الولايات المتحدة تعلن في الاثنين الرابع عشر من ديسمبر 2020 رفع إسم السودان من قائمة الدول "الراعية للإرهاب". وهذه الخطوة ستعيد الخرطوم إلى الأسرة الدولية، اتخذت واشنطن قرار وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، في ظل النظام السابق، بعدما اتهمته الولاياتالمتحدة بأنه يؤوي إرهابيين محليين ودوليين، بمن فيهم زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن. بعض المحللين السياسيين إعتبر أن رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الإمريكية يعتبر نجاحا دبلوماسيا لدكتور عبدالله حمدوك وحكومته الإنتقالية ، ألا أن بعضا آخر إعتبرها مكرا سياسيا أمريكيا ، أوقع فيه الجانب الامريكي السودان في مصيدة التطبيع مع إسرائيل ، لكن بالنسبة للشارع السوداني المتلهف لمثل هكذا قرار ، تفاعل بإيجابية وأعتبره بارقة أمل في الخروج من الأزمات التي تخنق بالإقتصاد السوداني ، بإعتبار أن القرار يعيد للسودان موقعه في المجتمع الدولي . أما أولئك الذين انتقصوا من قيمة القرار ،أرجعوه الى أن المفاوضات بين الجانبين قد بدأت قبل قيام الثورة والمسألة كانت مسألة وقت لا أكثر ، وهذا فيه تبخيس للجهود التي بذلت في هذا الصدد من قبل حكومة حمدوك ، كما أن هناك الذين ربطوا القرار بالمحادثات الجارية بين الجانب الإسرائيلي والسوداني أو التعويضات الخاصة بأهالي الضحايا في المدمرة كول والسفارة في نيروبي، حيث يقدر هؤلاء النفر من الإعلاميين والسياسيين بأنه قرار لا يخلو من إبتزاز أمريكي ،لكن لن تفوت على فطنة الحكومة الإنتقالية أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوى عظمى ومهيمنة على مفاصل الإقتصاد ، الأمن والسياسة الدولية ، لن تقدم بيمينها شيئا ما لم تأخذ بيسارها أضعافا مضاعفة ، زيارة وزير الخارجية الأمريكي في زيارته الأخيرة للخرطوم من المحتمل أن يكون قد وضع على منضدة الحكومة شروطا وإملاءات للنظر فيها بإيجابية وإستيفاء بعضها وتتركز في موضوع تحريك قضية التطبيع مع إسرائيل ، إيقاف أي تمدد أوجود تركي أو إيراني على البحر الأحمر ، الوقوف مع مصر في مفاوضات سد النهضة ، المساهمة في إستقرار منطقة القرن الأفريقي وكبح جماح القوى الأسلامية في الصومال ، العمل الجاد لمنع غسيل الأموال أي كانت متوطنة أو عابرة و المساهمة الفاعلة في قضية منع الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية للغرب ، المفاوض السوداني قادر على تخطي الصعاب والمزالق في مثل هكذا ملفات معقدة وشائكة ومتوقع مناقشتها مع الجانب القوي . (فالأعمال تقدر بخواتيمها في كل الأحوال فلحكومة د عبدالله حمدوك أجر الأجتهاد و النجاح .) القرار له إنعكاسات إيجابية بدأت تظهر ملامحها في الأفق ، وزارة الخزانة الأمريكية أطلقت القيود على كل الحسابات الحكومية السودانية وسمحت للبنوك الأمريكية التعامل المباشر مع البنوك العاملة داخل السودان مما يوسع من دائرة المعاملات المالية ويجعل من حركتها للداخل السوداني أمرا لا يخضع للتعقيد الإداري والأمني ، كما يتيح لرؤوس الأموال الإستثمارية الغربية بالدخول في مشاريع إستثمارية في مجالات البنى التحتية ، الصناعة والزراعة ،كما أن هذا القرار أيضا إنعكس على سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ، وسينعكس على حركة الموطن السوداني في بلدان العالم . كما أن للقرار إيجابية في أنه يتيح للسودان الجلوس الى الدائنين في المؤسسات المالية ومعالجة مسألة إسقاط الديون لدى تلك المؤسسات الدولية والتي بلغت 60 مليار دولار 45.9% منها فوائد وجزاءات عن عدم القدرة على التسديد ، ومن محاسن القرار أن تبعه تعهد أمريكي بإقراض السودان مليار دولار لمقابلة سداد أصول الديون لدى البنك الدولي ، كما إن إنعتاق السودان من هذا الحصار الجائر ، سيفتح قنوات الإتصال مع مؤسسة التنمية المالية الدولية التابع للبنك الدولي للحصول على المساعدات التنموية السنوية للدول المثقلة بالديون والتي تقدر بمليار ونصف المليار دولار سنويا. ألا أن الحكومة السودانية تسعى سعيا حثيثا حسب تصريح رئيس مجلس الوزراء مع الجهات المعنية الأمريكية لإستصدار الحصانة من أي ملاحقات جناية تتعلق بأي عمل تطرفي على المصالح ، المنشآت أو المواطنين الأمريكيين مستقبلا، بعد هذا الإنجاز الكبير لحكومة د عبدالله حمدوك ، يتطلب من الحكومة أن تسرع في تشكيل حكومة تكنوقراط بمسحة توافقية مع كل الكيانات السياسية لمقابلة متطلبات مابعد رفع إسم السودان من تلك القائمة الحالكة السواد : 1 ) أن يتم وضع خطط واضحة لشراكات إستثمارية مع رؤوس الأموال التي من المتوقع قدومها للسودان. 2) تهيئة بيئة الإستثمار قانوناو نظاما وتطهير أجهزته من كل الذين أساءوا لهذا الجهاز من المفسدين والمرتشين والسماسرة . 3) أن تفرض الدولة ولايتها وإمرتها على الثروات كافة وأن توقف عمليات النهب المنظم في غياب هيبة وسلطان الدولة عليها. 4 ) أن توجه كافة الموارد الى الإستثمار في الزراعة والإنتاج الحيواني والإستفادة من عائدات القيمة المضافة . 5) العمل على ضبط الأسواق والأسعار للمنتج المحلي وفرض رقابة الدولة على الإستيراد . 6) العمل على تفعيل ما تم الإتفاق عليه في المسارات الخمسة في إتفاق جوبا بالأخذ في الإعتبار موارد كل إقليم أو أقاليم معنية والإستفادة منه في تطوير الأقاليم المعنية ، جاهزية الحكومة في المرحلة القادمة ضرورة أكثر أهمية من قرار رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، هل في مقدور حكومة الشراكة ، المدنية العسكرية وقوى السلام قادرة على أن في حالة الجاهزية المطلوبة التي تكفل الإستفادة القصوى من هذا القرار .. فلننتظر ،