تنعم بالديمقراطية و الأمن و الرفاهية و الاستقرار ، بعزيمة ونضالات جيل جديد عبر عن رغباته وتطلعاته عبر الشعارات الثورية التي رفعها في مقاومة القهر و الاستغلال الذي ظل يتعرض له طيلة سنوات الانقاذ التي حرمته من حقه في الكرامة الانسانية . ان اعلان عوض ابنعوف نفسه رئيسا انتقاليا للسودان ، واختيار مجلس عسكري من ذات القيادات العسكرية التي كانت جزء من نظام الانقاذ ، يبرهن على أنه لم يكن اكثر من قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي المنشود في السودان ، وحماية مصالح الجماعة الحاكمة خاصة وانها باتت تخشي محاسبتها علي جملة الجرائم التي اقترفتها في حق الشعب السوداني طيلة العقود الثلاث المنصرمة ، بجانب التغطية على جرائم الفساد وانتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب التي وقعت خلال فترة حكمهم في دارفور ، جبال النوبة و النيل الأزرق وقبلها جنوب السودان ، وقد جاء ذلك بعد فشلهم المطلق في كسر عزيمة المتظاهرين السلميين وترهيبهم بقوة السلاح ، فلجأت لخيارات أخرى جديدة وتكتيكات بديلة تحمي به رأس النظام المطلوب للمحكمة الجنائية . ليس هناك من مناص آخر أمام قوى التغيير في السودان ان تواصل ملحمتها الجماهيرية الي ان تنتج الثورة قياداتها الحقيقية التي تتولي زمام الإمور وبالأخص عملية الانتقال السلمي للسلطة ، فالانقاذ الان تسعي لاعادة انتاج نفسها بصورة شائهة ، بدأت بفرض حظر التجوال وحالة الطوارئ وتعطيل الدستور ، وهي ذات التدابير التي كان قد وضعها الرئيس السابق عمر البشير في خطابه الذي ادلي به في شهر فبراير المنصرم ، غير مدركين بان الشعب السودان خرج في ثورته تلك لتحقيق اهداف واضحة في التغيير و التحول الديمقراطي وإعادة الاعتبار للمواطن السوداني نفسه . ان محاولة الاستخفاف بمطالب الجماهير التي لاتزال تعتصم في الساحات العامة وعدم الاستجابة للمطالب التي رفعها تجمع المهنيين السودانيين عبر ماقدمه من آليات محددة لعملية الانتقال السياسي للسلطة وتنحية كامل نظام الانقاذ ، سيقود الي المزيد من التأزيم في الأوضاع وسيضع مجلس ابنعوف الجديد في محك حقيقي في ظل تنامي الحراك الجماهيري خاصة بعد محاولة قطع الطريق التي قامت بها الانقاذ يوم أمس ، وهي تصر علي مواصلتها في حكم البلاد وحماية رموزه الفاسدة و المطلوبة دوليا . ان اعلان بيان الجيش يمثل مرحلة جديدة قد تشهد تحولات كبيرة في الشارع السوداني وعلي المحيطين الاقليمي والدولي ، بعد ان حذرت اطراف دولية ومنظمات عديدة من اي محاولة لعرقلة عملية الانتقال السياسي في السودان ، فالمجلس العسكري بتجاهله لمطالب قوي اعلان الحرية و التغيير باعتبارها المحرك الرئيسي للشارع السوداني في هذه المرحلة ، خاصة تجمع المهنيين السودانيين الذي يمتلك زمام المبادرة الميدانية ، سيضع نفسه امام امتحان صعب وعسير ، لان المطالب باسقاط النظام ستستمر ، نظام الانقاذ الثاني الذي يقوده حاليا عوض ابنعوف ومجلسه العسكري ، فالسودانيين قد تعلموا الدرس في انتفاضة ابريل 1985 ، واعتقد انه لن يسمح بتكرار ذات الخطأ للمرة الثانية ، بعد ان قدم نموذجا فريدا في الاحتجاج السلمي الطويل ، وهو على استعداد لمواصلة ذات المشوار الي ان تنجح الثورة في تحقيق اهدافها المنشودة.