– ميرغني ديشاب – مقال (لأهوت الكباشي)، للأستاذ كمال الجزولي كان قد نشر في صحيفة سودانايل الالكترونية في1/12/2020م. كان الدكتور أحمد طراوة قد عقب على المقال متناولا اعتراض الفريق شمس الدين الكباشي علي عبارة ( فصل الدين عن الدولة ) التي كانت ورشة جوبا بصدد أصدارها واستبدالها بعبارة ( علاقة الدين بالدولة ) التي كانت لا معني لها في عبارة الأستاذ كمال الجزولي الذي قال في ختام مقاله أنه يسعده أن يفتح باب روزنامته الراتبة لكل راغب في مناقشة ( فصل الدين عن الدولة ) عند منسوبي ورشة جوبا، و ( علاقة الدين بالدولة ) عند الفريق الكباشي. ابتداء، لقد رتب الأخوان المسلمون أمرهم في اغسطس من عام 1985م، في ندوة مادة التربية الإسلامية التي عقدت في المركز الإسلامي بالخرطوم الذي تحول إلي مسمي ( جامعة أفريقيا العالمية ) حوالى عام 1993م. تلك الندوة هي التي شملت كل ما فعلوه من العام 1989م حتي عام 2019م. وفيما نري، كان أخطر ما فعلوه، قولا وعملا، مصطلح ( القوي الأمين )، الذي به تم احلال جماعات الأخوان المسلمين ومشايعيهم نداء من اقاصي الدنيا حتي ملاوا بهم الخدمة المدنية في وظائف عليا ودنيا حتي كان من اليسير أن يأتي دارس الشريعة والقانون وزيرا للثروة الحيوانية! فالقوي الأمين علي دراية بكل شئ. استنادا علي ذلك، كان فصل الآلاف للصالح العام من خيرة بنات وأبناء السودان. ومن الضروري الإنتباه هنا إلي أنه لم يكن متاحا أبدا أن يمكث في وظيفته من لم يكن أخا مسلما أو مهادنا للأخوان المسلمين، دعك من أن يترقي إلي وظائف عليا حتي يصل إلي القمة. حدث هذا في التعليم الذي كان فيه من اليسير جدا أن يرئس خريج جديد في الدرجة التاسعة من هم في الدرجة الأولي. وقد حدث ذلك أيضا في كل مرافق الدولة الخدمية بما في ذلك الشرطة والجيش وما شئت من الدوائر الأمنية. يتمسك الإسلاميون والحركة الإسلامية والسلفيون عموما بتعبير ( الحاكمية لله ). وأنهم ظل الله في الأرض العاملون علي تطبيق حكمه. وقد كان تعبير ( الحاكمية لله ) قد صدر عن أبي الأعلي المودودي ثم تلقفه سيد قطب ونشره، فأخذ به الإسلاميون ومن سار في دربهم مفسرين الآيات الثلاث ( ومن لم يحكم بما أنزل الله… ) بالأرقام 44/47 من سورة المائدة. ولأن قراءتهم محدودة، إلا من رحم ربك، فأنهم ظنوا أن هذه الآيات الثلاث أنما عنت السلطة السياسية، وربما كان انقلابهم تبعا لذلك. والتمسك بذلك، ينتج عن عدم معرفة اللغة العربية. اللغويون يأخذون جذر الكلمة من الفعل الثلاثي المجرد. فلفظ (حاكمية) من ( حكم ) وقواميس اللغة العربية تفسر المفردات المشتقة عن الفعل حكم ليس في معني السلطة السياسية وأنما في معني فض الخصومات بين الناس. المشتقات: يحكم، حاكم، حكومة، محكمة، حاكمية تقع في المعني الذي قلناه. فقد أثر عن الأمام أبي حنيفة أنه أيد تحكيم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه الكتاب في موقعة صفين بينه وبين معاوية، وكان الناس علي اختلاف في ذلك. استوقفه مرة الخارجي فاتك الأسدي في بعض دروب الكوفة ودار بينهما الحوار التالي: فاتك: أستغفر الله يا أبا حنيفة. أبو حنيفة: من ماذا؟ فاتك: من تأييدك تحكيم علي كتاب الله بينك وبين معاوية. أبو حنيفة: إذن، فأنت تري أن عليا كان مخطئا، وأنا أراه علي صواب، وأنت لا تراه علي صواب، فأجعل بيننا حكومة. هنا، نادي فاتك أحد جنوده قائلا: هذا هو الحكومة بيننا. فقال أبو حنيفة: ها أنت قد قبلت التحكيم، فقام فاتك ذاهبا مكسوفا. ( راجع سليمان فياض/ الأئمة الأربعة/ دائرة الثقافة والفنون/ قطر – ص53 ). لفظ ( حكومة )، فيما قال الأمام الأكبر أبو حنيفة يعني التدخل بين مختصمين لفض خلاف بينهما للحكم لفئة منهما. وهو أقرب إلي سلطة القاضي الذي شغله الفصل بين متخاصمين. وعلي هذا، فأن الاحتكام إلي لفظ ( الحاكمية ) في تفسير الأخوان المسلمين والكيانات الإسلامية السلفية الأخري تفسير من لا يعرف القرأن ولا اللغة العربية. في موقف السقيفة، كان اختلاف قريش والأنصار أهل المدينةالمنورة أيهما تكون له امارة المؤمنين، أنبري سعد بن عبادة زعيم أهل المدينة ليقول: منا أمير ومنكم أمير، ولم يقل منا حاكم ومنكم حاكم مما يخالف أمارة المؤمنين لغة، وفي حزمه تدخل عمر فبايع أبا بكر فتبعه الناس. إذن، لفظ ( الأمر ) من أمر يأمر، ومنه لفظ ( أمير ) هو الذي يعني السلطة السياسية، لا ( حكم ) الذي منه ( حكومة ) و ( حاكمية ) ومشتقاته الأخري. في تفسير الآيات الثلاث من سورة المائدة التي ذكرناها، يذهب المفسرون إلي أنها نزلت في اليهود، وكان لهم قاتل استشاروا فيه النبي محمد ( ص )، أن قال بالقصاص رفضوا حكمه، وأن قال بالدية أخذوا بحكمه، وكانوا يعلمون أن التوراة يقول بقتل القاتل. والدليل أنه نزل علي اليهود قوله تعالي( بما أنزل الله ). والمقصود هنا التوراة، فالله سبحانه وتعالي لم ينزل القرأن فقط، وأنما أنزل كتبا أخري لليهود والنصاري. وقد كان الرسول ( ص ) علي علم بما في التوراة، وقد عرف مكر اليهود الذين أرادوا استدراج الرسول ( ص ) إلي القول بالدية. كنا قد عقبنا علي كلمة للدكتور يوسف الكودة قال فيها ما معناه ( أي نظام يأتي في السودان لأبد أن يستصحب الشريعة الإسلامية ). كان تعقيبنا قد نشر في جريدتي الميدان والسوداني تحت عنوان ( عمومية الدين وفردانية العبادة والثواب ). فالدين الإسلامي يسعي لتحقيق فردانية الفرد. وكنا قد سقنا الآيات التي تؤكد ذلك، وكان سؤالنا الأساس للدكتور: الشريعة بفهم من؟. فالرسول الكريم يقول في الحديث الشريف ( نتقسم أمتي إلي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ). وكل فرقة تظن أنها هي ( الفرقة الناجية )، أي التي علي صواب من الدين، لكن ذلك في علم الله وحده. وعلي هذا، ينبغي إلا يظن الإخوان المسلمون، أو الحركة الإسلامية، والسلفية، والسلفية الجهادية، أنهم علي صواب من الدين، فذلك علمه عند الله تعالي, لقد عشنا ثلاثين سنة تحت الشريعة الإسلامية بفهم الإخوان المسلمين، و( حدس ما حدس ). ولا نري لعاقل أن ينخدع بشريعة الأخوان المسلمين ومشايعيهم، الآن أو مستقبلا، ليس لآن بعضا من الدول الإسلامية صنفتهم كارهابيين، بل لأن الوعي الثوري السوداني عرفهم جيدا كما عرفناهم نحن. ثم، فرق كبير بين ( علاقة الدين بالدولة )، و(فصل الدين عن الدولة)، فالأولي تعني مباشرة أقامة الدولة الدينية، والثانية أقامة الدولة العلمانية. ولم يأت لفظ ( العلمانية ) في ألسنة الناس في مدلولاته، إلا في أطار رد الفعل، من الفعائل التي عاشها ووعاها الناس في زمن عمر حسن أحمد البشير. فالأخوان المسلمون وغيرهم، هم السبب الرئيس في الاتجاه نحو فصل الدين عن الدولة. خيرة العقول من العلماء والمفكرين والمثقفين كانوا في ورشة جوبا، عندما تصدي لهم، بعد غياب كما قيل، الفريق شمس الدين الكباشي لإستبدال تعبير ( فصل الدين عن الدولة ) ب ( علاقة الدين بالدولة ). وليته دخل في نقاش مع تلك العقول المستنيرة ليف علي بينة، وما كان لائقا أبدا أن يقول ما قال كأنه يوجه أمرا لجنود أدني منه رتبة. وفي كل الأحوال، فأن ما فعله الفريق الكباشي، لن ينسي أبدا، وسيحفظه له الشعب السوداني. [email protected]