تعد قضايا التعدين إحدى القضايا التي يعاني منها مواطني الولاية الشمالية، حيث تنشط أعمال التعدين الأهلي والعشوائي التي بدأت منذ سنين، إلى جانب نشاطات الشركات الأجنبية والوطنية العاملة في مجال تنقيب واستخلاص الذهب، الأمر الذي يصحب العديد من المخاطر البيئية والمهددات لإنسان الولاية الشمالية، ويصبح معرضاً للأمراض بسبب المواد الكيميائية التي تستخدمها تلك الشركات في استخلاص الذهب مثل السيانيد والزئبق والسيوريا وغيرها من المواد، حيث تعتبر من أخطر المواد الكيميائية المسرطنة إذا لم يتم استخدامها بالوجه الأمثل. ومن تلك المناطق التي تعاني من الشركات العاملة في مجال التعدين، منطقة صواردة التي تتبع إداريًا لوحدة عبري ومحلية حلفا، وتعاني المنطقة من أضرار عديدة بسبب شركة المجموعة الدولية للتعدين التي تعمل في استخلاص الذهب من مخلفات التعدين العشوائي (الكرتة) عن طريق استخدام السيانيد المعروف بأخطاره، وبدأ أهالي المنطقة صراعهم ضد الشركة التي تتبع لقيادات في جهاز أمن المؤتمر الوطني، منذ بداية عمل إنشاءاتها واستمر لأعوام حتى تم إجبار الشركة على إيقاف أعمال المصنع نهاية الأسبوع الماضي بعد اعتصام الأهالي أمام المصنع لمدة اسبوع. (الراكوبة) زارت المنطقة وتحدثت إلى أهالي المناطق المتضررة وعلمت معاناتهم وشهدت صراعهم مع إدارة الشركة. أصل الحكاية مقر المصنع "تفاجأنا في أحد أيام شهر يوليو من العام 2016 بعدد كبيرٍ من الشاحنات يتجه شرق الرصيف ناحية الخلاء، وعلمنا يومها أن هنالك شركة ستبدأ العمل في التعدين وبالتحديد الذهب"، هكذا بدأ سكرتير اللجنة السداسية التي كونها أهالي المنطقة الأستاذ صالح ادريس صالح حديثه ل(الراكوبة) عن نضالهم ضد الشركة، وأضاف: " لم نكن ندري يومها طريقة عمل الشركة ولا مجالها ولا أنها ستعمل بالسيانيد، بل لم نكن نعرف حتى ما هي أخطار السيانيد ومضاره، وظننا أن الشركة ستعمل لأيام محددة وترحل بعدها. وأوضح صالح أن أهالي المنطقة تفاجأوا باستجلاب الشركة للآليات والمعدات وتوصيلات الكهرباء، وكشف أنهم شرعوا في تكوين اللجنة السداسية ممثل فيها أغلب القرى المتأثرة من المصنع وأقربها وهي (صواردة، كويكة، عبود، إرَو، اشيمتو، واوة)، بانعقاد جمعية عمومية يمثل فيها 5 أعضاء من كل منطقة لتنتخب ممثلين من كل منطقة للمكتب التنفيذي للجنة السداسية، وأشار إلى أنهم بدأوا بإرسال مذكرات للوحدة الإدارية والمحلية، ولكن تلك الجهات قابلت مذكراتهم بالتجاهل، وتحججت بأنها لا تملك سلطات لإيقاف المصنع. وعود زائفة وكشف صالح عن تنظيمهم وقفة احتجاجية لإيقاف المصنع والتنوير بعمله الضار بالبيئة، ولفت إلى أن الشركة شرعت في اليوم التالي في استجلاب أعمدة الكهرباء لبدء التوصيلات ومن ثم العمل، الأمر الذي اعتبره الأهالي تحدياً لرفضهم للشركة، وقاموا بتحديد وقفة احتجاجية أخرى إلا أن جهاز الأمن حاول منع اللجنة بشتى السبل من تنظيم الوقفة، وباءت محاولاته بالفشل، وبعد تنظيم الوقفة، حضر مدير المجموعة الدولية للتعدين وتحدث إلى أهالي المنطقة واعدًا إياهم بتنفيذ مطالبهم وإيقاف العمل واتفق معهم في كل ما طرحوه ووعد بإيقاف إنشاءات العمل في الشركة في ما لا يتجاوز الأسبوع، لكن ذلك لم يتعد كونه وعوداً لم تلق نصيبها من التنفيذ. تصعيد إداري وأكد سكرتير اللجنة السياسية أن أهالي المنطقة اتبعوا الإجراءات الإدارية اللازمة، حيث قاموا برفع مذكرة للوالي بعد فشل المعتمد في حل القضية، لكن الوالي تنصل من مسؤولياته قائلاً إن أمر شركات التعدين لا يخص الولاية وهو من شؤون الوزارة الاتحادية التعدين التقليدي
سيانيد في الوادي وشدد صالح على أنهم رفضوا قيام المصنع نسبة لأضراره الكبيرة بالبيئة، خاصة وأنه يستخدم السيانيد في استخلاص الذهب من الكرتة التي يشتريها من سوق التعدين العشوائي القريب من منطقة صواردة، وأضاف أن مخاطر المصنع تزيد بوجوده بالقرب منه الوادي الرئيسي للسيول والوديان الجانبية، الأمر الذي رصدته (الراكوبة) حيث يقع المصنع وسط ثلاثة وديان على غربه وجنوبه وشرقه، وتمرر تلك الوديان السيول من منطقة أبو حمد مروراً بالقرى وتصب في النيل، وتقع البركة الكبيرة الخاصة بمياه التفاعل تقع بمحاذاة الوادي الرئيسي للسيول. ويشير صالح إلى أن المجموعة الدولية للتعدين، تتبع لقيادات من جهاز الأمن والمخابرات الوطني في عهد الإنقاذ، الأمر الذي لمسوه بتنصل أغلب الجهات الإدارية من الوقوف ضد قيام المصنع، وتحججهم بأن القضية أكبر منهم. ومن جانبه كشف عضو اللجنة السداسية رمزي محمد، أنهم لمسوا الأضرار البيئية لقيام المصنع بنفوق البهائم ورصدهم لعدد من إصابات السرطان والفشل الكلوي، وأشار إلى أن، أغلب الأهالي يعانون من ضيق في التنفس ونقص في الأوكسجين في أغلب الأحيان، وأرجع ذلك لقرب المصنع من القرى والتصاقه بمجرى السيل وجرفه لذرات التراب من مخلفات التعدين الملوثة ببقايا السيانيد والزئبق. بُعد غير آمن وفي سياق المخاطر البيئية، أوضح الجيولوجي محمد عباس، أن الخطورة من كرتة الذهب، تتمثل في احتوائها على الزئبق، وبمرور الهواء عليها واستنشاقها، يمكن أن يؤدي ذلك لإصابات سرطانية، وأكد أن الخطورة تزيد بعد عمل المصنع وانضمام مادة السيانيد للزئبق، ونوه إلى أن الخطورة الأكبر تكمن في أن المصنع موجود على بعد غير آمن، حيث أنه يبعد عن المناطق السكنية حوالي 4 كليو متر، ما يعد أمرًا قاتلاً، واتهم الولاية بارتكاب ذلك الخطأ، موضحاً أن الرخصة يتم منحها للشركة المعدنة من المركز، وإيلاء اختيار الموقع المناسب للولاية حيث يقوم المهندس المساح باختيار الموقع دون أن يكون له أخطار بيئية، وشدد عباس على أن البعد الحالي للمصنع غير قانوني وغير آمن، ولفت إلى أن أقل مسافة يسمح فيها بإنشاء مصنع استخلاص الذهب من الكرتة، لا تقل عن 20 كيلو متر. معركة الأهالي جانب من الاعتصام وواصل الأهالي تصعيدهم إلى أن هددوا الوالي بالشروع في إجراءات تصعيدية في حال لم يتم الاستجابة لمطالبهم بإيقاف المصنع، وعندما لم يستجب الوالي، قاموا بمنع تناكر الشركة من جلب المياه اللازمة لعملية التعدين، وضربوا عليها حصاراً بإعلان اعتصام أمام مقر المصنع استمر لمدة اسبوع. وتوج اعتصام أهالي المناطق ال6 بنجاحهم في إجبار شركة المجموعة الدولية على إيقاف المصنع إلى حين إشعار آخر، بينما اتجه الأهالي لطلب التعويض عن فترة عمل الشركة والأضرار التي سببها، إضافة إلى مطالبتهم بخدمة المسؤولية الاجتماعية التي لم تف بها الشركة طوال مدة عملها التي قاربت ال4 سنوات.