سألني كثير من الأصدقاء ، ماذا يحدث بالضبط في اثيوبيا ، ولماذا هذه الحرب التي احتلت فجأة العناوين الأولى في كل نشرات الاخبار، رغم غمرة الاهتمام العالمي بالانتخابات الامريكية بدأت ارهاصات هذه الحرب منذ وصول رئيس الوزراء الاثيوبي "ابي احمد" للسلطة في ابريل 2018 ، وشروعه في (تغير هوية) النظام الاثيوبي القديم بشكل كامل ، و بطبيعة الحال كانت "جبهة تجراي" في صلب معادلة هذا التغيير باعتبارهم الفاعليين الأساسيين لتلك الحقبة.. استمرت حملة "ابي احمد" في تقليم اظافر "الجبهة" وتقليص نفوذها بلاهواده، وتوجت هذه الجهود بدمج الأحزاب الأربعة المكونة ل "الائتلاف الحاكم" .. في حزب واحد وهو "الازدهار" يطبيعة الحال رفضت "جبهة تجراي" ، هذا الدمج ولم تلتحق بالحزب الجديد.. قام ابي احمد حينها رسميا، بشطب "الائتلاف الحاكم" من قائمة الأحزاب المسجلة، وهو ما افقد "جبهة تجراي" اخر ما تبقى لها من نفوذ في الحكومة الفيدرالية كانت المناكفات بين المركز وجبهة تجراي، تأخذ ابعاد سياسية ودستورية.. واحيانا اقتصادية، بعد ان قرر ابي احمد تغيير العملة الاثيوبية، ليتحول اغلب ما اختزنته" الجبهة" من أموال، مجرد سراب، حيث حدد البنك المركزي، لتحويل العملة القديمة بالجديدة، رقما معينا، وما زاد عن ذلك يتطلب تحقيقا وإثباتات عن مصدر هذه الأموال كانت التوترات بين اديس ابابا وإقليم تجراي لا تهدأ و تتصاعد بشكل مضطرد، لكنها لم تأخذ ابدا منحى المواجهات العسكرية تصعيد كبير حصل بين الطرفين، بعد ان قررت جبهة تجراي اجراء الانتخابات بشكل منفرد في سبتمبر الماضي، وكانت الحكومة الفيدرالية قد قررت تأجيل الانتخابات بسبب وباء كورونا، والتزمت كافة الأقاليم بذلك ، ما عدا جبهة تجراي، التي اجرت الانتخابات، وزدات على ذلك بان أعلنت عدم اعترافها بالحكومة الفيدرالية، باعتبار ان ولايتها انتهت في 5 أكتوبر.. بدورها قامت الحكومة الفيدرالية بنفس الخطوة، واعلن البرلمان الاثيوبي، ان انتخابات تجراي غير شرعية،و ان حكومة الإقليم المنبثقه عنها، حكومة غير شرعية، و قررت قطع علاقة المركز مع السلطة التنفيذية والتشريعية في إقليم تجراي كانت شرارة الحرب، عندما اعلن الجيش الفيدرالي، وضمن قراراته الدورية، المتعلقة بالمهام العملياتية وتغير القيادات وتحركات القوات المسلحة، اعلن تغيير عدد من قادة القواعد العسكرية في اثيوبيا ،حيث توجد في اثيوبيا اربع قواعد عسكرية ، شمال وجنوب وغرب و شرق .. من القواعد التي شملها التغيير في قياداتها ، القاعدة الشمالية الواقعة في إقليم تجراي تعتبر القاعدة الشمالية ، من اكبر القواعد الاثيوبية ، وتحتضن 50% من العتاد العسكري والحربي.. ومدرعات ودبابات الجيش الاثيوبي، باعتبار ان تلك القاعدة كانت على مدى عقدين ، حجر الزاوية في الحرب التي خاضتها اثيوبيا ضد ارتريا رفضت "جبهة تجراي" قرار الجيش الفيدرالي، القاضي بتغيير قيادات القاعدة الشمالية.. وبررت رفضها بانها ومن باب عدم اعترافها بالحكومة الفيدرالية المنتهية ولايتها فان، لن تمتثل للقوانين والتوجيهات و اللوائح التي تسنها الحكومة الفيدرالية .. كما رفضت "الجبهة" ادخال الجنرال جمال محمد الي مدينة مقلي، عاصمة الإقليم.. وهو الذي تم تعيينه كنائب للقاعدة الشمالية ،حيث كان قد وصل الي اقليم تجراي لاستلام مهامه ،لكن تم اجبارة على المغادرة في نفس الطائرة التي جاء بها ، وهو ما استفز بشكل كبير جنرالات الجيش الاثيوبي لم تكتفي الجبهة بذلك بل أصدرت لاحقا بيانا قالت ان رفضها تغيير القيادات.. لم يكن الأول ، وانها سبقت وان رفضت قرار فيدراليا بنقل قوة برية من القاعدة الشمالية الي غرب إقليم أوروميا، وأضاف البيان ان القاعدة الشمالية تم عزلها عن المشاركة في "قتل المدنيين" على يد الجيش كما هو الحال في باقي أنحاء البلاد ، وان حكومة إقليم تجراي تقدم خدمة لبقية البلاد، من خلال منعها من أخذ أوامر من الحكومة الفيدرالية لاحقا وتحديدا في 31 أكتوبر ، اصدر الجش الفيدرالي ، بيانا شديد اللهجة ، أوضح فيه ان الجيش مؤسسة وطنية و مهنية ، بعيدة عن أي تحزبات سياسية ، وانها لا يخضع لأي مجموعة سياسة، وان الجيش يقوم بواجبه الوطني لحماية الدستور والبلاد، وما أصدره من قرارات تتعلق بالمهام العملياتية وتغير القيادات، هو جزء من مهامها التي كفلها له الدستور تحقيقا لاداء واجباته و ضمان سلامة الشعب.. وان تشويه سمعه الجيش امر غير مقبول، وانتهاك صارخ، وطالب الجيش.. الجبهة بتصحيح هذا الخطأ وتقديم اعتذار كان واضحا من بيان الجيش، انه سيقوم بخطوة عمليه، في اتجاه فرض هيبته علي قواعده العسكرية ، ويبدو ان جبهة تجراي استشعرت هذا الخطر ، خاصة ان قرارها بتحدي الجيش لن يمر مرور الكرام .. لذلك قامت في 4 نوفمبر .. بخطوة استباقية ، وبهدف تحييد القاعدة الشمالية ومصادرة أسلحتها ، حتى لا يستخدمها الجيش ضدها ،، حاولت الاستيلاء على القاعدة بمساعدة المحسوبين على الجبهة، من الموجودين داخل القاعدة، وهم كثيرون فكان الامر اشبه بانشقاق داخل القاعدة ، وهو ما لاقى مقاومة من القيادات والجنود غير المنتميين للجبهة ، لتدور داخل القاعدة ، معارك ضارية بموجب هذا التطور الخطير.. اعلن رئيس الوزراء الاثيوبي، بشكل رسمي بدء المواجهات العسكرية ، مشيرا ان الجبهة تخطت الخط الأحمر ، وتم اعلان حالة الطوارئ في الإقليم، وقطعت الاتصالات والكهرباء والانترنت ، وبدأ الجيش الفيدرالي في حشد قواته من مناطق أخرى، فضلا عن محاصرة إقليم تجراي عبر الأقاليم المجاورة الوضع الميداني، يشير حاليا إلى تقدم الجيش الفيدرالي، في مناطق غرب الإقليم بسبب الدعم الذي تقدمه قوات إقليم امهرا للجيش ، فقد سقطت بيد الجيش مناطق مختلفة من ابرزها مدينة حومرا، وهناك حشود للجيش من جهة جنوب الإقليم، ومن جهة إقليم عفر، فضلا عن القصف الجوي الذي يهدف الي تعطيل الأسلحة الثقيلة التي بحوزة الجبهة .. تعول الحكومة الفيدرالية في تحقيق أهدافها على الحصار المطبق على الإقليم من كافة الجهات، ما يقطع الطريق أمام أي امدادات متوقعه ، لكن طبعا هذه الأمور غير كافية لحسم الحرب لأن الحكومة الفيدرالية تواجه في إقليم تجراي معطى إثنيا وخبرة عسكرية ليست في صالحها حاكم إقليم تجراي دبريصون ، في اخر تصريح له 8 نوفمبر ، قال انه من الأفضل وقف القتال والتفاوض ، لكنه اكد ان الإقليم سيواصل الدفاع عن نفسه يبدو من تصريح دبريصون ، ان هناك شعور بان التجارو تركوا وحيدين في هذه المعركة، الاتحاد الافريقي لم يتدخل رغم وجود مقره في اثيوبيا ، كافة الأقاليم الاثيوبية أعلنت دعمها لابي احمد وتبرأت من جبهة تجراي .. بل ان اقاليم إثيوبية باتت تحارب ضد الجبهة بشكل شرس الصين الحليف القديم والقوي للتجراي ، في صمت مبين ، بكين لديها حسابات أخرى في هذه المرحلة، مرتبطة بتعزيز علاقاتها مع افريقيا،علي حساب قوي اخرى.. ولا تريد خسارة حكومة ابي احمد حكومة تجراي ارسلت اكثر من مناشدة للمجتمع الدولي ، لكن ردود الأفعال لم تتجاوز حدود التعبير عن القلق .. السودان وجيبوتي الحلفاء السابقين للتجراي، اقفلوا حدودهم واعتبروا المسالة شأنا داخليا .. الولاياتالمتحدة لا تبدو معنية في هذه المرحلة بحل الأزمة في مستواها الحالي في ظل هذه المعطيات، ترى اديس ابابا في ما يحدث فرصة استثنائية، وتريد حسم المسالة عسكريا بأسرع وقت ممكن ، قبل ان يتحرك المجتمع الدولي الذي لا زال مكتفيا بالتصريحات الداعية الى التهدئة ومراقبة الوضع، لذلك ترى جبهة تجراي ان المجتمع الدولي أكذوبة كبرى، والتحالفات غير المتوازنة وغير المبنية على مصالح متبادلة مجرد وهم هذه مجرد معلومات ، لبعض المعطيات وليس كلها لأن الموضوع طويل ومعقد وشائك، لا أزعم أن هذه المعلومات جامعة مانعة، وانما هي مساهمة في فهم ما يحدث، وبلا شك ان الحرب بكل اشكالها مؤلمة و في النهاية، من يدفع ثمنها أولئك الذين لم يشعلوها.