قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلفيو مصر.. «الخروج من الظل»..
نشر في الراكوبة يوم 25 - 01 - 2013

كان اجتماع بين قيادات من داخل «جبهة الإنقاذ» المعارضة للرئيس محمد مرسي، مع قادة سلفيين، عقد مؤخرا، مهما للغاية في مشهد يبدو غريبا على التيار السلفي المعروف بخصومته السياسية ل«جبهة الإنقاذ» وللتوجه الليبرالي لأعضائها، وهو ما يعد تحولا في موقف السلفيين تجاه القوى السياسية المصرية وتجاه الإخوان المسلمين. ويؤكد ذلك ما قاله الداعية الإسلامي الشهير الشيخ محمد حسان في خطبة الجمعة الماضية عندما وجه تحذيرا شديد اللهجة إلى الرئيس مرسي من «التمادي في التجبر والتكبر»، وقال له «من تمسك برأيه هلك».
ويعتبر مراقبون تلك التحولات مؤشرا على تحول مهم في مشوار السلفيين السياسي الذي لا يتجاوز العامين، لعبوا خلالهما دورا مهما ك«سنيد» للإخوان المسلمين، ويبدو أنهم يريدون التمرد على هذا الدور والطموح إلى ما هو أكبر. يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات، ل«الشرق الأوسط»، إن «السلفيين يعتقدون أن الإخوان المسلمين قد استخدموهم إلى أن وصلوا للسلطة ولأنهم الأكثر عددا، أي السلفيين، فهم يستعدون لوراثة (الإخوان) ويريدون نصيبا أكبر من السلطة يتلاءم مع حجمهم وثقلهم السياسي الذي يشعرون به الآن».
واقع الأمر أن الحركة السلفية في مصر شهدت تطورات متتابعة عبر مراحل إنشائها. ففي عصور زمنية بعيدة، وفي الوقت الذي كان الإخوان المسلمون يعملون على اختراق كل مؤسسات الدولة والمشاركة فيها، كان السلفيون يفضلون الابتعاد عن ممارسة أي دور فاعل في الحياة العامة، خاصة السياسة، والاقتصار على دورهم داخل المساجد. إلا أنهم نجحوا في خلق تنظيمات سلفية محددة الشكل والملامح ولها مشروعية قانونية منها «جمعية أنصار السنة» و«الجمعية الشرعية»، كما توجد كيانات غير رسمية تعبر أيضا عن الفكر السلفي والسلفيين في مصر، وتتمثل في حركات متعددة ك«الحركة السلفية من أجل الإصلاح» و«الدعوة السلفية»، وكلها مؤسسات متغلغلة في المجتمع المصري، خاصة في الأقاليم والمناطق الريفية والفقيرة من خلال الخدمات الخيرية التعليمية والصحية والكفالات الاجتماعية التي تقدمها ومعاهد إعداد الدعاة من الرجال والنساء.
وقد شهد العمل السلفي تطورا مهما في عام 1980 حينما بدأ (الطالب بكلية الطب آنذاك) عماد عبد الغفور - الذي صار في ما بعد رئيس أول حزب سلفي مصري - النشاط السلفي بجامعة الإسكندرية تحت اسم «المدرسة السلفية» لمواجهة نمو النشاط الإخواني في الجامعة، ثم توسع النشاط السلفي في منتصف الثمانينات، وتم لأول مرة اعتماد الدعوة السلفية وكان الشيخ ياسر برهامي نائبا لأول مجلس تنفيذي بها. واستمر النشاط الدعوي السلفي الذي أنشأ مجلة «صوت الدعوة» لتكون لسان حال السلفيين حتى عام 2002، حيث توقف النشاط تماما بسبب المطاردات والمضايقات الأمنية لمشايخ الدعوة واعتقال الشيخ ياسر برهامي.
المثير في الأمر أن هناك سلفيين ما زالوا يعتبرون الديمقراطية كفرا لأنهم يقدمون هدف تطبيق الشريعة الإسلامية على فكرة حق الشعب في اختيار الحاكم. وعندما حاول بعض السلفيين التطور مع العصر وأنشأوا «الحركة السلفية من أجل الإصلاح» عام 2005 كحركة تعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع المجالات بما فيها السياسة والاقتصاد، قوبلت الحركة برفض وهجوم شرس من قبل باقي السلفيين، باعتبارها تؤدي إلى تسييس الدعوة السلفية. ومنهم الداعية السلفي الدكتور أحمد النقيب الذي قال: «نحن لا ندعو إلى الحزبية، لأن السلفية منهج طاهر نقي، لا تعرف حزبية بغيضة، ولا تعرف عصبية مؤسسية طائفية، بل هي لعموم المسلمين».
ويشاركه في الرأي الداعية الإسلامي السلفي هشام البيلي، الذي دعا في دروسه الدينية إلى تحريم الانتخابات الرئاسية واعتبرها بدعة جاهلية، وقال: «إن الإسلام يقوم على البيعة بين كبار علماء الأمة».
الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، من أشهر المعارضين لتحزب السلفيين ودخولهم معترك السياسة وفق مبدأ الديمقراطية، قال ل«الشرق الأوسط»: «لست ضد السياسة في الإسلام، بل بالعكس، فالإسلام دين شمولي لكل مناحي الحياة، ولكني ضد الديمقراطية فهي فكر وثني استوردناه من الغرب، وحتى في بلادهم لم تنفعهم الديمقراطية في شيء، فالقول بأنها حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب أمر مرفوض، لأن الحكم إلا لله». وأضاف: «يسمونها اللعبة القذرة، لذا يريدون أن يزحزحوا الدين ويبعدوه، والمفروض أن تمارس السياسة كما كانت في عهد الصحابة والتابعين». وتابع البدري: «الرسول الكريم كان يقود الجيش ويرسل الرسل في ظل نظام الشورى.. فالناس قسمان: أهل الحل والعقد، وأهل الاجتهاد».
ورفض البدري وجود برلمان منتخب عن الشعب، وقال إن «هذا كله مستورد من الغرب»، مشيرا إلى أن «الإسلام قد أعطانا القواعد القرآنية في كيفية إدارة سياسة الدولة». واستنكر ظاهرة الأحزاب السياسية السلفية، وقال: «لا يوجد في الإسلام أحزاب، وأنا لست مع السلفيين ولا الإسلاميين في هذا الأمر، ففي الإسلام كلنا مسلمون».
وقال البدري: «رغم أني كنت عضوا للشعب بالبرلمان، فإني لا أؤيد السلفيين في اتباع هذا الأسلوب، لأني لما دخلت البرلمان تأكد لي أن الديمقراطية فعلا فكر وثني فطلقت السياسة». وقال إن «السلفيين يعرفون ذلك جيدا، لكنهم يتخذونها تكئة يصلون بها إلى أن يصبح الحكم في أيديهم، ثم يتم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية!!».
رغم ذلك، اتخذ السلفيون موقفا مغايرا لهذه المبادئ واتجهوا بقوة نحو العمل السياسي بعد ثورة 25 يناير، فبعد يوم واحد من سقوط نظام مبارك، بدأت مؤتمرات «الدعوة السلفية» تجوب أنحاء مصر، وشهد مؤتمر «الجبهة السلفية» بالمنصورة في 18 فبراير (شباط) بعد أسبوع من تنحي مبارك، دعوة الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسان لتغيير فكرة السلفيين بالتفرغ للدعوة وعدم مقاطعة المظاهرات والانتخابات، لتصبح كلمة الشيخ حسان نقطة انطلاق للإعلان عن تفكير السلفيين الجاد في دخول معترك السياسة التي كانوا يرفضونها لسنوات طويلة، ليأتي بعدها الدكتور عبد المنعم الشحات ويصرح بأن التيارات السلفية تبحث إطلاق سبعة أحزاب معا، منها ثلاثة أحزاب تخرج من رحم «الدعوة السلفية».
وفي تلك الأثناء، نشطت رابطة «الجبهة السلفية» في مصر، وكونت تكتلات داعمة للفكر السلفي في أنحاء مصر كلها بهدف تقديم خطاب إسلامي سلفي تجديدي، يحافظ على الثوابت الشرعية ويتلاءم مع الواقع المصري، والتصدي للهجمات الإعلامية الموجهة ضد السلفيين والإسلاميين عامة، وإحياء بعض القضايا الإسلامية ذات الصلة بالشريعة. وهي جبهة تلعب دورا محوريا في ترجيح كفة فصيل سلفي على فصيل سلفي آخر بحكم انفتاحها على كل السلفيين والإسلاميين لدعم من تختاره وفقا لحساباتها ورؤاها الخاصة.
يقول الشيخ جمال صابر، المسؤول السابق عن حملة الشيخ حازم أبو إسماعيل الانتخابية الرئيس الحالي لحزب «الأنصار» السلفي، ل«الشرق الأوسط»، إن «الليبراليين والعلمانيين هم الذين يروجون لفكرة فصل الدين عن السياسة، لأنهم يرفضوننا ويريدون إفشال المشروع الإسلامي.. فالسياسة عندهم الكذب والمراوغة، أما نحن فلا نعرف إلا الصدق والوضوح والصراحة». وقال: «لا يوجد شيخ واحد حرم العمل بالسياسة، بل يحرم السياسة الكاذبة، بدليل أن الرسول الكريم كان قائد دولة في وقت السلم والحرب. وما لم يفهمه الناس أننا قبل ثورة يناير لم نكن ندخل في الانتخابات وما إلى ذلك فكان قرارا سياسيا في حد ذاته بعدم الدخول في تلك اللعبة، في ذلك الوقت لأن السلفيين كانوا يدركون أنهم لن يحققوا نتائج بسبب ما كان في الانتخابات من تدليس وغش ومن ثم كان موقفنا السلبي من ممارسة السياسة قرار سياسي في حد ذاته ثم غيرنا موقفنا بعد الثورة، لأن المناخ السياسي اختلف ولم يعد هناك تزوير في الانتخابات، وبالتالي دخلنا ونحصل على الأغلبية في كل وقت».
وعن موقف الرافضين للتحزب السلفي، يقول صابر: «الله - عز وجل - ذكر في كتابه حزب الشيطان، وذكر حزب الله، وبالتالي فعمل الحزب هو الذي يصنفه، فإن كان يعمل بكتاب الله وسنة رسوله فهو حزب الله، وإن كان يعمل على طريقة الكذب والمراوغة فهو حزب الشيطان. أما كثرة الأحزاب السلفية فعلى خلاف ظن البعض أنها تشتت الأصوات وتفتتها، فأنا أقول: هذا الكلام غير صحيح، وإن شاء الله سترون ذلك عمليا، لأننا نحن السلفيين هدفنا واحد، وعقيدتنا وأفكارنا واحدة، وفي لحظة الحسم يتجه جميع السلفيين في اتجاه واحد، وهذا ما رأيناه في كل الانتخابات الماضية، أما غيرنا من الليبراليين والاشتراكيين وغيرهم فأفكارهم وعقولهم شتى وسيفترقون». ويسعى السلفيون للخروج من ظل «الإخوان» ويتطلعون إلى دور أكبر في العملية السياسية، ويقول الشيخ صابر: «نحن نسعى لتحالف إسلامي كبير من كل القوى الإسلامية، وستكون هناك قائمة إسلامية واحدة». ويؤكد: «حزبنا الجديد هو الذي سيقلب الخريطة السياسية بمصر بعد الانتخابات».
ومن جهته، يقول الشيخ الدكتور سعيد عبد العظيم، أحد رموز التيار السلفي في مصر وأحد المؤسسين الأوائل للعمل الدعوي في «الجماعة الإسلامية» ثم «الدعوة السلفية»، إن «السلفيين رقم كبير على الأرض، قد يبلغ عشرة أضعاف الإخوان المسلمين في مصر»، على حد قوله في تصريحات صحافية، واشترط أن تنخرط مجموعة في العمل السياسي بأن تكون سياستها شرعية منضبطة، مؤكدا أن التغير المرصود في بعض السلفيين يحتاج إلى وقفة ومراجعة ومحاسبة.
وبينما فشل شباب الثورة المصرية في تجميع أنفسهم في حزب سياسي واحد، نجح السلفيون خلال أقل من ثلاثة أشهر بعد ثورة 25 يناير في إطلاق حزب النور، الذي يعد الذراع السياسية الأساسية ل«الدعوة السلفية» في مصر، كما كان بداية لسلسلة الأحزاب السلفية التي تكونت في ما بعد تباعا.
وكان الثالث عشر من يونيو (حزيران) 2011 يوما مهما في مسيرة السلفيين السياسية، حيث بدأ فيه حزب النور ممارسة نشاطه السياسي بشكل عملي وقانوني وسط دهشة الكثيرين من التحول الكبير في موقف السلفيين من العمل بالسياسة. وكانت حقوق المواطنة والحفاظ على الحقوق والحريات في إطار العمل بضوابط الشريعة الإسلامية والتوسع في صيغ التمويل الإسلامية القائمة على المشاركة واحترام العهود والمواثيق وعدم الزج بالبلاد في نزاعات مدمرة - من أهم مبادئ أول حزب سلفي.
وقد حظي هذا الحزب باهتمام كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي، وسارعت الكثير من الشخصيات الغربية والأجنبية بشكل عام على زيارة مقر الحزب والتحدث إلى رئيسه آنذاك الدكتور عماد عبد الغفور. ورغم حداثة الحزب سياسيا، فإنه حقق نتائج مذهلة في الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت نهاية عام 2011 وكان منافسا شرسا فيها لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأكثر خبرة منه، حيث حصل على أكثر من 20% من مقاعد البرلمان المصري في أول انتخابات شارك فيها، ثم صار الحليف الأكبر ل«الإخوان» تحت قبة البرلمان لتكوين جبهة ائتلافية قوية من الأغلبية الإسلامية بنسبة تجاوزت 65% في مواجهة التيارات السياسية الأخرى.
ولكن، سرعان ما تسلل الخلاف إلى الحزب بسبب سيطرة رجال دين على الدور القيادي الداخلي، بينما كان هناك فريق آخر من الأعضاء الأكثر براغماتية يريد لنفسه دورا أكبر. ويرى خبراء أن أزمة حزب النور السلفي تكمن في الخلاف ما بين الشيوخ والشباب من أعضائه، وسط مشاعر الخوف من خروج الحزب عن إطاره الديني الذي قام على أساسه واقترابه من مسلك حزب الإخوان المسلمين. وهي الأزمة التي تبلورت بوضوح عندما أحجم الحزب عن دعم مرشح الرئاسة - آنذاك - السلفي الشيخ حازم أبو إسماعيل وتسببت في نشوب الخلافات الداخلية. الأمر الذي تفاقم في ما بعد في صورة الانشقاق الذي حدث مؤخرا لنحو 150 عضوا من حزب النور وتكوينهم حزبا سلفيا جديدا هو حزب «الوطن»، الذي يرى البعض أنه سيكون ندا قويا ل«النور» بل يعتبرونه أوفر حظا وأكثر قدرة على تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة، خاصة بما يمتلكه من كوادر براغماتية لها خبراتها في العمل السياسي والاحتكاك بالناخبين.
الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وأنصاره هم إحدى القوى السلفية الكبرى التي من المتوقع أن تلعب دورا مهما في دعم التيار السلفي بمختلف أحزابه. الدكتور يسري حماد، نائب رئيس حزب «الوطن»، قال ل«الشرق الأوسط»، إن وجود الشيخ حازم أبو إسماعيل مع حزب «الوطن» يأتي كنواة تحالف انتخابي للانتخابات البرلمانية القادمة. إلا أن الشيخ أبو إسماعيل قلب الموازين بحركة سياسية مباغتة مؤخرا، أثارت جدلا كبيرا حينما فاجأ الجميع بالإعلان عن تأسيس حزبه السلفي الجديد الذي استقر على تسميته «حزب الرسالة»، في إشارة إلى تنصله من اتفاقه وتخليه عن دعمه كحليف ل«الوطن»، بعد أن أعلن منافسته له في الانتخابات البرلمانية القادمة، وفي ظل إعلانه دعم الكثير من الأحزاب السلفية الأخرى التي خرجت من عباءته مثل أحزاب «الأنصار» و«الشعب» و«الأمة»، الأمر الذي أثار غضب «الجبهة السلفية» التي حملت أبو إسماعيل مسؤولية «تعثر» حزب «الوطن»، بل إن «أبو إسماعيل»، الذي قال إن حزبه سيكون آية من آيات الله، أصبح ينافس حزب النور أيضا على اقتناص دعم «الدعوة السلفية»، وهو ما يعقد حسابات الحزبين السلفيين الكبيرين، ويضعهما في موقف انتخابي حرج، وربما يدفعهما ذلك إلى الائتلاف والتحالف في تلك الانتخابات لمواجهة أبو إسماعيل! وإلى جانب «النور» و«الوطن» و«الرسالة»، توجد مجموعة أخرى من الأحزاب السلفية الصغيرة ذات المرجعية الدينية التي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، منها حزب «الأصالة» وحزب «الإصلاح والنهضة»، وحزب «الفضيلة»، وحزب «البناء والتنمية»، وإن كان هذا الحزب يعبر عن فكر «الجماعة الإسلامية» إلا أنه يندرج تحت قائمة التيارات الأقرب للسلفية.
وفي ضوء المشهد السياسي الأخير الذي جمع سلفيين ومعارضين من «جبهة الإنقاذ» في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، يثور التساؤل حول ملامح علاقة السلفيين ب«الإخوان» خلال الفترة المقبلة خاصة، فيظل الخلاف الأساسي، الذي يؤكده السلفيون، بينهم وبين «الإخوان» والخاص بمبدأ تطبيق الشريعة، إلى جانب مسألة أخرى، أعلنوا كثيرا استياءهم من «الإخوان» بسببها، وهي فكرة الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين، على حد وصف الدكتور خالد علم الدين القيادي السلفي بحزب النور، وهو ما يدفع إلى مزيد من الجفاء بين الجماعة والسلفيين، في ظل سعي السلفيين للتحرر من استخدام «الإخوان» لهم.
الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور الجديد، قال ل«الشرق الأوسط»: «إن السلفيين يسعون بالعمل الحثيث نحو اكتساح الانتخابات والفوز بأغلب المقاعد البرلمانية»، مؤكدا وحدة الفكر والمنهج بين كل السلفيين الموجودين على الساحة، وأنهم الأقرب لبعضهم في التحالف من غيرهم من القوى السياسية الأخرى، فيما يبدو للمراقبين أنه استعداد سلفي لوراثة الإخوان المسلمين وتولي السلطة في انتخابات الرئاسة القادمة، وفق ما قاله الدكتور سعد الدين إبراهيم ل«الشرق الأوسط».
مع ذلك، فإن هناك من يرى أن جماعة الإخوان لن تسكت، بل هناك من يتهمها بأنها وراء ما يحدث من انشقاقات في الأحزاب السلفية لإضعافها.
وعن مستقبل السلفيين السياسي بعد عامين من اقتحامهم المجال، قالت الدكتورة نجلاء مكاوي، رئيس وحدة الدراسات الإقليمية والدولية بمركز النيل للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بالقاهرة، ل«الشرق الأوسط»، إنه «إذا كنا فوجئنا بصعود السلفيين في عام 2011 وبتقدمهم مع الإخوان المسلمين، فإن الوضع الحالي قد اختلف بتغير المعطيات، لأن السلفيين حاليا تجاوزوا حدود قراءتنا للمشهد السياسي بعد أن أصبحوا بالفعل جزءا من التيار الحاكم». وقالت مكاوي: «مهما بدا (الإخوان) والسلفيون مختلفين ظاهريا ومتصارعين، إلا أن هناك أساسا آيديولوجيا واحدا يجمع بينهما، ومشروعهم وهدفهم واحد في المدى البعيد على المستوى السياسي والاقتصادي وشكل علاقتها الخارجية، ولكن السلفيين لأسباب خاصة بهم يتظاهرون بالخلاف مع (الإخوان) كما حدث، وزعموا عدم رضائهم عن الدستور الجديد، ومع ذلك رأيناهم يدعون المصريين للتصويت بالموافقة عليه، وهو ما يؤكد اتفاق (الإخوان) والسلفيين في إطار مشروع واحد، وما يظهر من خلافات مع (الإخوان) فهو حملة منظمة لتحقيق الأهداف والمصالح».
وحول احتمالات الخلاف في الانتخابات البرلمانية القادمة، قالت الدكتورة نجلاء إن «(الإخوان) سيحافظون على تحالفهم مع السلفيين في تلك الانتخابات لتحقيق أغلبية تمكنهم من تفصيل ترسانة القوانين التي تضمن تنفيذ مشروعهم، ومن ثم ف(الإخوان) يحتاجون للسلفيين، كما أن السلفيين لديهم مشروع مرحلي لم يتجاوز حدود التعاون مع (الإخوان)، ومن ثم فهم يعملون على هامش (الإخوان) بمنطق العمل التدريجي وعلى طريقة ما لا يدرك كله لا يترك كله».
وأضافت مكاوي أن «السلفيين، بمن فيهم المتشددون، ليس من مصلحتهم قلب الموازين في مواجهة (الإخوان)، ولا بد أن يتحالفوا معهم حتى يتم التمكين الكامل بالسيطرة على مفاصل الدولة لتحقيق الهدف المشترك.. أما بالنسبة للمعارضة في (جبهة الإنقاذ) وغيرها، فليس أمامها إلا قبول الحوار مع الرئيس مرسي.. وعلى الرئيس أيضا أن يصنع نوعا من التوافق مع المعارضة ولو على حساب الفصائل الأخرى.. لأن (الإخوان) لا يمكنهم معرفة حدود الغضب المتوقع من الشارع المصري حينما يفقدون السيطرة عليه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.