عمدت الكثير من الدول الى انشاء ميليشيات شبه عسكرية تقوم باعمال هى من اختصاصات الجيش. وفى العراق انٍشأ صدام حسين كتائب قامت باعمال قتل وحشية وانتهاكات واسعة لحقوق الانسان وعلى نفس النهج قامت ايران بانشاء الحرس الثورى وكتائب حزب الله في لبنان وبعد ذلك الكتائب الشيعية المختلفة في العراق. وكذلك فعل الكثير من الأنظمة الدكتاتورية. والسبب هو اما ان الجيش لا يريد القيام بالاعمال التي تقوم بها الميليشيات لانها تقع خارج نطاق القانون ومكلفة سياسيا, او ان الجيش تنقصه المعرفة اللازمة والخبرة القتالية في مناطق لم يجربها بعد, او جربها ثم فشل. وفى السودان استعانت حكومة الدكتاتور المعزول البشير بميليشيات الجنجويد سيئة السمعة. اذا سئلت مواطنا من دارفور عن الجنجويد فيفيدك بان الاسم هو في الحقيقة مركب من كلمتين, جن وجواد, اى الجنى الذى يمتطى صهوة فرس. وقد اقترن لفظ الجنجويدى بالقتل الوحشى واغتصاب الاطفال والنساء الصغيرات والقتل الهمجى وحرق القرى وتعذيب المعارضين والسلب والنهب والاخفاء القسرى للافراد واختطاف النساء من اجل اجبارهن على ممارسة الجنس وخدمة الجنود (الرق الحديث) والسرقة وتهريب المخدرات وغيرها من الاعمال التي لا يسمح بها القانون ولا المبادئ الإنسانية. وقد لجأ البشير لاستخدام هذه الميليشيات بعد ان خابت اماله في حسم التمرد في دارفور في غضون ثلاثة اشهر حسب ما اوحت له اضغاث احلامه. على الرغم من تصدى ميليشيات الجنجويد لمتمردى دارفور وتكبيدهم خسائر كبيرة الا ان حكومة البشير اخرت الأعتراف بها ثم عادت والحقتها باستخبارات حرس الحدود. وفى حقيقة الامر كانت الجنجويد قوات غير منظمة وغير مدربة وليس لها معسكرات، لكن لها قيادات يتمتعون بالمقدرة على تجنيد الاتباع على أساس عشائرى فيهبوا كل فرد منهم رقم قطعة السلاح المخصصة له ورقم الهوية العسكرية. وحين ياتى أوان الحرب يذهبون لاستلام الأسلحة. فيشن هؤلاء البدو القساة حربا قذرة بلا دراية بالتكتيك ولا اساليب القتال ولا بالعقيدة العسكرية وليس لهم ادنى التزام بالمعايير الاخلاقية. ان الجيوش المتحضرة تعرف ان الحرب هي امر طارئ واذا وقعت فان على الجندى ان يلتزم باخلاق الحرب, فلا يقتل مدنيا ولا حيوانا ولا جنديا اعزلا ولا اسيرا, ولا يهم باطلاق النار الا بعد ان يتاكد انه قد انذر غريمه إنذارا صريحا وواضحا, ولا يدمر الممتلكات ولا البيئة. وفوق هذا كله فان الجيش يجب ان يؤمن بان الحرب هي الخيار الأخير. هذه المبادئ يدرسها الضباط في الكليات العسكرية وتلك المعلومات تعطى للجنود من قبل قادتهم المباشرين. والذى حدث ان البشير قام باطلاق يد الجنجويد في دارفور فارتكبت افظع الجرائم, ليس في دارفور فحسب بل في مناطق أخرى. بسبب الخلافات الكثيرة داخل حزب المؤتمر الوطنى الحاكم وبسبب شعور البشير بعدم الثقة من الجيش وبعض قيادات حزبه قام الرئيس المخلوع بإعادة ترميم الميليشيات وتنظيمها فاطلق عليها اسم قوات الدعم السريع. ولكى يضمن ولاءها ترك لها الحبل على الغارب فاصبحت تمتلك مناجم للذهب وشركات واستثمارات عديدة. وقد يسرت حرب اليمن مداخيل إضافية شكلت حافزا لشباب من مناطق السودان الأخرى للانضمام الى الميليشيات. وقد ظهر ضعف التدريب في الخسائر الكبيرة التي لحقت بهذه الميليشيات في حرب اليمن. بعد نجاح ثورة ديسمبر توقع السواد الأعظم من السودانيين ان يتبنى الجيش عملية تنظيمية واسعة يتم بموجبها ادماج جزء من قوات الدعم السريع في الجيش, بعد ان يتم تدريبهم, وتسريح البقية. فلا يعقل ان تتم ترقية جندي من تلك الميليشيات الى رتبة ضابط من دون ان يدخل الكلية العسكرية. والانكى من ذلك ان قوات الدعم السريع انتهزت فرصة الجفاء بين الجيش والمدنيين فجعلت تقوم باعمال هي من مهام النيابة او الشرطة او وزارة العدل او المالية او جهاز المخابرات. والنتيجة هي حالات الاختفاء القسرى والقتل خارج نطاق القانون وتهديد النشطاء والتعذيب والانتهاكات المتكررة لحقوق الانسان. ان صمت الجيش والشرطة والاستخبارات والاحهزة الاخرى لا يعفيها من تحمل مسؤوليتها في توفير وحفظ النظام والقانون. والكل يعلم ان اهم دعامات الحكومة المدنية هي تطبيق حكم القانون. ان قرار التسريح وإعادة الدمج لكل الميليشيات هو قرار سياسى تتخذه الحكومة وهو قرار مدعوم من الأممالمتحدة التي اتخذت قرارها بارسال بعثة الى السودان بموجب الفصل السادس ومن بين مهامها المساعدة في عملية التسريح وإعادة الدمج. ان التأخر في اصدار قرار تسريح الجنجويد لا يكلف بلادنا مزيدا من القتلى والمفقودين وضحايا التعذيب فحسب, انما يعرض عملية التحول الديمقراطى برمتها الى خطر ماحق. محمد مهاجر