لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عوو..ووك لدكتور حمدوك ووزير ماليته (3)
د.حافظ عباس قاسم
نشر في الراكوبة يوم 25 - 09 - 2019


الجهاد الاكبر ومليونية التخطيط المركزي المستدام
-في البداية لابد من التعبير اصالة عن نفسي ونيابة عن جماهيرنا الثائرة عن خيبة الامل الكبيرة والاسف الشديد لعدم اعلان قيام جهاز قائم بذاته للتخطيط المركزي والقومي بديلا عن استمراره كادارة هامشية وتمومة جرتق لاسم وزارة المالية ، خاصة وان لا علاقة بينهما البتة ، حيث ان الفرق شاسع بين العقلية المالية القابضة التي تركز علي الحاضر والعقلية التخطيطية المبسوطة التي تتعامل مع المستقبل . كما وان ليس من العسير ملاحظة الفرق في تفكير كل من يعمل ويتعامل مع الشأن المالي وتفكير من يعمل ويتعامل مع الشأن التخطيطي . فالمالي بوصفه خازنا للمال يهتم بتكديس الايرادات والتقتير في الصرف وتحقيق التدبير المالي ، هذا بجانب التركيز علي الموارد الفعلية والاعتماد علي المؤشرات المالية والنقدية فقط ، بل ان عمل الماليين انفسهم وان لم يحصن بالمتابعة والتقييم وتخطيط السياسة المالية والنقدية ، فستنتهي الامور حتماالي العديد من الظواهر التضخمية او الانكماشية . وفي الوقت الذي يسعي المخطط لصرف اي فوائض وموارد ليس فقط المتاحة وانما ايضا الكامنة(الممكن خلقها ) واستخدامها لتوسيع دائرة النشاط الاقتصادي وتسريع وتائره مستقبلا لتحقيق فوائض اكبر وتوفير موارد اكثر للتوسع في التنمية . ولانهم يستهدفون استدامة التنمية يدرسون ويحللون جوانبها المختلفة من مادية ومالية ثقافية وانسانية ويركزون علي كل من العنصر البشري والزمن والبيئة ،كما ان عملهم لا ينحصر فقط في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ومكوناتها الداخلية ، بل يتسع ليشمل ويغطي القطاع الخارجي ومكوناته .ولانهم يتعاملون مع كل من الحاضر والمستقبل وينشدون الاستدامة ، نجدهم يعتمدون علي سلسلة واسعة من مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي في تنوعها وتوليفاتها المختلفة . ولذلك اعتقد انه من المسئ والمحبط جدا للثوار ان تكون التنمية وخطتها ملحقا ماليا يضاف للموازنة العامة ، وان يكون نصيبها من التمويل ما يتبقي من موارد بعد تلبية الاحتياجات الجارية للموازنة العامة هذا ان تبقي بعض الفتات ، ومن ثم التمويل بالعجز من البنك المركزي وبضمان صكوك التنمية او عن طريق القروض الاجنبية . والصحيح هو ان يحدث العكس ، وذلك لان من اهم معوقات نهضة البلاد في الماضي هو سيادة الموازنة العامة السنوية للدولة والدور القائد لها ، ليس لانها تقوم فقط علي (البنود) ولكن حتي (موازنة البرامج والاداء) نفسها وان ذوقت بالتخطيطية من باب الخداع والتحايل والهروب من احداث الانقلاب المطلوب ، بأن تكون الخطة القومية والمتكونة من خطط لكل قطاع انتاجي او خدمي ومالي بما في ذلك الادخار والاستثمار والتمويل والتوزيع والتداول والاستهلاك هي الاساس والقائد والسيد، وان تنطلق وتخضع كل الخطط القطاعية منها ولها ، بما في ذلك الموازنة العامة نفسها ، حتي يمكن ضمان التنسيق والاتساق والاستمرار والتواصل . والخطة المالية العامة نفسها والتي تتشكل من موازنات الدولة واقاليمها والبنك المركزي والجهاز المصرفي ، وتحتوي وتشتمل علي كل وسائل الدفع المحلي وموازينه ، ووسائل الدفع الخارجي خاصة النقد الاجنبي وموازينه ، يفترض بالضرورة ان تكون جزءا لا يتجزأ من الخطة القومية كغيرها من الخطط القطاعية المختلفة .

– في الوقت الذي اتفق فيه معكما علي البرنامج الاسعافي لتنفيذالاهداف العاجلة والمهام السريعة التي لا تقبل التأجيل والتأني، وعلي الخطة ذات الامد الزمني الاطول للتعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية والخدمات الاخري والتي تحتاج لوقت اطول ، اعتقد اننا لن نختلف في ان كلا البرنامجين الاسعافي والخطة قصيرة المدي لن يكتب لهما النجاج ان لم يتأسسا وينطلقا ويكونا جزءا لا يتجزا من خطة بعيدة المدي ،والتي تستهدف انجازالمشروع الوطني الديمقراطي بكل جوانبه وتفاصيله واحتياجاته ومتطلباته . وان كنا من ناحية اخري سنحتاج وعلي وجه السرعة لموارد عاجلة لتحقيق اهداف كل من البرناج والخطة فاننا سنحتاج لموارد اكثر وزمن اطول للتحضير والانطلاق في معارك تصفية التخلف والتبعية ، ومظاهرهما المختلفة من التنمية غير المتوازنة والتهميش ، والفقر والمرض والجهل والامية خاصة الرقمية ، وكلها اشياء لا ولن تتحقق الا بالتخطيط المركزي والبعيد المدي والمبني علي الدراسة والبحث ، وتوفير المعلومة والتحليل والمتابعة وتقييم النتائج . واذا ما كان المبرر للنجاح في اي معارك عسكرية او مدنية بما في ذلك عمليات القضاء علي الذباب والباعوض ،هو الدراسة العميقة للاوضاع وتقدير الموقف ، وحشد الموارد ووضع الخطط المحكمة ذات الابعاد الزمنية المحددة ، والملزمة في نفس الوقت بعد توفير كل متتطلبات ووسائل النجاح ، فهل هناك قضية اهم ومعركة اكبر من تصفية التخلف وانهاء التبعية للخارج وتحقيق التقدم الاجتماعي-الاقتصادي والاستقلال السياسي ، هذا بالاضافة الي ان يتحقق ذلك في نفس الوقت باقل التكاليف والخسائر وفي اقصر مدي زمني ممكن . ولان علينا ان لا ننسي ان المعارك ستتري وتتواصل وان الحملات ستتسع وتستمر لأن القضاء علي التهميش والفقر والجهل والمرض والمحافظة علي البيئة والامن الاجتماعي تدخل ضمن الاستراتيجيات بعيدة المدي ، فالسؤال لكل من دعاة حرية السوق والياتها من عرض وطلب ويد خفية واسعار وانصار مؤسسات بريتون وودز ، عن ان ما كان لديهم غير الانتظار لتحقيق تلك الاهداف وبلوغ تلك الغايات بمرور الزمن ، وتحمل ما ينتج عن ذلك من معاناة والام واهدار للموارد وخسائر ناهيك عن تسريع عملية تحقيقها !؟!

– وهنا دعونا نقر ونقرر بأن عدم اتباع مناهج التخطيط واستخدام اساليبه ،لا يعني بأي حال من الاحوال غيابه ، ولكن هيمنة أنواع من التخطيط الردئ والسئ وسيادة العشوائية ، غير ذلك فان ظروف واحوال السودان الحرجة والمعلومة للقاصي والداني ،تفترض ضرورة قصوي واهمية فائقة لانتهاج مناهج واساليب التخطيط الاجتماعي-الاقتصادي المركزي والشامل (بعيد المدي)( والمتواصل)(والمستمر). واننا وبفضل الثورة ومضمون شعاراتها واهدافها الطموحة ، مطالبون اكثر من اي وقت مضي وفي عصر التقدم التكنولوجي والتنافس الشديد بين الدول ، بنبذ العشوائية والحظ والصدفة في ادارة امورنا المختلفة ، وما يعني ذلك من خسائر وتكاليف لجبر الاضرار التي تحدث بسبب شيوع منهج المحاولة والخطأ واعادة المحاولة وتكرار ذلك . فضلا عن ان هناك العديد من القضايا المصيرية والتي لا يجدي معها منهج المحاولة والخطأ ولا تستحمل التجريب واهدار الموارد والخسائر ، لانها تحتاج لاماد زمنية طويلة وتتطلب موارد كثيرة وامكانيات كبيرة نادرة وغالية الثمن .

والسؤال هنا بالضرورة ،اللهم الا اذا كان ذلك ممنوعا ، هو عن اذا ما كان انجاز كل ذلك لا يتطلب وعلي وجه السرعة انشاء جهاز قومي للتخطيط الاجتماعي-الاقتصادي وبصلاحيات وسلطات نائب رئيس وزراء للمسؤول الاول عن شقيه (مركز الدراسات والبحوث والجهاز التنفيذي ) ، وان اهمية ذلك تأتي في المرتبة الثانية لمفوضية السلام ان لم تكن مساوية لها ، خاصة وان ذلك يعضد ويسرع ويضمن نجاح عملية السلام وتوابعها من نزوح ولجؤ واغاثة وتوطين وتعمير وتنمية وتعايش سلمي وامن اجتماعي واستقرار السياسي علي كل من الاماد القصيرة والمتوسطة والبعيدة .

باسقاط نظام الاستبداد والفساد والكساح الاقتصادي والشلل الاجتماعي ينتهي الجهاد الاصغر وتبتدي مرحلة الجهاد الاكبر والذي سيتمثل في انجاز كل من الثورة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية والبيئية ، وان ذلك سيحتاج الي اضعاف اضعاف ما احتاجته عملية اسقاط النظام من تضحيات وبذل وعطاء مما يتطلب الحشد والتعبئة والتنظيم والتنسيق ، خاصة وان عملية البناء لا يمكن مقارنتها باي حال من الاحوال بعملية الهدم . كما وأن المرحلة الثورية الحالية التي يمر بها ويعيشها السودان الآن تعتبر كآخر فرصة أمام السودانيين ومنذ الاستقلال لصنع دولة محترمة باقتصادها ومجتمعها ومستقرة في سياستها وامنها يباهون بها الأمم او نسيان ذلك الحلم والتخلي عن تلك الطموحات القومية وإلى الأبد. الشئ الذي يفترض نبذ التجريب ووداع الصدفة والعشوائية والحظ والاعتماد علي الرؤية الاستراتيجية وانتهاج التخطيط العلمي . فتجارب الدول الاخري التي حققت العديد من الانجازات الضخمة والعظيمة في مجال تعمير وبناء بلادها والنهوض بشعوبها تؤكد وتؤيد اهمية وضرورة انتهاج التخطيطالقومي والمتواصل والمستمر لتعبئة وحشد الموارد واختصار الزمن والقفز علي المراحل بتحديد الزمن والاماد المطلوبة، وتنظيم الاسبقيات وترتيب الاولويات وتحقيق اتساق الخطط والتنسيق بينها، ووضع ذلك موضع التنفيذ ، واستكماله بالمراقبة والمتابعة وتقييم النتائج لتصحيح الاخطاء وسد الثغرات ومعالجة الاختناقات .هذا ومن المعروف تاريخيا ان المانيا الغربية اعادت تعمير ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبروزها كقوة اقتصادية كبري بالاعتماد علي خطة مشروع مارشال ، وان كل من روسيا لينين وصين ماوتستونق وهند نهرو ومصرعبدالناصر وعراق صدام وكوبا كاسترو قد حققت ما حققت من انجازات اعتمادا علي التخطيط المركزي بعيد المدي ، هذا بالاضافة الي انتهاج كل من البرازيل وماليزيا وجنوب افريقيا واثيوبيا ورواندا وبتشوانا اسلوب التخطيط العلمي وانشاء اجهزة التخطيط المركزي . والسودان نفسه كان يمكن ان يكون له شانا اخرا لو خير له ان ينفذ خطته الخمسية1971/70-1975/74، لولا ان حدث ما حدث من قبل مصر السادات وليبيا القذافي ومن تبدلات في نظام مايو نفسه انتهت به ورئيسة الي مذبلة التاريخ . ومن ناحية اخري فان مركز دراسات التخطيط وبحوثه يوفر المنبر المناسب لمناقشة نظريات مراحل النمو و الحلقات المفرغة وامكانيات كسرها بالدفعة القوية لتحقيق الانطلاقة والرفاهية ، ومفاهيم الاقتصاد المتوازن وغير المتوازن ، وتبادل الرأي حول مقولات اقطاب النمو والمفاضلة بين خيارات كل من الزراعة والصناعة وكل من الصناعة الثقيلة والخفيفة والاتفاق حول كيف يمكن ان نحقق الاقتصاد المتوجه نحو الداخل ،وتحقيق استراتيجيات الاعتماد علي النفس ،وتنويع الصادرات وتوفير بدائل الواردات . الشئ الذي من شأنه ان يمكن الاقتصادي السوداني الوطني من استعادة دوره الذي سلبته منه الانقاذ وان يصير له صوتامسموعا في تحديد خيارات الاقتصاد السوداني لا ان تفرض عليه الوصفات الجاهزة في اجتماعات صندوق النقد السنوية في واشطن . كما وأن تبوء مؤسسات التخطيط للموقع القيادي في اختيار الاستراتيحيات التنموية وصياغة السياسات الاقتصادية وما يتصل بذلك من شفافية والمشاركة في القرار والمراقبة الشعبية يفرغ اي اشراف لخبراء الصندوق وفقا للمادة الرابعة من اتفاقية السودان مع الصندوق من اي معني ومغذي . وفي هذا الصدد انصح بعدم قيام اي منتدي او مؤتمر او منشط خاصة ما يتعلق منها بالاقتصاد والتنمية الا تحت اشراف ورعاية مركز دراسات وبحوث التخطيط ، وذلك لتأطيرها والاستفادة منها في التخطيط والخطط . والتجربة السابقة تبين ان مثل تلك الانشطة لم تكن سوي مهرجانات وكرنفالات للاستعراض فقط، تهدر فيها الموارد ومضيعة للوقت والجهود ، وان توصياتها مهما بلغت من العلمية والعملية فدائما ما ينتهي بها الامر الي النسيان ، وان تأثيراتها غالبا ما تنتهي بانتهاء مراسم الاحتفال والاحتفاء . وبدلا من ان توضع برامج السودان الاقتصادية وتراقب وتقيم بواسطة الخبراء اجانب كانوا ام محليين ،فان منابر ومؤسسات التخطيط المركزية والجهوية والقاعدية تتيح الفرصة للمختصين كل في مجاله ،بل وكل قطاعات الشعب بما في ذلك المواطن العادي لممارسة المشاركة في وضع الخطط ومتابعة التنفيذ وتقييم النتائج ، بدلا من ان يقوم بذلك اولئك في الغرف المغلغة والمكاتب المكيفة ، وان تكون المخرجات خططا علي الورق في شكل مجلدات انيقة ومتعددة ، تسلم للحكام في احتفالات ضخمة ، ويكون مصيرها في الغالب ارفف الوزارات والسفارات والجامعات كغيرها من الوثائق مقطوعة الصلة بالواقع . اما في تخطيط الهواء الطلق في الساحات الشعبية والقاعات المفتوحة فهناك فوائد كثيرة ومتعددة اهمها ممارسة كل من الديمقراطية والرقابة الشعبية ، الشئ الذي يجعل من المواطن نفسه ومهما قل شأنه مخططا ومبشرا ومراقبا ومقيما وشريكا اصيلا في العملية من بدايتها حتي نهايتها ، وان تلك الممارسات والمشاركات دائما ما تساعد في تصحيح تضارب واختلاف الارقام وضبط المعلومات الاحصائية ، ومن ثم تصحيح وتقوية وتجديد قاعدة البيانات والمعلومات .

وفي الختام اتمني ان اكون مخطئا ، في ان لا يكون سبب عدم قيام مؤسسات التخطيط القومي والمستدام بشقيه ،من معهد للدراسات والبحوث كعقل مفكر والجهاز التتفيذي كذراع عملي في التنفيذ والتدريب والمتابعة والتقييم ،هو النية والرغبة في استمرار ومواصلة اجهزة التخطيط الاستراتيجي الحالية ، المركزي منها والولائي ، بما في ذلك قياداتها وشعاراتها ورؤاها القومية والجهوية وخطتها الربع قرنية ، وان كان ذلك كذلك ،واتمني ان لا يكون كذلك ، فان قدر ومصير الوضع الجديد في السودان ، لن يكون بأي حال من الاحوال مختلفا عن ، ان لم يكن متطابقا مع اقدار ومصير نظام الانقاذ في السودان واشباهه في المنطقة والعالم . والدرس المستفاد من تخطيط الانقاذ الاستراتيجي واجهزته ومخرجاته والذي كان بغرض الميك آب والشو وحيث مخرجاته لم تتعدالورق ، هو الانتهاء بالامور الي ثورة عارمة وشاملة قذفت بالنظام الي مذبلة التاريخ غير مأسوف عليه ومشيعا باللعنات !؟!؟ والدعوة لاستبدال تخطيطهم الاستراتيجي بتنطيطنا المركزي ، يتمثل في العديد من المآخذ . اولها مثلا ،خطل التسمية نفسها وذلك لان اي تخطيط للدولة هو بالضرورة استراتيجي وبالعدم سيفقد النشاط التخطيطي اي معني له . والثاني يكمن في ان مخرجاته وان سميت خططا الا انها في الحقيقة برامج وحيث الفرق شاسع بين كل من البرمجة والتخطيط . و البرمجة تكون حصيلتها جداول للمشاريع والانشطة المقترحة وتقديرات لما تتطلبه من اموال بدون اي ترابط بين تلك المشاريع والانشطة لا من حيث المدخلات ولا من حيث المخرجات المادية ناهيك عن مدخلات العمل وغير ذلك . والثالثة هي عدم الزامية تنفيذها وما يصاحب ذلك من فشل بسبب غياب الاتساق والتنسيق بين المدخلات والزامية توفيرها والمخرجات والزامية التصرف فيها والاستفادة منها ، وايضا لعدم المتابعة والتقييم . وعلي سبيل المثال لا الحصر فان موازنة الدولة للسنة الجديدة تتم وتجاز مع غياب اي تحليل نقدي وتقييم لاداء الميزانية السابقة لعدم وجود تقارير الاداء نفسها . ورابعا ان الموازنة العامة لا تشتمل علي موازنات الولايات والمؤسسات والاجهزة التي تتبع للحكومة وما يصاحب ذلك من تجنيب وعدم الالتزام بالموازنة نفسها كقانون مالي مثله مثل المدني والجنائي وغير ذلك .اما التخطيط الذي ندعوا له فهو ينطلق من الحسابات القومية ويعتمد علي مصفوفات الناتج القومي الاجمالي والقطاعي ، باشكالها المادية والمالية والبشرية، وشمولها للادخار والاستثمار والتمويل للانتاج والتداول والتوزيع والاستهلاك لكل من القطاع الداخلي والخارجي ، وما يستوجب ذلك من اتساق وتنسيق بسبب الاعتمادية المتبادلة لكل القطاعات والانشطة المكونة للاقتصاد القومي من حيث المدخلات والمخرجات وغير ذلك . والاهمية القصوي للتنمية واستدامتها بالنسبة للمشروع الوطني للسودان بكل جوانبه من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وانسانية وبيئية لا تفرض الزامية مناهج التخطيط المختلفة فقط ولكن ان يساير ذلك المتابعة والرقابة المتواصلة والتقييم الدوري للنتائج .

د.حافظ عباس قاسم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.