من أساليب التدريب في كرة القدم التي كانت سائدة في الماضي أن يقوم المدرب بقسم فريق الكرة الأول إلي فريقين بكل منهما ستة لاعبون ويجري مباراة ساخنة بينهما في الملعب الفسيح. وقد ذكرتني مليونية استقلال القضاء بتاريخ الأربعاء 11 /9 بهذا التكتيك فقد شاركت السيدة عائشة موسي – عضو مجلس السيادة في مليونية استقلال القضاء عن فريق قحت (أ) – وهو التيم الذي يضم لجان المقاومة وعائشة موسي واستلم المذكرة د صديق تاور عن تيم قحت (ب) وهو ما يعرف بحكومة السودان ويشمل هذا الفريق أعضاء مجلس السيادة المدنيين – عدا السيدة عائشة موسي – ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء. كانت مطالب تيم قحت (أ) تعيين القاضي عبد القادر محمد أحمد حجو المفصول قبل ثلاثين عاماً رئيساً للقضاء والمحامي عبد الحافظ محمود نائباً عاماً. وقد كان التمرين حامياً واستخدمت فيه الغازات المسيلة للدموع وشيء من هراوات قليل وكجر وكر وفرّ وكانت النتيجة ثلاثين إصابة طفيفة. هذه المليونية تعتبر بالونة اختبار بين تيم قحت (أ) و (ب)، فالحزب الشيوعي وهو كوتش تيم (أ) يريد أن يثبت أنه ما زال يملك الشارع ويتحكم في لجان المقاومة. أما تيم قحت (ب) فيريد أن يؤكّد أنه يمسك بأدوات الدولة ومفاتيحها ولن يتواني في استخدام العنف القانوني ضد الفوضي والتفلتات. وقد بيّنت الوثيقة الدستورية الهادية للفترة الانتقالية أن رئيس القضاء يتم تعيينه بواسطة مجلس القضاء العالي وذلك لحماية استقلالية هذا المنصب الحسّاس. والسؤال لقحت (أ) هل تعيين رئيس القضاء بمظاهرة تتكون من لجان الأحياء يؤدي لضمان استقلال القضاء؟ كما أنه من سخرية الزمان أن مولانا عبد القادر حجو قد فصل في عام 1989 لاحتجاجه علي تعيين القاضي جلال علي لطفي رئيساً للقضاء ولقيام رئيس الجمهورية بالتعيين وليس مجلس القضاء العالي! وسبب احتجاج مولانا عبد القادر أن المرحوم جلال علي لطفي كان قد ترك القضاء قبل ذلك التاريخ بعشرين عاماً. ولقد فات علي مولانا حجو أنه قد مضت ثلاثون حجة منذ أن غادر منصة القضاء. وإليكم هذا الاقتباس من مذكرة مولانا عبد القادر التي بعث بها للسيد رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني – فقد ذكر في النقطة الرابعة -احتجاجاً علي تعيين رئيس للقضاء بدون الرجوع لمجلس القضاء العالي ما يلي: "ان تتولى السلطه القضائيه ممثله فى مجلس القضاء العالى تعيين القضاة وترقياتهم ومحاسبتهم وفصلهم وفقا لقانون السلطة القضائيه ، كما تتولى مهمة اجازة ميزانيتها ، واذا كان ذلك يحدث فى شكل توصية لرأس الدوله الا ان دوره لا يخرج عن كونه دورا سياسيا بحتا وباعتبار ان له سلطة الاشراف العام ." انتهي الاقتباس والأعجب أنني عندما أقرأ ما كتبه مولانا عبد القادر حجو في الاحتجاج علي تعيين القاضي جلال علي لطفي بواسطة ثورة الإنقاذ في عام 1989 فهو كأنما يتحدث عن نفسه في عام 2019 – فقد قال في مذكرته: "لقد جانبكم التوفيق يا سيادة الرئيس حتى فى اختيار الشخص المناسب لشغل هذا المنصب فمع احترامنا للسيد جلال على لطفى كرجل من رجال القانون الا انه ترك مهنة القضاء قبل حوالى عشرين عاما وبالتالى يستحيل عليه ان يسوس امور هذا المنصب الحساس عن علم ودرايه" – انتهي هذا الاقتباس وهذه الحجة المنطقية كافية بنفسها أن يخرج مولانا عبد القادر محمد أحمد لهذه الجموع التي تهتف باسمه رئيساً للقضاء ويقول لهم: "أشكركم يا أبنائي علي ثقتكم فيَّ ولكنني لن أقبل لنفسي ما استنكرته علي زميلي المرحوم جلال علي لطفي قبل ثلاثين عاماً" ولو فعل ذلك لاستحق الاحترام من معارضيه قبل مؤيديه. ولكن كيف بمولانا عبد القادر محمد أحمد حجو يحتج بحجج في عام 1989 وتنطبق عليه نفس هذه الحجج بعد ثلاثين عاماً؟! ويذكرني ذلك بالشاعر أبي الأسود الدؤلي حين يقول: وإذا عتبت علي السفيه ولمته في مثل ما تأتي فأنت ظلوم لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم ونربأ بمولانا عبد القادر أن يكون ظلوماً أو أن يوصف بالعار وهو الذي ناله من قول الحق ما ناله ولكني أذكّره بأنه ليس كل حق يقوله المرء يرجو منه نوالا، وسوف يثبت لك التاريخ كلمتك التي قلتها في وجه السلطان ذي الشوكة في زمن عزّ فيه قول الحق وهذا يكفيك فخراً ونحن كمشاهدين لهذه المباراة الممتعة بين الفريقين نريد أن نستعرض بعض الحقائق: أولاً: هل سوف تدار الدولة بالشارع في الفترة الانتقالية أم بالوثيقة الدستورية؟ أسأل هذا السؤال وقد أكّدت السيدة عائشة موسي والدكتور صديق تاور أنهم سيرضخون لمطلبي المتظاهرين بتعيين رئيس القضاء والنائب العام ؟ ثانياً: أري أن المطالب بتعيين رئيس القضاء والنائب العام شبيهة بمطلب المعتصمين يوم 12 /4 بإعفاء الفريق أول ابن عوف وصلاح عبد الله قوش من رئاسة وعضوية المجلس العسكري الانتقالي حيث تمت الاستجابة للمطلبين في نفس اليوم وكذلك ما تلي ذلك من مطالب بإعفاء الفريق عمر زين العابدين والفريق جلال الدين الشيخ الطيب والفريق شرطة الطيب بابكر بعد أسبوعين من ذلك التاريخ وأدت تلك المطالب لاستقالة الجنرالات الثلاثة من مناصبهم. فهل تعني هذه المليونية عودة نهج لي الذراع مرة ثانية؟ وهل سيتوقف هذا النهج إذا تمت الاستجابة لهم في هذه المرة؟ أم سوف يعودون للمطالبة بإعفاء الوزير الفلاني أو عضو السيادة الفلاني أو رئيس مجلس الوزراء أو مجلس السيادة؟ لا أعرف الإجابة علي هذا السؤال ولكني لا أظن أن الاستجابة لمطالب المحتجين سوف تضمن عدم عودتهم للاحتجاج بل أعتقد أنه إذا تمت الاستجابة في هذه المرة لمطالب السانات والراستات والناس الواقفين قنا فسوف يكون منهج الاحتجاجات والمظاهرات هو المنهج المفضل والدسيس لإدارة الفترة الانتقالية. ثالثاً: نحن كمشاهدين لهذه المباراة يهمنا أن نضبط حالات التسلل بين الفريقين ولقد ضبطنا السيدة عائشة موسي في حالة تسلل واضح وصريح ويستدعي إعطاءها البطاقة الحمراء فهي ما دام يستهويها أسلوب المظاهرات والاحتجاجات فمن الأنسب لها أن تلعب مع تيم قحت (أ) – وتخيّلوا معي لو أن السيدة عائشة كانت هي التي قامت بتسليم مذكرة المتظاهرين للدكتور صديق تاور فلكان ذلك إحراز هدف في مرمي فريقها مع سبق الإصرار والترصد. ويبدو أننا موعودون بمباريات ممتعة من فريقي سداسي قحت (أ) و (ب) في مقبل الأيام ونتمني للشعب السوداني المكلوم في ثورته مشاهدة ممتعة. بابكر إسماعيل