غريبة ومحيرة تركيبتنا نحن السودانيين. بعضنا، وربما أكثريتنا تكفي الواحد منهم صورة بجانب وزير أو مسئول رفيع أو حتى شخص notorious ولو كان ذلك في أحلك الظروف وأشدها سوءاً لنعبر بعد ذلك عن مدى سعادتنا بالوزير، المسئول الرفيع أو الشخص الذي كسب شهرة واسعة بأفعاله الشريرة. تصغي لمعارض، أو تقرأ لكاتب مرموق، أو تتابع مثقفاً يملأ الدنيا ضجيجاً ويحدث الناس عن ضرورة مناهضة المفسدين وحين يسدل الليل أستاره تجد ذات من كان يحدثك أو يكتب لك نهاراً برفقة أحد أشد المفسدين فتكاً بهذا الشعب المتُعب. ولا تستغرب عزيزي القاريء إطلاقاً إن وجدت كاتب هذه السطور يهلل لدكتور حمدوك غداً، أو يكتب عن إنجازات وهمية للدكتور هبة، أو يبريء ساحة القتلة والمجرمين. فأنت في السودان بلد العجائب والمتناقضات. ألاحظ هذه الأيام أن الحكومة الانتقالية العاجزة الفاشلة التي تمثل بوابة فسيحة لخروج الكيزان المفسدين سالمين غانمين من جرائمهم.. ألاحظ أن هذه الحكومة كلما ضاق الخناق على السودانيين وبدلاً من تقديم الحلول الناجعة للأزمات التي يعانونها تخرج عليهم بحملة إعلامية لتسويق المزيد من الأوهام. يلزم رئيس الوزراء صمتاً مطبقاً لأشهر وحين يشعر بأن الناس قد ضاقوا وأوشك صبرهم على النفاد يخرج عليهم بواحد من لقاءاته التلفزيونية عديمة الطعم واللون ليجدد وعود (العبور) الزائفة. ويتكدر صفو خلق الله من تقاعس الحكومة وعجزها (المتعمد) أمام المشاكل فتبدأ بعض وسائل الإعلام في التسويق ل (وهمات) جديدة. عجبت ورفعت حاجب الدهشة حين وردت لهاتفي مجموعة صور تعكس زيارات يقال إن وزير الشباب والرياضة تقوم بها لعدد من ولايات السودان، ولقاءات يُشار إلى أنها عقدتها مع أعداد كبيرة من الشباب لمناقشتهم في القضايا الوطنية!! لقاءات تفاكر بعد عام ونيف من تشكيل الحكومة!! أي هراء، وأي استبهال هذا بالله عليكم! الوزراء الذين يرغبون في استصحاب رؤى مواطنيهم حقيقة يفعلون ذلك بعد تولي المناصب بأيام أو أسابيع قليلة. أما أن (يلتصق) الواحد منهم بكرسيه لأكثر من عام ينفذ خلالها أجندة لا علاقة لها بمصالح هذا الشعب المسكين، ثم بعد ذلك يقرر إن يلتقي بمواطنيه لمناقشتهم في المشاكل فهذا ما لا أجد له وصفاً سوى ( استهبال). فبعد عام كامل من تشكيل الحكومة يريد الناس أن يروا ثمار عمل الحكومة. بعد كل هذه الشهور الطويلة يتوقعون أن يخرجوا صباحاً فيحصلوا على الخبز والغاز وكافة احتياجاتهم بسهولة ويسر. بعد ما يقارب العام ونصف يخرج السودانيون من بيوتهم لكي يروا كل من أفسدوا حياتهم ونهبوهم وشردوهم وعذبوهم وقتلوهم قد وجدوا ما يستحقونه من عقاب. يتطلعون لأن يشعروا بأن الأموال المُستردة من اللصوص قد أسهمت في توفير لقمة عيشهم التي عانوا فيها لسنين عددا، لا أن يحدثهم أعضاء لجنة التفكيك المزعومة بين الفينة والأخرى عن (الصواميل) وصراخ الكيزان. فلا أحد صرخ في هذا البلد منذ تولي هذه الحكومة الواهنة سوى الثوار الذين جعلوا التغيير ممكناً. أما الكيزان الذين يحدثنا وجدي ورفاقه عن صراخهم المفترض فما زالوا يمدون ألسنتهم طويلة في وجه كل ثائر. ولِم لا يمدون ألسنتهم (الزفرة) طويلة وهم ما زالوا سادة البلد بالرغم من تضحيات الشهداء (رحمهم الله وأنزلهم منزلة صدق)! إن ظن وجدي ورفاقه أننا سنظل نطرب للكلام المتكرر عن صراخ وعويل الكيزان يكونوا واهمين حقيقة. فالثورات لا تتحقق شعاراتها بالحديث وكثرة الطلة (التي تمسخ خلق الله) بل بالعمل الجاد الملموس والأفعال التي يجب أن يحس بها المواطن، لا أن يحدث عنها في كل مرة. ولا يكفي بالطبع أن يقول رئيس الوزراء – بعد أن شعر بوعي الكثيرين لما يجري- لا يكفي قوله أن اللجنة ستستمر في أداء مهمتها الثورية وأن بعض الأموال المستردة قد وُظِفت في توفير الاحتياجات. هذا مجرد كلام يبدو أنه وليد لحظته وقد فرضته الظروف، لأن وزيرة المالية التي تعمل تحت إمرة حمدوك نفسه رددت أكثر من مرة أن البلد بلا موارد، ولم تحدثنا ولو مرة واحدة عن الأموال المستردة أو تحدد بالأرقام ما تم استلامه وأوجه الصرف. كما أن أعضاء اللجنة أنفسهم أعادوا على مسامعنا غير مرة أن وزارة المالية لم تتسلم منهم الأموال المُستردة. فلماذا لا يصدقنا دكتور حمدوك القول!! ألهذه الدرجة يحتقرون هذا الشعب ويستهترون بكل تضحياته التي مكنتهم من هذه المناصب!! إن كانت هناك أموال وعقارات ومؤسسات مستردة حقيقية فكان من الواجب أن يظهرها تلفزيون (لقمان) بدلاً من استضافة مثل ذلك الأستاذ الجامعي غير المحترم وبذي اللسان. نعم كان من المفترض أن تعكس أجهزة إعلام الثورة بالصوت والصورة إنجازات لجنة التفكيك، وأن نسمع ونرى أرقاماً محددة، فمثل هذه الأمور لا ينفع فيها الكلام (الساي). فالشعب قال قبل سقوط (الساقط) البشير أنه يقود ثورة وعي لا تجدي معها الغتغتة والدسديس. لكنهم للأسف ما زالوا يغتغتون ويدسدسون. والأسوأ من ذلك أنهم (يستهبلون) ويحاولون إلهاء الشعب بكلام معسول ووعود زائفة لا تقدم، بل تؤخر وتفسح المجال للمزيد من الويلات.