تعبر موازنة البرامج والأداء عن عدة مفاهيم لكن تلتقي هذه المفاهيم في كون موازنة البرامج والأداء تركز على البرامج والأنشطة التي تقوم بها الوحدات والادارات الحكومية وليس وسائل انجاز تلك الانشطة التي تحقق أهداف الدولة؛ وهي تركز ايضا على ربط البرامج والخطط في الوزرات ووحداتها الحكومية بالأهداف الكلية للدولة في مختلف المجالات، وهذا يحتاج الي اقتصاد مخطط هدفه تخصيص الموارد لتحقيق على درجة من الرفاهية الاجتماعية؛ وفي موازنة البرامج والداء لابد من ايجاد تقييم للموازنة من خلال الموازنات الفرعية للوزرات ووحداتها ثم الى برامج رئيسة وفرعية للإدارات والوحدات التنفيذية الادنى، ثم يتم تقييم البرامج بالمقارنة مع مجموع الانشطة التي قامت بها وحدات الأداء. يتم بناء الموازنة وفقاً لهذا الاسلوب على اساس تبويب للبرامج ووحدات الأداء؛ على أساس انه تبويب رئيس على ان يستخدم تبويب آخر فرعي ونوعي. اذاً يتطلب اعتماد موازنة البرامج والأداء التخلي تدريجيا عن موازنة البنود؛ لأن موازنة البرامج والاداء تتطلب أن يكون هناك مراكز للمسئولية لكل للمستويات التنفيذية؛ هذا يتطلب تحليل الهياكل التنظيمية لكل وزارة ووحداتها، ووجود اهداف فرعية تحقق الهدف العام، وتحديد الأهداف العامة وربطها باختصاصات الوزارات ووحداتها، وتحديد إجمالي النفقات المتوقعة والايرادات أو المنافع وقلنا منافع لأنه ليس بالضرورة أن يكون العائد مالياً، مثلاً برامج خاصة بالصرف على البيئة المدرسية أو المناهج محصلته اكتمال العملية التعليمية بكفاءة تقاس من خلال مخرجات التعليم، ايضا تحديد مصادر تمويل هذه الانشطة والبرامج، ووجود نظام رقابة فعال للمتابعة والرقابة والقياس. اذا كان الأمر يتطلب هذا الاعداد الذى ربما يحتاج الى سنوات وخطة لتطبيق موازنة البرامج والأداء؛ لماذا تعجل رئيس مجلس الوزراء (كحال برنامج الصدمة) وبشر بأن موازنة 2019م سوف تكون موازنة برامج وأداء؟ ومعلوم أن الوزارات ووحداتها واداراتها تعاني من خلل تنظيمي وتداخل في الاختصاصات وتدخل المتنفذين في اختصاصاتها، وتعانى من خلل كبير جدا في وسائل الرقابة داخل الوزارة الواحدة ناهيك عن وجود رقابة تغطى اداء كل الوزرات واكبر دليل على ذلك حجم الفساد الموجود وسياسة التمكين التي اضرت كثيرا بالمهنية والتخصص، ايضاً ضعف اساليب القياس فلا توجد وسائل لقياس الأداء ولا ادارات للإحصاء يعتمد عليها؛ لذلك نقول أن هناك عجلة في القفز نحو موازنة البرامج والأداء رغم انه خيار ينبغي السير في اتجاهه مستقبلاً بعد الخروج من حالة التردي الاقتصادي الحادثة حالياً على أن تكون موازنة 2019م موجهة نحو خفض الانفاق الحكومي وزيادة الانتاج وخفض رسوم الانتاج وزيادة التحصيل الضريبي ليس من خلال زيادة الضرائب لكن ادخال كل الشركات والمنتجين تحت المظلة الضريبية واجراء التقييم المهني الواقعي الذى يجعل دافع الضرائب مرتاحاً عند حدوث التقييم العادل؛ وهناك عجلة لأنه لا توجد قدرات وآليات لتحديد تكلفة لكل برنامج أو نشاط والعائد المتوقع منه، ايضاً لن يتحقق هذا الأمر في خلال اشهر اعداد الموازنة القادمة من تاريخ تصريح رئيس مجلس الوزراء، لأن تحديد التكاليف يحتاج الى دراسات جدوى وإجراءات تحليل للتكاليف في ضوء مؤشرات واولويات الخطط التنفيذية ووضع الاقتصاد الحالي والسياسات النقدية المتبعة، كما ان البرامج والأنشطة تحتاج الي الفعالية وهي القدرة على تحقيق الأهداف الموضوعة دون اسراف أو اهدار للموارد، فالقدرة على تحقيق الأهداف قد يتم لكن ليس بالاستخدام الأمثل للموارد ولدينا في السودان الامران ضعف في تحقيق الأهداف وهدر للموارد؛ ايضا نحتاج الى الكفاءة وهي القدرة على تحقيق الأهداف بأقل الموارد. إن اقتصاد السودان يحتاج الي النهج الذي اعتمدته اسبانياوالبرتغال لتحقيق انتعاش اقتصادي بالتوجه نحو التصدير وتوفير فرص جديدة له كما حصل في البرازيل، ومن هذا المنطلق، استند الانتعاش الاقتصادي في البرتغال على الانتقال إلى الأنموذج القائم على التصدير، الذي بدوره يرتكز على خفض التكاليف وخفض الرسوم والجبايات بدلاً من تحقيق مكاسب كبيرة للحكومة من خلال الرسوم والجبايات من الإنتاجية والمنتجين، أيضا تبنى سياسة تقشفية فعالة للنفقات العامة لمدة خمس سنوات لأن جوهر الازمة الاقتصادية عجز الموازنة واختلال ميزان المدفوعات، ونقصد بالتقشف في النفقات ليس تلك التي تذهب للدفاع والرواتب والاجور والصحة والتعليم؛ لكن يمكنها زيادة الايرادات من خلال زيادة وتيرة النشاط الاقتصادي الذى يمكن اعتباره المفتاح الأول لتقليل عجز الموازنة كمرحلة أولى، السعي الي اعفاء ديون السودان وإعادة هيكلتها. إن أزمة السودان الاقتصادية في التفسير الكلاسيكي أزمة اختلال بين الإنتاج، والاستهلاك والدخل، وهي الروافد الأساسية للأزمة لذا يجب أن تكون هناك ملائمة بين هذه العناصر، الإنتاج والاستهلاك والدخل؛ كذلك نعاني من ازمة مصرفية بسبب السيولة، وأزمة ديون (تعثر مصرفي)، وأزمة عملة بانهيار سعر صرف الجنية. ومنذ انفصال الجنوب لم نحقق اية اهداف اقتصادية وبالتالي لم تستطيع الحكومة رفع مستوى المعيشة للمواطن بل على العكس من ذلك انخفض مستوى المعيشة للمواطن؛ وهناك عدة اسباب لهذه الحالة منها وجود نظام ضريبي غير فعال شجع الاعمال الهامشية غير المنتجة بسبب التهرب من الاستحقاقات الضريبية، ايضاً تأثير الرسوم والجبايات على الانتاج المحلي التي افقدتها القدرة على المنافسة محلياً وخارجياً، وبالتالي انخفض الانتاج المحلى ويلاحظ ذلك في العدد الضخم من المصانع التي اغلقت أبوابها، وخفض الانتاج والانتاجية مؤشر لتباطؤ النمو؛ كذلك السياسة المالية افرزت وانتجت تضخم لم يشهده تاريخ السودان. يحتاج الوضع الاقتصادي الي محاربة الفساد بصورة مباشرة بعيدا عن التسويات والترضيات وايقاع العقوبات الرادعة ضد المفسدين، ايجاد آلية فعالة للمسائلة الوزارية والتنفيذية، اعداد نظم ادارية كفؤة لإدارة الموازنة، وأدوات متطورة ومستندة إلى واقع تجريبي، أما اللجوء إلى وسائل غامضة في المنهج والأدوات والأسلوب والأهداف والمبنية فقط على ردود الأفعال والارتجالية والآراء الشخصية وتدفعها الاهداف السياسية لن تخرجنا من الازمة الحالية. الصيحة: 04/11/2018 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.