كان والده يوقظه عند صلاة الفجر ليؤدى الفريضة في المسجد، يستيقظ ثم يصعد إلى سطح المنزل حتى يستطيع تدخين (سيجارته)، وبعد الانتهاء منه، يخرج من المنزل، ثم يدخل مع أحداث حركة تُشعر والده أنه قدم من المسجد بعد أداء الصلاة، ويذهب إلى سريره. لقد وصل إلى مرحلة الإدمان، حيث لا تستطيع الاستيقاظ جيدًا إن لم يدخن المخدرات، ساعده في ذلك: "الشغلانة بقت ساهلة، في الجامعة بتلقى الدايرو"، طبقًا لقوله. طريقة الدخول تدخل المخدرات إلى الجامعات عن طريق أشخاص، معظمهم طلاب يتعاملون مع مروجين، يبيعونها للمتعاطين حتى داخل القاعات وأحيانًا أثناء المحاضرات. (الراكوبة)، جلست عدة أيام داخل جامعة عريقة، لتري كيف يتم إدخال المخدرات فيها. تُوجد عدة طرق، من بينها قيام الشخص الذي يروج للمخدرات بإدخال الحبوب المخدرة داخل (قلم شيني) بعد تفريغ حبره، ويملئه بالحبوب. الثانية، يضع الشخص الحبوب في كفة بنطالة، بعد أن يكفه أكثر من مرة لإخفاءها. والبنات المروجات يفضلن أن يحملنها داخل حقيبة اليد. طريقة الحصول حينما تصبح مهووسًا بشيء لن يغلبك الحصول عليه. فالمتعاطي يعرف المروج جيدًا، فبعد أن يتفقا على السعر، يقوم الأول بمنحها للثاني داخل قاعة الدرس، وفي حال لم تجمعها قاعة واحدة، يضع البائع الكمية المطلوبة في مكان ما متفق حوله، وغالبًا ما يكون في أماكن غير مرئية ك"زقاقات الجامعة" و"المحلات المهجورة" و"شقوق الحوائط" و"تحت الحجارة". تقول أحدى الطالبات ل (الراكوبة)، وقد فضلت حجب اسمها لدواعي أمنية، أن زميلتها تروج للحبوب المخدرة داخل الجامعة، حيث تبيع حبة الترامادول الواحدة بمبلغ (300) جنيه. وتشير إلى أن زميلتها تروج أنواع من الحبوب من ضمنها "كابكا، فلوزوبام، وأضان الفيل"، لكنها لا تجد رواج بحكم ارتفاع أسعارها مقارنة بالترامادول. لهذه الأنوع الأربعة، يضيف الخبير النفسي، بروفيسور علي بلدو، نوع خامس يسمي ب"أبو صليب". عدم الرقابة الأمنية "دخلت عالم ترويج المخدرات عبر مدمن، عرفتني عليه أحدى الصديقات، وحجبت عنه هويتي الصحفية". في هذا العالم، وجدت أن البنات أكثر من يروجن للمخدرات فيما الأولاد أغلب المتعاطين. يقول مروج، أن عدد الفئات المتعاطية يزيد كل فترة، لكنه لا ينقص أبدًا. يكشف هذا المروج، عن قيام جهات يتعاون معه بمده وصفة طيبة موقعة من أحد الأطباء (روشتات) ليستطيع عبرها شراء الأدوية المخدرة من الصيدليات، ثم يقوم بترويجها. يقول: "هنا الربح أكثر ومضمون، كما أنه تستطيع مخارجة نفسك حال ضُبطت متلبسًا"، بيدك وصفة طيبة. ويشير إلى بيع (البنقو) مغامرة، لا يستطيع القيام به، كما أنه المتعاطين له قله، خلافًا للحبوب. يقول المروج إن بعض المروجين من جامعات أخرى يأتون إلى جامعته لعرض المخدرات على الطلاب المتعاطين. بدأ غاضب من المنافسة، لكنه لا يملك خيار الاعتراض. جلسة وسط الطلاب أثناء جلوسي وسط الطلاب (المتعاطين)، بدأت أحادثهم على طريقتهم في الكلام، فهم يحسبوني متعاطية لذا لم يشكون. لاحظت أثناء حديثهم أنهم مخدرون تمامًا وبعضهم يصل إلى مرحلة فقدان الوعي. ولتوضيح ذلك: "جاءت أحدى الفتيات وجلست محتكة بأحد اصدقائها بطريقة ظاهرة، جلست على نصف رجله، ثم نهضت"، كان ذلك في ركن قصي، وأغنية صاخبة من تلفون أحدهم تشتغل، "وأخذت تتحدث في مواضيع شتي لا يوجد بينهم رابط". ومن هذا المكان، توجهنا إلى محل بائعة شاي، فالقهوة عند متعاطي المخدرات شيء لا غني عنه، حسبما فهمت منهم. وبعد الانتهاء من شرب القهوة، لاحظت أن بعض أفراد المجموعة يتمايلون بعد وضع سماعات الأذن على أذانهم لسماع موسيقى الصاخبة. جرائم تحت التأثير أوردت الكثير من الجرائم الصادمة التي نفذت تحت تأثير المخدرات، أصحابها موارد الهلاك. من بين تلك الجرائم، طالب جامعة الرباط الذي قتل زميله قبل عدة سنوات داخل شقتهم في أحدى أحياء الخرطوم البرزاجوية، وعند ارتكابه للجريمة كان تحت تأثير المخدرات. والشاب الذي قتل رجل المباحث ايضا كان تحت تأثير المخدرات. والعصابة المكونة من طلاب كلية الطب المنتسبين لأحدى الجامعات الخاصة، الذين تم ضبطهم بجريمة سرقة إطارات السيارات وبيعها، اعترفوا حينها بأنهم لجاؤا إلى هذا العمل الإجرامي لأجل توفير أموال المخدرات. أيضا تشير معلوماتنا إلى أن الطالب الذي أنهى حياة جدته وأخواله ذبحا وحرقا، تلك الحادثة التي عرفت "بمجزرة المسلمية، كان تحت تأثير المخدرات. ومعظم حوادث اغتصاب وقتل الأطفال يتضح جليا أن وراءها متعاطي المخدرات، مرتكبي هذه الجرائم معظمهم من الشباب وخاصة الجامعيين. تجاوزت ال(25%) قال على بلدو، استشارى الطب النفسي والعصبي، أن نسب إدمان طلاب الجامعات في عموم السودان تتجاوز (25%) بكافة أنواع المخدرات، وهذا ناتج عن الظروف الأسرية المعقدة التي يعيشها الكثير من الطلاب والضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تمارس عليهم، بما يدفعهم كمروجين وتجار للمخدرات، حيث يمارس معظم الطلاب هذه المهنة باعتبارها وسيلة سريعة للكسب. وأضاف ل(الراكوبة) إن بعض الطلاب يعانون من إشكالات التأقلم والتعايش والتكيف مع الواقع الجديد، والاضطرابات الوجدانية، فيصبح "لقمة سهلة" في أوهام كثيرة يقولها المروجين بأن هذه المخدرات تساعد على التركيز وعلى التأقلم مع جو الجامعة والتحصيل الأكاديمي الجيد، وتساعد على الإبداع. وقال هذه كلها أوهام "تعشعش" في إذهان كثير من الطلاب والطالبات تدفعهم إلى عالم المخدرات. تقول مديرة مركز حياة للعلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي، رحاب شبو، إن (90%) من المترددين لتلقى العلاج هم طلاب، وأعمارهم تتفاوت ما بين (17) إلى (23) عامًا. وأفادت، خلال حديثها ل(الراكوبة)، أن مركزها يستقبل (7) ألف مدمن سنويا وقالت إن الفراغ وعدم الرقابة والمشاكل الأسرية وأصدقاء السوء من أهم الأسباب التي تجعل الأشخاص يعودون مرة أخرى إلى الإدمان بعد العلاج.