المعركة الكلامية التي نشبت بين رجل الدين السلفي عبد الحي يوسف والوزيرة الشابة ولاء البوشي ثم تطورت لاحقاً الى تعارك قضائي، هذه المعركة كانت قد بدأت بما نقلته صحف الخرطوم من خطبة جمعة للشيخ السلفي عبد الحي يوسف يهاجم فيها الوزيرة لتدشينها منافسات كرة القدم للسيدات، ومما جاء فى تلك الخطبة قول عبد الحي في الوزيرة أنها لا تتبع الدين الإسلامي وتؤمن بأفكار حزبها الجمهوري الذي حُكم على قائده بالردة وأعدم قبل 35 عاماً، وقتها كانت صحافية ناشئة بصحيفة الجريدة تطالع هذا الخبر فى احدى الصحف، وحال فراغها من المطالعة سألتني بلهفة بادية عن من يكون قائد هذا الحزب الذي تم اعدامه، قلت هو الاستاذ محمود محمد طه، قالت وما هو الحزب الجمهوري وما هي أفكاره التي أعدم بسببها، لم أجبها بالطبع واحلتها لأحد الاخوان الجمهوريين للاختصاص، وبالفعل لرغبتها العارمة فى التعرف على هذا الحزب المقموع وافكاره المحاربة تواصلت مع هذا الاخ، ولا ادري ما حدث بعد ذلك فربما صارت هذه الشابة جمهورية الآن..الشاهد في هذه الحكاية حقيقتان، ان الانسان شغوف بمعرفة ما يجهل وما يحيطه الغموض، وأن الممنوع مرغوب والمحظور يثير الفضول، وفى ذلك يقال أيضاً لو أُمر الناس بالجوع لصبروا ولكن لو نُهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه، وهذه حقائق قديمة قدم الإنسان ذاته حسبنا منها قصة سيدنا آدم عليه السلام أبو البشر، الذي لم يمتنع عن الشجرة التي نُهي عنها رغم وجود العديد من الأشجار المغنية عنها، وهنا تتبدى حقيقة أن من الطبيعي أن يزداد اهتمام الناس بالأشياء عند منعها عنهم وحرمانهم منها، ومن الغرائب في حكاوي التحريم هذه أنها بدأت بتحريم البرقية (التلغراف) واللاسلكي بدعوى أنها من عمل الشيطان، وطالت الراديو والتلفزيون بدعوى أنها تضاهي خلق الله، ومنها كذلك تحريم الكاميرا والفيديو والشخصيات الكرتونية والدراجة الهوائية التي قيل أنها (حمار أبليس) فتأمل وأدي ربك العجب من مثل هذا الهوس والغلو.. بالأمس حملت الأخبار تهجم أحد المهاويس على معرض الكتاب الذي أقامه الاخوان الجمهوريين وطاح فيه تمزيقا للكتب، وبأدب وتهذيب الجمهوريين المعروف عنهم لم يتعرض له أحد منهم بأي أذى الى أن تدخل آخرون وأوقفوه عند حده، وقد أثارت هذه الفعلة الهمجية البربرية امتعاض الكثيرين بل وأبدوا تعاطفاً واضحاً مع الاخوان الجمهوريين، حتى أن احد الكتاب قال ان من تهجم على المعرض هو جمهوري مدسوس حتى يلفت النظر ويثير الانتباه لهم ولمطبوعاتهم، كما أذكر أن صلاح قوش مدير جهاز الأمن السابق كان قد ذكر فى حوار معه، أن سبب انضمامه لتنظيم الاخوان المسلمين فى المرحلة الثانوية ببورتسودان، هو تعاطفه معهم عندما تم الاعتداء عليهم من طلاب يخالفونهم الرأي (ومن ديك وعيك)، وهنا تتجلى حقيقة أن الرأي لا يقابل الا بالرأي والفكر لا يقارع الا بالفكر، وليس بالبلطجة أو المنع..