جدة - كمال مصطفي - يعتبر يحيى البشري مصمما متمردا يعود له الفضل في إحداث تغييرات جوهرية في عالم الموضه السعودية لاسيما شكل الثوب رغم التحفظ الشديد الذي صادفه، فقد فتح نافذة كانت موصدة لعقود وتمكن بعبقرية وحس فني رفيع من إدخال اللون والتطريز للزي الرجالي والموديلات الجريئة للسيدات بعد أن ظلت راكدة في مخازن الماضي لعدة عقود فقد أعلن قبول التحدي والقفز فوق الصعاب وفي حواره مع وكالة الأنباء الألمانية ( د ب أ)قال البشري "ولدت في مدينة أبها في جنوب السعودية ثم انتقلت للحياة بجدة مع أخي الأكبر وأنا في عمر الثامنة، ثم بدأ الإحساس الفعلي بالميول الفنية كالأدب والشعر وأنا في عمر الثالثة عشر وفي هذه المرحلة لم تكن الموضة ضمن دائرة الاهتمام، وهو أمر طبيعي لأننا في العالم الثالث تجد العديد من المواهب التي اكتشفت طريقها للنجومية بالصدفة القدرية، ومن هنا بدأت الدراسة في ميلانو بايطاليا عام 1986واكملتها في الأكاديمة الفرنسية الأمريكية في الحي اللاتيني في باريس وتخرجت عام 1988 ثم عملت فيها كمحاضر عام 1989". ويواصل البشري رصد مشواره مع عالم الأزياء فيقول" تعرضت لمشاكل عديدة من الأهل بمجرد علمهم بوجود علاقات مع الأدب والشعر والفنانين فبدأت أكتب في الصحافة باسم مستعار وعملت مع جريدة سعودي جازيت خلال دراستي لإدارة الأعمال في جامعة الملك عبد العزيز بجدة حين كان عمري18 عاما، ومن هنا بدأت مرحلة التمرد على كل القيود ". ومن المعروف أنه ليس كل من أمسك بقلم ورسم أصبح مصمما للأزياء لأن التصميم علم له قواعده ومرتكزاته التي تتفاعل مع الموهبة المطلوبة لصنع مصمم متمكن وقادر على تحريك الرؤية الفنية لواقع يمكن تخطيطه ورسمه على القماش وإنتاج إبداع بشكل مدروس وبمقومات البقاء والقدرة على الإرتقاء. وهنا يؤكد المصمم السعودي على أن الرسم ودراسة تاريخ الأزياء في مختلف الأمم الفرعونية والصينية واليابانية والأوربية والهندية هام جدا في تكوين الشخصية الفنية والأكاديمية للمصمم لأنه يتعرف على الأسس التي يتم بناء التصميات عليها، لأن لكل أمة مقايس وأحجام أجسام متباينة ومختلفة . الجدير بالذكر أن البشري قد اختار في البداية خط الهوت كوتيورالراقي في بداية مشواره عام 1989ولم يكن الهدف انتقاء صفوة المجتمع ليصبح مصمم نخبوي. بعدها قدم أول عرض في حياته للهوت كوتير في مصر وهو معرض نسائي لأنه حتى هذا التاريخ لم يكن قد دخل بعد عالم موضة الرجال حتي دعته الأميرة "هيا بنت الحسين" لإقامة نفس المعرض، وهنا قرر أن يقوم بتجربة لوحة اسماها "انتفاضة " مكونة أساسا من الشماغ الفلسطيني، وهنا قرر المشاركة في أسبوع الموضة في باريس كأول عربي يصل إلى هذه التظاهرة العالمية . ومنذ عام 1990 أصبح البشري عضوا في النقابة الفرنسية. وفي عام 1997 استدعاه الشيخ صالح كامل وطلب منة تصميم جديد للموضة الرجالية لأهل مكة فتم تصميم اعتبر نقلة في الإضافات الجمالية والخامات كالقطن مع الفسكوس وغيرها من الابداعات التي طبقت لأول مرة في تاريخ الأزياء السعودية المعاصرة. ويضيف البشري قائلا"رغم فترة التصادم التي اتهموني خلالها بطمس التراث السعودي إلا أن باكورة الإنفتاح جاءت بعد إدخالي للألوان على الثوب الرجالي لاسيما اللون الأسود والأزرق وهو ما وجدت من خلاله كل الدعم والإعجاب من المسئولين" . ويعتبر البشري هو أول من أدخل الدقلة وتم تكليفه لتصميم أزياء مسرح الجنادرية عام 1997الذي كان بمثابة نقطة تغيير محورية في شكل الثوب في المجتمع السعودي ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن أصبح هو المسئول الأول عن تصميم أزياء الجنادرية الرائع. وفي عام 2009 كان هناك لقاء مع الأمير فيصل بن عبد الله الذي طلب مشاركته في معرض هدية الصحراء في ولاية كنتاكي الأمريكية. وهنا استوحي الأزياء من الخيول العربية التي اكتشف وجود علاقة حب عميقه بين الخيول والإنسان لدرجة أن كلاهما يمكن أن يموت إذا مات الطرف الآخر فاتقن إظهار علاقة الحيوان بالإنسان عام 2010 بمناسبة إقامة الديربي حيث تم إظهار علاقة الخيول بالمشاهير مثل: نابليون بونابرت الذي لعب الحصان العربي دورا فاعلا في تحقيق انتصاراته، كذلك جنكيز خان وغيرهما من الرموز. ويغوص البشري في ذكريات الماضي ويحكي قائلا:" الليدي ديانا هي التي كان لها الفضل في دخولي لباريس وبمثابة جواز السفر الذي مهد لي الطريق لأسبوع الموضه في باريس، ومن هنا يمكن القول أن التعليم والموهبة والخبرة هي مثلث متكامل لتحقيق النجاح في عالم الأزياء ". وفي نفس السياق أشارت مريم محسن العمري المذيعة في إذاعة البرنامج الثاني في جدة أن يحيي البشري وصل لمرحلة متقدمة وأعطى المجتمع السعودي ثقافة جديدة لاسيما الزي الرجالي الذي برع فيه لقلة المصممين لموضة الرجال. ومن هنا فقد اعتبره الرجال مصمما غير مسبوق وأحدث نقلة نوعية لاسيما في لدقلة - التي يرتديها الرجال فوق الثوب في مناسبات الزواج. وأضافت مريم في حديثها مع وكالة الانباء الألمانية ( د ب أ)أن الزي الرجالي ظل جامدا لا يواكب حركة التغيير والتحديث الذي يواكب حركة الحياة المعاصرة في العالم، فكل ألوان الموضة تغيرت تقريبا ما عدا الثوب الرجالي السعودي الذي تم اختزاله في اللون الأبيض وبعض الألوان القليلة التي كان أصحابها يرتدونها على استحياء خوفا من تعليقات بعض المتحفظين من معارضي التغيير. من جانبه أكد الإعلامي عبدالخالق عبدالله الزهراني - مدير فرع وزارة الثقافة والاعلام في مطار الملك عبد العزيز بجدة ورئيس تحرير عدة مجلات - على أن تصاميم البشري تقبلها المجتمع السعودي لأنها مناسبة للبيئة ومتناغمة مع التقاليد الشرقية كما أنها أصبحت الزي المعتمد لكبرى المناسبات التراثية لاسيما الأوبريت الضخم الذي يقدم في الجنادرية ويشارك فيه الصف الأول من المطربين، كما يتفاعل فيه صفوة المجتمع السعودي من مثقفين وفنانين فغدت لمساته ورونق انطباعاته على شكل الثوب بمثابة الإلهام لكل عاشق للذوق . وأضاف الزهراني في حديثه مع " د.ب.أ "البشري هو المصمم السعودي الأول فيما يتعلق بالتصميم والإبتكار والتعامل بحرفية مع الألوان في الأزياء النسائية والرجالية فأصبح قدوة لمصممين أزياء آخرين لأنه كسر روتين الثوب السعودي التقليدي كما صمم موديلات للأثواب والدقلة التي يهواها أهل جدة لأنها تتناسب مع كل الفئات العمرية، مما جعل المجتمع السعودي لاسيما في المنطقة الغربية يتقبلها بكل اعتزاز . ولاشك أن نجاحه في تصميم أكثر من 850 فستان زفاف في كل من السعودية والبحرين والكويت والإمارات والأردن ومصر يعكس إمكانياته كفنان مبدع في عالم الأزياء السعودي والعربي لأن تصميم هذا العدد بكل تفاصيله الدقيقة لكل عروس على حدة عمل ضخم وغير مسبوق ويستحق التقدير .