واصلت كل من الجبهة الثورية ووفد ممثل عن قوى الحرية والتغيير السودانيين، سلسلة مشاوراتهما التي تدور بالقاهرة منذ الأحد الماضي، قصد الوصول إلى تفاهمات جذرية بشأن ما يجب أن تتضمنه صيغة السلام المضمنة بوثيقة الإعلان الدستوري، وتدفع الاجتماعات التي تحتضنها مصر إلى تكثيف المساعي لاحتواء الجبهة الثورية التي تضم ثلاثة فصائل مسلحة، وذلك لتجنّب القضاء على حلم السلام في السودان، خاصة في ظل تواتر المعطيات التي تؤكّد أن بعض القوى الإقليمية وتحديدا تحاول التدخل في هذه العملية السياسية وتحديدا في علاقة بقيادات الجبهة الثورية لإفشال العملية السياسية في السودان برمتها. وواصلت السلطات المصرية لليوم الثاني على التوالي رعايتها لاجتماعات السودانيين وتحديدا بين الجبهة الثورية ووفد ممثل لقوى الحرية والتغيير، لتذويب الخلافات السياسية بين الجانبين وفتح الطريق للتوافق حول صيغة السلام المطلوب تضمينها في وثيقة الإعلان الدستوري قبل التوقيع النهائي عليها في 17 أغسطس الجاري. وكشفت مصادر سياسية ل"العرب" أن طرفي التفاوض شكلا لجنة مصغرة في القاهرة تضم ستة أعضاء، (ثلاثة لكل طرف) انخرطت في مشاورات حول نقطتين رئيستين، هما تعديل المادة 69 من الوثيقة الدستورية التي تسود على كافة اتفاقيات السلام، والثانية ترتبط بذكر "الجبهة الثورية" داخل الإعلان بشكل واضح وصريح باعتبارها ممثلا للحركات المسلحة. تعتبر الجبهة الثورية هذه المادة "معيبة في حق قضايا السلام، وتوصد الباب أمام تحقيقه، وتعتبر أي مفاوضات ستكون مثل الحرث في البحر". في المقابل، ترى قوى الحرية والتغيير أنه تجوز قانونا إضافة بنود جديدة أو ملحقة على الوثيقة، ومن غير المنطقي حصر الفصائل المسلحة في ثلاث حركات مسلحة، هي أعضاء الجبهة، بينما ثمة قوى أخرى لم تنخرط في الجبهة أو الحرية والتغيير. وقال القيادي بالجبهة أسامة سعيد، وهو أيضا ناطق باسمها، في تصريح ل "العرب"، إن الجبهة تطالب بوضع وجهة نظرها في الوثيقة للتأكيد على سيادة اتفاقيات السلام التي سوف توقع لاحقا، في حال تعارضها مع نصوص الوثيقة الدستورية. وأوضح أن الجبهة ترفض خضوع رؤية السلام المتوافق عليها لتصويت البرلمان وفقا للمادة 8 من الباب 16 من الوثيقة والتي ترهن أي تعديلات عليها بموافقة ثلثي البرلمان الذي تأجل تشكيله إلى نحو ثلاثة أشهر. وردت قيادات في تحالف الحرية والتغيير على هذه النقطة الأخيرة بأن ذلك يمثل "استباقا للأمور ويعبر عن هواجس في غير محلها، فلدى التحالف نسبة 67 بالمئة من أعضاء البرلمان المنتظر، ما يعني أنه يملك وحده الثلثين لإجراء أي تعديل متوقع، ولا داعي للخوف من هذه المسألة، لأن إثارتها تؤكد عدم الثقة". وشدد عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي البارز في قوى الحرية والتغيير، لوكالة أنباء (أ.ش.أ) المصرية الرسمية، على أهمية أن تكون الأولوية لقضية السلام في السودان، وأن تسير جنبا إلى جنب مع عملية التحول الديمقراطي في البلاد. وعلمت "العرب" أن اجتماعات القاهرة قد تمتد إلى يوم آخر (حتى الثلاثاء) أو أكثر، حال جرى التوافق على النقطين السابقتين، وأن الطرفين لديهما موقف معلن من تلك المشاورات بعد التواصل مع جميع المكونات التابعة لكل جانب في القاهرة وخارجها. وقبلت الجبهة الثورية دعوة وجهها سيلفا كير رئيس جنوب السودان لزيارة جوبا (الاثنين) وإجراء مشاورات جديدة لحل الأزمة مع قوى الحرية والتغيير، غير أن موعد الزيارة وتلبيتها مرهونان بما يجري في القاهرة، وما إذا كانت ستحقق اختراقا فعليا أم لا. ولدى مصر علاقات جيدة مع دولة جنوب السودان التي تستضيف قيادات في الجبهة الثورية، ما يمكنها من تليين موقف الحركات المسلحة من تشكيل الحكومة المدنية، حيث طالبت الجبهة بتأجيل هذه الخطوة لشهر أو شهرين، يمكن خلالها التفاهم على الخطوط العريضة للسلام الشامل، وتحسم مسألة المشاركة فيها من عدمه. ولم تستبعد الجبهة الثورية، حال عدم تحقيق أهدافها، أن تفعّل قواعدها الجماهيرية التي قالت إنها تبلغ نحو أربعة ملايين نسمة، للخروج في تظاهرات تندد بعدم تلبية مطالبها، ما يفتح الباب للمزيد من التراشقات في الشارع ودخول قوى وأحزاب من النظام السابق لتخريب العملية السياسية، وهو ما يمنح اجتماعات القاهرة جدية كبيرة. وأكدت زحل محمد الأمين، أستاذة القانون الدستوري بجامعة النيلين بالخرطوم، أن مفاوضات القاهرة لا يمكن فصلها عن تاريخ الخلافات بين الحركات المسلحة والقوى المدنية في السودان، بالتالي فالوصول إلى اتفاق حاليا "أمر صعب للغاية". وأشارت ل"العرب" إلى أن هذه الاجتماعات قد تشتت جهود السودان الذي من المفترض أن يستعد للتوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية الأسبوع المقبل، ما يجعلها إجمالا تفتقد إلى الرضاء الشعبي، ويفرض قيودا سياسية على مهمة وفد الحرية والتغيير في التفاوض. وسادت أجواء من عدم التفاؤل بشأن اجتماعات القاهرة، عندما أعلن وفد الحرية والتغيير مع بداية وصوله إلى مصر أنه ليس مخولا بالتفاوض مع الجبهة الثورية وجاء للاستماع لرؤيتها بعد تصاعد الأزمة، وهو ما يفيد، حسب رؤية الجبهة، أن الوفد "تنويري ويفتقد الإرادة السياسية، ومن الصعوبة أن يقطع بالتزامات محددة". لكن زحل الأمين أضافت في تصريحات ل"العرب" أن القاهرة تسعى للتوصل إلى تفاهمات أساسية تكون نواة لإقرار السلام بعد التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية، وتدرك أن عودة عقارب الساعة إلى الوراء أمر مستحيل، وتكمل، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، ما قامت به لجنة الوساطة الأفريقية- الإثيوبية. ولفتت زحل إلى أن السودان يخشى تدخلات محاور إقليمية على خط الأزمة بين الحركات المسلحة والقوى المدنية، وأن البعض ينظر بعين الريبة إلى التصريحات والبيانات التي تصدر من قادة في الجبهة الثورية عقب كل اتفاق يجري الوصول إليه. ويقول متابعون للملف إن هناك قيادات في الجبهة الثورية على علاقة وثيقة بدولة قطر، وأن هؤلاء لا يريدون نجاح العملية السياسية في السودان، ويسعون لمنع تهميش القوى الإسلامية القريبة من الدوحة خلال الفترة المقبلة.