دعت قوى الحرية والتغيير (قحت) الجماهير الى الخروج في مواكب حاشدة اليوم الخميس 12 سبتمبر، في جميع المدن، على أن تتوجه مواكب العاصمة المثلثة الى القصر الجمهوري وذلك للمطالبة بتعيين رئيس للقضاء وآخر للنيابة العامة. ولكن لماذا تسير المواكب الى القصر الجمهوري حيث مجلس السيادة الذي لا يملك صلاحية إصدار قرارات، وليس إلى مجلس الوزراء صاحب القرار والسلطة التنفيذية بمقتضى أحكام الوثيقتين السياسية والدستورية؟ أليست هناك الآن حكومة مدنية يفترض أنها تمثل الثوار ومناط بها تحقيق مطالبهم؟ واقع الأمر هو أن قحت دعت للمواكب لاستدراك الخطأ الذي وقعت فيه بإغفال امتلاك حق تعيين رئيسي القضاء والنيابة عند التفاوض مع المجلس العسكري، وترك الأمر للمجلس الأعلى للقضاء وهو كيان غير موجود، ثم حاولت ممارسة الفهلوة بترشيح مولانا عبد القادر محمد احمد لمنصب رئيس القضاء، فرفضه العساكر لأنه كتب مقالا قبل ترشيحه يهاجمهم فيه، ولم تستطع قحت الاحتجاج على الرفض، لأنه لم يكن هناك نص أو اتفاق ملزم يعطي قحت حق الترشيح لذلك المنصب. وتكمن المشكلة في أنه لا قحت ولا مجلس السيادة يملك حق تعيين رئيس القضاء، وبات معلوما ان رئيس القضاء الحالي المقرر ان يرحل عن منصبه، قام بترقية أكثر من أربعين قاضيا الى المحكمة العليا، مما يعني انهم سيشكلون مجلس القضاء الذي سيختار رئيسهم الجديد، وبما ان الهيئة القضائية، وعلى ذمة العديد من القضاة الحاليين والسابقين، "مكوزنة بشدة" فليس من المستبعد ان يختار قضاة المحكمة العليا الجدد كوزا مكشوفا أو مستتراً. ما الحل؟ الإجابة التي تطرحها قحت هي ان "الحل في البل"، وبالتالي دعت الى موكب اليوم الخميس 12 سبتمبر لتمارس جماهير الثورة الضغط على من؟ على عساكر مجلس السيادة كي يقبلوا بمرشح قحت رئيسا للقضاء، وبالفعل فلا حل إلا بالبل ولا معنى للطم الخدود وشق الجيوب، والبكاء على اللبن المسكوب، لأن قحت قصّرت في هذا الأمر أو ذاك، فرغم أن قحت تحظى بتفويض من الثوار لإدارة أمور الحكم الانتقالي إلا أن السلطة الحقيقية بيد الشارع الثوري، والخروج في موكب اليوم فرض عين ثوري ليس من أجل عيون قحت بل من اجل عيون الثورة والوطن. ومن هنا تأتي ضرورة أن تبقى لجان المقاومة في الأحياء متماسكة وفعالة وديناميكية، وأن تستعد لمعركة البرلمان، فتشكيل مجلسي السيادة والوزراء خضع في غالب وجوهه لمفاوضات برعاية وسطاء، وحوارات بين عسكر مجلس السيادة وقحت، وثوار شرفاء كثير ليسوا راضين عن تركيبة المجلسين، ولكنهم مثل معظم الثوار متعاهدون على مساندة حكومة حمدوك، لأنها وفي التحليل الأخير أهم أشكال السلطة المدنية التي دفع الثوار ثمنا لها الدم والعرق والمال، وبقي الركن الأساسي في السلطة المدنية وهو المجلس التشريعي (البرلمان) الذي يملك صلاحية الرقابة على مجلس الوزراء ومحاسبته ويملك سلطة سحب الثقة من الوزراء ومن الحكومة "ذات نفسها". وعلى لجان المقاومة وهي عصب الثورة الحقيقي أن ترصد بدقة الترشيحات لعضوية المجلس التشريعي لضمان أن يكون ثلثا العضوية المخصصة لقحت فيه من الشباب، (قحت لديها ثلثي أعضاء المجلس) فلو كان منطقيا أن يكون عدد العواجيز كبيرا في مجلس الوزراء لأن عضويته تتطلب خبرة واسعة في هذا الشأن أو ذاك، فلا شيء يستوجب شحن البرلمان بالعواجيز، وفي جميع أنحاء العالم تدخل وجوه جديدة البرلمانات، وتثبت جدارتها وتصعد الى أعلى (سيبستيان كرز صار مستشار "رئيس" النمسا وعمره 31 سنة، وجاسيندا آرديرن صارت رئيسة وزراء نيوزيلندا وعمرها 37 سنة وماكرون صار رئيساً لفرنسا في عمر ال39)، فما الذي يمنع النابهين من الثوار ما فوق ال25 من العمر من دخول البرلمان لضمان ان يكون قلب الثورة النابض وعينها التي لا تغمض؟ قوموا لثورتكم اليوم وسيروا الى القصر حتى النصر، (وأظن أنكم أصلا خرمانين للمظاهرات) متذكرين ان مواكبكم المليونية هي التي انتزعت انتصاراتكم التي تحققت حتى اليوم، وأن المشوار ما زال طويلا، ولكنكم جيل العطاء، ولعزمكم "حتما يذل المستحيل وننتصر/ وسنبدع الدنيا الجديدة وفق ما نهوى/ ونحمل عبء أن نبني الحياة ونبتكر.