لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلفيو مصر.. «الخروج من الظل»..
نشر في الراكوبة يوم 25 - 01 - 2013

كان اجتماع بين قيادات من داخل «جبهة الإنقاذ» المعارضة للرئيس محمد مرسي، مع قادة سلفيين، عقد مؤخرا، مهما للغاية في مشهد يبدو غريبا على التيار السلفي المعروف بخصومته السياسية ل«جبهة الإنقاذ» وللتوجه الليبرالي لأعضائها، وهو ما يعد تحولا في موقف السلفيين تجاه القوى السياسية المصرية وتجاه الإخوان المسلمين. ويؤكد ذلك ما قاله الداعية الإسلامي الشهير الشيخ محمد حسان في خطبة الجمعة الماضية عندما وجه تحذيرا شديد اللهجة إلى الرئيس مرسي من «التمادي في التجبر والتكبر»، وقال له «من تمسك برأيه هلك».
ويعتبر مراقبون تلك التحولات مؤشرا على تحول مهم في مشوار السلفيين السياسي الذي لا يتجاوز العامين، لعبوا خلالهما دورا مهما ك«سنيد» للإخوان المسلمين، ويبدو أنهم يريدون التمرد على هذا الدور والطموح إلى ما هو أكبر. يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات، ل«الشرق الأوسط»، إن «السلفيين يعتقدون أن الإخوان المسلمين قد استخدموهم إلى أن وصلوا للسلطة ولأنهم الأكثر عددا، أي السلفيين، فهم يستعدون لوراثة (الإخوان) ويريدون نصيبا أكبر من السلطة يتلاءم مع حجمهم وثقلهم السياسي الذي يشعرون به الآن».
واقع الأمر أن الحركة السلفية في مصر شهدت تطورات متتابعة عبر مراحل إنشائها. ففي عصور زمنية بعيدة، وفي الوقت الذي كان الإخوان المسلمون يعملون على اختراق كل مؤسسات الدولة والمشاركة فيها، كان السلفيون يفضلون الابتعاد عن ممارسة أي دور فاعل في الحياة العامة، خاصة السياسة، والاقتصار على دورهم داخل المساجد. إلا أنهم نجحوا في خلق تنظيمات سلفية محددة الشكل والملامح ولها مشروعية قانونية منها «جمعية أنصار السنة» و«الجمعية الشرعية»، كما توجد كيانات غير رسمية تعبر أيضا عن الفكر السلفي والسلفيين في مصر، وتتمثل في حركات متعددة ك«الحركة السلفية من أجل الإصلاح» و«الدعوة السلفية»، وكلها مؤسسات متغلغلة في المجتمع المصري، خاصة في الأقاليم والمناطق الريفية والفقيرة من خلال الخدمات الخيرية التعليمية والصحية والكفالات الاجتماعية التي تقدمها ومعاهد إعداد الدعاة من الرجال والنساء.
وقد شهد العمل السلفي تطورا مهما في عام 1980 حينما بدأ (الطالب بكلية الطب آنذاك) عماد عبد الغفور - الذي صار في ما بعد رئيس أول حزب سلفي مصري - النشاط السلفي بجامعة الإسكندرية تحت اسم «المدرسة السلفية» لمواجهة نمو النشاط الإخواني في الجامعة، ثم توسع النشاط السلفي في منتصف الثمانينات، وتم لأول مرة اعتماد الدعوة السلفية وكان الشيخ ياسر برهامي نائبا لأول مجلس تنفيذي بها. واستمر النشاط الدعوي السلفي الذي أنشأ مجلة «صوت الدعوة» لتكون لسان حال السلفيين حتى عام 2002، حيث توقف النشاط تماما بسبب المطاردات والمضايقات الأمنية لمشايخ الدعوة واعتقال الشيخ ياسر برهامي.
المثير في الأمر أن هناك سلفيين ما زالوا يعتبرون الديمقراطية كفرا لأنهم يقدمون هدف تطبيق الشريعة الإسلامية على فكرة حق الشعب في اختيار الحاكم. وعندما حاول بعض السلفيين التطور مع العصر وأنشأوا «الحركة السلفية من أجل الإصلاح» عام 2005 كحركة تعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع المجالات بما فيها السياسة والاقتصاد، قوبلت الحركة برفض وهجوم شرس من قبل باقي السلفيين، باعتبارها تؤدي إلى تسييس الدعوة السلفية. ومنهم الداعية السلفي الدكتور أحمد النقيب الذي قال: «نحن لا ندعو إلى الحزبية، لأن السلفية منهج طاهر نقي، لا تعرف حزبية بغيضة، ولا تعرف عصبية مؤسسية طائفية، بل هي لعموم المسلمين».
ويشاركه في الرأي الداعية الإسلامي السلفي هشام البيلي، الذي دعا في دروسه الدينية إلى تحريم الانتخابات الرئاسية واعتبرها بدعة جاهلية، وقال: «إن الإسلام يقوم على البيعة بين كبار علماء الأمة».
الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، من أشهر المعارضين لتحزب السلفيين ودخولهم معترك السياسة وفق مبدأ الديمقراطية، قال ل«الشرق الأوسط»: «لست ضد السياسة في الإسلام، بل بالعكس، فالإسلام دين شمولي لكل مناحي الحياة، ولكني ضد الديمقراطية فهي فكر وثني استوردناه من الغرب، وحتى في بلادهم لم تنفعهم الديمقراطية في شيء، فالقول بأنها حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب أمر مرفوض، لأن الحكم إلا لله». وأضاف: «يسمونها اللعبة القذرة، لذا يريدون أن يزحزحوا الدين ويبعدوه، والمفروض أن تمارس السياسة كما كانت في عهد الصحابة والتابعين». وتابع البدري: «الرسول الكريم كان يقود الجيش ويرسل الرسل في ظل نظام الشورى.. فالناس قسمان: أهل الحل والعقد، وأهل الاجتهاد».
ورفض البدري وجود برلمان منتخب عن الشعب، وقال إن «هذا كله مستورد من الغرب»، مشيرا إلى أن «الإسلام قد أعطانا القواعد القرآنية في كيفية إدارة سياسة الدولة». واستنكر ظاهرة الأحزاب السياسية السلفية، وقال: «لا يوجد في الإسلام أحزاب، وأنا لست مع السلفيين ولا الإسلاميين في هذا الأمر، ففي الإسلام كلنا مسلمون».
وقال البدري: «رغم أني كنت عضوا للشعب بالبرلمان، فإني لا أؤيد السلفيين في اتباع هذا الأسلوب، لأني لما دخلت البرلمان تأكد لي أن الديمقراطية فعلا فكر وثني فطلقت السياسة». وقال إن «السلفيين يعرفون ذلك جيدا، لكنهم يتخذونها تكئة يصلون بها إلى أن يصبح الحكم في أيديهم، ثم يتم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية!!».
رغم ذلك، اتخذ السلفيون موقفا مغايرا لهذه المبادئ واتجهوا بقوة نحو العمل السياسي بعد ثورة 25 يناير، فبعد يوم واحد من سقوط نظام مبارك، بدأت مؤتمرات «الدعوة السلفية» تجوب أنحاء مصر، وشهد مؤتمر «الجبهة السلفية» بالمنصورة في 18 فبراير (شباط) بعد أسبوع من تنحي مبارك، دعوة الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسان لتغيير فكرة السلفيين بالتفرغ للدعوة وعدم مقاطعة المظاهرات والانتخابات، لتصبح كلمة الشيخ حسان نقطة انطلاق للإعلان عن تفكير السلفيين الجاد في دخول معترك السياسة التي كانوا يرفضونها لسنوات طويلة، ليأتي بعدها الدكتور عبد المنعم الشحات ويصرح بأن التيارات السلفية تبحث إطلاق سبعة أحزاب معا، منها ثلاثة أحزاب تخرج من رحم «الدعوة السلفية».
وفي تلك الأثناء، نشطت رابطة «الجبهة السلفية» في مصر، وكونت تكتلات داعمة للفكر السلفي في أنحاء مصر كلها بهدف تقديم خطاب إسلامي سلفي تجديدي، يحافظ على الثوابت الشرعية ويتلاءم مع الواقع المصري، والتصدي للهجمات الإعلامية الموجهة ضد السلفيين والإسلاميين عامة، وإحياء بعض القضايا الإسلامية ذات الصلة بالشريعة. وهي جبهة تلعب دورا محوريا في ترجيح كفة فصيل سلفي على فصيل سلفي آخر بحكم انفتاحها على كل السلفيين والإسلاميين لدعم من تختاره وفقا لحساباتها ورؤاها الخاصة.
يقول الشيخ جمال صابر، المسؤول السابق عن حملة الشيخ حازم أبو إسماعيل الانتخابية الرئيس الحالي لحزب «الأنصار» السلفي، ل«الشرق الأوسط»، إن «الليبراليين والعلمانيين هم الذين يروجون لفكرة فصل الدين عن السياسة، لأنهم يرفضوننا ويريدون إفشال المشروع الإسلامي.. فالسياسة عندهم الكذب والمراوغة، أما نحن فلا نعرف إلا الصدق والوضوح والصراحة». وقال: «لا يوجد شيخ واحد حرم العمل بالسياسة، بل يحرم السياسة الكاذبة، بدليل أن الرسول الكريم كان قائد دولة في وقت السلم والحرب. وما لم يفهمه الناس أننا قبل ثورة يناير لم نكن ندخل في الانتخابات وما إلى ذلك فكان قرارا سياسيا في حد ذاته بعدم الدخول في تلك اللعبة، في ذلك الوقت لأن السلفيين كانوا يدركون أنهم لن يحققوا نتائج بسبب ما كان في الانتخابات من تدليس وغش ومن ثم كان موقفنا السلبي من ممارسة السياسة قرار سياسي في حد ذاته ثم غيرنا موقفنا بعد الثورة، لأن المناخ السياسي اختلف ولم يعد هناك تزوير في الانتخابات، وبالتالي دخلنا ونحصل على الأغلبية في كل وقت».
وعن موقف الرافضين للتحزب السلفي، يقول صابر: «الله - عز وجل - ذكر في كتابه حزب الشيطان، وذكر حزب الله، وبالتالي فعمل الحزب هو الذي يصنفه، فإن كان يعمل بكتاب الله وسنة رسوله فهو حزب الله، وإن كان يعمل على طريقة الكذب والمراوغة فهو حزب الشيطان. أما كثرة الأحزاب السلفية فعلى خلاف ظن البعض أنها تشتت الأصوات وتفتتها، فأنا أقول: هذا الكلام غير صحيح، وإن شاء الله سترون ذلك عمليا، لأننا نحن السلفيين هدفنا واحد، وعقيدتنا وأفكارنا واحدة، وفي لحظة الحسم يتجه جميع السلفيين في اتجاه واحد، وهذا ما رأيناه في كل الانتخابات الماضية، أما غيرنا من الليبراليين والاشتراكيين وغيرهم فأفكارهم وعقولهم شتى وسيفترقون». ويسعى السلفيون للخروج من ظل «الإخوان» ويتطلعون إلى دور أكبر في العملية السياسية، ويقول الشيخ صابر: «نحن نسعى لتحالف إسلامي كبير من كل القوى الإسلامية، وستكون هناك قائمة إسلامية واحدة». ويؤكد: «حزبنا الجديد هو الذي سيقلب الخريطة السياسية بمصر بعد الانتخابات».
ومن جهته، يقول الشيخ الدكتور سعيد عبد العظيم، أحد رموز التيار السلفي في مصر وأحد المؤسسين الأوائل للعمل الدعوي في «الجماعة الإسلامية» ثم «الدعوة السلفية»، إن «السلفيين رقم كبير على الأرض، قد يبلغ عشرة أضعاف الإخوان المسلمين في مصر»، على حد قوله في تصريحات صحافية، واشترط أن تنخرط مجموعة في العمل السياسي بأن تكون سياستها شرعية منضبطة، مؤكدا أن التغير المرصود في بعض السلفيين يحتاج إلى وقفة ومراجعة ومحاسبة.
وبينما فشل شباب الثورة المصرية في تجميع أنفسهم في حزب سياسي واحد، نجح السلفيون خلال أقل من ثلاثة أشهر بعد ثورة 25 يناير في إطلاق حزب النور، الذي يعد الذراع السياسية الأساسية ل«الدعوة السلفية» في مصر، كما كان بداية لسلسلة الأحزاب السلفية التي تكونت في ما بعد تباعا.
وكان الثالث عشر من يونيو (حزيران) 2011 يوما مهما في مسيرة السلفيين السياسية، حيث بدأ فيه حزب النور ممارسة نشاطه السياسي بشكل عملي وقانوني وسط دهشة الكثيرين من التحول الكبير في موقف السلفيين من العمل بالسياسة. وكانت حقوق المواطنة والحفاظ على الحقوق والحريات في إطار العمل بضوابط الشريعة الإسلامية والتوسع في صيغ التمويل الإسلامية القائمة على المشاركة واحترام العهود والمواثيق وعدم الزج بالبلاد في نزاعات مدمرة - من أهم مبادئ أول حزب سلفي.
وقد حظي هذا الحزب باهتمام كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي، وسارعت الكثير من الشخصيات الغربية والأجنبية بشكل عام على زيارة مقر الحزب والتحدث إلى رئيسه آنذاك الدكتور عماد عبد الغفور. ورغم حداثة الحزب سياسيا، فإنه حقق نتائج مذهلة في الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت نهاية عام 2011 وكان منافسا شرسا فيها لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأكثر خبرة منه، حيث حصل على أكثر من 20% من مقاعد البرلمان المصري في أول انتخابات شارك فيها، ثم صار الحليف الأكبر ل«الإخوان» تحت قبة البرلمان لتكوين جبهة ائتلافية قوية من الأغلبية الإسلامية بنسبة تجاوزت 65% في مواجهة التيارات السياسية الأخرى.
ولكن، سرعان ما تسلل الخلاف إلى الحزب بسبب سيطرة رجال دين على الدور القيادي الداخلي، بينما كان هناك فريق آخر من الأعضاء الأكثر براغماتية يريد لنفسه دورا أكبر. ويرى خبراء أن أزمة حزب النور السلفي تكمن في الخلاف ما بين الشيوخ والشباب من أعضائه، وسط مشاعر الخوف من خروج الحزب عن إطاره الديني الذي قام على أساسه واقترابه من مسلك حزب الإخوان المسلمين. وهي الأزمة التي تبلورت بوضوح عندما أحجم الحزب عن دعم مرشح الرئاسة - آنذاك - السلفي الشيخ حازم أبو إسماعيل وتسببت في نشوب الخلافات الداخلية. الأمر الذي تفاقم في ما بعد في صورة الانشقاق الذي حدث مؤخرا لنحو 150 عضوا من حزب النور وتكوينهم حزبا سلفيا جديدا هو حزب «الوطن»، الذي يرى البعض أنه سيكون ندا قويا ل«النور» بل يعتبرونه أوفر حظا وأكثر قدرة على تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة، خاصة بما يمتلكه من كوادر براغماتية لها خبراتها في العمل السياسي والاحتكاك بالناخبين.
الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وأنصاره هم إحدى القوى السلفية الكبرى التي من المتوقع أن تلعب دورا مهما في دعم التيار السلفي بمختلف أحزابه. الدكتور يسري حماد، نائب رئيس حزب «الوطن»، قال ل«الشرق الأوسط»، إن وجود الشيخ حازم أبو إسماعيل مع حزب «الوطن» يأتي كنواة تحالف انتخابي للانتخابات البرلمانية القادمة. إلا أن الشيخ أبو إسماعيل قلب الموازين بحركة سياسية مباغتة مؤخرا، أثارت جدلا كبيرا حينما فاجأ الجميع بالإعلان عن تأسيس حزبه السلفي الجديد الذي استقر على تسميته «حزب الرسالة»، في إشارة إلى تنصله من اتفاقه وتخليه عن دعمه كحليف ل«الوطن»، بعد أن أعلن منافسته له في الانتخابات البرلمانية القادمة، وفي ظل إعلانه دعم الكثير من الأحزاب السلفية الأخرى التي خرجت من عباءته مثل أحزاب «الأنصار» و«الشعب» و«الأمة»، الأمر الذي أثار غضب «الجبهة السلفية» التي حملت أبو إسماعيل مسؤولية «تعثر» حزب «الوطن»، بل إن «أبو إسماعيل»، الذي قال إن حزبه سيكون آية من آيات الله، أصبح ينافس حزب النور أيضا على اقتناص دعم «الدعوة السلفية»، وهو ما يعقد حسابات الحزبين السلفيين الكبيرين، ويضعهما في موقف انتخابي حرج، وربما يدفعهما ذلك إلى الائتلاف والتحالف في تلك الانتخابات لمواجهة أبو إسماعيل! وإلى جانب «النور» و«الوطن» و«الرسالة»، توجد مجموعة أخرى من الأحزاب السلفية الصغيرة ذات المرجعية الدينية التي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، منها حزب «الأصالة» وحزب «الإصلاح والنهضة»، وحزب «الفضيلة»، وحزب «البناء والتنمية»، وإن كان هذا الحزب يعبر عن فكر «الجماعة الإسلامية» إلا أنه يندرج تحت قائمة التيارات الأقرب للسلفية.
وفي ضوء المشهد السياسي الأخير الذي جمع سلفيين ومعارضين من «جبهة الإنقاذ» في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، يثور التساؤل حول ملامح علاقة السلفيين ب«الإخوان» خلال الفترة المقبلة خاصة، فيظل الخلاف الأساسي، الذي يؤكده السلفيون، بينهم وبين «الإخوان» والخاص بمبدأ تطبيق الشريعة، إلى جانب مسألة أخرى، أعلنوا كثيرا استياءهم من «الإخوان» بسببها، وهي فكرة الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين، على حد وصف الدكتور خالد علم الدين القيادي السلفي بحزب النور، وهو ما يدفع إلى مزيد من الجفاء بين الجماعة والسلفيين، في ظل سعي السلفيين للتحرر من استخدام «الإخوان» لهم.
الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور الجديد، قال ل«الشرق الأوسط»: «إن السلفيين يسعون بالعمل الحثيث نحو اكتساح الانتخابات والفوز بأغلب المقاعد البرلمانية»، مؤكدا وحدة الفكر والمنهج بين كل السلفيين الموجودين على الساحة، وأنهم الأقرب لبعضهم في التحالف من غيرهم من القوى السياسية الأخرى، فيما يبدو للمراقبين أنه استعداد سلفي لوراثة الإخوان المسلمين وتولي السلطة في انتخابات الرئاسة القادمة، وفق ما قاله الدكتور سعد الدين إبراهيم ل«الشرق الأوسط».
مع ذلك، فإن هناك من يرى أن جماعة الإخوان لن تسكت، بل هناك من يتهمها بأنها وراء ما يحدث من انشقاقات في الأحزاب السلفية لإضعافها.
وعن مستقبل السلفيين السياسي بعد عامين من اقتحامهم المجال، قالت الدكتورة نجلاء مكاوي، رئيس وحدة الدراسات الإقليمية والدولية بمركز النيل للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بالقاهرة، ل«الشرق الأوسط»، إنه «إذا كنا فوجئنا بصعود السلفيين في عام 2011 وبتقدمهم مع الإخوان المسلمين، فإن الوضع الحالي قد اختلف بتغير المعطيات، لأن السلفيين حاليا تجاوزوا حدود قراءتنا للمشهد السياسي بعد أن أصبحوا بالفعل جزءا من التيار الحاكم». وقالت مكاوي: «مهما بدا (الإخوان) والسلفيون مختلفين ظاهريا ومتصارعين، إلا أن هناك أساسا آيديولوجيا واحدا يجمع بينهما، ومشروعهم وهدفهم واحد في المدى البعيد على المستوى السياسي والاقتصادي وشكل علاقتها الخارجية، ولكن السلفيين لأسباب خاصة بهم يتظاهرون بالخلاف مع (الإخوان) كما حدث، وزعموا عدم رضائهم عن الدستور الجديد، ومع ذلك رأيناهم يدعون المصريين للتصويت بالموافقة عليه، وهو ما يؤكد اتفاق (الإخوان) والسلفيين في إطار مشروع واحد، وما يظهر من خلافات مع (الإخوان) فهو حملة منظمة لتحقيق الأهداف والمصالح».
وحول احتمالات الخلاف في الانتخابات البرلمانية القادمة، قالت الدكتورة نجلاء إن «(الإخوان) سيحافظون على تحالفهم مع السلفيين في تلك الانتخابات لتحقيق أغلبية تمكنهم من تفصيل ترسانة القوانين التي تضمن تنفيذ مشروعهم، ومن ثم ف(الإخوان) يحتاجون للسلفيين، كما أن السلفيين لديهم مشروع مرحلي لم يتجاوز حدود التعاون مع (الإخوان)، ومن ثم فهم يعملون على هامش (الإخوان) بمنطق العمل التدريجي وعلى طريقة ما لا يدرك كله لا يترك كله».
وأضافت مكاوي أن «السلفيين، بمن فيهم المتشددون، ليس من مصلحتهم قلب الموازين في مواجهة (الإخوان)، ولا بد أن يتحالفوا معهم حتى يتم التمكين الكامل بالسيطرة على مفاصل الدولة لتحقيق الهدف المشترك.. أما بالنسبة للمعارضة في (جبهة الإنقاذ) وغيرها، فليس أمامها إلا قبول الحوار مع الرئيس مرسي.. وعلى الرئيس أيضا أن يصنع نوعا من التوافق مع المعارضة ولو على حساب الفصائل الأخرى.. لأن (الإخوان) لا يمكنهم معرفة حدود الغضب المتوقع من الشارع المصري حينما يفقدون السيطرة عليه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.