العبارة ليست من بنات الأفكار المهزومة للذين هتفوا عائد عائد يا بشير نعيقاً بحناجر الوهم وهم يتباكون على زوال رغدهم المسروق ..حينما تدافعوا نحو الرجل الذي يئن تحت أثقال حزنه المزدوج على فقد سلطته ورحيل والدته التي نتمنى لها الرحمة والغفران من لدن العزيزالعليم . فهي عبارة تعيدنا أصداؤها القديمة الى أحداث يوليو عام 1971حينما رددتها الجماهيرالمايوية فرحاً برؤية الرئيس المعزول الراحل اللواء أركانحرب وقتها جعفر محمد نميري وهي تتناوله من أعلى حائط القصر الجمهوري الذي غادره هارباً من محبسه على وقع أصوات جنازير وهدير الدبابات التي تحركت لدحرإنقلاب رفاقه السابقين في مجلس قيادة الثورة و ضباطهم داخل الجيش الذين إستولوا على السلطة لمدة ثلاثة ايام أعقبتها عودة نميري الذي أسال من الدماء بحوراً بررها برده على ما فقدته البلاد بالمقابل من دماء حملها لمن طارت رؤوسهم بالمشانق من المدنيين ومن مزقت النيران أجسادهم من العسكريين ! وهي كلها دون شك نكسات في مسيرة الأوطان تخلفها طموحات العسكر والسياسين الذين يشكلون روافعا لطموحاتهم الكارثية تلك . فمن هتفوا لعودة نميري مع مراعاة فوارق الزمن و المعطيات والدوافع من أبناء هذا الشعب الطيب في غمرة العاطفة اللحظية هم من دفعوا لاحقا ثمن تلك العودة غالياً حيث نفخوا في ثياب الرجل العسكرية الفضفاضة الأحلام والذي لم يلبث أن طفق يتلون حسب أهواء المراحل لتطويل عمر نظامه حتى التقطته مصيدة ذات الذين نفخوا في أوداج البشيرلينقض على سدة الحكم حيث التقى النظامان عقب فسحة سنوات قليلة من الديمقراطية الكسيحة لينتهي البشير بعد ثلاثين عاما من تدمير أحلام الوطن كلها سجينا لايسمح له أبناء نظامه المجبرون على خلعه بتنسم الهواء خارج محبسه إلا مأخوذا الى المحكمة إن هي صحت المسرحية أولإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان والدته . ومع ذلك فهنالك من يريدون عودته سواء هارباً من حراسه في لحظة أساهُ الذاتي أو بإنقلاب لازال حلمهم يراود خيالهم المريض وقد أعمت بصائرهم غلالات الدمع على سوء منقلبهم وحادت بصائرهم الغبية عن رؤية ملايين الثورة التي لفظهم زمانها في كل شوارع وساحات الوطن بلا عودة ..إلا عودة سفاحهم الحزين الى محبسه ليكمل نوبة بكائه ويردعليهم الى أين تريدونني أن أعود مرة أخرى و أنتم من رميتموني في هذه الورطة ! محمدعبدالله برقاوي [email protected]